مقدمة
فرضت اكتشافات الغاز في شرق البحر المتوسط فرضت معادلات جديدة على جميع دول المنطقة، وفي مقدمتهم تركيا وليبيا، اللتان لم تكن تربطهما علاقات مباشرة ومعمقة على مدى سنوات طويلة، وقد واجهت سياسة أنقرة في شرق المتوسط، ولا تزال، عقبات، بعضها تاريخي مثل الخلاف مع اليونان على ترسيم الحدود البحرية بين الدولتين وذلك منذ توقيع اتفاقية لوزان 1923، وكانت تركيا وقتها تقع تحت ضغوطات هزيمة الحرب العالمية الأولى، وأدى ذلك إلى وجود تنازع إلى اليوم بسبب عدم التوافق على الحدود التي يمكن لتركيا التنقيب فيها.
بالإضافة إلى الخلاف بين تركيا ومحور (مصر واليونان وقبرص) وهو محور تشكل لمواجهة سياسات أنقرة في شرق المتوسط، فمن ناحية الخلاف التركي (اليوناني والقبرصي)، ومن ناحية أخرى الخلاف التركي المصري ساهم في تشكيل هذا التحالف لعقد اتفاقات تخدم سياستهم الخاصة على حساب توسع تركيا وإمضاء اتفاقياتها في شرق المتوسط.
أما بالنسبة لليبيا، فإن المشكلات الداخلية القائمة فيها وعدم وحدة سيادتها ساهم كذلك في إتاحة الفرصة لتوسعة هذه الخلافات، ففي حين رأت تركيا أنها كدولة تملك سيادة بمقدورها أن تعقد اتفاقاً مع ليبيا للتنقيب عن الغاز في البحر المتوسط، رأى المحور الحليف لـ “شرق ليبيا” أن حكومة “باشاغا” التي نصّبها البرلمان هي بمثابة ورقة يمكنهم من خلالها عدم الاعتراف بتلك الاتفاقات بين تركيا وحكومة الدبيبة المعترف بها دولياً.
وعلى الرغم من تغير سياسات تركيا تجاه دول المنطقة خلال العامين السابقين مثل بدء المحادثات الاستكشافية مع مصر منذ عامين، ودعوة أثينا للحوار مجدداً خلال العام (2021)، إلا أنّ هذه المساعي لم تتوفر فيها الآليات الكاملة لنجاحها، بسبب الخلافات بين هذه الأطراف، إضافة إلى تغيُّر واقع السياسة الليبية المتقلبة.
لا شك أن الاتفاقية الليبية-التركية المعقودة في 3 أكتوبر/تشرين الأول 2022، وما عقد قبلها من اتفاقات بين البلدين أثّرت على العلاقات الثنائية بينهما، كما أحدثت تغييراً في العلاقة بين تركيا ومصر واليونان، وهو ما تتعرض له هذه الورقة، حيث تنظر في ماهية الاتفاقية ومآلاتها وأثرها على تطور العلاقات بين دول شرق المتوسط. وذلك من خلال المحاور الآتية: تطور العلاقات التركية-الليبية (2019 ـ 2022)، اتفاقية أكتوبر 2022 (النصوص والمضامين)، ردود الفعل حول الاتفاقية والآثار الناتجة عنها
أولاً: تطور العلاقات التركية ـ الليبية (2019 ـ 2022)
مثّلت العلاقات بين تركيا وليبيا مصلحة إستراتيجية في بعدين رئيسيين: الأول ما يتعلق بأمن الطاقة، خاصة كميات الغاز الطبيعي المتوقعة في شرق المتوسط، والثاني سياق التنافس الجيوسياسي في المنطقة مع أطراف عُدَّت خصما لها لسنوات طويلة، ومع إعلان منتدى غاز شرق المتوسط الذي حاول تهميش تركيا وتجاهل مصالحها وحقوقها في شرق المتوسط، مطلع عام 2019، وقعت تركيا مع حكومة الوفاق الوطني في نوفمبر/تشرين الثاني من العام نفسه اتفاقَين: أحدهما لترسيم الحدود البحرية بين البلدين بما يخدم حقوقهما في مواجهة السردية والمطالب اليونانية، والثاني للتعاون الأمني والعسكري بينهما.
الدعم التركي لحكومة السراج والذي ترجمته اتفاقية نوفمبر/تشرين الثاني 2019، ساهم في تغيير موازين القوى في ليبيا لصالح حكومة الوفاق في العاصمة طرابلس على حساب قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر وحلفائه، وعززت من قدراتها وجعلتها قادرة على إبرام الاتفاقات الدولية وإعادة شرعيتها فعلياً على الأرض.
الأحداث الداخلية في ليبيا، أدت بعد ذلك إلى تشكيل حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد دبيبة في فبراير/شباط 2021، حيث تم تكليفه من قبل الحوار الوطني بقيادة الحكومة حتى الوصول إلى موعد استحقاق الانتخابات نهاية العام نفسه، وهو خطوة لاقت ترحيباً دولياً وإقليمياً وكانت تركيا من أوائل المرحبين.
لكن لم تلبث أن عادت النزاعات الداخلية مجدداً، عقب تأجيل الانتخابات عن موعد استحقاقها ديسمبر/كانون الأول 2021، حيث اعتبر مجلس النواب الليبي حكومة الدبيبة منتهية الولاية وبالتالي قام بتشكيل حكومة جديدة برئاسة فتحي باشاغا، فبراير/شباط 2022، بالمخالفة لاتفاق الحوار الوطني، وهو ما رفضه الدبيبة باعتبار حكومته تستند إلى شرعية محلية ودولية، وكانت تركيا من المؤيدين لشرعية الدبيبة، مع محاولاتها لاحتواء أطراف الصراع في الداخل.
تزايدت التساؤلات حول الدور التركي في ليبيا مؤخراً خاصة وأنه خلال العام الجاري (2022) تتالت وتزامنت زيارات القيادات الليبية مؤخرا إلى تركيا بما فتح الباب على سؤال إمكانية توسط أنقرة في الخلاف الليبي الداخلي.
ويمكن رصد ذلك من خلال النقاط الآتية:
1ـ استقبال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، رئيس البرلمان الليبي عقيلة صالح، 2 أغسطس/آب 2022، برفقة نائب رئيس المجلس الرئاسي الليبي عبد الله اللافي، وذلك في العاصمة التركية أنقرة، للحوار حول التطورات السياسية في ليبيا والعلاقات الثنائية بين البلدين.
وخلال تلك الزيارة، صرح عبد الله اللافي أن "وجهات النظر اتفقت على الحفاظ على وحدة التراب الليبي، والإسراع في إجراء العملية الانتخابية، عبر التشريعات اللازمة والمتفق عليها عبر حكومة واحدة قوية".
كما صرح سفير تركيا بطرابلس، كنان يلماز، إن بلاده تنتهج مقاربة شاملة تجاه ليبيا، بحيث تنظر إليها ككل دون التمييز بين شرقها وغربها، وتدعم الاستقرار والتوافق السياسي في هذا البلد. وذلك بالتزامن مع زيارة عقيلة صالح إلى تركيا.
ولفت إلى “دعم تركيا أيضاً المباحثات القائمة بين مجلس النواب الليبي في طبرق ومجلس الدولة الأعلى للدولة”، مبيناً أن الجانبين اتفقا على الكثير من البنود ولم يتبق سوى البعض من مواضيع الخلاف بينهما”. وأفاد يلماز بأن تركيا ترى أنه “من المفيد تشكيل الأرضية الدستورية في أسرع وقت والتوجه لإجراء انتخابات في ليبيا”.
2ـ زيارة كلاً من الدبيبة وفتحي باشاغا، إلى تركيا والالتقاء بالرئيس أردوغان على حدةٍ، في 2 سبتمبر/أيلول الماضي، بعد أيام قليلة من اشتباكات بين كلا الفريقين في ليبيا، لتثير رحلتهما التكهنات والتساؤلات، ولا سيما مع مجيئها عقب أيام من اشتباكات دامية في طرابلس بين تشكيلات عسكرية محسوبة على كل منهما.
خلال الزيارة، تسابقت المنصات الإعلامية للجانبين على بث صور اللقاءات والأنباء المتعلقة بها لإظهار قوة تحالفهما مع تركيا، وهو ما أثار التساؤلات حول الدور الذي تلعبه تركيا في تطويق الخلاف بين حليفيها الدبيبة و باشاغا، ودلالة وجود الرجلين في مدينة إسطنبول في الوقت ذاته.
كما ثارت التحليلات والتساؤلات حول سياسة أنقرة وهل تغيرت مقاربتها للقضية الليبية بعد أن التقت بكافة الأطياف، حيث لم يظهر دعم لأحدهما على حساب الآخر وفق التصريحات الرسمية التي أكدت خلالها الحكومة التركية على ضرورة "نبذ العنف وتجنب التصعيد وتلافي الاقتتال، وحل الأزمة السياسية الراهنة والانسداد الحاصل بوجود حكومتين متنازعتَي الشرعية".
لكن تصريحات الدبيبة عقب لقاء الرئيس أردوغان أكّدت على استمرار الدعم التركي له باعتباره ممثل الحكومة الشرعية في ليبيا، وأن رغبة أنقرة في إجراء انتخابات لتلافي تنازع الحكومتين جاء في سياق تأكيدها على إشراف حكومة الدبيبة على إجراء تلك الانتخابات لتسلم بعدها السلطة لِجهة منتخبة.
ويظهر من هذا أن أنقرة تحترم شرعية الدبيبة، وتدعم الحوار بين الأطراف الليبية في الوقت ذاته، وأنها حرصت على احتواء كلا الفريقين ودفعهِما إلى الحوار للوصول إلى انتخابات تحسم الخلافات القائمة.
إلا أن الرفض الذي صدر من شرق ليبيا ممثلاً في مجلس النواب بقيادة عقيلة صالح، وحكومة فتحي باشاغا، للاتفاقية التركية مع حكومة الوحدة الوطنية في أكتوبر/تشرين الأول 2022، بَدا عائقاً في استكمال خطوات هذا المسار.
ثانيا: اتفاقية أكتوبر 2022 (النصوص والمضامين)
وقعت تركيا اتفاقية جديدة مع حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا برئاسة عبد الحميد دبيبة، بشأن التنقيب عن النفط والغاز في البحر المتوسط، في 3 أكتوبر/تشرين الأول 2022، وذلك خلال زيارة لوزير الخارجية التركية، مولود جاويش أوغلو إلى طرابلس.
كما تم اتخاذ خطوات لتعزيز التعاون في مجالات الطاقة والدفاع والتجارة والاتصالات خلال زيارة وفد تركي ضم وزراء الخارجية مولود تشاووش أوغلو، والطاقة فاتح دونماز، والدفاع خلوصي أكار، والتجارة محمد موش.
وصرح وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو ووزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش، في حفل أُقيم في طرابلس، إن الصفقة واحدة من عدة اتفاقات ضمن مذكرة تفاهم حول قضايا اقتصادية تهدف إلى استفادة البلدين.
كما أضاف في حديثه حول الاتفاقية إن “اتفاقية الهيدروكربونات تهدف إلى إقامة تعاون بين الشركات التركية والليبية في الاستكشاف والتنقيب وذلك وفق مفهوم الربح المتبادل في البر والبحر وفي مناطق الصلاحية البحرية”.
ومن جهته قال رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، إنه ستتم أعمال التنقيب عن النفط وفقاً للاتفاقية البحرية الموقعة مع أنقرة.
كما قال المتحدث باسم حكومة الوحدة الوطنية الليبية محمد حمودة إن مذكرة التفاهم الموقعة مع تركيا تهدف إلى تطوير مشاريع استكشاف وإنتاج ونقل وتجارة النفط والغاز الطبيعي.
وجاءت هذه الاتفاقات بعد مذكرة تفاهم سابقة في نوفمبر/ تشرين ثاني 2019، بينت الحدود البحرية بين تركيا وليبيا في البحر الأبيض المتوسط، بينما مهدت أيضًا الطريق لزيادة التعاون الأمني والعسكري.
وبذلك يمكن القول إن ليبيا وتركيا قد دخلتا بشكل مشترك في مرحلة الاستكشاف والحفر وفق الاتفاقية، سواء في البحر أو على اليابسة، ومن المتوقع أن تبدأ تركيا أنشطة المسح الزلزالي في المنطقة الاقتصادية الليبية قريبًا.
من ناحية أخرى، فقد تم توقيع الاتفاقية في توقيت حرج حيث يشهد العالم أزمة في مجال الطاقة، وتقع منطقة شرق المتوسط واكتشافات الطاقة بها في قلب هذه الأزمة، ويمكن النظر إليها من خلال الآتي:
1ـ تشهد منطقة شرق المتوسِّط في السنوات الأخيرة تطوُّراتٍ مهمَّة، بالترافق مع تصاعد التنافس الإقليمي والدولي فيها. وهذا الاهتمام المتصاعد لا يعبِّر عن دوافع جيوسياسية فحسب، بل يترافق مع صعود البعد (الجيواقتصادي) على أجندة الفاعلين الإقليميين والدوليين، وتحوُّله إلى عامل مهمٍّ في تشكيل التقاربات والاصطِفافات أو شرعتنها، خاصَّةً مع تصدُّر الحديث عن اكتشافات الغاز الطبيعي وإمكانيات استثمار هذه الاكتشافات أجندةَ حكومات دول المنطقة.
2ـ إنَّ أحد أهمِّ الدوافع خلف الاهتمام الإقليمي والدولي بمنطقة شرق المتوسِّط هي احتياطات النفط والغاز المتوقَّع وجودها في المنطقة. فوفق تقديرات هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية عام 2010، فإنَّ المنطقة تحوي ما بين 122 – 223 تريليون قدم مكعَّب (3.5 – 6.3 تريليون متر مكعَّب) من الغاز، بالإضافة إلى 1.7 مليار برميل محتمَل من النفط.
ومع هذا تظل هذه الأرقام متواضعة جدا لا تتجاوز 2٪ من احتياطيات الغاز العالمية المؤكدة، وهو ما يعكس حقيقة أن تورط القوى الخارجية في صراع في هذه المنطقة يتجاوز مسألة الغاز لِحسابات جيوسياسية أوسع.
وبينما تنتهج تركيا سياسة حازمة في مواجهة مساعي إقصائها من قبل اللاعبين الآخرين في المنطقة، فإن نجاحها في تغيير موازين القوى في ليبيا عزز من حظوظها في السباق الراهن، حيث استطاعت بعدها أن توقع الاتفاقية الأولى في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، وصولاً إلى الاتفاقية الحالية.
ثالثا: ردود الفعل حول الاتفاقية والآثار الناتجة عنها
1ـ رفض في “شرق ليبيا” لـ الاتفاقية
بناءً على حالة الانقسام في الداخل الليبي، التي تم الإشارة إليها، فقد قوبل توقيع حكومة الوحدة الوطنية لهذه الاتفاقية مع الحكومة التركية بالرفض من قِبل السلطة السياسة في شرق ليبيا ممثلة في مجلس النواب برئاسة عقيلة صالح، وحكومة فتحي باشاغا بالإضافة إلى تصريحات المجلس الرئاسي بالتحفظ على توقيع الاتفاقية، ويمكن رصد ذلك من خلال التصريحات الآتية:
(1) في أول رد له عقب الاتفاقية، أكد المجلس الرئاسي الليبي، أنّ مذكرات التفاهم التي وقعتها حكومة “الوحدة الوطنية” برئاسة عبد الحميد الدبيبة مع تركيا، في مجال استكشاف النفط والغاز، "يجب اعتمادها من قبل المجالس التشريعية الليبية".
(2) تصريحات رئيس البرلمان عقيلة صالح إن أي اتفاقية أو معاهدة أو مذكرة تفاهم يتم إبرامها من قِبل رئيس حكومة الوحدة الوطنية مرفوضة وغير قانونية، نظرا لانتهاء ولايتها قانونا وانعدام أي إجراء تتخذه منذ انتهاء ولايتها في 24 ديسمبر/كانون الأول 2021.
(3) البيان الذي أصدرته حكومة فتحي باشاغا، عقب توقيع الاتفاقية مباشرة، ويفيد برفض الاتفاقية، إضافة إلى التأكيد على أن الحكومة برئاسة باشاغا “ستبدأ التشاور المباشر مع الشركاء الوطنيين والإقليميِين والدوليين، للرد بشكل مناسب على هذه التجاوزات”، التي وصفتها بأنها "تهدد مصلحة الأمن والسلم في ليبيا والمنطقة".
ويمكن قراءة ردود الفعل في “شرق ليبيا” من خلال أمرين:
الأول: ردود فعل شركائها الإقليميين، حيث كان الموقف الرافض يجمع بين الشرق في ليبيا، وحكومة مصر واليونان وحلفائهم، ومن هنا يظهر التنسيق في اتخاذ القرار، وأن التحرك الرافض يأتي من خلال موقف الحلفاء والداعمين.
يُذكر أن مصر أعلنت على الفور رفضها للاتفاقية، ووجهت الدعوة لحلفائها في ليبيا، لزيارة القاهرة، لبحث المسألة، فيما يرى متابعون أنها تصب في خانة لعبة الضغوط بين أنقرة والقاهرة.
وبحسب مصادر ليبية محسوبة على معسكر الشرق الليبي، تتطابق مع تقديرات مصرية، فإن القاهرة "أخذت أخيراً اتجاهاً بإعادة تنشيط علاقاتها بقائد قوات شرق ليبيا اللواء المتقاعد خليفة حفتر، لقطع الطريق أمام أنقرة بشأن نواياها في تفعيل الاتفاقية التي وقعتها في الثالث من أكتوبر/تشرين الأول 2022، وهي الاتفاقية التي أعلنت مصر واليونان والاتحاد الأوروبي رفضها".
كما كشف مصدر ليبي مقرب من معسكر حفتر، في حديثٍ مع “العربي الجديد”، أنه "من خلال اتصالات ولقاءات غير معلنة جرت خلال الأيام الماضية بين مسؤولين مصريين رفيعي المستوى وقيادة قوات شرق ليبيا، تمت الإشارة إلى أن المنطقة البحرية المنتظر أن يتم فيها التنقيب عن الغاز والنفط، تقع قبالة سواحل شرقي ليبيا التي تسيطر عليها القوات التابعة لحفتر".
وأضاف أن هذا الأمر يعني "عدم تمكن تركيا من التنفيذ الفعلي لما تنص عليه الاتفاقية من دون تفاهمات مع القوات المسيطرة على الشرق الليبي، والتي ترتبط بعلاقات قوية مع مصر".
وكانت القاهرة استقبلت جلسة مشاورات مهمة الجمعة، 14 أكتوبر/تشرين الأول، بين رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح، والمبعوث الأميركي لليبيا ريتشارد نورلاند، بحضور مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى باربرا ليف، ورئيس جهاز المخابرات العامة المصري اللواء عباس كامل.
وجاء اللقاء بعد يوم من زيارة غير معلنة قام بها رئيس المخابرات العامة المصري إلى مدينة بنغازي، حيث التقى هناك بقائد قوات شرق ليبيا خليفة حفتر، ورئيس الحكومة المكلفة من مجلس النواب فتحي باشاغا.
الثاني: يمكن اعتبار رفض حكومة باشاغا للاتفاقية، عاملاً مؤثراً في تراجع الدور التركي كوسيط يمكن له أن يجمع الأطراف الليبية ويشرف على عملية الحوار بينهم، وهو ما كانت تتجه إليه المساعي التركية قبل الاتفاقية، خلال الأشهر الأخيرة.
وخلال تصريحات تليفزيونية، قال فتحي باشاغا: “لا يهمني اعتراف تركيا بحكومَتي؛ لأن ما يهمني هو الاعتراف الداخلي”، ومع ذلك وصف علاقته مع تركيا بـ «الممتازة»، نافياً تلقيه انتقادات من تركيا لرفضه اتفاقها مع الدبيبة، غير أن ذلك لا ينفي عودة التوتر بينهما عقب توقيع الاتفاقية.
2ـ تركيا وحكومة الدبيبة تنتقدان المواقف الرافضة
قال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو ووزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش، في حفل أُقيم في طرابلس، إن الصفقة واحدة من عدة اتفاقات ضمن مذكرة تفاهم حول قضايا اقتصادية تهدف إلى استفادة البلدين.
ولم يتضح بعدُ ما إذا كانت ستظهر أي مشروعات في الواقع تتضمن أعمال تنقيب في “المنطقة الاقتصادية الخالصة” التي اتفقت عليها تركيا وحكومة سابقة في طرابلس عام 2019، وهو ما رفضته اليونان وقبرص وانتقدته مصر وإسرائيل.
وردا على سؤال حول ما إذا كانت الدول الأخرى قد تعترض على مذكرة التفاهم الجديدة، قال جاويش أوغلو “لا يهمنا ما يفكرون فيه”. وأضاف أن الدول الأخرى لا حق لها في التدخل.
هذه التصريحات تعطي دلالة حول عودة التوتر مرة أخرى مع مصر واليونان وإسرائيل، وذلك عقب عام حاولت فيه أنقرة إعادة العلاقات مع عدد من دول المنطقة مثل مصر والإمارات وإسرائيل، واتباع سياسة مهادنة مغايرة لما كانت عليه خلال الأعوام السبع السابقة.
كما تشير التصريحات التركية إلى أن موقف تركيا الذي يدعم أمن ليبيا واستقرارها ووحدة أراضيها ورغبتها في التوصل إلى مصالحة وحل سلمي للأزمة الليبية، وإجراء الانتخابات ليس على حساب تحالفها مع الحكومة الليبية المعترف بها دوليا.
من جهتها، رحّبت وزيرة الخارجية الليبية بحكومة الوحدة الوطنية، نجلاء المنقوش بهذا الاتفاق الذي وصفته بـ “المهم”. وقال المتحدث باسم حكومة الوحدة الوطنية الليبية محمد حمودة إن مذكرة التفاهم الموقعة مع تركيا تهدف إلى تطوير مشاريع استكشاف وإنتاج ونقل وتجارة النفط والغاز الطبيعي.
وأضاف أن مذكرة التفاهم تنصّ على تعزيز التعاون بين البلدين في الجانب العملي والفني والتقني والقانوني والتجاري في مجال الهيدروكربونات (النفط والغاز)، وتبادل الخبرات والتدريب، وضمان المصالح المشتركة والجدوى من عمليات الاستكشاف والتطوير وزيادة إنتاج البلدين.
هذه التصريحات تبرز مشكلة الداخل الليبي بسبب تنازع الأطراف الإقليمية حول أمور تخص السيادة الليبية، وهو ما يُنبئ عن إطالة أمد الأزمة في ليبيا وتصاعدها كذلك، حيث تعتبر حكومة الوحدة الوطنية أنها الممثل الشرعي الوحيد في ليبيا، ولا يمكن لأية دولة أن تتجاوز هذه الشرعية، وذلك رداً على رفض حكومة باشاغا، والرفض المصري واليوناني للاتفاقية، حسب تصريحات محمد حمودة المتحدث باسم حكومة الوحدة الوطنية.
3ـ تراجع العلاقات التركية مع مصر واليونان
في أول تصريح رسمي عقب الاتفاقية التركية الليبية، ذكر وزير الخارجية اليوناني نيكوس دندياس، أنّه ونظيره المصري سامح شكري يعتبران حكومة طرابلس فاقدة للشرعية التي تخولها توقيع اتفاق كهذا.
وأضاف المتحدث باسم الخارجية المصرية، أحمد أبو زيد، في تصريح له، بأن الوزيرين اتفقا على استمرار التشاور بينهما إزاء مختلف القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك في إطار التنسيق المستمر بين البلدين.
ويُذكر أن مصر واليونان قد أبرمتَا اتفاق لترسيم الحدود البحرية في أغسطس/آب 2020، رداً على الاتفاق التركي الليبي، في نوفمبر/تشرين الثاني 2019. وكانت بمثابة رد فعل على الخطوات التركية، وهو ما زاد التوتر في ذلك الحين بين تركيا ومحور مصر واليونان.
وبتوقيع أنقرة للاتفاقية الحالية، فإننا بصدد تراجع جديد في العلاقة مع الدول الرافضة لهذه الاتفاقية خاصة مصر واليونان، وذلك بعد أن اتجهت أنقرة لتسوية مشاكلها مع العديد من دول المنطقة من خلال خطوات التقارب خلال العامين السابقين (2021 ـ 2022).
مزيد من التوتر بين تركيا واليونان
توجد عدة مشكلات بين تركيا واليونان على عدة أصعدة، فمن بينها استهداف الجبهة الداخلية لدى كل طرف، حيث تتهم تركيا اليونان بدعم المتمردين الأكراد، كما وفرت اليونان ملاذا لثمانية عسكريين أتراك شاركوا في محاولة الانقلاب العسكري عام 2016 ورفضت تسليمهم. في حين تتهم اليونان تركيا باستهداف استقرارها الداخلي من خلال موجات تدفق اللاجئين عبر الحدود التركية اليونانية، في بحر إيجة ونهر إفروس (ماريتش/ماريتسا).
بالإضافة إلى إشكالية رئيسة وتاريخية وهي الخلاف حول تعيين الحدود البحرية بين البلدين في بحر إيجة. حيث وضعت معاهدة لوزان 1923 بذور صراع جيوسياسي مفتوح حول السيادة في بحر إيجة.
بموجب الاتفاقية، تخلت تركيا عن قبرص لصالح المملكة المتحدة، وتنازلت لصالح إيطاليا عن الجزر الاثنا عشرية (أو الدوديكانية)، وهي مجموعة من 12 جزيرة كبيرة بالإضافة إلى 150 جزيرة أصغر في بحر إيجة، على مرمى حجر من الساحل الجنوبي الغربي لتركيا، وبعد الحرب العالمية الثانية تنازلت إيطاليا لليونان عنها، وسط اعتراض تركي.
تحملت تركيا ما تعتبره “حصاراً بحرياً” لعقود طويلة، لكن الآن مع صعود تركيا كقوة إقليمية مهيمنة واكتشاف ثروات الطاقة في شرق المتوسط أصبح من غير الممكن استمرار التجاهل التركي لمسألة الجزر، وهو ما عبر عنه الرئيس التركي “أردوغان” عام 2017 في أول زيارة لرئيس تركي لليونان منذ 65 عاما، حيث شدد على ضرورة تحديث معاهدة لوزان.
في المقابل، اليونان (العضو بالاتحاد الأوروبي) تتهم تركيا بالتنقيب عن الغاز الطبيعي في المناطق البحرية التي لا يجوز إلا لأثينا (من وجهة نظرها) استغلالها، في حين تقول أنقرة إن هذه المناطق تنتمي إلى الجرف القاري التركي.
في ديسمبر/كانون الأول 2020، قال رئيس الوزراء اليوناني، كيرياكوس ميتسوتاكيس، إن بلاده نجحت في تحويل خلافها مع تركيا حول شرق المتوسط إلى خلاف تركي أوروبي، مشددا في الوقت ذاته على استعداد حكومته للحوار مع أنقرة.
وأشار إلى أن استمرار التوتر لن يكون في صالح تركيا، وينبغي على أنقرة إعادة تقييم علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي.
وفي الوقت ذاته، لفت إلى أن بلاده مستعدة للحوار مع تركيا حول تحديد الجرف القاري ومناطق الصلاحية البحرية، مؤكدا أنه في حال عدم التوصل إلى حل، فإنهم مستعدون للذهاب إلى محكمة العدل الدولية.
كان ذلك نتيجة الخلافات القائمة على ترسيم الحدود البحرية، وترسيم تركيا للحدود مع ليبيا وقتها وإهمال الموقف المصري اليوناني الرافض، وهو ما تلاه تحالف اليونان وقبرص ومصر وإسرائيل لتشكيل تحالف ضد النفوذ التركي في شرق المتوسط.
وفي وقت سابق، دعا الرئيس التركي أردوغان الاتحاد الأوروبي إلى الإسراع في التخلص مما وصفه بـ العمى الإستراتيجي بشرق المتوسط.
وأضاف أنه لا ينبغي على الاتحاد الأوروبي أن يتصرف وفق أهواء اليونان والشطر اليوناني من قبرص، مشيرا إلى أن تركيا لا تسعى للتصعيد في شرق المتوسط؛ بل تعمل على حل الخلافات بالتعاون وبشكل عادل.
يُذكر أنه جرت المحادثات الاستكشافية بين أنقرة وأثينا لأول مرة في فبراير/شباط 2002، وقد أدى هذا النزاع لتوتر العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي الذي فرض عقوبات، ولكن لم ينفذها فعليا حتى الآن.
وفي 25 يناير كانون الثاني 2021، قالت مصادر دبلوماسية، إن تركيا واليونان استأنفَتا محادثات تهدف إلى إيجاد حلول لِنزاعات بحرية قائمة منذ فترة طويلة وهي خطوة تأتي بعد توتر في شرق المتوسط استمر لأشهر.
ولم تحقق الجارتان، العضوتان في حلف شمال الأطلسي، تقدماً يذكر خلال 60 جولة من المحادثات في الفترة من 2002 وحتى 2016.
ويبدو أنّ استئناف المحادثات بين الدولتين لم ينتج عنه تقدم في الإشكاليات العالقة بينهما، حيث يظهر من توقيع تركيا الاتفاقية الأخيرة مع ليبيا، أن المحادثات التي كانت تأمل أن تصل إلى تفاهمات حول ترسيم الحدود البحرية بين البلدين لم تصل إلى أي اتفاق.
ويترافق ذلك مع تبادل التهديدات بالمواجهة العسكرية المباشرة بين الطرفين، وبدأت إرهاصات ذلك باستهداف خفر السواحل اليوناني لسفينة “مافي مرمرة” التركية قبل أسابيع في المياه الدولية.
ويستبعد مراقبون ومتابعون حصول مواجهة عسكرية مباشرة بين البلدين، بسبب عُضويتهما في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، وتحالفهِما مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عسكرياً، وحاجة الحلف للتضامن أكثر في ظل أوضاع عالمية بالغة التعقيد مع الحرب الروسية على أوكرانيا.
توقف المباحثات بين مصر وتركيا
خلال العامين السابقين، يُعد التقارب المصري التركي من أبرز الملفات التي ظهرت على الساحة، حيث مثّل بدء المحادثات وقتها تحولًا كبيراً في مسار العلاقات السياسية الجامدة منذ وقوع انقلاب 2013 في مصر.
وخلال الفترة التي سبقت المحادثات كانت كلتا الدولتين قد اتخذتا إجراءات لإثبات حسن النية، من تصريحات رسمية متبادلة بين أنقرة والقاهرة، إضافة إلى اتخاذ أنقرة خطوات بشأن الإعلام المصري المعارض على أرضها، تمهيداً لفتح باب للحوار لتطبيع العلاقات بشكل كامل فيما بعد.
الوجود التركي في ليبيا والتحركات التركية في شرق المتوسط كانت من أهم الملفات التي اهتمت بها مصر وطالبت بتغيير سياسة تركيا تجاهها، بالإضافة إلى ملف الدعم التركي لجماعة الإخوان المسلمين.
لكن الإجراءات التركية التي اتُخذت بحق المعارضين المصريين في تركيا، ومنها غلق بعض قنوات الإعلام المصرية بتركيا، ومنع ظهور بعض الشخصيات إعلاميا، لم تكن كافية للقول بأن المحادثات تسير في منحى إيجابي بسبب الملفات الأخرى التي تُشكل خلافات جوهرية بين الطرفين، وهو ما يتعلق بالتواجد في ليبيا والصراع في شرق المتوسط.
من ناحية أخرى، جاءت خطوات التقارب المصري-التركي في ظل مناخ تغيرت فيه العديد من السياسات الإقليمية بين تركيا والتحالف القريب من مصر، آخرها التقارب التركي/الإماراتي، وكذلك تطبيع العلاقات المصرية مع قطر، والتقارب القطري/السعودي، والذي شكّل رسم جديد للعلاقات الإقليمية عما كانت عليه إبان رئاسة ترامب للولايات المتحدة الأمريكية.
الاتفاقية الأخيرة بين ليبيا وتركيا تسببت في مزيد من الخلاف بين مصر وتركيا، حيث تتمسّك مصر بموقفها الرافض لِتوقيع حكومة عبد الحميد الدبيبة اتفاقية تسمح للشركات التركية بالتنقيب عن النفط والغاز في المياه الاقتصادية الليبية.
فبعد ساعات قليلة من مؤتمر صحفي لوزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، مع نظيرتِه الليبية، نجلاء المنقوش، في طرابلس، أعلن خلالها توقيع مذكرتي تفاهم “في مجال الموارد الهيدروكربونية” وفي مجال الغاز، أعلنت مصر رفضها لهما على اعتبار أن حكومة الوحدة الوطنية، “منتهية الولاية ولا تملك صلاحية إبرام أية اتفاقات دولية أو مذكرات تفاهم.
وتلا هذه الخطوة إعلان وزير الخارجية المصري، عن توقف الجلسات الاستكشافية المشتركة بين بلاده وتركيا، في 28 أكتوبر/تشرين الأول، وذلك بعد انعقاد جولتين منها، بحجة أنه "لم يطرأ تغيير على ممارسات الجانب التركي في ليبيا.
بالإضافة إلى التحالف المصري مع اليونان وقبرص فيما يتعلق بشرق ورسم الحدود البحرية، وهو ما تعتبره أنقرة مؤشراً على أن الإدارة المصرية لم تدرك بعد العنوان الحقيقي الذي يمكنها أن تتعاون معه شرقي المتوسط”.
ففي حين رأت مصر أن اليونان وقبرص وإسرائيل أقرب إليها، يشير محلّلون إلى أنّ خط “إيست ميد” الذي تسعى إسرائيل من خلاله لتَصدير الغاز إلى أوروبا مروراً بقبرص واليونان وإيطاليا، لتقليل الاعتماد على الغاز الروسي، يمثّل تهديداً مباشراً للِاستراتيجية المصرية محلّ الحديث. لكن مصر ولاعتبارات أخرى رأت أن هذا التحالف قد يمثل لها مكاسب سياسية.
أخيراً، فإن مصر تسعى حالياً إلى محاصرة التواجد التركي في ليبيا، من خلال هذه الخطوات، وهو ما سوف تقابله تركيا بمزيد التعنت كذلك، حيث تعتبر تركيا أن موقفها شرعي في تعاملها مع حكومة الوحدة، وربما يستمر الخلاف بين أنقرة والقاهرة إلى حين إحداث تغير واضح على الساحة السياسية في ليبيا.
خاتمة:
تتميز السياسة التركية بدرجة من المرونة والقدرة على التحرك والتعاطي مع سياسات شركائها في المحيط الإقليمي، كما تنظر إلى الجغرافيا العربية ـ بما فيها شرق المتوسط ـ باعتبارها النطاق الأقرب الذي تستطيع من خلاله أداء أدوار مؤثرة تحافظ به على رصيدها الإقليمي.
وعلى الرغم من إشكاليات السياسة الخارجية التركية مع دول الجوار العربية، التي برزت طوال السنوات السبع الماضية من خلال الموقف الرافض لحكومات عدد من دول العربية وأدوارها في المنطقة، إلا أنّ أنقرة أثبتت في العامين (2020 ـ 2022) قدرتها على إعادة تشكيل سياستها من جديد دون أن تفقد دورها وامتلاك إرادتها، وذلك من خلال التفاهمات والمقاربات التي حدثت مع دول مصر وإسرائيل والإمارات والسعودية، ومع الحكومة الليبية.
وعقب توقيع الاتفاقية مع ليبيا، أكتوبر/تشرين الأول 2022، تراجعت العلاقات التركية مع مصر واليونان، وذلك يشير إلى أمرين:
أولهما، أن السياسة الخارجية التركية تحظى بقدر عالٍ من الجاهزية والقدرة على انتهاز الفرص للتواجد وأداء دور يخدم مكانتها إقليمياً وسياسة تركيا الداخلية كذلك، حيث يمثل التواجد في ليبيا فرصة للاستفادة اقتصادياً لأن ليبيا دولة نفطية إضافة إلى أن ترسيمها الحدود مع تركيا يسمع لكلتا الدولتين بالاستفادة من ثروات المتوسط، وثانيهما، استمرار التعقيدات والإشكاليات في علاقة أنقرة مع دول شرق المتوسط والمحيط العربي، فرغم مرونة السياسة التركية وتجاوزها بعض الملفات لإعادة صياغة هذه العلاقات، تبقى ملفات شرق المتوسط والتواجد في ليبيا عائقاً دون تواجد علاقات متناغمة مع هذه الدول.
من ناحية أخرى فإن محور القاهرة ـ أثينا يتحرك في ثلاثة اتجاهات لمواجهة أنقرة، أولها: عبر منتدى غاز شرق المتوسط الذي يقع مقره في القاهرة لتثبيت التوافقات المقررة للعمل وحشد الدول الأعضاء في المنتدى لاتخاذ موقف موحّد ضد تركيا، علماً أن المنتدى يضم 7 دول، وقد يؤدي إجماعِها على اتخاذ خطوات موحّدة إلى إصابة أنقرة بالارتباك، وثانيها، تعزيز التعاون مع حكومة شرق ليبيا المقربة من القاهرة، لتقوية حضورها في الداخل الليبي كجهة معارضة لخيارات عبد الحميد الدبيبة وتوجهاته، وثالثها، استغلال حاجة أنقرة لتسوية علاقتها مع عدد من الدول العربية، والدفع بالورقة الليبية لتكون على مائدة الحوار، ولتكون عائقاً كبيراً يحول دون إتمام هذه التسويات.