• اخر تحديث : 2024-11-15 12:27
news-details
دراسات

تدور في اللحظة الراهنة معركة صامتة في الداخل الإسرائيلي من أجل تشكيل الحكومة الإسرائيلية السابعة والثلاثين، وذلك بعد أن قام الرئيس الإسرائيلي يتسحاق هرتسوغ بتكليف رئيس الوزراء الأسبق بنيامين نتنياهو، زعيم حزب الليكود، بتشكيل الحكومة في 13 نوفمبر الماضي (2022)، إثر حصوله على توصية الأغلبية من الأحزاب اليمينية بواقع 64 مقعد (الليكود 32 مقعد، الصهيونية الدينية 14 مقعد، شاس 11 مقعد، يهودات هتوراه 7 مقاعد) لتشكيل الحكومة الجديدة.

ورغم أن المعطيات الراهنة المرتبطة بديناميكية تشكيل الحكومة تعزز من سهولة العملية نظرًا لتراجع درجة التشتت في اتجاهات الاحزاب المشاركة، وهو ما يجعل فرص تشكيل حكومة يمينية ضيقة أمرًا يسيرًا، بيد أن مكامن التعقيد ترتبط بمعطيات السياق الداخلي، وكذا البيئة الخارجية، نظرًا للتوجهات اليمينية المتطرفة لغالبية الأحزاب المشاركة، وهو ما يجعل تلك الحكومة إذا ما نجحت المفاوضات في تشكيلها هي الأكثر تطرفًا في تاريخ إسرائيل.

وبالتالي، بقدر ما تصدره هذه المفاوضات الجارية من أصداء تصل ارتداداتها إلى عواصم شركاء تل أبيب الإقليميين والدوليين، وفي مقدمتها واشنطن، فإنها تستقبل في المقابل ارتدادات عكسية ضاغطة، تسعى من خلالها تلك العواصم لأن تُسهم في رسم خيوط الائتلاف المرتقب على النحو الذي يُمكّنها من العمل معه بما يضمن مصالحها ومصالح شركائها في المنطقة.

ومن ثم، تدفع هذه التشابكات والحسابات المعقدة نتنياهو إلى أن يوازن في اختياراته بميزان دقيق يضمن من خلاله استيعاب تخوفات شركائه الدوليين، وفي ذات الوقت يضمن ولاءات ورضاء شركائه من الأحزاب اليمينية المتطرفة، حتى يضمن الاستقرار والاستمرارية لحكومته المرتقبة.

وفي هذا الإطار، تتعرض الدراسة بالتحليل لأبرز ملامح ما توصلت إليه المفاوضات الجارية لتشكيل الحكومة، وانعكاسات ذلك على عوامل استمرار وفشل الحكومة المرتقبة ارتباطًا بمتغيرات الداخل والخارج.

المفاوضات الراهنة والإشكاليات المطروحة

تدخل مفاوضات تشكيل الحكومة الجديدة أسبوعها الخامس من تاريخ تكليف نتنياهو، والتي لم تحسم حتى الآن، وهو ما جعل نتنياهو يلجأ لطلب مد الفترة 14 يومًا من الرئيس الإسرائيلي نتيجة تجاوزه الـ30 يومًا التي انتهت في 11 ديسمبر الجاري، وفقًا لما يسمح به قانون الأساس الإسرائيلي، وهو ما وافق عليه الرئيس الإسرائيلي ولكن بالتمديد لمدة 10 أيام فقط.

وقد تمخض عن المفاوضات – حتى الآن – اتفاقات جزئية بين نتنياهو وزعماء كل من تحالف الصهوينية الدينية إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، ولم تحسم بعد الاتفاقات مع الأحزاب الحريدية الأخرى (شاس ويهودت هتوراة)، حيث توصل نتنياهو إلى اتفاق جزئي مع الزعيم اليميني المتطرف لحزب عوتسما يهودت "إيتمار بن غفير"، وأحد تلاميذ الحاخام مائير كاهانا مؤسس حركة "كاخ" اليهودية المتطرفة، يتم بموجبه إسناد وزارة الأمن العام التي سيتم تغيير اسمها إلى وزارة الأمن القومي، إليه، وإلى جانب مسئوليته عن قوة الشرطة الوطنية، سيحصل على سلطة إضافية بما في ذلك سلطة حرس الحدود في الضفة الغربية، والتي تعمل حاليًا تحت إشراف الجيش الإسرائيلي.

من ناحية أخرى، توصل بتسلئيل سموتريتش، زعيم الصهيونية الدينية، ونتنياهو، إلى اتفاق ائتلافي بعد حالة من التعثر، نظرًا للخلاف بين الجانبان على شكل الصلاحيات التي يرغب سموتريتش أن ينتزعها من وزارة الدفاع لتضاف إلى الحقيبة الوزارية المقرر إسنادها إليه (وزارة المالية) حيث يرغب في نقل وكالة الإدارة المدنية المسئولة عن إدارة جوانب الحياة المدنية في حوالي 60 في المائة من الضفة الغربية، من وزارة الدفاع لتكون ضمن الإدارات المدنية الخاضعة لسلطاته كوزير للمالية. وإثر ذلك تعثرت المفاوضات بين الجانبان وتبادلا الاتهامات حيث زعمت الصهيونية الدينية أنه "بعد أن طلب نتنياهو من سموتريتش التخلي عن مطلبه بتعيينه وزيرًا للدفاع، تم الاتفاق على تعيينه وزيرًا للمالية بالإضافة إلى توليه مسئولية الإدارة المدنية"، وهو ما نفاه حزب الليكود حيث أكد أنه لم يوافق، في أي مرحلة من مراحل المفاوضات، على نقل أي وكالة حكومية إلى وزارة المالية. بيد أنه خلال الأيام الماضية حاول نتنياهو حلحلة الوضع الراهن للمفاوضات حيث أُعلن عن منحه موطئ قدم لسموتريتش في وزارة الدفاع، مع الوزير المسئول عن الاستيطان في الضفة الغربية الذي سيتصرف - وهذا أمر أساسي - "بالتعاون والاتفاق" مع نتنياهو.

وعلى إثر ذلك، وقع الجانبان اتفاقًا ائتلافيًا سيتولى بموجبه سموتريتش وزارة المالية لمدة عامين بالتناوب مع زعيم الحزب الحريدي "شاس" أرييه درعي، بالإضافة إلى حصول حزب سموتريتش على منصب في وزارة الدفاع سيكون مسئولاً عن مكاتب التنسيق والارتباط المحلية والإدارة المدنية في الضفة الغربية، إلى جانب تعيين عضو الكنيست عن الحزب أوفير سوفير وزيرًا للهجرة والاندماج، وتولي عضو الكنيست أوريت ستروك وزارة محلية جديدة لم يتم تحديد مجالات مسئوليتها بعد. وإلى جانب هذه التعيينات، كان هناك أيضًا تعيين آخر زاد بدوره من حالة الجدل الناشئة في الأوساط القضائية، نتيجة تولي عضو الكنيست الصهيوني المتدين سيمشا روثمان، الذي طالما دافع عن حملة كبح جماح سلطة المحكمة العليا، رئاسة لجنة الدستور والقانون والقضاء في الكنيست، وهو ما اعتبر المراقبون أنه يكشف عن نية الحزب وتوجهه لتعديل النظام القضائي بما يخدم مصالح شركائه في الائتلاف المرتقب وعلى رأسهم نتنياهو.

أيضًا اتفق نتنياهو وعضو الكنيست اليميني المتطرف آفي ماعوز، النائب الوحيد عن حزب "نعوم"، والمعروف بمعاداته للفلسطينيين، ومناهضة مجتمع الميم، والدفاع عن التفسير الصارم للقوانين الدينية اليهودية، كنائب وزير على رأس وكالة حكومية جديدة "الهوية اليهودية القومية" داخل مكتب رئيس الوزراء، وستمنح هذه الهيئة الجديدة سلطة على المحتوى في المدارس الإسرائيلية الذي يتم تدريسه خارج المناهج العادية.

وفيما يتعلق بباقي أحزاب الائتلاف (شاس ويهودات هتوراة)، فلم تحسم المفاوضات فيما بينهم حتى الآن، حيث توصل حزب الليكود إلى توقيع اتفاق ائتلافي مؤقت مع يهدوت هتوراة في 6 ديسمبر الجاري، ومن المقرر أن يتسلم الحزب السيطرة على وزارة البناء والإسكان، ورئاسة لجنة المالية، بالإضافة إلى وزارة شئون القدس والتراث، وعدة مناصب نواب وزير والسيطرة على عدد قليل من لجان الكنيست الأخرى. بينما لم يتوصل إلى اتفاق مشابه مع حزب شاس، بخلاف تضمين الاتفاق مع حزب الصهيونية الدينية على أن تكون حقيبة المالية بالتناوب لمدة عامين بين سموتريتش ودرعي (الذي حُكم بالسجن لمدة 12 شهر مع إيقاف التنفيذ والغرامة المالية على خلفية قضايا تهرب ضريبي، ويفسر ذلك الحاجة إلى تهيئة مقومات هذا الاتفاق من خلال سن بعض التشريعات، حيث أن العديد من التعيينات الوزارية التي يعتزم نتنياهو والالتزامات تجاهها لأحزاب التحالف القادمة تتطلب تغييرات في التشريعات القائمة، على سبيل المثال، يحتاج رئيس حزب شاس أرييه درعي، إلى تمرير تشريع يسمح له بتولي حقيبة وزارية من أجل تجاوز عقبة سوابق الاتهام والسجن التي تمنعه من تولي أي منصب وزاري.

وبشكلٍ عام، ستسعى هذه الأحزاب للسيطرة على الحياة الاجتماعية وتهويدها من خلال الفوز بالحقائب الوزارية المعنية بإدارة وتنظيم الحياة الاجتماعية في المجتمع الإسرائيلي بشقيه (العلماني والديني)، من أجل الانتصار والثأر لمعتقداتهم اليمينية المتطرفة، وهو ما يُعيد للأذهان بداية الخلاف الذي نشب في 2018 بين الأحزاب الحريدية والتيار العلماني الذي يتزعمه رئيس حزب يسرائيل بيتنا أفيغدور ليبرمان، حول قوانين تجنيد الشباب الحريديم، حيث قاد هذا الخلاف آنذاك إلى تفسخ الائتلاف وحل الكنيست للمرة الأولى في ديسمبر 2018.

تفرض هذه المتغيرات مجتمعة درجة من التعقيد التي تصعّب بدورها مهمة نتنياهو في تشكيل الحكومة، نظرًا للمواءمات المتطلبة من أجل كسب رضاء وولاءات الأحزاب اليمينية المتطرفة التي تمثل حجر الزاوية أو "صانع الملوك" في الائتلاف الحكومي المرتقب، من ناحية، ومن ناحية أخرى، استيعاب قلق ومخاوف الداخل الإسرائيلي العلماني، وكذا الشركاء الإقليميين والدوليين تجاه التوجه المتطرف لهذه الأحزاب اليمينية في تعاملها مع قضايا المجتمع الإسرائيلي، والصراع مع الفلسطينيين، وكذلك قضايا السياسة الخارجية، وفي مقدمتها الملف الإيراني.

عوامل الاستقرار والاستمرارية

1- مركزية صنع القرار: يسعى نتنياهو اعتمادًا على خبرته السياسية التي جعلته رئيس الوزراء الأطول مدة في تاريخ إسرائيل، لأن يتوصل لاتفاق يمكّنه من الهروب للأمام من أجل تجاوز معضلاته الشخصية المتمثلة في قضايا الاتهام بالفساد التي مازالت قائمة، ومن ناحية أخرى يحافظ على إرث حكمه الذي قارب العقد والنصف من الزمن. بيد أن تعقيدات المشهد الراهن لمفاوضات تشكيل الحكومة التي يُراهن فيها نتنياهو على اليمين المتطرف تفرض عليه درجة من الضغط سواء من الداخل الإسرائيلي أو الشركاء الإقليميين والدوليين من أجل تحجيم الميول المتطرفة لأعضاء حكومته المرتقبة، والتي لايُخفيها أصحابها، على النحو الذي سيفرض درجة من عدم الاستقرار الداخلي بالنسبة للمجتمع الإسرائيلي، والإضرار بمصالح شركاء تل أبيب في المنطقة.

وارتباطًا بذلك، يبدو أن نتنياهو في طريقه لاعتماد استراتيجية جديدة في صياغة اتفاقه الائتلافي مع الأحزاب اليمينية، والتي ترتكز على "مركزية التخطيط ولا مركزية التنفيذ" بحيث تتركز عملية صنع القرار في يده، لتجنب أية تحركات غير محسوبة من جانب شركائه قد تورطه وتعصف بحكمه وإرثه. وانعكس ذلك في نصوص اتفاقاته مع تحالف الصهيونية الدينية، حيث نص اتفاقه مع زعيم حزب الصهيونية الدينية بتسلئيل سموتريتش على أن تكون جميع القرارات والسياسات المرتبطة بالضفة الغربية "بالتنسيق والاتفاق" مع رئيس الوزراء. كما فعل الأمر ذاته مع زعيم حزب عوتسما يهودت إيتمار بن غفير، حيث نص الاتفاق بينهما على "أن يشكل رئيس الوزراء ويقود لجنة وزارية لتنظيم المستوطنات الفتية في الضفة الغربية". وبالتالي، ستظل خيوط القرار متركزة في يد نتنياهو فيما يتعلق بالملفات ذات الحساسية سواء على مستوى الداخل الإسرائيلي أو المستوى الإقليمي والدولي مثل مسألة الضفة الغربية وضم المستوطنات.

2- تراجع التباينات بين مكونات الائتلاف: يتميز هذا الائتلاف الحكومي اليميني الضيق إذا ما كُتب له النجاح، بميزة تمثلت في التوحد في توجهات الشركاء على عكس الائتلاف الحكومي السابق، حيث يجتمع غالبية المشاركين على التوجه اليميني المتطرف، والنزوع نحو تغليب الهوية القومية اليهودية ومعاداة الفلسطينيين. ويساهم هذا بدوره في تعزيز استقرار الائتلاف واستمراريته نظرًا لتراجع الخلافات والتباينات بين أعضائه.

3- ميل الرأي العام لاستقرار الحكومة: يتجه الرأي العام الإسرائيلي إلى دعم استقرار واستمرار الائتلاف القادم، تلافيًا لحالة الجمود التي شهدتها إسرائيل على مدار أربعة أعوام، شهدت خلالها سلسلة من الجولات الانتخابية، ومؤخرًا تم حل الائتلاف الحكومي الهش، من أجل تجاوز عقدة تشكيل الحكومة التي مثلت كابوسًا أمام الإسرائيليين، وهو ما دفعهم خلال الانتخابات الأخيرة إلى حشد أنفسهم للتصويت (وخاصة الناخبين اليهود)، حيث بلغ معدل التصويت 71.6٪ بزيادة قدرها 4% عن انتخابات العام الماضي، من أجل ترجيح كفة الأحزاب اليمينية وتمرير حكومة يمينية ضيقة تضمن استقرارها واستمراريتها لفترة حكم كاملة

مُحفِّزات التهديد والفشل

1- التوجهات المتطرفة تجاه قضايا الضم والاستيطان: تعكس توجهات غالبية قادة الأحزاب اليمينية المشاركة في الائتلاف المحتمل، حدة في التطرف لمعاداة الفلسطينيين، وخاصة هؤلاء المتواجدين في الضفة الغربية، بالإضافة إلى الرغبة في توسيع المستوطنات الإسرائيلية هناك، وإحباط التطلعات الفلسطينية إلى دولة مستقلة في المنطقة. ولذا كان هناك حرص واضح من قبل قادة الأحزاب اليمينية المتطرفة أثناء المفاوضات على الاستحواذ بالحقائب الوزارية المسئولة عن هذا الملف، وهو ما انعكس في رغبة زعيم حزب الصهيونية الدينية بتسلئيل سموتريتش، للحصول على حقيبة وزارة الدفاع في بداية مفاوضاته، وحينما فشل في إقناع نتنياهو، قايض ذلك بنقل وكالة الإدارة المدنية المسئولة عن إدارة جوانب الحياة المدنية في حوالي 60 في المائة من الضفة الغربية، من وزارة الدفاع لتكون ضمن الإدارات المدنية الخاضعة لسلطاته كوزير للمالية، والتي انصاع إليها نتنياهو مؤخرًا من خلال منحه موطئ قدم في وزارة الدفاع، مع الوزير المسئول عن الاستيطان في الضفة الغربية شريطة أن يتم ذلك "بالتعاون والاتفاق" مع نتنياهو.

أيضًا حرص الزعيم اليميني المتطرف لحزب عوتسما يهودت إيتمار بن غفير على السيطرة على شرطة الحدود في الضفة الغربية، من خلال الاستحواذ على منصب وزير الأمن القومي الذي تم إنشاؤه حديثًا - وهو دور موسع للأمن العام يشمل الإشراف على الدولة. وتعني هذه الخطوة أن بن غفير سيكون له السيطرة على قوات حرس الحدود المشاركة في أعمال الشغب في الضفة الغربية، وكذلك إخلاء البؤر الاستيطانية التي طالما دعم وجودها. هذا فضلاً عن الاتجاه لسن بعض القوانين مثل "القانون الجنوبي الموسع"، التي تسمح بإطلاق النار على اللصوص التي يُقبض عليهم وهم يسرقون أسلحة من قواعد عسكرية.

كما سيتولى الحزب إدارة نسخة موسعة من وزارة تطوير النقب والجليل، التي سيتولاها المسئول الثاني بالحزب، يتسحاق فاسرلاف، والمسئولة عن تنفيذ تنظيم المستوطنات الجديدة في الضفة الغربية، بينما سيتولى عميشاي إلياهو وزارة التراث المنشأة حديثًا.

ومن شأن هذه التوجهات المتطرفة أن تزيد من وتيرة المواجهات الأمنية بين القوات الإسرائيلية والفلسطينيين وارتفاع حدة الصراع بين الجانبان خاصة في ظل الموقف المتراخي المتوقع من جانب القوات الأمنية التي يسيطر على قيادتها أحد أبرز قيادات اليمين المتطرفة، تجاه أعمال المستوطنين الإسرائيليين. وبالتالي، ستفرض هذه المتغيرات درجة من عدم الاستقرار الداخلي، هذا فضلاً عن الضغط الدولي المتوقع إذا ما اتجهت هذه القيادات اليمينية الى اتخاذ قرارات تحاول تغيير المعادلة الراهنة في الضفة ليتحول الوضع إلى ضم كامل على نحو يستحيل معه خيار حل الدولتين، وهي عوامل ستؤثر بدورها على استقرار الائتلاف في مواجهة تيارات المعارضة. وكذلك ضغط الشركاء الدوليون وخاصة الإدارة الديمقراطية في واشنطن، وكذلك الشركاء الإقليميون الجدد (الإمارات، البحرين) خاصة وأن الابقاء على الوضع الراهن في الضفة كان أحد الارتكازات الرئيسية التي تأسست عليها الاتفاقات الإبراهيمية الموقعة بين الجانبان، وهو ما يحاول أن يستبقه الرئيس الإسرائيلي هرتسوغ برسائل طمأنة لهؤلاء الشركاء من خلال جولته الخليجية التي أجراها مؤخرًا.

2- زيادة درجة الاستقطاب الداخلي بين التيار الديني والعلماني: في ظل السيطرة المتوقعة للأحزاب اليمينية المتطرفة على مشهد الحياة الاجتماعية في إسرائيل عبر استحواذهم على معظم الحقائب الوزارية المعنية بشئون الحياة هناك، ومن ثم، فرض أجندتهم المتطرفة ذات التوجه القومي المتطرف (ومنها السماح بالفصل بين الجنسين في بعض الأماكن العامة وزيادة المخصصات الحكومية لعشرات الآلاف من اليهود الأرثوذكس المتشددين)، إلى جانب الالتزام بالتفسير الصارم للقوانين الدينية اليهودية، وهو ما ينعكس في تصريحات قادة الأحزاب اليمينية والشركاء المحتملين في حكومة نتنياهو، حيث عبر الشريك الانتخابي لبن غفير، زعيم الصهيونية الدينية بتسلئيل سموتريتش، في وقت سابق، عن أنه "يريد أن تخضع إسرائيل للقانون اليهودي"، بينما دعا عضو الكنيست اليميني المتطرف آفي ماعوز، النائب الوحيد في حزب "نعوم"، والمعروف بمناهضة مجتمع الميم والشذوذ الجنسي، الذي اتفق معه نتنياهو على توليه منصب نائب وزير على رأس وكالة حكومية جديدة "الهوية اليهودية القومية" داخل مكتب رئيس الوزراء، إلى حظر مسيرة فخر المثليين في القدس. كما أثار خلال جلسات الكنيست اليوم الجدل بتصريحاته في مهاجمته لما أسماه "الدين الليبرالي" حيث أوضح أن "أشكال الدين الليبرالي هي الظلام الذي يجب طرده".

وبالتالي، من شأن هذه التوجهات المتطرفة أن تزيد من درجة الاستقطاب السياسي والمجتمعي بين التيار الديني المتطرف الذي يمثله هؤلاء القادة، والتيار العلماني الذي يقوده فصيل سياسي ومجتمعي بدأ في التعبير عن رفضه لهذه التوجهات، حيث أعربت على سبيل المثال رئيسة قسم التعليم في تل أبيب، شيرلي ريمون براخا، في رسالة إلى مديري المدارس في المدينة ذات الغالبية الليبرالية عن أن تعيين ماعوز المتوقع "هو دراما إدارية يمكن أن تصبح دراما أخلاقية أيضًا"، كما أكدت السلطات المحلية في كل من بلدات تل أبيب، جفعتايم، رمات غان، هرتسليا، رمات هشارون وهود هشارون، أنها ستقاوم إذا تم قطع البرامج الليبرالية عن المدارس. هذه التحولات بدورها ستسهم في زيادة حدة الانقسامات المجتمعية، وتراجع الاستقرار، وهو ما سيؤثر على استقرار المشهد السياسي ويقود إلى انهيار الائتلاف.

3- تهديد الديمقراطية والنظام القضائي: في إطار الضغوط التي يواجهها نتنياهو نتيجة لاتهامات الفساد التي تلاحقه، فإنه يسعى إلى تأمين حصانة قضائية له، سيساعده على ذلك شركاءه اليمينيون في مقابل صفقاته السياسية التي يبرمها في الوقت الراهن معهم. إذ يسعى شركاؤه الائتلافيون إلى تمرير تشريع يُطلق عليه "القانون الفرنسي" الذي يسمح بتأجيل محاكمة نتنياهو على جرائم الفساد حتى يترك منصبه. كما يخطط شركاؤه لسلك مسار آخر يرتبط بتغيير قانون العقوبات بحيث يمكن محاكمة نتنياهو على بعض الجرائم، مع استبعاد تهم الفساد. كما يستهدفوا تعديل منصب النائب العام بحيث يُقّسم المنصب إلى ثلاث وظائف منفصلة، مع تعيين اثنين على الأقل من المناصب السياسية، وهو ما يسمح بتهميش دور المدعية العامة الحالية، غالي باهراف، التي أيدت قرار سلفها بتوجيه الاتهام إلى نتنياهو، وذلك نظرًا لصعوبة فصلها. والجدير بالإشارة هنا أنه ليس نتنياهو وحده المحتمل استفادته من هذه التعديلات بالنظام القضائي، حيث يسعى رئيس حزب شاس أرييه درعي إلى القفز على سوابق سجنه لمدة 22 شهرًا في السجن من 2000 إلى 2002 بتهمة الرشوة، بالإضافة إلى تلقيه حكمًا بالسجن 12 شهرًا مع وقف التنفيذ العام الماضي، وهي عوائق تحول – وفقًا للقانون الحالي – دون توليه حقائب وزارية.

وعلى مستوى نظام المحاكم، سيناله أيضًا نصيب من التغيير، حيث يستهدف شركاء نتنياهو تعديل نظام عمل المحكمة العليا، من خلال تشريع قانون يتضمن بند "التجاوز" والذي يمكن من خلاله أن تتعامل الحكومة مع بعض قرارات المحكمة على أنها غير ملزمة، مبررين هذا التعديل بأن المحكمة العليا تتدخل في كثير من الأحيان للتخلص من القوانين ذات التوجه اليميني من خلال الطعن، وهو ما يعد "إهانة" لاختيار الشعب. وفي ضوء التشريع المقترح، يُمكن للائتلاف تجاوز الأحكام بأي أغلبية، مما يمنح الكتلة الحاكمة سلطة ساحقة لزعزعة نظام الضوابط والتوازنات الإسرائيلي وخلال الأيام الماضية، تقدم عضو الكنيست عن حزب "عوتسما يهوديت" يتسحاق فاسرلاف، بمشروع قانون من شأنه تغيير لجنة اختيار القضاة، وإحداث تغيير في التوازن بين السلطة القضائية والتشريعية من خلال وضع السلطة النهائية على تعيين القضاة في أيدي السياسيين.

وقد أثارت هذه المقترحات استياء الأوساط القضائية والقانونية في إسرائيل، حيث حذرت رئيسة المحكمة العليا إستر حايوت، من أي تحرك من شأنه أن يؤثر على استقلال القضاء، مؤكدة أنه "بدون الحرية لا يستطيع القضاة أداء مهمتهم للجمهور". كما أشارت إلى أن المحاكم "ستستمر في الوقوف بقوة حتى في ضوء" البرق والرعد الذي يُرى ويُسمع في هذا الوقت". كما حذر نقيب المحامين الإسرائيليين، من هذه الإصلاحات القانونية وحث على معارضة شعبية واسعة لها.

ومن شأن حالة الاستياء الناشئة في الأوساط القضائية والمرشحة للتصعيد، تحت ضغط هذه التعديلات التي تشكل تهديدًا مباشرًا للنظام الديمقراطي، والإخلال بالنظام المستقر منذ تأسيس إسرائيل القائم على الفصل بين السلطات، أن تشكل عامل ضغط على الائتلاف المرتقب وتهديد استقراره، خاصة في ظل التوسع المتوقع لدائرة المنتقدين لتشمل الحلفاء الدوليين، وانعكس ذلك مبكرًا من خلال تصريحات آبي فوكسمان، أبرز القادة اليهود الأمريكان، والذي شغل سابقًا منصب المدير الوطني لرابطة مكافحة التشهير، حيث أوضح أنه في حالة إذا توقفت إسرائيل عن أن تكون ديمقراطية مفتوحة، فلن يتمكن من دعمها، مؤكدًا أنه في حالة إذا تم تغيير قانون العودة والنظام القضائي الإسرائيلي ذي المستوى العالمي، فإن "كل هذه الأشياء ستؤثر على العلاقة مع اليهود الأمريكيين بشكل كبير" وستعزل إسرائيل عن 70% من يهود العالم. وقد تقاطع مع هذه التصريحات، ما عبر عنه أيضًا رئيس مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الأمريكية الكبرى، ويليام داروف، من مخاوف جدية بشأن اقتراح قدمته الحكومة المرتقبة لتقييد قانون العودة الإسرائيلي بشدة، باعتبار أن ذلك يهدد "الأساس المتين للصهيونية".

4- الصدام المحتمل مع المؤسسة العسكرية: تعد حقيبة الدفاع أحد أبرز الحقائب استهدافًا من جانب شركاء الائتلاف نظرًا لأهميتها الحيوية في إدارة الملفات الأمنية ذات الأهمية بالنسبة لغالبية الأحزاب اليمينية، ولذا كان هناك سعي حثيث للاستحواذ على هذه الحقيبة، بيد أن هذه المحاولات فشلت بشكل جزئي، حيث تمكن قادة الأحزاب من اقتطاع بعض الصلاحيات من وزارة الدفاع وضمها للحقائب الوزارية التي استحوذوا عليها، على غرار حقيبة الأمن العام، التي أُضيف إليها سلطة حرس الحدود في الضفة الغربية، والتي تعمل حاليًا تحت إشراف الجيش الإسرائيلي، أيضًا تمكن زعيم حزب الصهيونية الدينية بتسلئيل سموتريتش من الحصول على موطئ قدم في وزارة الدفاع، مع الوزير المسئول عن الاستيطان في الضفة الغربية.

وقد أثارت هذه التعديلات بالدمج والفصل في صلاحيات وزارة الدفاع استياء بعض القادة العسكريين، وعلى رأسهم وزير الدفاع الحالي بيني غانتس، رئيس حزب الوحدة الوطنية اليميني، الذي رأى في هذه التعديلات محاولة لتفكيك الأطر العملياتية للجيش الإسرائيلي، وهو ما سيلحق الضرر بوظائف الجيش والشرطة، مؤكدًا خشيته على وجود الجيش الإسرائيلي "كجيش الشعب"، معتبرًا أن "تقويض قيم جيش الدفاع الإسرائيلي، وإدخال الاعتبارات السياسية في الاعتبارات العملياتية، وإخضاع الجنود للقادة، يشكل خطرًا على الأمن القومي"، بل وذهب لمناشدة الجنود على حد وصفه إلى عدم تقنين الزحف على حساب الدم لدولة إسرائيل والمجتمع، قائلاً: "لا تدعوا هذه الأرواح الشريرة تؤذي جيش الدفاع الإسرائيلي".

هذه التفاعلات تؤشر إلى حالة عدم الرضا المحتملة بين صفوف القادة العسكريين إذا ما دخلت الاتفاقات الحالية حيز النفاذ وتولى هؤلاء القادة اليمينيون السلطة، وهو ما ينذر باحتمالية صدام هؤلاء القادة اليمينيين بفعل سياستهم المتطرفة مع قادة المؤسسة العسكرية، ومنهم غانتس الذي سيستمر في مقاومة هذا الزحف – على حد زعمه – من خلال مقاعد المعارضة عبر حزبه الوحدة الوطنية الذي حاز على 12 مقعد في الكنيست، ومن ثم، سيقود تصاعد هذه الخلافات المحتملة إلى التأثير على تماسك واستقرار الائتلاف الحكومي وانهياره.

5- تحدي التناوب الوزاري: على الرغم من كون آلية "التناوب" إحدى الأدوات التي تساعد في إنجاح المفاوضات الائتلافية والتي تم اللجوء إليها مرارًا خلال الائتلافات الحكومية السابقة، بيد أنها تضمر بين ثنايا توظيفها بعض نقاط الضعف التي قد تُودي باستقرار الائتلاف وانهياره، وبالنظر إلى الائتلاف المرتقب، نجد بعض التخوفات المرتبطة بهذه الآلية ناشئة، على سبيل المثال، من توقع أن يعمل سموتريش، زعيم الصهيونية الدينية، كوزير للمالية لمدة عامين ثم يحل محله زعيم حزب شاس أرييه درعي. وبغض النظر عن حقيقة أنه يكاد يكون من المستحيل إحداث أي تغيير ذي مغزى طويل الأجل خلال فترة قصيرة كهذه، فإن هذين الوزيرين المحتملين هما قطبان متناقضان من حيث وجهات نظرهما الاقتصادية للعالم: فبينما يتبنى سموتريتش الاقتصاد الليبرالي يسعى درعي إلى المركزية؛ وفي حين يحارب سموتريتش النقابات، يقف درعي معهم؛ وبينما يؤمن سموتريتش باقتصاد السوق الحر، يؤمن درعي بدولة الرفاهية، وهو ما ينذر بعدم استقرار الائتلاف خاصة إذا ما تعلق الأمر بملفات مهمة مثل ميزانية الدولة التي يتم إقرارها بصعوبة نظرًا لتباين وجهات نظر الشركاء والمعارضة حول بنودها، والتي تؤدي أحيانًا إلى حل الكنيست لعدم القدرة على تمريرها.

إجمالاً، تشير اللحظة الراهنة إلى حالة عدم اليقين التي تكتنف المشهد السياسي بشأن توجهات الحكومة المقبلة، والتي يغلب على أعضائها المحتملين من الأحزاب اليمينية النزعة القومية المتطرفة، وهو ما يصعّب مهمة رئيس الوزراء الأسبق (المنتخب حاليًا) نتنياهو في تشكيل الحكومة الذي أوشك على أن يطلب مد فترة التكليف، نظرًا لمحاولته المواءمة بين تطلعات الأحزاب المشاركة – التي تعي جيدًا حاجة نتنياهو إليها لإنجاح الائتلاف من ناحية، ومن ناحية أخرى، تحصينه من الملاحقة القضائية – وبين تخوفات الداخل الإسرائيلي، وفي مقدمته التيار العلماني، وكذلك شركاء الخارج.

بيد أن هذه التعقيدات يمكن تفكيكها بما يضمن استقرار الائتلاف المرتقب واستمراريته وفقًا لمنهجية الحكم وفلسفة الاتفاقات التي سيتوصل إليها نتنياهو مع شركاءه في الائتلاف، وهو ما بدا في اتجاهه نحو تركيز عملية تخطيط السياسات في يده (خاصة في ظل تداول التقارير عن اتجاهه لتشكيل ما يمكن تسميته "مجلس أمني مصغر" بديلاً عن الكابينت؛ بحيث يتولى مسئولية اتخاذ القرارات الأمنية المهمة، والتي سيُستثنى منها كل من بن غفير وسومتريش)، بينما قدم التنازلات فيما يتعلق بآليات التنفيذ.

بشكل عام، يشهد الائتلاف المرتقب حالة من التداخل في بنك أهدافه وأرضيات التلاقي فيما يتعلق بأجندة الحكم المتصورة، والتي يغلب عليها نزعة التطرف، وهو ما يشكل عامل استقرار نظرًا لتراجع عامل التشتت والتباين في الرؤى بين أعضاء الائتلاف، هذا إلى جانب غياب البديل المحتمل في معسكر المعارضة الذي يمكن أن يحشد أغلبية تمكنه من تشكيل الحكومة في ضوء خريطة القوى الحزبية داخل الكنيست، وهو ما عزز قبول الرئيس الإسرائيلي لطلب مد الفترة الزمنية لتكليف نتنياهو، بل ومساعدته عبر القيام بجولات مكوكية على المستويين الإقليمي والدولي من أجل طمأنة الشركاء وتخفيف الضغط على عملية المفاوضات التي يجريها نتنياهو في الوقت الراهن. وسيساعد في ذلك أيضًا عدم استعداد أي من الأحزاب اليمينية أن يغامر بفقدان ثقة ناخبيه وقاعدته التصويتية في حال إذا ما فشلت المفاوضات الجارية التي تمثل فرصة ذهبية لتشكيل حكومة يمينية ضيقة.

وهنا تجدر الإشارة إلى أن دور وجهد نتنياهو خلال العامين الأوائل إذا ما نجح في تشكيل الحكومة سيتركز على تخفيف حدة السياسات واستقطاب القبول المجتمعي والدولي لها، من خلال المناورة بعامل الجمود وعدم الاستقرار الذي عانى منه المجتمع الإسرائيلي على مدار أربعة أعوام.