• اخر تحديث : 2024-07-01 12:23
news-details
تقارير

كيف تتعامل دول الشرق الأوسط مع عالم متعدد الأقطاب؟


يتصاعد الجدل حول طبيعة النظام الدولي الحالي، في وقت تسعى فيه دول منطقة الشرق الأوسط للتعامل بشكل أكثر برغماتية من أجل تعزيز مصالحها، وهو ما تجلَّى مع زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ  إلى السعودية في 7 ديسمبر 2022 وعقد لقاءات مع بعض القادة العرب، في ثالث رحلة له إلى الخارج منذ جائحة "كوفيد- 19"، ولبدء ما سماها "حقبة جديدة" في العلاقات مع بكين. وفي محاولة لتحليل دلالات الزيارة الرئيسية، نشرت مجلة "فورين أفيرز" الاميركية تقريراً لـ"مايكل سينغ"، بعنوان "الشرق الأوسط في عصر متعدد الأقطاب"، كما نشر موقع "ستراتفور" الاميركي تقريراً بعنوان "أهمية زيارة شي للمملكة العربية السعودية"، ويمكن استعراض أبرز ما جاء فيهما على النحو التالي:

تشكيل السياسات

كشف التقارب العربي الصيني الأخير عن ملامح تشكل سياسات مختلفة في منطقة الشرق الأوسط؛ وذلك على النحو التالي:

1- تقارب عربي استثنائي مع القيادة الصينية الحالية: من أهم ما تمخضت عنه الزيارة هو توقيع الرئيس “بينغ” مع العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز على "اتفاقية شراكة استراتيجية شاملة" يلتزم فيها قائدا البلدين بعقد اجتماعات نصف سنوية، وتعزيز العلاقات الثقافية والسياحية بين بلديهما، كما أسفر الاجتماع عن صفقات مختلفة لزيادة التعاون في مجالات تشمل التكنولوجيا والتعليم والطاقة والتنمية الاقتصادية، وكذلك شارك الرئيس "بينغ" في قمة دول مجلس التعاون الخليجي والصين في 9 ديسمبر؛ حيث تعهد باستخدام العملة الصينية (اليوان) بشكل أكبر لشراء صادرات الصين من النفط والغاز من المنطقة، التي يتم تسعيرها عادة بالدولار الأمريكي، فضلاً عن توقيع مذكرات تفاهم لـ"مواءمة" مبادرة "الحزام والطريق" الصينية مع خطة التنويع الخاصة برؤية المملكة العربية السعودية 2030.

2- تشابه مقاربة الصين ودول الخليج إزاء الحرب الأوكرانية: الملاحظ كذلك أن تلك الزيارة الرفيعة المستوى جاءت على خلفية توتر علاقة الولايات المتحدة الأمريكية بالمملكة السعودية على نحو خاص، مع قرار دول مجموعة "أوبك+" المصدرة للنفط خفض إنتاج النفط بمقدار مليوني برميل يومياً في أوائل أكتوبر الماضي؛ وذلك رغم الحملة التي قادتها إدارة الرئيس الاميركي جو بايدن لأجل إيجاد طرق لتخفيض أسعار النفط وسط صدمة الحرب الروسية في أوكرانيا، لتعتبر الإدارة الأمريكية أن دول المجموعة تحالفت بقرارها المعلن مع موسكو، في نقد صريح كان موجهاً للمملكة السعودية تحديداً، باعتبارها أكبر منتج في المجموعة. وفي المقابل، ظلت الصين ودول الخليج العربي على الحياد إلى حد كبير في الحرب الروسية الأوكرانية الجارية؛ حيث تكمن مصالحهما في استقرار سوق الطاقة والحفاظ على علاقات العمل مع كل من موسكو والغرب.

3- توجُّه حلفاء واشنطن نحو تنويع شراكاتهم الدولية: تميل واشنطن إلى التعامل مع قرارات شركائها على أنها اختبار أساسي لمدى الولاء للولايات المتحدة، غير أن هذه رؤية لا يتفق معها العديد من شركاء واشنطن، الذين يسعون للاستفادة من تعاملاتهم الخارجية مع العديد من الأصدقاء، وعلى ألا تقتصر علاقاتهم الخارجية على الحليف الأمريكي وحده. ونتيجة لذلك يسعى عدد متزايد من شركاء الولايات المتحدة لتجنب الاختيارات المتحيزة، مقابل الاستفادة من حالة التنافس القائمة بين القوى العظمى، بدلاً من التهديد الذي تشكله أي قوة بمفردها. وفي إطار ذلك، تنظر السعودية للصين باعتبارها أكبر شريك اقتصادي ووجهة لنحو خُمسة صادراتها، وفي الوقت نفسه يعتبر السعوديون الولايات المتحدة أكبر شريك أمني لهم؛ إذ تسعى الرياض – مثل العديد من الدول الأخرى – للحفاظ على العلاقتين معاً.

4- الانخراط الإقليمي في التكتلات الدولية الفاعلة: تعد الإمارات والبحرين ومصر والكويت وقطر مع المملكة شركاء حوار حاليين أو محتملين في "منظمة شنغهاي للتعاون"، وهي مجموعة سياسية واقتصادية وأمنية تتمحور حول الصين وتوصف أحياناً بأنها بديل لـ"حلف الناتو"، كما تفيد تقارير بأن الرياض والقاهرة أعربتا عن اهتمامهما بالانضمام إلى منظمة "بريكس"، بل أبدت تركيا اهتماماً بأن تكون عضواً في كلتا المنظمتين.

عالم جديد

تسعى دول منطقة الشرق الأوسط، إلى تبني مقاربة متوازنة تعزز مصالحها وتحجم التحديات المتباينة؛ وذلك على النحو التالي:

1- تقليل دول المنطقة تكاليف التنافس بين القوى العظمى: من خلال تبني هذا النهج المتوازن، تسعى دول المنطقة، بما في ذلك تركيا والمملكة السعودية، إلى تقليل التكاليف وتعظيم فوائد المنافسة القائمة بين القوى العظمى؛ فمع تصاعد ذلك التنافس بين القوى الكبرى، وجدت الدول الصغيرة والمتوسطة الحجم نفسها بشكل متزايد عرضة لمطالب متنافسة، مثل الطلبات الواردة من الصين لدعم سياساتها تجاه هونج كونج وتايوان، أو من الولايات المتحدة لتجنب الاستثمار في البنية التحتية الصينية وتكنولوجيا الجيل الخامس.

2- إعادة تفكير واشنطن في نهج واقعي تجاه المنطقة: على ضوء ما سبق، قد تميل الولايات المتحدة لتحذير شركائها الذين يسعون لتجنب التبعات السلبية لنظام دولي ثنائي القطبية بأن عليهم الاختيار بين معسكرها أو المعسكر الذي تقوده روسيا والصين، مهددة في إطار ذلك بتقليص علاقاتها القائمة مع هذه الدول، لكن مثل هذا النهج غير عملي، ولا سيما أن العديد من أشكال التعاون بين شركاء الولايات المتحدة وروسيا أو الصين لا تشكل تهديداً كبيراً للمصالح الأمريكية، ولا تستحق معارضة شديدة.

3- مركزية الاقتصاد الصيني في النظام الدولي الحالي: فيما يتعلق بالصين، قد يكون من المستحيل تنفيذ مثل هذا التحذير الأمريكي النهائي، نظراً لأن اقتصادات شركاء الولايات المتحدة متشابكة مع اقتصاد بكين، واتخاذ نهج أكثر تشدداً حيالها، قد يدفع دول المنطقة لمحاولة الحصول على ضمانات اقتصادية وأمنية أقوى من بكين، وهي الضمانات التي قد تكون واشنطن مترددة أو غير قادرة على تقديمها. بدلاً من ذلك، قد يكون الأفضل هو السعي لزيادة الفرص للشركاء المحتملين للتوافق مع الولايات المتحدة، ومع العمل لأن تكون تلك التحالفات أكثر قيمة للشركاء، حتى لو كانوا منخرطين في الوقت نفسه مع القوى الكبرى الأخرى بمستويات مختلفة.

4- استفادة واشنطن من حدود التعاون التي تفرضها الصين: يمكن لواشنطن كذلك أن تطمئن إلى حدود التعاون القائم بين بكين والرياض؛ وذلك مع ملاحظة أن استمرار شراكة بكين مع طهران سيعقِّد قدرتها على تعميق علاقاتها الأمنية مع دول الخليج التي استهدفها العدوان الإيراني، بما في ذلك السعودية والإمارات، فيما لا يبدو أن الصين على استعداد لتعويض العلاقات العميقة القائمة بين السعودية والولايات المتحدة خاصة في المجال العسكري؛ ذلك أن نهج الصين غير التدخلي في السياسة الخارجية يمنعها من تشكيل تحالفات دائمة في الخارج يمكن أن تورط بكين في صراعات بعيدة المدى.

وختاماً، فإن من غير المرجح أن تغير الصين سياساتها القائمة منذ فترة طويلة للمساعدة في الدفاع عن المملكة السعودية أو بعض دول الخليج العربي ضد إيران أو وكلائها في الإقليم، وهو ما يعني أن الدور الأمريكي في الجانب الأمني سيظل حصرياً في المدى المنظور.