• اخر تحديث : 2024-04-16 13:27
news-details
قراءات

قمة "بالي": أبعاد تأثير مجموعة العشرين في المشهد العالمي الراهن


استضافت جزيرة بالي بإندونيسيا قمة قادة مجموعة العشرين في يومي 15-16 من نوفمبر الجاري، وهي القمة التي تكتسب أهمية كبيرة لاعتبارات متعلقة بالقدرات الاقتصادية لدول المجموعة، حيث تمثل مجموعة العشرين مجتمعة نحو 80% من الناتج الاقتصادي العالمي، وحوالي 75% من الصادرات، ونحو 60% من سكان العالم. علاوة على ذلك، فقد أتت القمة وسط تحديات عالمية جمة، ناتجة عن الانقسامات غير المسبوقة حول الأحداث والتطورات العالمية، بما في ذلك الحرب الروسية الأوكرانية، وقضايا الصحة العالمية والتحولات الرقمية والتحول نحو مصادر طاقة جديدة أو مستدامة.

ملفات رئيسية

تناولت مناقشات قمة مجموعة العشرين التعرض لمجموعة من القضايا والملفات الرئيسية المتمثلة فيما يلي:

1.  التركيز على الأولويات الثلاثة: فقد ركز جدول أعمال القمة بصورة رئيسية على ثلاثة أولويات رئيسية، وهي هيكل الصحة العالمية، وذلك بهدف تعزيز مرونة الصحة العالمية وإيجاد طرق للمساهمة في جعل نظام الصحة العالمي أكثر شمولاً وإنصافاً وأسرع استجابة للأزمات المؤثرة على غرار أزمة جائحة كورونا. وارتبط الملف الثاني بالتحول الرقمي؛ حيث تركزت المداولات على تحقيق الإمكانات الكاملة للرقمنة السريعة للاقتصاد العالمي، وذلك من خلال خلق مشهد جديد يستهدف تحقيق التعاون متعدد المجالات بين الدول.

وذلك فيما اتصل الملف الثالث بالتحول إلى الطاقة المستدامة؛ حيث ركزت المناقشات على طرق تسريع الانتقال نحو مصادر طاقة أنظف. ونظرًا لأن أي تحول من هذا القبيل يتطلب استثمارات كبيرة، فقد تركزت الجهود على إيجاد منصة لتحفيز مثل هذه الاستثمارات في مختلف أنواع الطاقة النظيفة. وفي هذا الإطار، أشار البيان الختامي للقمة إلى تصميم المجموعة على متابعة الجهود للحد من ارتفاع درجة الحرارة العالمية عند 1.5درجة مئوية، كما أعلنت وزارة الطاقة والثروة المعدنية الإندونيسية عن موافقة أعضاء مجموعة العشرين على تسريع انتقال الطاقة – بالتحول من الوقود الأحفوري إلى مصادر الطاقة المتجددة – وإدراج جهود أمن الطاقة في البيان الختامي للقمة.

2. التأثيرات الاقتصادية للحرب الأوكرانية: اتجه جانب كبير من المناقشات خلال قمة العشرين للحديث حول الحرب الأوكرانية، وما تسببت فيه من خلق حالة من عدم اليقين الجيوسياسي، وتبعاتها الاقتصادية الخطيرة عالمياً، والتي جاء على رأسها ارتفاع معدلات التضخم العالمي، بفعل اختناقات العرض والقيود المفروضة على السلع الأساسية، وما أسفر عنه من تآكل القوة الشرائية وتهديد الأمن الغذائي في العديد من البلدان، وانخفاض معدلات النمو الاقتصادي بها.

لذا خيم على المناقشات استنكار وإدانة الحرب الأوكرانية، ومطالبة روسيا بالانسحاب الكامل غير المشروط من الأراضي الأوكرانية، حيث رأي معظم الأعضاء أن الحرب قد تسببت في خلق معاناة إنسانية هائلة، ساهمت في تفاقم الهشاشة القائمة في الاقتصاد العالمي. وذكر البيان أن غالبية الدول الأعضاء “تدين بحزم الحرب في أوكرانيا” لأنها “تقوض الاقتصاد العالمي".

3. سياسات البنوك المركزية في مواجهة ارتفاع سعر الدولار: تمالحث خلال المناقشات على التركيز على المخاطر التي يتعرض لها الاقتصاد العالمي. وقد ناقشت القمة في هذا الصدد، ردود أفعال البنوك المركزية في مختلف البلدان على التطورات الاقتصادية والجيوسياسية الحالية، وسياساتها التشددية برفع أسعار الفائدة، وهو الأمر الذي أدى بدوره إلى مزيد من إضعاف النشاط الاقتصادي وإبطاء معدلات النمو في عدد من الاقتصادات الكبرى في مجموعة العشرين

وقد حثت القمة في هذا الصدد، على وجوب مراقبة البنوك المركزية لدى مجموعة العشرين للضغوط التضخمية، وتوظيف الأدوات السياساتية المتاحة لديها لضمان بقاء توقعات التضخم ثابتة عند مستوى جيد، مع التأكيد على أهمية استقلالية البنوك المركزية، من أجل تحقيق تلك الأهداف ودعم مصداقية السياسة النقدية بها.  فضلاً عن تبني إجراءات التحفيز المالي، مع التأكيد على وجوب أن تكون هادفة ومؤقتة، للتخفيف من وطأة ارتفاع تكاليف السلع الأساسية للفئات الأكثر ضعفاً، ولتجنب تأجيج الضغوط التضخمية.

4. التوترات الجيوسياسية وتداعياتها على الاقتصاد العالمي: اهتمت القمة بتسليط الضوء على ما يعانيه الاقتصاد العالمي من انقسامات جيوسياسية أخرى بخلاف الحرب الروسية الأوكرانية، وذلك بفعل التوترات بين الولايات المتحدة والصين، أكبر اقتصادين في العالم، وتراجع التجارة بين المملكة المتحدة ومنطقة اليورو في أعقاب قرار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، هذا علاوة على القلق الذي يثيره البرنامج النووي لكوريا الشمالية.

5. دعم البلدان المتعثرة عن سداد الديون: حيث تمالتشديد أثناء القمة على أهمية تقاسم جميع الدائنين للعبء العادل من الديون عن البلدان المتعثرة في السداد، ولكن لم تذكر الوثيقة؛ الصين التي تتعرض لانتقادات من قبل الدول الغربية، نظراً لتأخر جهودها في تخفيف عبء الديون عن بعض الاقتصادات الناشئة.

وفي إطار ذلك، دعت الوثيقة الصادرة عن القمة؛ بنوك التنمية متعددة الأطراف إلى تنفيذ التغييرات التي أوصت بها لجنة مستقلة بمجموعة العشرين في يوليو الماضي من العام الجاري، كخفض متطلبات رأس المال، والتي يمكن أن تسمح للمؤسسات بإقراض مئات المليارات من الدولارات للدول النامية كل عام. كما طلبت وثيقة قمة العشرين من بنوك التنمية المتعددة الأطراف تقديم تحديث للحالة في ربيع عام 2023.

تداعيات محتملة

رغم المخرجات المعتبرة لقمة مجموعة العشرين، لكن من الجدير بالذكر في ذلك السياق، أن قرارات ومخرجات قمة مجموعة العشرين ما هي سوى تعبير عن نوايا أعضاءها والدول المشاركة بها، إذ ليس للمجموعة القوة القانونية الملزمة، كما أنها غير مدعومة بأي قانون دولي، وبالتالي فإذا اختارت دولة عضو العمل بصورة تتعارض مع إعلان وقرارات مجموعة العشرين، فليس للمجموعة إلزام الدولة المخالفة بقراراتها، لذا فإن قرارات القمة ما هي سوى مجرد انعكاس لما يتفق عليه جميع الأعضاء.

وبالرغم من أن الدولة المضيفة لقمة 2022، إندونيسيا، أعلنت عن الأركان الثلاثة لسياسة الاقتصاد الكلي لما بعد الوباء، لقمة 2022، متمثلةً في: هندسة الصحة العالمية، والتحول الرقمي، وانتقال الطاقة المستدامة، إلا أن الحرب الروسية الأوكرانية هيمنت على نقاشات القمة، وهو ما اعتبره وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف محاولة لتسيس إعلان مجموعة العشرين.

وإجمالاً، ورغم ما سبق ذكره، إلا أن المجموعة بيدها فعل الكثير بما يسهم في التأثير الإيجابي على المشهد السياسي والاقتصادي العالمي الراهن، وهو ما يمكن تناوله كما يلي:

1. إمكانية خلق أرضية مشتركة لتسوية الخلافات السياسية: يمكن لدول مجموعة العشرين أن تنمو بصورة أسرع إذا توفرت الإرادة والرغبة في النمو سنوياً، وبالنظر إلى نطاق تصرف دول مجموعة العشرين، فإن القمة تتيح الفرصة لقادتها لإيجاد أرضية مشتركة وتسوية الخلافات والتوترات السائدة في المشهد السياسي الراهن، وبالرغم من انتقادات روسيا لما أسمته محاولات “تسييس إعلان مجموعة العشرين”، فإن مشاركة موسكو في القمة تعطي فرصة أكبر للتواصل بين الدول الغربية وموسكو.

2. وضع أولوية رئيسية لدى الحكومات بضمان استقرار الأسعار: وفقاً لصندوق النقد الدولي، فإن الأولوية الرئيسية لواضعي السياسات في معظم الاقتصادات هي ضمان استقرار الأسعار، مع خفض مستويات الديون وحماية الفئات الأكثر فقراً. وهو ما يمكن أن تدعمه مجموعة العشرين في حال تنفيذ المخرجات التي عرضتها الوثيقة النهائية الصادرة عن القمة، بما يسهم في احتواء التضخم الجامح، وإيجاد طرق لمساعدة البلدان المتعثرة دون الحاجة إلى تضخيم مستويات الديون.

3. إمكانية الوصول إلى تجارة قائمة على الانفتاح والشفافية: يمكن لقادة مجموعة العشرين، الضغط من أجل التوصل إلى تجارة قائمة على قواعد أكثر انفتاحاً واستقراراً وشفافية، وهو ما من شأنه أن يساعد في معالجة النقص العالمي في السلع. وبحسب صندوق النقد، فإن تعزيز مرونة سلاسل القيمة العالمية سيساعد في الحماية من الصدمات المستقبلية.

4. احتمالية تهدئة التوترات بين واشنطن وبكين: بإمكان القمة والدول الأعضاء والمشاركين السعي نحو تهدئة التوترات بين البلدان المتنافسة، بما يصب في النهاية لصالح تحقيق الاستقرار السياسي العالمي، وهو الأمر الذي يدعم بدوره الاستقرار الاقتصادي على مستوى العالم، وظهر ذلك في العلاقات الأمريكية الصينية، حيث التقى الرئيس الصيني شي جين بينج، عشية القمة، بالرئيس الأمريكي جو بايدن لما يقرب من ثلاث ساعات، في محاولة لمنع العلاقات من التدهور بين البلدين، وقد اعتمد الزعيمان نبرة المشاركة المتبادلة التي أقرت بالتحديات الاقتصادية التي يواجهها كلا البلدين، لذا ربما تسهم القمة في خفض حدة التوترات فيما بينهما، وتعزيز التعاون في محاولة لإيجاد حلول مشتركة للتحديات الجيوسياسية والاقتصادية العالمية.

5. استدعاء المزيد من الاهتمام بقضية التغير المناخي: ربما تدفع قمة العشرين نحو المزيد من الاهتمام الدولي بقضية التغير المناخي وخصوصاً أن المجموعة تضم دول صناعية رئيسية،ويعزز من هذا الافتراض البيان الختامي للقمة الذي أكد على تصميم المجموعة على متابعة الجهود للحد من ارتفاع درجة الحرارة العالمية عند 1.5 درجة مئوية. كما أكد الرئيسان الصيني والأمريكي أثناء اللقاء بينهما على هامش القمة على ضرورة التنسيق والتعاون بينهما في بعض القضايا الملحة مثل تغير المناخ وانعدام الأمن الغذائي.

تحديات قائمة

واجهت القمة خلال محادثاتها؛ خلافات عديدة حول التجارة وتغير المناخ والحرب في أوكرانيا، فبينما مثلت أزمة المناخ العالمية مصدر قلق كبير خلال القمة، حيث بذلت إندونيسيا، بصفتها الدولة المضيفة، قصارى جهدها لإظهار التزامها بخفض انبعاثات الكربون، غير أن جزء كبير من الدول الأعضاء في المجموعة-رغم موافقتهم على انتقال الطاقة- متصلون بشبكة طاقة مدعومة بشكل كبير بالوقود الأحفوري، مما يجعل من انتقال الطاقة أمراً ليس باليسير.

في سياق منفصل، أدت التوترات الجيوسياسية والانقسامات بين الدول الأعضاء، التي تصاعدت بسبب النقاش حول الحرب الروسية الأوكرانية، وكذلك المنافسة الاستراتيجية بين الصين والولايات المتحدة، إلى تهديد فرص التعاون بين اقتصادات مجموعة العشرين، بما يعيق إمكانية تحقيق التكاتف نحو تنفيذ مخرجات القمة على الوجه الأمثل.

كما جاءت مشاركة روسيا في قمة مجموعة العشرين مثيرة للجدل، وفي الوقت الذي سعت فيه بعض الدول الغربية إلى استبعاد موسكو عن القمة، عارض بعض الأعضاء الآخرين، من بينهم الصين والبرازيل، هذه الفكرة.

ورغم التزام المجموعة طويل الأمد بتطبيق نظام دولي قائم على مبادئ منظمة التجارة العالمية لخفض التعريفات الجمركية، فإن الحواجز التجارية في السنوات الأخيرة قد اصطدمت بالمنافسة الاقتصادية المتزايدة بين القوى العظمى، حيث شن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب حرباً تجارية متعددة الجبهات؛ شارك فيها العديد من أعضاء مجموعة العشرين، وفرض مجموعة من التعريفات الجمركية على الصين. واستكمالاً لنهج ترامب، اتبع بايدن إجراءات أخرى، جعل من هدفها الرئيسي تسريع “الانفصال” الاقتصادي عن الصين، وهي جميعها مؤشرات على وجود تحديات أمام قدرة قمة مجموعة العشرين الأخيرة على تحقيق هدفها المتمثل في تحفيز الوحدة ورأب صدع الانقسامات.