• اخر تحديث : 2024-05-15 19:58
news-details
تقارير

لماذا برز الاهتمام بأسلحة الردع الاستراتيجية في الساحة الدولية؟


نشرت مؤسسة جينس، تقريراً للكاتب لي ويليت حمل عنوان "أسلحة جينس: استراتيجية 2023-2024". أشار التقرير إلى أنه عقب اندلاع الحرب الأوكرانية في فبراير 2022، تكررت التلميحات والتهديدات الروسية بإمكانية اللجوء إلى أسلحة الردع النووية، بل أصدر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أوامر بوضع تلك القوات في حالة تأهب. وأوضح التقرير أنه على الرغم من استبعاد الكثير من التقديرات إقدام بوتين على تنفيذ ضربة نووية في الحرب، وتأكيدهم أن تهديداته لا تعدو عن كونها محاولة لردع "الناتو"، فإن مجرد التلويح بالخيار النووي يُعد أمراً خطيراً وتحولاً مُهماً في العلاقات الدولية، لا سيما مع إصرار الكثير من الدول على تطوير قدرات الردع، سواء النووية أو التقليدية. وتوقع التقرير استمرار هذا التنافس في السنوات القادمة، مع ما يُمثله من مخاطر؛ ليس فقط على الساحة الأطلسية وإنما في مُجمل أقاليم العالم.

مؤشرات مُقلقة

استعرض التقرير المظاهر المختلفة لعودة الاهتمام الدولي بالردع النووي، وتركيز العديد من الدول على تطوير القدرات الباليستية العابرة للقارات. ويمكن توضيح ذلك عبر ما يلي:

1. عودة “الردع النووي” للساحة الدولية مع الحرب الأوكرانية: رغم أن القوى النووية العالمية عمدت إلى تجديد هياكل قوتها النووية بشكل مطرد على مدى العقد الماضي، فإن خطر استخدام الأسلحة النووية كان لا يزال بعيداً، بيد أنه مع اندلاع الحرب الأوكرانية في 24 فبراير 2022، وتصاعُد الاستقطاب الدولي، عاد الحديث – وبقوة – عن خطر التصعيد النووي لأول مرة منذ نهاية الحرب الباردة، لا سيما مع تكرار تهديدات الرئيس الروسي باستخدام كافة الوسائل الممكنة إذا استدعت الضرورة.

2. تنامي احتمالات شن هجوم نووي تكتيكي في الحرب الأوكرانية: مع بدء الحرب الأوكرانية، تنامى خطر التصعيد النووي في القارة الأوروبية؛ ذلك أنه بعد أسبوع من الحرب، أعلنت روسيا وضع قواتها النووية في حالة تأهب قصوى، رداً على المناقشات الغربية المبكرة بشأن إمكانية إنشاء منطقة حظر طيران فوق أوكرانيا، واستمرت المخاوف من أن روسيا يمكن أن تستخدم “حادثاً مزيفاً”، مثل هجوم على محطة الطاقة النووية “زابوريجيا” على ضفاف نهر الدنيبر، ذريعة لشن هجوم نووي تكتيكي على جنوب أوكرانيا، كما أثار إعلان موسكو عن ضم أربع مناطق في جنوب أوكرانيا للأراضي الروسية مخاوف من استخدام الأسلحة النووية التكتيكية الروسية ضد القوات الأوكرانية التي تتقدم في تلك المناطق.

3. لعب الصواريخ العابرة للقارات دوراً مهماً في الردع النووي: مع تركُّز الكثير من النقاش والمخاوف حول الاستخدام المحتمل للأسلحة النووية نتيجة للصراع في أوكرانيا، إلا أن تطوير روسيا المستمر لقدراتها الصاروخية، لا سيما صاروخ “سارمات” Sarmat الباليستي العابر للقارات، يؤكد أيضاً كيف تلعب قدرات الأسلحة النووية الاستراتيجية المتطورة دوراً مركزياً في الخطاب والردع النوويين؛ حيث أشار المسؤولون الروس إلى قدرة صاروخ “سارمات” على تجاوز قدرات الدفاع الصاروخي الباليستي الأمريكية الحالية، كما سلطوا الضوء على حقيقة جاهزيته للعمل بحلول نهاية عام 2022، رغم الشكوك المحيطة بالأمر؛ حيث بدأت اختبارات الصاروخ بنجاح في أبريل 2022، ومن المحتمل أن تكون هناك حاجة إلى العديد من اختبارات الطيران الناجحة قبل أن تصبح الصواريخ متاحة للعمليات.

4. امتداد خطر الصواريخ الباليستية إلى خارج المسرح الأوروبي: إلى جانب شبح التصعيد النووي بين حلف “الناتو” وروسيا في المسرح الأوروبي الأطلسي، فإن الأسلحة النووية تُعد أحد عوامل غياب الاستقرار في منطقة المحيطين الهندي والهادئ أيضاً؛ حيث واصلت كوريا الشمالية في عام 2022 برامجها لتطوير الصواريخ الباليستية، مع اختبارها نوعين من الصواريخ العابرة للقارات “Hwaseong-15” و”Hwaseong-17″، وقد أجرت سلسلة من الاختبارات الصاروخية طوال عام 2022، التي يبدو أنه جرى اختيار توقيتها بدقة لإرسال رسائل إلى الولايات المتحدة، مع الإشارة إلى أن عدد الصواريخ التي أطلقتها بيونج يانج كان كبيراً؛ ما أثار تساؤلات حول مخزونات الصواريخ الكورية الشمالية، حتى مع الشكوك حول القدرة التشغيلية لتلك الصواريخ.

5. تركيز خصوم واشنطن على تطوير الصواريخ فرط الصوتية: يُسلط تطوير كوريا الشمالية المحتمل لقدرات الصواريخ فوق الصوتية الضوء على كيفية انتشار تقنيات الأسلحة الاستراتيجية المتطورة خارج القوى النووية الكبرى؛ إذ يبدو أن الصاروخ “Hwaseong-8” قد تم اختباره لأول مرة في سبتمبر 2021، ومن المحتمل أن الصاروخ في هذا الاختبار حمل HGV، وهي مركبات قابلة للمناورة تفوق سرعتها سرعة الصوت، وربما أجرت كوريا الشمالية اختباراً لإطلاق صاروخين آخرين من طراز “Hwaseong-8” منذ ذلك الحين؛ حيث يبدو أن خصوم الولايات المتحدة يعطون الأولوية لتقنيات الصواريخ التي يُنظر إليها على أنها تشكل تحدياً تكنولوجياً للدفاعات الصاروخية الأمريكية، ومن ثم هناك تركيز واضح على تطوير الصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت.

6. توظيف الصين الصواريخ الباليستية في صراعها حول تايوان: إلى جانب التوازن الأمني في شبه الجزيرة الكورية، يواصل المحللون مناقشة الدروس التي يمكن استخلاصها من الحرب الأوكرانية في سياق خطر تهديد الصين بغزو تايوان؛ فعلى خط المواجهة، تواصل الصين تطوير قدراتها من الصواريخ الباليستية العابرة للقارات، مع إدخال تحسينات على صاروخ DF-31AG ICBM، وهي تقوم أيضاً ببناء عدد من الكتائب المشغلة لصاروخ DF-41، الذي دخل الخدمة في عام 2019، كما أفادت تقارير بأن الصين ربما تطور صاروخاً باليستياً جديداً عابراً للقارات DF-27، مع نطاق يصل إلى 8000 كيلومتر، وبينما تتوافر معلومات محدودة للغاية عن DF-27، فإن تصميمه ليحمل المركبة HGV في المستقبل سيعكس مسارات التكنولوجيا التي يتبعها خصوم الولايات المتحدة على نطاق واسع.

وإلى جانب الصواريخ الباليستية العابرة للقارات، التي يمكن القول إنها أكثر أهمية بالنظر إلى حاجة الصين لتشكيل الظروف الجيوستراتيجية في غرب المحيط الهادئ لدعم مصالحها الوطنية، فإن هناك مساعي صينية لتطوير القدرات الباليستية المتوسطة المدى، لا سيما صاروخ DF-17؛ حيث نشرت الصين لقطات فيديو لاختباره في أغسطس 2022، ومن ثم فإن الاختبار ربما حدث في نهاية يوليو، وهو ما يعكس التركيز الاستراتيجي للصين على معالجة مسائل الأمن والمصالح الوطنية في البحار القريبة.

اختبارات متواصلة

وختاماً، أكد التقرير أنه مع استمرار التطور الحاصل في الأسلحة النووية والأسلحة الاستراتيجية الأخرى بين القوى النووية في العالم، بالتزامن مع استمرار الصراع في أوكرانيا، وتزايد انعدام الأمن في المناطق الحرجة حول العالم، فإنه من المرجح أن يستمر اختبار قدرات الردع النووية والتقليدية في عام 2023؛ الأمر الذي يُلقي بتداعيات سلبية على الاستقرار والأمن العالميين.