إن استضافة واشنطن للقمة الأمريكية-الأفريقية الثانية في الفترة من 13-15 ديسمبر 2022، بعد ثماني سنوات من القمة الأولى في أغسطس 2014، يثير العديد من التساؤلات. أحد هذه التساؤلات هو ما الذي يمكن للولايات المتحدة أن تقدمه لأفريقيا ولا يستطيع الفاعلون الرئيسيون الآخرون في القارة مثل الصين والاتحاد الأوروبي واليابان تقديمه، خاصة وأن هذه القوى الثلاث الأخرى تعقد منتديات قمم مشتركة بشكل منتظم طوال الوقت.
اليوم في ظل التحولات الجيوستراتيجية التي يشهدها النظام الدولي ولاسيما بعد الحرب الأوكرانية، يعمل الأفارقة بنشاط على تنويع شركائهم الاستراتيجيين. لقد أتاح صعود الصين السريع لهم فرصًا لا تُعوض لإقامة شراكات استراتيجية في العديد من المجالات. وفي هذا السياق استعاد الأفارقة ثقتهم بأنفسهم ويعملون الآن بشكل تدريجي على تسوية النزاعات الإقليمية الكبرى في بلدان مثل أثيوبيا والكونغو الديموقراطية وفقًا لمبدأ "حلول أفريقية لمشكلات أفريقية". وينظر كثير من الأفارقة إلى مبادرات الصين العالمية للتنمية والأمن على أنها مساهمات إيجابية في استقرار وتحسين النظام العالمي.
من المقرر أن تكون القمة الأمريكية-الأفريقية التي يعقدها الرئيس الأمريكي جو بايدن بمثابة "خُلوة كبرى" من أجل ابتكار حلول إبداعية لترميم العلاقات بين الطرفين من جهة واللحاق بركب القوى الدولية الصاعدة والمؤثرة في الساحة الأفريقية من جهة أخرى. على مدى ثلاثة أيام، سيعقد حوالي 42 رئيس دولة وحكومة أفريقية - بالإضافة إلى رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى محمد - ومجموعة من رجال الأعمال والمجتمع المدني والشتات وقادة الشباب محادثات موسعة مع الإدارة الأمريكية في واشنطن.
ومن اللافت أن واشنطن لم توجه الدعوة لأربعة دول أفريقية (بوركينا فاسو وغينيا والسودان ومالي) بسبب الانقلابات العسكرية وتعليق عضويتها في الاتحاد الأفريقي. كما لم تتم دعوة إريتريا لأن الولايات المتحدة تحتفظ بعلاقات دبلوماسية محدودة مع أسمرة. وفي سياق الدول المتنازع على سيادتها، لم تتم دعوة الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية وصوماليلاند لأن الولايات المتحدة لا تعترف بهما كدولتين.
ويبدو أن رئيس زيمبابوي إيمرسون منانجاجوا لم يحصل على الموافقة بحضور القمة لأنه لايزال خاضعًا لعقوبات أمريكية تستهدفه بشكل خاص، على الرغم من تمثيل حكومته في القمة.
جسر الفجوة أم اللحاق بالركب؟
لم تتم متابعة القمة الأمريكية-الأفريقية عام 2014 وأضحت استراتيجية "أمريكا أولاً" التي رفعها دونالد ترامب تكتسب جاذبية شعبية مع تعزيز توجهات وسياسة العزلة التي تبنتها واشنطن على المسرح الدولي، وهو الأمر الذي لا يزال محسوسًا. بالنسبة للقادة الأفارقة، الذين يتمتعون بالبراعة في التفاوض مع القوى الأجنبية، يشير هذا النهج الأمريكي إلى الافتقار إلى الجدية، أو اعتبار الولايات المتحدة في أحسن الأحوال شريكًا غير موثوق به.
وعلى الرغم من زيارات كبار المسئولين الأمريكيين لأفريقيا مثل وزير الخارجية أنتوني بلينكين، وسفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة ليندا توماس جرينفيلد، ومسئولة الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية سامانثا باور، لم يشر الرئيس بايدن إلى أي اهتمام خاص بأفريقيا، حيث التقى حتى الآن بعدد محدود من رؤساء الدول الأفريقية مقارنة بحالتي أوباما و ترامب. كما لم يشر البيت الأبيض إلى ما إذا كان الرئيس سيسافر إلى أفريقيا في وقت ما خلال فترة ولايته، وهي ركيزة تقليدية للعلاقة بين الولايات المتحدة وأفريقيا والتي غالبًا ما تحدد رمزية ومكانة العلاقة في سلم أولويات السياسة الخارجية الأمريكية.
فيما يتعلق بالمساعدات لأفريقيا، كانت الولايات المتحدة تاريخيًا الشريك الأكثر أهمية للبلدان الأفريقية. ولكن على مدى العقدين الماضيين، أصبحت الصين قوة بارزة في أفريقيا، حيث استثمرت بشكل أساسي في قطاع البنية التحتية في العديد من البلدان الأفريقية، بينما قدمت الولايات المتحدة المساعدة في تطوير الرعاية الصحية وأنظمة التعليم، وهي أشياء ليست مرئية مثل مشروعات السكك الحديدية والموانئ التي تشيدها الصين. بشكل عام، انخفض الاستثمار الأمريكي في البلدان الأفريقية على مر السنين. لكن واشنطن، على ما يبدو، أدركت الحاجة إلى أفريقيا في ظل الصراع الدولي من أجل النفوذ في أفريقيا. وعليه، يبدو أن واشنطن تسعى إلى اللحاق بركب التدافع الدولي من أجل اكتساب النفوذ والثروة في أفريقيا الواعدة.
أهداف القمة الأمريكية-الأفريقية الثانية
يمكن تحديد ثلاثة أهداف كبرى للقمة الأمريكية-الأفريقية الثانية وهي:
1- عودة الروح للعلاقات الأمريكية-الأفريقية: تأمل إدارة بايدن في إعادة الروح للعلاقات الأمريكية-الأفريقية، التي أصبحت تحتل مكانة هامشية في جدول أعمال الرئيس السابق دونالد ترامب. تريد الولايات المتحدة إظهار التزامها تجاه أفريقيا وزيادة التعاون بشأن الأولويات العالمية المشتركة، كما تقول دانا بانكس، المسئولة عن الملف الأفريقي في البيت الأبيض. وتشمل هذه الأولويات الصحة وتغير المناخ والأمن الغذائي وقضايا الصراع وحتى التعاون في مجال الفضاء.
2- احتواء الصين: يبدو أن إدارة بايدن مهتمة بالصين أكثر من اهتمامها بروسيا في أفريقيا. إذ أن حجم الوجود الروسي في أفريقيا لا يضاهى بنظيره الصيني. تستثمر الصين الكثير من الأموال في تطوير البنية التحتية في أفريقيا، كما هو الحال في إثيوبيا وزامبيا وأنغولا، حيث يتم بناء مناطق سكنية، وسكك حديدية وملاعب رياضية. ما تفعله روسيا هو أنها تبيع كميات هائلة من الأسلحة. وعليه تقوم الصين بالكثير من أجل تنمية دول أفريقية معينة. وبما أن الخصم الجيوسياسي الرئيسي للولايات المتحدة الأمريكية هو الصين وليس روسيا، فإن هذه القمة الأمريكية-الأفريقية الثانية، تهدف إلى تحسين موقف الولايات المتحدة مقارنة بوضع الصين في أفريقيا.
3- الشراكة المتساوية: إن التأكيد على مبدأ الشراكة المتساوية قد يكون ردًا خفيًا على رفض معظم الدول الأفريقية للانحياز إلى جانب في الحرب الروسية-الأوكرانية. الرسالة هي أن أفريقيا لا تستطيع تحمل تبعات أفعال البلدان الأخرى، وهي في هذه الحالة، انعدام الأمن الغذائي المزمن بسبب الحرب الأوكرانية، ولكن يمكن أن تساعد في تشكيل إجراءات التخفيف من حدة هذه الحرب. ويحاجج المسئولون الأمريكيون بأن الشراكة الأمريكية-الأفريقية يمكن أن تساعد القارة على تحقيق أهدافها الخاصة، مثل الأمن الغذائي والصحي ومعالجة تغير المناخ. كما أن العديد من المبادرات التي تم التأكيد عليها في القمة الأولى عام 2014 لاتزال مستمرة، مثل خطة الطوارئ الرئاسية للإغاثة من الإيدز، وقانون النمو والفرص في أفريقيا (أغوا) وازدهار أفريقيا.
وتتضمن القمة الثانية مبادرات جديدة لزيادة مشاركة الولايات المتحدة مع منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية، بالإضافة إلى مبادرات لتعزيز تعافي القارة من جائحة كوفيد-19، وتعزيز الأمن الغذائي وتشجيع الاستثمار في مشاريع البنية التحتية والصحة والطاقة المتجددة.
ما الذي تقدمه الولايات المتحدة لأفريقيا؟
إن ما يميز مشاركة أمريكا عن الشركاء العالميين الآخرين ليس واضحًا دائمًا، ولكن يمكن تمييزه على النحو التالي:
1- التركيز على القطاع الخاص: عند مقارنة الولايات المتحدة بالصين، نلاحظ التركيز الأمريكي على القطاع الخاص، وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة لا تستطيع توجيه شركاتها للاستثمار في أفريقيا (كما تستطيع الصين)، إلا أنها يمكن أن تخلق بيئة مواتية أفضل للأعمال التجارية في القارة.
2- شراكات في الاتصال الرقمي: إن شراكة الولايات المتحدة مع أفريقيا في تعزيز الاتصال الرقمي ستركز على "دعم الشبكات المفتوحة المبنية على أساس آمن عبر الإنترنت" و"بيئة الاستثمار التي تتيح التدفق الحر للبيانات مع حماية المعلومات الشخصية". وبعبارة أخرى، ربما يمكن للولايات المتحدة أن تقدم لأفريقيا طريقة لتجنب شبكة هاواوي 5 جي الصينية، التي تشك الولايات المتحدة في قيامها بالتجسس الإلكتروني على عملائها.
3- سياسات الطاقة: بالنسبة لسياسات الطاقة الخاصة بالولايات المتحدة في أفريقيا، فإنها سوف تدعم أهداف الاكتفاء الذاتي والتصنيع في أفريقيا، فضلاً عن تعديل الانتقال الميسور التكلفة إلى مصفوفة الطاقة النظيفة والمتنوعة. وهذا يشير إلى أن الولايات المتحدة قد تعطي أفريقيا فرصة أكبر لاستغلال الغاز وأنواع الوقود الأحفوري الأخرى، مقارنة بموقف الدول الأوروبية على سبيل المثال، التي تعتبر أكثر صرامة فيما يتعلق بالانبعاثات الكربونية.
4- السلام والأمن: تزعم الولايات المتحدة أنها تركز على نهج "ثلاثي الأبعاد" لمعالجة أسباب الصراع والافتقار إلى الديمقراطية والتنمية.
وختامًا، إذا أرادت الولايات المتحدة أن تعيد تأسيس نفوذها في أفريقيا، فعليها أن لا تتجمل وأن تقيم شراكات تعاونية مع الدول الأفريقية. لكن المشكلة هي أن الولايات المتحدة ومعها الدول الغربية لا تستطيع أن تقدم أي بديل للوجود الصيني والقوى الصاعدة الأخرى. الشيء الوحيد الذي يمكن تجربته هو زيادة الاستثمار في العديد من المشاريع الكبيرة. إذ أنه على الرغم من الاستثمارات الكبيرة من الصين، فإن هذا ليس كافيًا للبلدان الأفريقية ككل، وهناك حاجة إلى مزيد من الأموال لتطوير البنية التحتية الأفريقية.
ومع ذلك تظل مسألة المشروطية السياسية والتدخل في الشئون الداخلية للدول الأفريقية. الغرب– عموماً- غير معتاد على منح الأموال أو القروض دون شروط سياسية. وبسبب هذا، فإن القروض الصينية أكثر جاذبية. بالإضافة إلى ذلك، هناك فرص إضافية، مثل بنك مجموعة البريكس (حيث تعد جنوب أفريقيا أحد أعضاء هذا النادي) أو نشاط الجهات الفاعلة الأخرى في المنطقة، مثل دول الخليج وتركيا. وإدراكًا لذلك، من المرجح ألا تتنافس الولايات المتحدة بشكل مباشر مع الصين، لكنها ستحاول اللحاق بالركب من خلال شغل فضاءات فارغة وتوسيع وجودها حيث تتمتع بمكانة موثوقة.
ومن المحتمل أنه بالتوازي مع هذا، سوف تتبنى الولايات المتحدة ووكلائها سردية كبرى مناهضة للصين من أجل تشويه أي مبادرات تقوم بها بكين في أفريقيا. وعلى أي حال، سوف تعد القمة الأمريكية-الأفريقية الثانية نقطة فاصلة في مسيرة التطورات الجيوستراتيجية العالمية والإقليمية منذ اندلاع الحرب الأوكرانية وخلخلة دعائم النظام الدولي الموروث عن الحرب العالمية الثانية.