• اخر تحديث : 2024-11-23 11:50
news-details
تقارير

سيناريوهات "الصراع النظامي" بين الولايات المتحدة والصين


يمر النظام الدولي الراهن بمرحلة تحول من الهيمنة الأمريكية إلى نظام متعدد الأقطاب، ويُفترض أن التنافس الأمريكي- الصيني القائم هو أحد العوامل الحاسمة بشأن مستقبل ذلك النظام وفرص تحوله. وبرغم أن العلاقات الأمريكية- الصينية أقل عدائية مقارنةً بنظيرتها الأمريكية- السوفييتية خلال الحرب الباردة، فإن المنافسة بين الدولتين تتجاوز المجال العسكري، لتشمل المجالات التكنولوجية والأيديولوجية والسياسية والاقتصادية، كما أن تدهور العلاقات بينهما قد يؤدي إلى زيادة مخاطر الأزمات العسكرية في أنحاء كثيرة من العالم لتكون أشبه بـ"حرب انتقال السلطة" أو "الحروب النظامية"، وهي حروب تشارك فيها دول عديدة، وقد تؤدي إلى إعادة تشكيل النظام الدولي مثل الحربين العالمية الأولى والثانية.

في هذا السياق، يستكشف تقرير "عودة حرب القوى العظمى: سيناريوهات الصراع النظامي بين الولايات المتحدة والصين" الصادر مؤخراً عن مركز راند الدولي لسياسات الأمن والدفاع، سيناريوهات محتملة للصراع النظامي بين الدولتين في ظل اقتراب بكين من تحقيق تفوق عالمي. وعلى الرغم من إمكانية حدوث انتقال سلمي لقيادة النظام الدولي، فإن هذا التقرير يبحث احتمالات الصراع بين المهيمن القائم والآخر المحتمل، من خلال دراسة اتجاهات الحرب والجغرافيا السياسية، وسلوك القوى العظمى السابقة. وبناءً عليه، يستخلص التقرير سيناريوهين لحرب صراع نظامية بين الولايات المتحدة والصين، أحدهما صراع واسع الانتشار ومنخفض الحدة، والآخر يتعلق بحرب شديدة الحدة.

هل الصين قوة عظمى رائدة؟

يُعرف التقرير "القوة العظمى الرائدة"، بأنها دولة تتمتع بدرجة من التفوق العالمي في القوة الاقتصادية والسياسية والعسكرية تُمكنها من ممارسة الهيمنة والنفوذ في السياسة الدولية والنظام الاقتصادي العالمي، فيما يشير مصطلح "الأسبقية العالمية" إلى وضعية القوة العظمى الرائدة. واستناداً إلى التجارب التاريخية، يحدد التقرير السمات الرئيسية للقوى العظمى الرائدة ومدى ملاءمتها للسياسة الصينية، عبر المحددات الآتية:

1. مدى الانتشار الجغرافي للقوة العظمي: إذ يُلاحظ انتشار النشاط الصيني في مناطق مثل أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية والشرق الأوسط كأساس جغرافي لقيادتها السياسة الدولية، حيث ركزت بكين على بناء الشراكات في المناطق التي أهملتها واشنطن، مما يثير احتمالية نشوب صراع في هذه المناطق.

2. القدرة على التأثير في تفضيلات الآخرين: تعتمد الصين على أساليب غير رسمية للسيطرة على الدول الأخرى؛ مما يعني أن الصراع بينها وبين الولايات المتحدة في الخارج قد يأخذ نمط الصراع بالوكالة من خلال القوات العسكرية الشريكة لهما و/أو التدخلات العسكرية للقوات الصينية. الجدير بالذكر أن قدرة الصين على السيطرة على غالبية الدول الحليفة لها محدودة مقارنة بالقوى العظمى السابقة، كالاتحاد السوفييتي.

3. توظيف القوة العسكرية لدعم النفوذ الدولي: من المحتمل أن تتجاوز قدرة الصين البحرية والعسكرية قدرة الاتحاد السوفييتي وقت الحرب الباردة، لكن من غير المتوقع أن تصل إلى أكثر مما حققته الولايات المتحدة أو المملكة المتحدة، إلا إذا تمكنت بكين من تجنيد المزيد من الدول في الخارج.

4. أنماط الصراعات التي شاركت فيها الدولة: خاضت الصين مستوى أقل من الحروب لتحقيق مكاسب إقليمية مقارنة بالقوى العظمى الرائدة التاريخية، كألمانيا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة. بالتالي، يبدو نمط التدخل العسكري أقرب إلى تفضيلات الصين من دون استبعاد الحروب النظامية وحروب تأمين الإقليم.

بناءً على ما سبق، لم تحقق الصين "الأسبقية العالمية" بشكلٍ حاسم إلى الآن، لكنها في الوقت نفسه تقترب من ذلك بحلول ثلاثينيات القرن الواحد والعشرين وفقاً لتقرير راند. وفي هذا الإطار، تحرص الولايات المتحدة والصين على أن تكون المنافسة بينهما سلمية، لكن في المقابل لا يمكن استبعاد احتمالية تصاعد التوترات بينهما لتصل إلى أعمال عدائية بالكامل لاسيما بالنظر إلى العوامل الجيوسياسية. فالتقارب الصيني- الروسي، بالإضافة إلى أن مبادرة الحزام والطريق قد تُزيد من نفوذ الصين في مناطق جغرافية واسعة، مما قد يؤدي بالضرورة إلى زيادة احتمالية حدوث أزمات عسكرية مع الولايات المتحدة نتيجة التنافس على الموارد.

هذا بالإضافة إلى اتساع النفوذ الاقتصادي الصيني في أفريقيا والشرق الأوسط، والذي قد يؤدي إلى وجود عسكري صيني في هذه المناطق؛ مما يوفِّر لها خيارات عسكرية حال اندلاع صراع مع الولايات المتحدة. على جانب آخر، تدرك الولايات المتحدة والصين مخاطر التصعيد بينهما، مما يدفعهما للجوء إلى آليات غير مباشرة، بما فيها الحرب الاقتصادية والمعلوماتية والحرب الإلكترونية.

مؤشرات المنافسة والتصعيد:

يرى تقرير راند أن الحرب بين الصين والولايات المتحدة ليست حتمية، لاسيما أن قدرة الصين على تجاوز الولايات المتحدة مستبعدة على المدى القصير. مع ذلك، يفترض التقرير أن المنافسة بين البلدين قد تزداد عدائية بناءً على ستة مؤشرات:

1. مستوى تعبئة الموارد، حيث تمكنت الصين والولايات المتحدة من حشد الموارد لدعم التنافس، مع إعطاء الأولوية للاحتياجات الدفاعية مقارنة باحتياجات الإنفاق المحلي. ويرى التقرير أن حرص الجيش الصيني ونظيره الأمريكي على تطوير التقنيات والقدرات سيُزيد من احتمالية نشوب صراع في المستقبل يتسم بدرجة أعلى من الذكاء الاصطناعي والضربات الدقيقة بعيدة المدى.

2. تصور التهديد، إذ تعترف الصين والولايات المتحدة علناً بأن كل منهما يمثل تهديداً أساسياً للآخر، بالتالي حشدتا حلفائهما وشعبهما وفقاً لذلك.

3. قضايا النزاع، هناك مجموعة واسعة من المجالات محل الخلاف بين الصين والولايات المتحدة.

4. الأزمات العسكرية، يتوقع التقرير أن يحدث أزمة عسكرية واحدة أو أكثر بين الدولتين، بمشاركة القوات الصينية أو الأمريكية، أو كليهما، أو قوات حلفائهما.

5. سباق التسلح، يُلاحظ ارتفاع مستويات الإنفاق الدفاعي لدى الدولتيّن؛ ويفترض التقرير أن زيادة القدرات الدفاعية لأي دولة تستهدف جيش المنافس.

6. بناء التحالفات، تسعى الدولتان إلى توسيع التحالفات مع دولٍ مثل الهند واليابان وروسيا وغيرها، كطريقة لتعبئة الموارد الخارجية لحشد الدعم الدولي.

يؤكد التقرير أن تعميق التنافس بين واشنطن وبكين من خلال تصورات التهديد المتبادلة أو كثرة القضايا الخلافية البينية يزيد خطر الصراع، فعلى سبيل المثال، أصدرت الحكومة الصينية منذ عام 2002 عدد من الكتب البيضاء (تقارير رسمية) توضح خلالها أبعاد الاستراتيجية العسكرية الصينية، ومنها سلمية النهج الصيني، لكن حال تعرض بحر الصين الشرقي أو بحر الصين الجنوبي أو تايوان للتهديد ستصبح تصورات التهديد الصيني عدائية.

بالمثل، فإن الجهود الأمريكية الخاصة بنشر أنظمة الأسلحة الهجومية على مقربة من الصين قد تؤدي أيضاً إلى تفاقم تصورات الصين للتهديد، كما أن تصميم الصين على إقامة قواعد لقوتها على طول طرق مبادرة الحزام والطريق يثير احتمال حدوث اشتباكات في مناطق جغرافية واسعة.

في هذا السياق، يفترض التقرير أن الصين قطعت شوطاً معقولاً في تطوير قدراتها العسكرية. مع ذلك، لا يمكن الجزم بقدرة جيشها على استغلال الإمكانات الكاملة لهذه القدرات، لاسيما خلال صراعها مع الولايات المتحدة ضمن "الحرب النظامية". لذلك ستعتمد الصين في الغالب على عِدة استراتيجيات تعويضية وهي:

1. المزج بين المدني والعسكري، أي الاستعانة بالمتعاقدين المدنيين المسلحين لتنفيذ عمليات قتالية نيابة عن وحدات جيش التحرير الشعبي الصيني أو جنباً إلى جنب معها. فعلى سبيل المثال، يمكن شحن الأسلحة على متن سفن تحمل أعداداً كبيرة من الركاب المدنيين.

2. التركيز على الأبعاد الأيديولوجية والسياسية للحرب كوسيلة لتعويض نواقصها المادية العسكرية؛ وهو ما يعني أن جيش التحرير الشعبي الصيني سيعتمد على تحالف القوات لإضفاء الشرعية الدولية على عملياته ضد القوات المدعومة من الولايات المتحدة. ومن استراتيجيات الصين أيضاً استخدام أسلحة متقدمة في عمليات قتالية منخفضة المخاطر لكي تُظهر تفوق بكين.

3.  تجنب الصين الدخول في شراكات أمنية رسمية واسعة، وهو ما يحد من قدرتها على بناء وقيادة تحالفات دولية لدعم المصالح الصينية. بالتالي ستعتمد بكين غالباً على المواجهات غير المباشرة والحروب بالوكالة، إلى جانب التركيز على تسليح ودعم الجيوش الحليفة.

سيناريوهات متوقعة للصراع:

1. السيناريو الأول: صراع واسع النطاق ومنخفض الحدة: يفترض التقرير أن الصين قد أحرزت تقدماً نحو السيادة الإقليمية وتجاه القيادة العالمية، حتى لو لم تحل محل الولايات المتحدة بالكامل، كما يُفترض أن واشنطن قوية بما يكفي لمقاومة الصين. ويتسم هذا السيناريو بعدم وجود قتال تقليدي مباشر بين قوات الدولتين، وبالتالي لا يُتوقع حدوث حرب نووية أو في الفضاء الإلكتروني أو الفضاء الخارجي. وبدلاً من ذلك، ستسعى الصين إلى الحصول على السيادة الدولية من خلال استراتيجية عسكرية تهدف إلى تقليص القدرة القتالية الأمريكية تدريجياً، عبر توفير الأسلحة وغيره للنخب في الدول الحليفة لبكين ضد خصومهم الموالين للولايات المتحدة، أو الضغط على دول مثل بنجلاديش وميانمار وتايلاند وغيرها من أجل منع وصول الولايات المتحدة إليهم أو من خلال التدخلات العسكرية التقليدية ضد الحكومات المدعومة من الولايات المتحدة، أو دعم أنشطة التجسس والاستطلاع والهجمات على الشبكات الأمريكية.

ويُتوقع أن يستمر هذا الصراع لسنوات عديدة وفي مناطق مختلفة من العالم، لاسيما على طول طريق مبادرة الحزام والطريق التي أعطته الصين الأولوية كأساس جغرافي لقوتها الدولية. والجدير بالذكر أن احتمالية تحول هذا الصراع المنخفض الكثافة إلى حرب شديدة الكثافة ستظل قائمة إذا ما تبنى أحد الجانبين إجراءات أكثر عدوانية للاستيلاء على ميزة أكبر.

2. السيناريو الثاني: الصراع النظامي شديد الحدة: يفترض هذا السيناريو حرباً شديدة الحِدة بين الولايات المتحدة والصين، مع ذلك فإن الدولتين ستكافحان لاحتواء الحرب بعيداً عن استخدام القوة النووية أو الهجمات الإلكترونية ضد البنية التحتية المدنية. يُمكن أن يشمل هذا الصراع هجمات شديدة التدمير في الفضاء الخارجي والفضاء السيبراني، وقد ينطوي أيضاً على مستوى معين من استخدام الأسلحة النووية. بالتالي، من المحتمل أن تلحق الحرب أضراراً جسيمة بالاقتصاد العالمي.

وقد يمتد الصراع بين الدولتين إلى مناطق مختلفة من العالم، لاسيما عند الجزر الصينية وتايلاند وفيتنام، والحدود الباكستانية الهندية والبلقان وأفريقيا والشرق الأوسط وأوروبا الشرقية. وفي مناطق الصراع البعيدة عن الأراضي الصينية ستعتمد بكين على قوات الدول الحليفة بشكلٍ أكبر في القتال مع إمدادها بالأسلحة وصواريخ الدفاع الجوي والطائرات الهجومية من دون طيار. كما يتضمن هذا السيناريو احتمالية توجيه ضربات من قبل الصين ضد القوات والمرافق الأمريكية والقوات المتحالفة مع الولايات المتحدة وعلى رأسهم اليابان. أي أنه من المحتمل أن تكون الحرب متعددة الأطراف تضم تحالفات متعارضة من دول من قارات متعددة، كما يمكن أن تكون حرباً طويلة الأمد ومدمرة، لن تنتهي إلا عندما يقر أحد الطرفين بخضوعه للطرف الآخر.

ويخلص تقرير راند إلى أن الصين قد تتمكن من تحقيق نمو لكن لن تتوافر لديها القوة الكافية لإزاحة الولايات المتحدة. مع ذلك، إذا أرادت الصين أن تقترب أكثر من موقع السيادة العالمية، ستنتج عن ذلك تداعيات كبيرة على أمن الولايات المتحدة. بالتالي، يجب على الولايات المتحدة –من وجهة نظر راند- تعزيز قدرتها على شن حرب غير مباشرة والدفاع وتأمين النقاط الحيوية في الشرق الأوسط وعلى طول المحيط الهندي، وتقوية التحالفات. هذا بالإضافة إلى ضرورة تعزيز قدرة القوات الأمريكية على الهجوم من مسافة بعيدة.