• اخر تحديث : 2024-03-29 11:41
news-details
مقالات عربية

"عملية أرئيل".. صدمة في يوم احتفالي


بعد فترة قصيرة من هدوء المقاومة في الضفة، اعتقد جيش الاحتلال فيها بأنه استطاع أن يحقق نجاحًا ما في تخفيض نسبة العمليات؛ جاءت "عملية أرئيل" لتصعقهم من جديد، وتؤكد ما يؤكده دومًا الشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة عبر تاريخ طويل من التضحيات بأن المقاومة باقية ومستمرة، والأهم أنها لم تعد ترتبط بجهة أو فصيل؛ بل أصبحت تسكن روح الشباب والشيوخ والنساء، هي روح المقاومة التي تستنهض الفلسطينيين، فرادى أو جماعات، لقتال المحتل بأبسط أدوات الفعل؛ سكين أو سيارة أو حجر أو مولوتوف أو مسدس أو بندقية، بكل ما يُمكن أن تطاله اليد؛ الأمر الذي يجعلها سهلة، بسيطة، سريعة، ناجحة وفتاكه في نفس الوقت، شرطها الوحيد توفر الإرادة والفرصة المواتية، وكل ذلك يجعلها دومًا تتمتع بصفة المباغتة، لا ترصدها شبكات الترصد والملاحقة الأمنية، فلا إنذارات سابقة، ولا تحذيرات محددة تسمح لهم بالتطويق والحصار والمطاردة أو الاستعداد، والإنذارات الوحيدة التي ينشرها "الشاباك" هي إنذارات عامة تعتمد على دراسة المزاج الفلسطيني الغاضب في مرحلة معينه وتوقع رد فعل، توقع عام مشوش وأعمى، يخلو من الزمان والمكان والأشخاص، وهنا تكون مثل هذه العمليات نجحت في تحييد السلاح الاستخباراتي.

الشهيد البطل محمد صواف، ابن الـ 19 عامًا، من قرية حارس، كان - وبحسب الإعلام الإسرائيلي - لا تنطبق عليه معايير مَن يُمكن تصنيفهم بأنهم مرشحون للقيام بأعمال مقاومة، لا هو ولا أسرته، وكان قد حصل على تصريح للعمل في المنطقة الصناعية "بركان"، لكن محمد صدمهم مرتيْن؛ صدمهم بجرأته وعزيمته وإصراره، حيث نفذ عمليته على ثلاث مراحل، وعلى مدار عشرين دقيقة، وبطريقتيْ الطعن والدعس، فأوقع بيهم ثلاثة قتلى وعددًا من الإصابات الخطيرة، وقد وصفه يسرائيل زيف (جنرال سابق) بأنه يمتلك الكثير من العزيمة والإصرار، كما صدمهم بأن حوّل يومهم الاحتفالي (يوم القسم في الكنيست) إلى يوم كارثي، مُذكرًا حكومتهم القادمة بالتحدي الفلسطيني.

التحدي الفلسطيني هو من أولويات الحكومة القادمة، لا سيما وأن اليمين الكهاني يضعه على أولويات جدول أعماله من سيطرة وشرعنة للاستيطان وفرض للسيادة والكثير من البطش بالفلسطينيين وفرض الأمر الواقع، ما يقلق العرب والغرب، لا سيما إن تولى سموتريتش وزارة الأمن، حيث التحذيرات في صيغة نصائح وصلت نتنياهو من بعض الدول العربية، لا سيما تخوفهم من أن يعمل بن غفير على تغيير ما يعرف بالوضع القائم في الأقصى، أمريكا هي الأخرى بعثت برسائل عديدة، محذرة من تولي سموتريتش وزارة الأمن، وعلّق على ذلك عددٌ من الجنرالات بأن التحذير الأمريكي يعتبر خطًا أحمر لا يُمكن لإسرائيل تجاوزه.

رغم كون إسرائيل دولة مستقلة وذات سيادة، إلا أن وزارة الأمن مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بأمريكا، سواء على مستوى المساعدات أو المشاريع والخطط المشتركة والمشتريات العسكرية والتنسيق العسكري على المستوى الإقليمي. كما أن أمريكا اختارت أن تعلن بعد يومين من الانتخابات قرارها بالتحقيق مع الجنود في قضية مقتل الصحفية شيرين أبو عاقلة، وهذه رسالة قوية أصرت أمريكا عليها، رغم أن حوارات طويلة سبقت الإعلان تمّت بين غانتس ومجموعة كبيرة من أصدقاء إسرائيل، وبين البنتاغون والـ "اف. بي. آي" ووزارة العدل الأمريكية. غانتس يُدرك خطورة أن يتم التحقيق مع جنوده من قِبل دولة أجنبية، وما يعنيه ذلك من إمكانية أن يتعمق الأمر مُستقبلًا ويشكّل بداية تجعل جنوده يعيشون هاجسًا وكابوسًا من أنهم لم يعودوا مُحصنين وفوق القانون الدولي.

نتنياهو، الذي كان يأمل أن تأتي الانتخابات النصفية الأمريكية بهزيمة كبيرة للديموقراطيين، تحوّل بايدن إلى رئيس ضعيف؛ خاب أمله، فالانتخابات جعلت بايدن قويًا؛ بل أحدثت العكس، حيث حصد مرشحو صديقه ترامب الهزيمة. نتنياهو اليوم في ورطة كبيرة، لا سيما وأن سموتريتش يصر على تولي واحدة من وزارتيْ الأمن او المالية، بينما المالية طلبها درعي، أزمة تشكيل الحكومة هي أزمة تكتيكية، وبرغم القطيعة التي دامت أسبوعًا بين سموتريتش ونتنياهو؛ لكنهما بالأمس عقدا لقاءً تشاوريًا، ويقال إن الأزمة بعد اللقاء باتت أعمق، وسيضطر الاثنان لممارسة الضغوط الشعبية والإعلامية على بعضهما البعض، وعلى درعي أيضًا لتعويضه عن المالية إذا تنازل عنها بوزارات ذات صلاحيات أوسع. هي في النهاية أزمة تكتيكية، ولكن من المؤكد أنه في اليوم التالي لتشكيل الحكومة؛ فإن التحدي الفلسطيني سيكون هو أبرز التحديات، وسيشغل وسائل الإعلام الإسرائيلية، لا سيما وأن المقاومة الفلسطينية الارتجالية لابدّ ستفرض نفسها عليهم في أكثر من مكان وأكثر من مناسبة، كثيرًا وكثيرًا جدًا.