نشر موقع "فورين بوليسي" تقريراً لريجين وينتر بولسن، بعنوان: "كيف جعلت الثروة المعدنية جرينلاند ساحة لمعركة جيوسياسية؟"؛ حيث تناول التقرير مظاهر تنامي الأهمية الاستراتيجية لجزيرة جرينلاند التابعة للدنمارك، لا سيما في ظل حالة التنافس بين القوى الكبرى على الاستفادة من معادنها الاستراتيجية النادرة، والتنافس بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين – على نحو خاص – لإيجاد موطئ قدم في الجزيرة، وبالقرب من الممرات المائية الحيوية للقطب الشمالي، رغم ما يواجهه الأمر من تحديات مرتبطة بوضع الجزيرة شبه المستقل داخل مملكة الدنمارك.
تنافُس محموم
استعرض التقرير محفزات التنافس الدولي على جزيرة جرينلاند بين القوى الكبرى، وهو ما يمكن بيانه على النحو التالي:
1- تصاعد الأهمية الجيوستراتيجية لمنطقة القطب الشمالي: تصاعد الاهتمام بالجغرافيا السياسية في القطب الشمالي بشكل لافت في العقد الماضي، مع تنامي اهتمام القوى الكبرى بجزيرة جرينلاند التي لا تزال جزءاً من مملكة الدنمارك؛ حيث تتنافس الولايات المتحدة الأمريكية والصين وشركات التعدين العالمية على إيجاد موطئ قدم في الجزيرة نظراً لموقعها الجغرافي الاستراتيجي المميز بالقرب من القطب الشمالي وممراته المائية الحيوية، وفي ضوء أن الجليد الذائب سيخلق طرق إبحار جديدة ذات قيمة تجارية من الشرق، فضلاً عما تحويه من معادن أرضية نادرة ومهمة للصناعات المدنية والعسكرية على السواء.
2- تمتع جرينلاند بأهمية أمنية وعسكرية لواشنطن و”الناتو”: استحوذت جرينلاند على اهتمام عناوين الصحف في جميع أنحاء العالم خلال عام 2019، عندما أعلن الرئيس الأمريكي السابق “دونالد ترامب” عن رغبته في شراء الجزيرة، وهو اهتمام لم يكن بجديد؛ فقبل فترة طويلة من تصريحات “ترامب”، اقترح الرئيس الأمريكي الأسبق “هاري ترومان” شراء جرينلاند في عام 1946، على أمل أن تكون خط دفاع متقدماً ضد القاذفات السوفييتية المحتملة، وفي الوقت الحالي تحافظ جرينلاند على الأهمية الأمنية للولايات المتحدة باعتبارها موقعاً لقاعدتها العسكرية في أقصى الشمال في “ثول”، التي بنتها سراً هناك في عام 1951 بعد أن انضمت الدنمارك إلى “حلف الناتو” في عام 1949، وهي تمثل اليوم رصيداً استراتيجياً مهماً للجيش الأمريكي وحلفائه.
3- قدرة جرينلاند على إدارة ثرواتها لتمتعها بالحكم الذاتي: لفت التقرير إلى أن لجرينلاند تاريخاً معقداً كمستعمرة سابقة لا تزال في حالة اتحاد مع الدنمارك، وهي حصلت على الحكم الذاتي في عام 1979 بقيادة سياسيين شباب شكلوا “الحزب الديمقراطي الاجتماعي”؛ الأمر الذي منحها بعض الاستقلالية عن الدنمارك، حتى أقر البرلمان في عام 2009 قانوناً جديداً للحكم الذاتي ينص على حق جرينلاند في تقرير المصير، والمزيد من الاستقلال، والحق في السيطرة تدريجياً على المزيد من المجالات مثل الشرطة ومراقبة الحدود وإدارة المعادن، وهو ما تم إقراره في عام 2010؛ حيث يُسمح لسكان جرينلاند بالاستفادة من ثرواتهم الأرضية.
4- تداخُل اعتبارات الأمن مع حق الجزيرة في استغلال مواردها: بالرغم من أن المعادن مملوكة لسكان جرينلاند، فإن السياسات الخارجية والدفاعية تظل تحت سيطرة كوبنهاجن، ما دامت جرينلاند لم تحصل على استقلالها الكامل عن الدنمارك، وقد أدى ذلك إلى خلق بعض المشكلات بالنظر لأن الخط الفاصل بين الأمن واستغلال المعادن يمكن أن يتلاشى في منطقة جيوسياسية ساخنة. وتأمل كوادر حزب “سيوموت” الحاكم للجزيرة في أن تخضع أجزاء مهمة من السياسة الخارجية لحكم جرينلاند قريباً، وأن يكون لها دور مؤثر في عملية صنع القرار الخاص بشؤونها، معتبرين أن الدنمارك لاعب كبير في “الناتو” بشكل أساسي بسبب جرينلاند، وأنه يحق للسكان المحليين جني ثمار هذا الموقف، والاستفادة من حالة التنافس الاستراتيجي القائم بين القوى الكبرى على ثروات الجزيرة، الاستراتيجية منها والمعدنية.
5- تصاعد التدافُع الأمريكي الصيني لبناء النفوذ في الجزيرة: بالرغم من إشراف كوبنهاجن حتى الآن على الشؤون الخارجية للجزيرة، فإن جرينلاند هي التي تعقد اتفاقياتها التجارية الخاصة وخصوصاً مع الصين التي تسعى لتعزيز استثماراتها هناك، ولهدف أوسع يرتبط بالحصول على موطئ قدم في القطب الشمالي؛ حيث تعتبر بكين جرينلاند بوابة محتملة للتأثير في المنطقة، خاصةً في إذا حصلت في مرحلة ما على الاستقلال.
وفي الختام، لفت التقرير إلى أن البعض يعتقد أن مصلحة الولايات المتحدة في جرينلاند لا تتعلق بالوصول إلى المعادن الأرضية النادرة بقدر ما تتعلق بمنع الصين من اكتساب النفوذ هناك، مع الوضع في الاعتبار إعلان الحكومة الأمريكية في عام 2019 عن خطط لفتح قنصلية في جرينلاند.