• اخر تحديث : 2024-11-22 10:05
news-details
قراءات

لماذا تصاعدت التوترات بين الكونغو الديمقراطية ورواندا؟


تجدد الخلاف بين الكونغو الديمقراطية ورواندا عقب قرار مجلس الدفاع الوطني الكونغولي طرد السفير الرواندي لدى كينشاسا في 29 أكتوبر 2022، على خلفية مزاعم بدعم رواندي لحركة 23 مارس المتمردة التي تنشط في شرق الكونغو، والتي تمكنت مؤخرًا من السيطرة على بلدتين رئيسيتين في إقليم روتشورو بمقاطعة شمال كيفو شرق البلاد؛ وذلك بعد اشتباكات عنيفة اندلعت مع القوات الكونغولية؛ الأمر الذي يلقي بظلاله على زعزعة استقرار العلاقات الإقليمية في منطقة البحيرات العظمى، خاصة أن علاقات البلدين الدبلوماسية تتعرض لضغوط هائلة، إضافة إلى تفاقم الأوضاع الأمنية الإقليمية نتيجة تدهور البيئة الأمنية في شرق الكونغو الديمقراطية التي تضم العديد من الحركات المسلحة المهددة لدول الجوار الإقليمي.

أبعاد التوتر

يمكن الإشارة إلى أبرز مؤشرات تصاعد التوترات بين الكونغو الديمقراطية ورواندا خلال الفترة الأخيرة على النحو التالي:

1. إجراءات تصعيدية من الكونغو الديمقراطية: يمثل طرد فنسنت كاريجا السفير الرواندي لدى كينشاسا، سابقة جديدة في مسار توتر العلاقات بين البلدين خلال السنوات الأخيرة؛ حيث لم يتجاوز الأمر استدعاء السفير للتشاور، وهو ما قد يحمل تداعيات سلبية بشأن تعقد مسار التهدئة الذي ربما يلجأ إليه الطرفان خلال الفترة المقبلة وتطور الأمر إلى مسار تصادمي بينهما.

2. تصاعد حدة الاتهامات المتبادلة بدعم حركات متمردة: يستمر الطرفان في تبادل الاتهامات بإيواء بعض الحركات المتمردة التي تسعى لإسقاط النظام الحاكم في كلا البلدين. وهي نقطة محورية في توتر العلاقات بين البلدين خلال السنوات الماضية، وهو أحد الأسباب الجذرية للصراع بين البلدين؛ إذ تتهم الكونغو الديمقراطية رواندا بانتهاك سيادتها من خلال دعم حركة 23 مارس بهدف إسقاط النظام الحاكم في كينشاسا. في حين تتهم رواندا جارتها برعاية القوات الديمقراطية لتحرير رواندا التي تسعى للإطاحة بالنظام الرواندي.

3. اتهامات دولية لرواندا بدعم المتمردين: مع تصاعد نشاط حركة 23 مارس منذ نوفمبر 2021 في شرق الكونغو الديمقراطية، رصدت لجنة خبراء تابعة للأمم المتحدة مؤشرات قوية حول الدعم الرواندي للحركة بما في ذلك الأسلحة المتطورة والزي الرسمي، بالرغم من نفي الحكومة الرواندية، كما أيد تقرير آخر صادر عن الأمم المتحدة ادعاء كينشاسا، وقام فريق من الخبراء الأمميين بتفصيل اتهاماته في تقرير مكون من 131 صفحة، كانت رواندا قد رفضته ووصفت الأمر بأنه ادعاءات كاذبة.

4. تنامي حالة الغضب الشعبي تجاه رواندا: فقد تظاهر الآلاف من المناهضين لرواندا في 31 أكتوبر 2022 بمدينة جوما شرق الكونغو الديمقراطية، بعدما شددت حركة 23 مارس قبضتها على المناطق الريفية المحيطة، وطالب المتظاهرون بالحصول عل السلاح لمحاربة رواندا. كما برزت بعض الشعارات المعادية لأوغندا التي يتهمها البعض بدعم الحركة أيضًا، فيما عبر قطاع غير قليل من الكونغوليين عبر وسائل التواصل الاجتماعي عن غضبهم إزاء ما وصفوه بانتهاكات رواندا في الأراضي الكونغولية منذ أكثر من عقدين ومساعيها إلى بلقنة الكونغو حسب زعمهم.

5. تزايد هجمات حركة 23 مارس: تتوغل حركة 23 مارس بشكل أساسي في شرق الكونغو الديمقراطية مستهدفة العسكريين والمدنيين على حد سواء. ويستمر القتال بين الحركة والجيش الكونغولي منذ نوفمبر 2021 في مقاطعة “شمال كيفو” شرق البلاد؛ ما أسفر عن مقتل العشرات وتشريد أكثر من 150 شخصاً. وتأتي سيطرة الحركة على بلدتي كيوانجا وروتشورو في إقليم روتشورو بالقرب من مدينة جوما في إطار مخطط الحركة للاستيلاء على جوما وهي مركز تجاري مهم يسكنها نحو مليون شخص؛ وذلك بهدف الضغط على الحكومة الكونغولية للحصول على تنازلات سياسية؛ إذ تشير تقارير إلى محاولة الحركة الاستيلاء على المزيد من الأراضي في مقاطعة شمال كيفو. وهي يُنظر إليها بالأساس على أنه يتم توظيفها من جانب رواندا لإعادة إحياء نفوذها في الداخل الكونغولي والأوغندي الذي تراجع بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة.

6. مخاوف رواندية من تقليص نفوذها الاستراتيجي في المنطقة: فقد شكلت دعوة الرئيس الكونغولي فيليكس تشيسيكيدي في نوفمبر 2021 للجيش الأوغندي لمحاربة القوات الديمقراطية المتحالفة الموالية لتنظيم داعش، استياء الجانب الرواندي؛ إذ تخشى كيجالي تقارب كل من الكونغو الديمقراطية وأوغندا وبوروندي الذي يسمح بنشر قوات إقليمية بالقرب من حدودها لا سيما الأوغندية والبوروندية. وهو أمر نابع من تأرجح علاقاتها بأوغندا وبوروندي في معظم الأحيان، فضلًا عن كونها تعتبر الكونغو بمنزلة فناء خلفي لأمنها القومي.

فقد أصدرت قوات الدفاع الرواندية بياناً في نوفمبر 2021 أشارت فيه إلى أن حركة 23 مارس تمارس نشاطها انطلاقاً من أوغندا قبل مرحلة التقارب بين رواندا وأوغندا خلال الفترة الأخيرة، وإن لم يصل البيان إلى حد اتهام أوغندا بدعم الحركة، بل اعتُبر بمنزلة تنصل رواندي من دعم الحركة المتمردة في شرق الكونغو.

7. تعثر الجهود الدولية والإقليمية لإيجاد تسوية للصراع: فقد سعى أنتوني بلينكن وزير الخارجية الأمريكي، للتوصل إلى حل سلمي للصراع بين البلدين؛ وذلك خلال زيارته للبلدين في أغسطس 2022. كما قام الرئيس السنغالي ماكي سال، باعتباره رئيس الاتحاد الأفريقي، بجهود الوساطة الإقليمية بين البلدين ودعا إلى الحوار بينهما. بينما استضافت أنجولا في يوليو 2022 قمة جمعت الرئيسين بول كاجامي وفيليكس تشيسيكيدي بهدف تهدئة التوتر بين البلدين. لكن سرعان ما أخفقت تلك الجهود عقب تجدد الخلاف خلال الفترة الراهنة.

تداعيات محتملة

هناك جملة من التداعيات المحتملة لتصاعد التوتر المستمر بين دولتي الكونغو الديمقراطية ورواندا، ويتمثل أبرزها في:

1. تأجيج الخلافات بين البلدين: ويعني ذلك يعني التباعد السياسي بين البلدين نتيجة انهيار الثقة بينهما وتزايد الشكوك لديهما، وما يصاحب ذلك من استمرار الخطابات التحريضية لمسؤولي البلدين بهدف تأليب الرأي العام في البلدين، إضافة إلى تعليق اتفاقات التجارة الثنائية بينهما، وهو ما قد يؤثر سلباً على اقتصاديهما. وينعكس ذلك على تصاعد التنافس الإقليمي بين الطرفين على صعيد منطقة البحيرات العظمى؛ ما قد يخلق حالة من عدم الاستقرار السياسي هناك، خاصة في ظل احتمال تورط أطراف إقليمية أخرى في الصراع.

2. تنامي مشاعر الكراهية بين شعوب المنطقة: وذلك في ضوء ما تروج له حركة 23 مارس لنفسها على أنها تقوم بحماية أقلية التوتسي في منطقة شرق الكونغو ضد القوات الديمقراطية لتحرير رواندا التي تنتمي إلى قومية الهوتو وانتقلت إلى الكونغو الديمقراطية عقب الإبادة الجماعية في رواندا عام 1994 ولا تزال تواصل استهداف السكان من التوتسي في الكونغو الديمقراطية، وهو ما ينذر باحتمال اندلاع توترات عرقية في المنطقة خلال الفترة المقبلة ليعيد للأذهان مجددًا ويلات حقبة الإبادة الجماعية. بالإضافة إلى تصعيد الخطابات العنيفة تجاه المتحدثين باللغة الكينية-رواندية في شرق الكونغو الديمقراطية نتيجة ممارسات الجانب الرواندي هناك بحسب مزاعم حكومة كينشاسا.

3. احتمالية اندلاع حرب بين الدولتين: ربما يتطور الأمر بين البلدين إلى تحريكهما القوات العسكرية إلى الحدود بينهما، لا سيما في ظل تهديد رواندي بالحل العسكري في وقت مبكر من العام الجاري؛ حيث هدد الرئيس بول كاجامي في فبراير 2022 بغزو الكونغو الديمقراطية خلال خطاب ألقاه في البرلمان الرواندي في خضم التصعيد بين الجانبين.

4. تفاقم الاضطرابات في منطقة البحيرات العظمى: من المحتمل أن يؤدي استمرار التوتر بين البلدين إلى انهيار التفاهمات الثنائية في الملف الأمني. وهو ما قد يسهم في اتساع سيطرة وانتشار حركة 23 مارس بإقليم كيفو شرق الكونغو الديمقراطية. بالإضافة إلى احتمال ظهور ميليشيات إرهابية مسلحة جديدة على الحدود بين البلدين، وما يرتبط بذلك من انتشار السلاح على نطاق واسع في المنطقة؛ ما يفاقم من الأوضاع الأمنية في البحيرات العظمى، لا سيما في ظل وجود أكثر من 120 حركة متمردة في شرق الكونغو تشكل تهديداً لأمن واستقرار دول الجوار الإقليمي للكونغو.

5. عرقلة جهود مكافحة الإرهاب في المنطقة: قد يؤدي تصاعد التوتر بين البلدين إلى تراجع الاهتمام بجهود مكافحة الإرهاب في المنطقة، خاصة في ظل تصاعد نشاط تنظيم داعش في البحيرات العظمى الذي يرتبط بعلاقات مع نظرائه في موزمبيق ومنطقتي غرب أفريقيا والساحل الأفريقي. وربما يعزز ذلك أيضاً صعود حركة 23 مارس في المشهد الإقليمي نتيجة تلقيها المزيد من الدعم المادي واللوجستي خلال المرحلة المقبلة.

6. تنامي التنافس الدولي والإقليمي في المنطقة: يمنح استمرار التوتر بين رواندا والكونغو الديمقراطية فرصة تعظيم الاستفادة على الصعيد الاقتصادي لعدد من دول المنطقة مثل أوغندا وبوروندي، لا سيما فيما يتعلق بتقديم طرق بديلة للتجارة الخاصة بالكونغو الديمقراطية بدلاً من رواندا، واستغلال الموارد والثروات في شرق الكونغو، كما أن تصعيد الخلاف بين البلدين من شأنه أن يستدعي انخراط القوى الدولية الفاعلة في المنطقة بحجة تخفيف حدة الصراع وتسويته. بينما هي تسعى في الواقع لإيجاد موطئ قدم في هذه المنطقة الغنية بالموارد والثروات الطبيعية مثل الذهب والماس والنفط والمعادن الثمينة لا سيما في شرق الكونغو الديمقراطية.

مستقبل الأزمة

يدعو تأرجح العلاقات بين رواندا والكونغو الديمقراطية بين الاستقرار والتوتر إلى المزيد من القلق حول مستقبل العلاقات بين الجارتين، وانعكاس ذلك على أمن واستقرار منطقة البحيرات العظمى، وإن كان من المستبعد اندلاع حرب بينهما على غرار حربي الكونغو في أواخر تسعينيات القرن الماضي؛ وذلك لاختلاف الظروف الإقليمية والدولية التي لن تسمح بزعزعة الاستقرار الإقليمي في منطقة شرق أفريقيا بما في ذلك البحيرات العظمى.

ومن ثم، ربما تستمر المساعي الدولية والإقليمية للضغط لتغليب الدبلوماسية والحوار حتى لا تتحول المنطقة إلى ساحة قتال إقليمية، وإن كان الأمر يبدو صعباً بسبب تمسك طرفي الخلاف بموقفهما الذي يتعلق برواية كل طرف منهما حول اتهام الطرف الآخر بالسعي لإسقاط النظام الحاكم في البلدين. وهو ما يجعل التوصل إلى تسوية للأزمة غير مرجح في المدى القريب، على الرغم من استمرار الجهود الدبلوماسية الإقليمية والدولية في إيجاد مخرج يُجَنِّب المنطقة حالة من عدم الاستقرار التي قد تهدد المصالح الإقليمية والدولية الاستراتيجية هناك.

ومن المرجح أن تظل حركة 23 مارس بمنزلة شوكة تهدد بشكل مستمر المسار الطبيعي للعلاقات الرواندية الكونغولية خلال الفترة المقبلة ما لم يتفق الطرفان على تسوية الملفات الأمنية الشائكة بينهما بما في ذلك إنهاء إيواء الحركات المتمردة المهددة لأمن البلدين، والانخراط، بدلاً من الصراع، في تحقيق التكامل الإقليمي الذي يعزز العلاقات الإقليمية في منطقة البحيرات العظمى، وما يرتبط به من ارتدادات إيجابية على صعيد التعاون الاقتصادي بين بلدانها.