اهتمت العديد من مراكز الفكر الأمريكية في الفترة الأخيرة بقياس مدى الرضا الشعبي عن المؤسسات الأمريكية، وعلى رأسها المؤسسة العسكرية، وكذلك نظرة الشعب الأمريكي لخصوم وحلفاء الولايات المتحدة في العالم، خاصةً مع رصد بعض استطلاعات الرأي تزايد الفجوة وحالة عدم الثقة بين الشعب وبين صانعي القرار الأمريكيين. وفي هذا الإطار، نشر "معهد رونالد ريجان" تقريراً بعنوان "مسح ريجان للدفاع الوطني"، قدَّم ملخصاً لنتائج استطلاع رأي أجراه المعهد حول نظرة الشعب الأمريكي للجيش والسياسة الخارجية الأمريكية.
فجوة متزايدة
أكد التقرير أن نتائج الاستطلاع كشفت عن نتائج سلبية بالنسبة إلى رؤية الشعب الأمريكي للجيش، ويتضح ذلك عبر ما يلي:
1- تراجع حاد في ثقة الجمهور الأمريكي بالمؤسسة العسكرية: أوضح التقرير أن نتائج استطلاع الرأي أظهرت تراجعاً ملحوظاً في ثقة الأمريكيين بالمؤسسة العسكرية؛ فبعد أن أعرب (70%) من المستطلعة آراؤهم قبل خمس سنوات فقط عن تمتعهم بقدر كبير من الثقة بالجيش، انخفضت هذه النسبة بشكل مطرد ليُعرب (45%) فقط خلال عام 2021 عن ثقتهم الكبيرة بالجيش، في نتيجة أظهرت للمرة الأولى عن ثقة أقلية من الأمريكيين بمستوى الجيش، وفق ما ذكر التقرير. وبحسب التقرير، تُظهر مؤشرات عام 2022 عن حالة من الاستقرار؛ حيث أعرب (48%) من المستطلعة آراؤهم عن ثقتهم الكبيرة بالجيش، فيما لم تشهد أيٌّ من المؤسسات الأمريكية العامة الأخرى – بما في ذلك المحكمة العليا والكونجرس والرئاسة ووسائل الإعلام – مثل هذا الانخفاض الحاد في ثقة الجمهور خلال تلك المدة.
2- قناعة بدور محوري للتسييس في تراجع الثقة بالجيش: طبقاً للتقرير، ولفهم أسباب الانخفاض الحاد في ثقة الجمهور الأمريكي بالجيش، أضاف “معهد رونالد ريجان” سلسلة من التساؤلات الجديدة حول أسباب تراجع تلك الثقة، لتتركز الإجابات حول التسييس المفرط للقيادة العسكرية، مع إجابة (62%) من المستطلعة آراؤهم بشكل عام بأن التسييس كان سبباً لتراجع الثقة، وشمل ذلك (60%) من الديمقراطيين و(60%) من المستقلين و(65%) من الجمهوريين. ولفت التقرير إلى أن الأمريكيين لا يميزون كثيراً بين قادة وزارة الدفاع من المدنيين وبين القادة العسكريين عند شكواهم من التسييس.
3- دور للقيادة العسكرية والمدنية في تراجع الثقة بالجيش: نوه التقرير أن ما يقرب من (60%) من المستطلعة آراؤهم أكدوا أن أداء وكفاءة الرؤساء في المؤسسة العسكرية كان سبباً لتراجع ثقتهم بالجيش، في حين قال أكثر من نصف المستطلعة آراؤهم (55%) إن أداء القيادة المدنية العسكرية – في إشارة إلى وزير الدفاع ذي الخلفية المدنية وإلى القيادة المدنية في وزارة الدفاع – قلل من ثقتهم بالجيش. ولفت التقرير إلى أن نسبة أقل قليلاً – وهي (52%) – تقول إن أداء القادة العسكريين النظاميين كان سبباً لتراجع الثقة، وكان هناك انخفاض في آراء أولئك الذين يعتقدون أن القيادة العسكرية الأمريكية هي الأفضل في العالم مقارنةً بجيوش الدول الأخرى، من (33%) في 2021 إلى (25%) في 2022.
4- التشكُّك في قدرة الجيش على كسب حرب مستقبلية: أكد التقرير أن (52%) من المستطلعة آراؤهم أعربوا عن اعتقادهم بتراجع قدرة الجيش على كسب حرب مستقبلية، وهو ما كان سبباً لتراجع ثقتهم به؛ فالذين أعربوا عن ثقة كبيرة بقدرة الجيش على الحفاظ على أمن البلاد انخفضت نسبتهم من (57%) في عام 2021 إلى (50%)، كما كان هناك انخفاض في الثقة بقدرة الجيش – وفقاً للتقرير – على التصرف بطريقة مهنية وغير سياسية من (40%) في عام 2021 إلى (35%)، وهو ما يُظهر صلة بين شعور الأمريكيين بقدرة الجيش على أداء وظيفته الأساسية وتصورهم بأن قادته أصبحوا أكثر تسييساً على نحوٍ مفرط.
5- استياء البعض من خدمة أنصار اليمين المتطرف بالجيش: شدد التقرير على أنه كانت هناك شكاوى أخرى رفعها البعض ضد الرتب العسكرية الأدنى؛ حيث يقول نصف المستطلعة آراؤهم (50%) إن ما تُسمى ممارسات “الاستيقاظ” التي تقوض الفاعلية العسكرية قد قللت ثقتهم بالجيش، مع الإشارة إلى وجود تفاوت حزبي كبير حول هذا الأمر؛ حيث يلوم الجمهوريون أكثر من الديمقراطيين تلك الممارسة، وفق ما ذكر التقرير. وبالمثل يقول (46%) بشكل عام – بحسب التقرير – إن ما يُسمى باليمين المتطرف أو الأفراد المتطرفين الذين يخدمون في الجيش كانوا سبباً لتراجع ثقتهم بالجيش، فإن هذا الرد أكثر شيوعاً بين الديمقراطيين من الجمهوريين. وأوضح التقرير أن أقل من نصف المستطلعة آراؤهم (47%) أشاروا إلى أن أداء الجيش في العراق وأفغانستان قد قلل من ثقتهم به.
6- انخفاض رغبة الشباب الأمريكي في الانضمام للجيش: طبقاً للتقرير، فإنه مع تحديات التجنيد العسكري التي تصدرت عناوين الصحف هذا العام، أضاف “معهد رونالد ريجان” سؤالاً جديداً للشباب الأمريكي في الفئة العمرية التي تتراوح أعمارها بين 18 و29 عاماً، حول رغبتهم الشخصية في التطوع والخدمة في الجيش؛ حيث قال (13%) إنهم يرغبون بشدة في الانضمام للجيش، و(25%) هم فقط من يرغبون في الانضمام، و(20%) ليسوا على استعداد تام، ونحو الربع (26%) لا يرغبون على الإطلاق. ولم تكن هناك تفاوتات ملحوظة في الاستجابات بين مستويات التعليم المختلفة.
قناعات ثابتة
شدد التقرير على أن استطلاع الرأي كشف عن نتائج متوقعة إلى حد كبير عن رؤية الشعب الأمريكي لحلفاء وخصوم واشنطن. ويتضح ذلك على النحو التالي:
1- ارتفاع نسبة المقتنعين بكون الجانب الروسي “عدواً”: أشار التقرير إلى أن التصورات لدى الجمهور عن كون روسيا “عدواً” ارتفعت إلى نسبة عالية بلغت (82%)، مقارنةً بـ(65%) في العام الماضي. وهذا مدفوع برؤى مضاعفة من قبل الديمقراطيين والمستقلين والجمهوريين على السواء. ووفقاً للتقرير، فإنه في المقابل ازدادت النظرة إلى أوكرانيا كحليف من (49%) في عام 2021 إلى (76%) في 2022، مع ما يقرب من الثلثين (67%) قلقين من انتصار روسيا في حربها على أوكرانيا. ونوه التقرير أن الأمريكيين يدعمون وقوف بلادهم إلى جانب أوكرانيا والعمل كداعم للديمقراطية من خلال الاستمرار في تقديم المساعدة العسكرية.
2- تأييد الغالبية استمرار واشنطن في تقديم دعم لكييف: نوه التقرير أنه فيما يتعلق بالموقف من إرسال واشنطن معدات عسكرية ومساعدات مالية لأوكرانيا، تعتقد الغالبية (57%) أن الولايات المتحدة يجب أن تستمر في الوقوف إلى جانب شعب أوكرانيا ومعارضة التدخل العسكري الروسي، من أجل حماية نظام ديمقراطي صديق ومنع التهديدات الروسية المستقبلية لأوروبا، وهذا يشمل (73%) من الديمقراطيين و(51%) من الجمهوريين.
وبحسب التقرير، فإن ذلك يأتي فيما يعتقد الثلث فقط (33%) أن الولايات المتحدة لديها مشكلات داخلية كافية، ولا يمكنها تحمل إنفاق المزيد على الصراع والمجازفة باستفزاز روسيا أكثر، بما في ذلك (19%) من الديمقراطيين، وبشكل ملحوظ (41%) من الجمهوريين. وطبقاً للتقرير، فإنه فيما يتعلق بالمساعدة التي أرسلتها الولايات المتحدة بالفعل إلى أوكرانيا، قال (39%) إن الولايات المتحدة قدمت الدعم المطلوب، بينما قال الربع (25%) إنها أرسلت القليل جداً، وربعٌ آخر (24%) قالوا إنها أرسلت مبلغاً أكبر بكثير من المطلوب.
3- تنامي القلق الأمريكي بشأن التهديد الذي تمثله الصين: أكد التقرير أن الأمريكيين يشعرون بقلق متزايد بشأن التهديد الذي تشكله الصين، فثلاثة أرباع المستطلعة آراؤهم (75%) ينظرون إلى الصين الآن باعتبارها عدواً، ارتفاعاً من (65%) في عام 2021 و(55%) في عام 2018. ووفقاً للتقرير، فإنه رغم الحرب الأوكرانية، لا يزال (43%) ينظرون إلى الصين على أنها الدولة التي تشكل أكبر تهديد على الولايات المتحدة، ومع ذلك انخفضت هذه النسبة من (52%) في عام 2021. وعند سؤال المستطلعة آراؤهم حول إذا ما كان لدى الولايات المتحدة استراتيجية واضحة لإدارة علاقاتها مع الصين، فإن أكثر من النصف (54%) أجابوا بـ(لا)، بينما (27%) فقط يقولون نعم، و(20%) لا يعرفون.
4- إدراك أمريكي بوجود تهديد متعدد الأوجه من الصين: أوضح التقرير أن الأمريكيين يظهرون إدراكاً لطبيعة التهديد المتعدد الأوجه الذي تمثله الصين، وقد تصدرت الممارسات الاقتصادية القائمة، بما في ذلك سرقة التكنولوجيا وعلاقات بكين التجارية مع الدول الأخرى، بنسبة عامة (22%)، بما في ذلك (21%) من الديمقراطيين و(25%) من الجمهوريين. ووفقاً للتقرير، فإن ذلك يأتي في الوقت الذي يرى فيه (18%) من المستطلعة آراؤهم على نحوٍ عام أن الحشد العسكري للصين هو مصدر التهديد الرئيسي.
وبحسب التقرير، اعتبر (17%) أن انتهاكات حقوق الإنسان لبكين هي مصدر القلق الأكبر، في حين اعتبر (13%) أن غزو الصين لتايوان هو أكبر مخاوفهم، ارتفاعاً من (7%) في عام 2021. وطبقاً للتقرير، فإنه فيما يتعلق بالمخاوف الاقتصادية، فإن أكثر من النصف (54%)، بما في ذلك غالبية الديمقراطيين والجمهوريين، يدعمون الجهود المبذولة للحد من حجم التجارة بين الولايات المتحدة والصين.
5- تزايد القلق الأمريكي بخصوص احتمالية غزو تايوان: نوه التقرير أن الأمريكيين يرون أوجه تشابه بين وضعَي أوكرانيا وتايوان؛ حيث يشعر (71%) بالقلق من أن التدخل العسكري الروسي سيُلهِم الدول الاستبدادية الأخرى لغزو جيرانها الديمقراطيين، وأعربت نسبة إجمالية مماثلة (70%) عن مخاوف محددة بشأن تهديد الصين بغزو تايوان في السنوات الخمس المقبلة.
ولفت التقرير إلى أن الأغلبية من الحزبين الأمريكيين تؤيد الجهود المبذولة لردع الغزو الصيني لتايوان، بما في ذلك (61%) يؤيدون زيادة الوجود العسكري الأمريكي بالقرب من تايوان و(58%) يؤيدون زيادة مبيعات الأسلحة إلى تايوان. وإذا ما قامت الصين بغزو تايوان، فإن (43%) يؤيدون إرسال قوات برية أمريكية للدفاع عن تايوان، بينما يعارض ذلك (36%). وأكد التقرير أنه بعد معرفة أن تايوان دولة ديمقراطية وأكبر منتج لأشباه الموصلات المتقدمة في العالم، قال (65%) إنهم منفتحون على فكرة الالتزام تجاهها بقوات أمريكية.
6- وجود نظرة إيجابية لدى معظم الأمريكيين حول الناتو: أكد التقرير أن غالبية الأمريكيين (60%) لديهم وجهة نظر إيجابية تجاه “حلف الناتو”، بينما لدى (23%) وجهة نظر غير إيجابية. وتتوافق النسبتان المئويتان مع الاستطلاعات السابقة. وشدد التقرير على أن أغلبية أكبر (72%) تؤيد التزامات الحلف بموجب المادة (5) الخاصة بالدفاع الجماعي، ويُقصد بها شعبياً رد الولايات المتحدة بالقوة العسكرية إذا ما هاجمت روسيا حليفاً للناتو في أوروبا.
ووفقاً للتقرير، يشمل ذلك (81%) من الديمقراطيين و(67%) من الجمهوريين، مع ما يقرب من ثلاثة أرباعٍ (74%) قلقين من امتداد الحرب في أوكرانيا إلى دول “الناتو” في أوروبا الشرقية، على اعتبار أن ذلك سيُجبر الولايات المتحدة على المشاركة في الحرب بشكل مباشر. وبحسب التقرير، هناك أيضاً دعم من الحزبين لتوسيع الحلف؛ حيث وافق (71%) على السماح لفنلندا والسويد بالانضمام إلى “الناتو”، فيما حصل طلب أوكرانيا لعضوية الحلف على دعم بنسبة (61%).
دلالات رئيسية
رأى التقرير أن النتائج التي أوضحها استطلاع الرأي الذي أجراه “معهد رونالد ريجان” تحمل مجموعة من الدلالات، تتمثل فيما يلي:
1- قناعة بأهمية دور القيادة الأمريكية في السلام العالمي: أوضح التقرير أن نتائج أحدث استطلاع حول الدفاع الوطني لـ”معهد رونالد ريجان” تُظهر أن الشعب الأمريكي لا يزال داعماً لمبدئه المتمثل في “السلام من خلال القوة”؛ وذلك في مواجهة الأحداث الجيوسياسية التي هزت أسس السلام والأمن العالميين في عام 2022؛ حيث يرى معظم المستطلعة آراؤهم أن القيادة الأمريكية هي المفتاح لاستعادة السلام، مع إبداء رغبة في أن تكون أكثر انخراطاً في المشكلات العالمية، وتفضيل الأغلبية وجوداً عسكرياً أمريكياً قوياً في الخارج وزيادة الإنفاق الدفاعي، مع زيادة الدعم المقدم للحلفاء على نحوٍ خاص، دفاعاً عن القيم الديمقراطية، والوقوف مع أوكرانيا ضد التدخل العسكري الروسي، وردع الغزو الصيني المحتمل لتايوان.
2- تأكيد أهمية إعادة ثقة الشعب بالمؤسسة العسكرية: أشار التقرير إلى أن بعض النتائج المقلقة من “استطلاع ريجان للدفاع الوطني” لعام 2022، تُظهر أنه من الأفضل أن يصغي قادة الأمن القومي إلى آراء الشعب الأمريكي، وأن يعملوا على إعادة بناء ثقة الجمهور بالجيش؛ فالنتائج وإن كانت تُظهر دراية الشعب الأمريكي بالتهديدات التي تتعرض لها الحرية اليوم، وخاصةً من الصين وروسيا، فإنهم مع ذلك قلقون بشأن قدرة المؤسسة العسكرية المعنية بمواجهة مثل هذه التهديدات، وفي ظل انشغال المكلفين فيها بالمشكلات السياسية، وتشتُّتهم بسبب الخلافات الحزبية.
إعادة التنظيم
وختاماً، أكد التقرير أن هناك الكثير مما يجب القيام به لتصحيح وضع مؤسسة الجيش، التي تمثل القاطرة لباقي المؤسسات الأمريكية، ولكن حتى ذلك الحين، يبدو أن الشعب الأمريكي أكثر وضوحاً من أي وقت مضى حول ما يمكن للجيش القيام به أو لا يمكنه القيام به، وكل ذلك يمثل سبباً أفضل لواشنطن لإعادة تنظيم دفاعها الوطني، وفق ما ذكر التقرير.