منذ نشأته عام 2006، شكل تجمع "بريكس" أحد أبرز التكتلات الصاعدة على الساحة الدولية، بالنظر إلى قوة ومكانة الدول المكونة له، وهي البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، بشكل جعل منه منافساً قوياً للتجمعات الاقتصادية والسياسية التي تهيمن عليها الدول الغربية، وعلى رأسها مجموعة السبع الصناعية الكبرى.
ومع تنامي حدة الاستقطاب الدولي بين التكتل الصيني – الروسي، والتكتل الغربي بقيادة الولايات المتحدة، لاسيما بعد الحرب الروسية - الأوكرانية الجارية، بدأت القوى المتنافسة في العمل على توسيع نطاق تحالفاتها وشراكاتها، سواء لتوسيع فرص التعاون الإقليمي والدولي وما يوفره ذلك من إمكانيات للنمو والتنمية، أو لتعزيز دائرة النفوذ والقوة الاستراتيجية لكل تكتل في مواجهة الآخر.
ومن هنا جاءت الدعوات الأخيرة التي خرجت لتوسيع عضوية مجموعة بريكس، والحديث عن "بريكس بلس" على غرار "أوبك بلس"، عبر ضم دول جديدة للتجمع لزيادة قوته وفاعليته، ومن بين هذه الدول التي تمت دعوتها المملكة العربية السعودية، التي أعلن رئيس جنوب أفريقيا، سيريل رامبوسا، يوم 18 أكتوبر 2022، أنها مهتمة بالانضمام إلى "بريكس"، كما عبّر الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في 27 أكتوبر الماضي، عن دعمه لانضمام السعودية إلى المجموعة الصاعدة دولياً.
دلالات مهمة:
تنطوي دعوة السعودية، تحديداً، للانضمام إلى عضوية تجمع "بريكس"، على العديد من الدلالات المهمة، أهمها ما يلي:
1. تزايد الاعتراف الدولي بأهمية ومكانة السعودية وثقلها الاقتصادي والاستراتيجي، إقليمياً ودولياً. فوفقاً لبيانات البنك الدولي، بلغ إجمالي الناتج المحلي للمملكة نحو 833.5 مليار دولار في عام 2021، وهو ما أهلها للانضمام إلى مجموعة العشرين لتأتي في المرتبة الـ 16 ضمن ترتيب أكبر الاقتصادات العالمية في هذا العام. كما تعتبر السعودية لاعباً رئيسياً في أسواق الطاقة العالمية، حيث تمتلك 19% من الاحتياطي العالمي من النفط، و12% من الإنتاج العالمي له، وأكثر من 20% من مبيعات النفط في السوق العالمية، كذلك تمتلك طاقة تكريرية تصل إلى أكثر من 5 ملايين برميل يومياً، داخلياً وخارجياً، وتُقدَّر احتياطات النفط الثابتة في المملكة بنحو 267 مليار برميل. وتضفي هذه الموارد أهمية كبيرة على المملكة بالنظر لما تشكله الطاقة من عصب للاقتصاد العالمي.
أيضاً، تمتلك السعودية احتياطات مالية ضخمة تجعلها تمثل لاعباً مهماً في أسواق الاستثمارات العالمية، حيث ارتفعت الأصول الاحتياطية للسعودية في الخارج لتصل إلى 465.49 مليار دولار في نهاية سبتمبر 2021. وإذا أضفنا إلى ذلك المكانة الروحية والدينية للمملكة في العالم الإسلامي، ودورها المهم في تحقيق الاستقرار الإقليمي والعالمي، سيتضح حجم الثقل والتأثير المهم للمملكة، والذي يجعل أي تكتل دولي، صاعد أو قائم، حريصاً على ضمها لعضويته، بما ينعكس إيجابياً على قوة هذا التكتل ونفوذة العالمي.
2. دلالة توقيت دعوات السعودية للانضمام إلى بريكس، وهي ترتبط بأمرين مهمين، الأول أن هذه الدعوات تأتي في وقت تتعرض فيه الرياض لهجمة غربية شرسة، خاصةً أمريكية، على خلفية دعمها قرار تجمع "أوبك بلس" مؤخراً الذي خفض إنتاج النفط بمقدار مليوني برميل يومياً، في الوقت الذي كانت تطالب فيه واشنطن بزيادة الإنتاج لخفض الأسعار وتقليل الضغوط التضخمية وحدة الغضب الشعبي الغربي من تفاقم أزمة الطاقة.
وجاء قرار خفض إنتاج النفط لأسباب اقتصادية بحتة تتعلق بتوقعات "أوبك" والدول المتحالفة معها من الخارج، والمبنية على أرقام وحقائق، من كثير من الجهات العالمية، تشير إلى احتمال حدوث ركود اقتصادي ومن ثم تراجع الأسعار مستقبلاً. ومع ذلك، فإن الولايات المتحدة والغرب فسرت هذا القرار باعتباره انحيازاً لمصلحة روسيا في الحرب الأوكرانية واصطفافاً إلى جانبها، ومن هنا بدأ التحريض ضد المملكة والتلويح بتهديدات وعقوبات مثل تقليل مبيعات السلاح وإعادة النظر في التحالف الاستراتيجي لواشنطن مع الرياض، وهي الحملة التي ربما دفعت التكتل الروسي- الصيني لاستغلالها لتقديم بدائل للسعودية لتنويع علاقاتها وعدم قصرها على الولايات المتحدة والغرب، وبالتالي تشجيع المملكة على الانضمام إلى بريكس.
أما الأمر الثاني المرتبط بدلالة التوقيت، فيتعلق بتفاقم حالة الاستقطاب الدولي على خلفية الحرب الأوكرانية، والتي تدفع كلا الجانبين، روسيا والغرب، إلى محاول الحصول على أكبر دعم دولي وإقليمي في مواجهة الطرف الآخر. ومن هنا كان التحرك الروسي- الصيني لمحاولة توسيع تجمع بريكس وتشكيل ما يُسمى "بريكس بلس" عبر ضم مزيد من الدول والاقتصادات الصاعدة إليه، ومن ضمنها السعودية والأرجنتين وغيرها، في مقابل اتجاه مجموعة دول السبع الصناعية إلى محاولة استقطاب دول أعضاء في بريكس للتكتل الغربي، لاسيما الهند وجنوب أفريقيا.
3. تنويع السعودية علاقاتها الخارجية، حيث تشير رغبة المملكة في الانضمام لتجمع بريكس، وفقاً لما أعلنه رئيس جنوب أفريقيا، إلى سعيها لتوسيع علاقاتها الدولية وعدم قصرها على الغرب، لا سيما الولايات المتحدة. خاصةً في ضوء التوترات التي شهدتها العلاقات الأمريكية- السعودية في السنوات الأخيرة، على خلفية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، وتقليل واشنطن دعمها للرياض في حرب اليمن، وأخيراً الهجمة على دعم الرياض لقرار "أوبك بلس". ولا يعني ذلك ابتعاد الرياض عن علاقاتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، فهذه مهمة للجانبين، وإنما الاتجاه لمزيد من التوازن في العلاقات الخارجية وفتح مجالات أوسع لحرية الحركة، إلى جانب الاستفادة من القدرات والإمكانيات الاقتصادية لتجمع بريكس الصاعد عالمياً.
فرص متاحة:
إذا كان انضمام السعودية إلى تجمع بريكس سيفيد هذا التجمع ويعزز قوته، كما سبق التوضيح، فإنه في حالة حدوثه سيخدم أيضاً المملكة من عدة نواحٍ، كالتالي:
1. الاستفادة من أسواق وقدرات وموارد دول بريكس في دعم خطط التنمية السعودية وتوسيع الفرص التنموية أمام المملكة. فهذا التجمع، الذي يضم الاقتصادات الناشئة الرئيسية في العالم، يشمل نحو 41% من سكان العالم، أي نحو 3.14 مليار نسمة، ومن ثم فهو يمثل سوقاً اقتصادية ضخمة تستطيع أن تستوعب صادرات أي اقتصاد، ناهيك عن الفرص الاستثمارية الضخمة التي يتيحها هذا السوق. وبلغ الناتج المحلي الإجمالي لهذه الدول نحو 24.2 تريليون دولار في عام 2021، وبما يمثل 25% من إجمالي الناتج العالمي. وتستحوذ الصين وحدها على ما يقرب من 70% من إجمالي ناتج بريكس.
2. تمثل دول بريكس، لا سيما الصين والهند، أسواقاً رئيسية للواردات النفطية من دول الخليج، كما تعتبر هذه الدول من الشركاء التجاريين الرئيسيين للسعودية واقتصادات الخليج. وبالتالي فإن الانضمام لهذا التجمع سيفتح المجال واسعاً أمام زيادة وتعزيز حجم التعاون الاقتصادي بين المملكة ودول بريكس، وسيعزز من النمو الاقتصادي للسعودية في المستقبل.
3. يقدم تجمع بريكس بديلاً مهماً لدول العالم في مواجهة الهيمنة الغربية على النظام الاقتصادي الدولي، ومن ثم يتيح قدراً من المرونة أمام اقتصادات الدول المختلفة، ومن بينها السعودية، لا سيما مع تنامي اتجاه الدول الغربية لاستخدام سلاح العقوبات الاقتصادية تحت ذرائع متعددة، كما حدث مؤخراً ضد روسيا في ظل الحرب الأوكرانية.
تحرك مسبق:
على الرغم من هذه المزايا التي يتيحها تكتل بريكس للسعودية، فإن الانضمام له ربما ينطوي على قدر من المخاطرة بتوتر العلاقات مع الغرب، وبصفة خاصة الولايات المتحدة. ففي ظل الاستقطاب الدولي المتنامي، وتحديداً منذ الحرب الروسية - الأوكرانية، فإن أي انضمام لهذا التكتل قد يُفهم على أنه محاولة للاصطفاف إلى جانب روسيا والصين في مواجهة التكتل الأمريكي - الغربي، وهو أمر تزداد احتمالاته بالنظر للهجمة التي تعرضت لها الرياض ودول "أوبك" بعد موافقتها على تخفيض إنتاج النفط، حيث تم تفسير ذلك خطأً على أنه دعم لموسكو في مواجهة الغرب.
ومن هنا فإن صانع القرار السعودي سيكون عليه، في حال قرر الانضمام لتكتل بريكس والاستفادة من الفرص الاقتصادية الضخمة التي يمكن أن يوفرها هذا الانضمام، أن يتحرك بشكل مسبق لتأكيد أن المملكة لا تنحاز لأي طرف، وأنها تعمل على بناء علاقات متوازنة مع مختلف القوى الدولية. فالعالم اليوم بما يشهده من تشابك في الأزمات والمصالح يحتاج للتعاون الدولي وليس للصراع أو التنافس غير الصحي، وهذا هو ما تعمل عليه المملكة.