• اخر تحديث : 2024-07-04 03:36
news-details
تقارير

خطة الضم الإسرائيلية: مرحلة جديدة في الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي


لا يخفى على أحد أن منطقة الشرق الأوسط أحد أكثر المناطق مليئة بالصراعات، ولعل من أبرز تلك الصراعات هو الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي الذي أخر تطوراته هو خطة الضم الإسرائيلية للأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية، ولا يمكن تناول هذا التطور الخطير بمعزل عن السياق التاريخي الذي تعد اتفاقية أوسلو جزء لا يتجزأ منه.

وفى هذا الإطار تقدم الدراسة تحليل للسيناريوهات المتوقعة لمستقبل خطة الضم التي تشكل علامة فارقة في الصراع الفلسطيني -الإسرائيلي من خلال توضيح واستعراض خطة الضم الإسرائيلية وردود الفعل الرسمية عليها ثم سيناريوهات تنفيذها.

 

أولاً اتفاقية أوسلو:

نتيجة للانتفاضة الفلسطينية في 1987 تشكل واقع فلسطيني جديد أفضى إلى ظهور قوى سياسية جديدة وعبر الفلسطينيون عن أنفسهم، ما أجبر إسرائيل على الجلوس علي طاولة المفاوضات، ونتج عن ذلك إبرام اتفاقية أوسلو1993 التي شكلت وما تبعها من اتفاقات ملحقة مساراً جديداً في الصراع الفلسطيني -الإسرائيلي؛ وذلك بعد أن كان الصراع يقتصر على الجانب العسكري وقائم علي المواجهة المسلحة المباشرة، وضعت الاتفاقية أساسًا للتعامل بين الطرفين، وهو أن يعترف الطرفان ببعضهما، ويجلسا على طاولة المفاوضات للتوصل إلى حل نهائي.

ثانياً خطة الضم الإسرائيلية:

تُعبر الخطة عن التنفيذ الفعلي لخطة ترامب على أرض الواقع باستخدام القوة وتهدف إلى أحد النقاط الاتية:

ضم مناطق المستوطنات فقط: التي تشكل 4 في المئة من مساحة الضفة الغربية، أو المخطط الهيكلي للمستوطنات الذي يشغل مساحة 10 في المئة من مساحة الضفة الغربية.

ضم الكتل الاستيطانية الواقعة غرب الجدار.

ضم غور الاردن ويمثل 17 في المئة من مساحة الضفة الغربية.

ضم المناطق المذكورة في خطة ترامب التي تشكل 30 في المئة من مساحة الضفة الغربية.

ضم المناطق المصنفة في المنطقة "ج" التي تشكل 60 في المئة من مساحة الضفة الغربية (.

إلا أن الملامح النهائية لخطة الضم لم تُحدد بعد، حيث أنه لم يتم حسم أي من تلك البنود سوف يتم تنفيذه وأي منهم سوف يتم تأجيله أو تأخيره، ويعتقد بعض الدبلوماسيين والمحللين أن الخطة قد تكون عبارة عما يسمى "الضم البسيط" الذي يمكن أن يشمل: فرض السيادة الإسرائيلية على غور الأردن وعلى المستوطنات الكبيرة القريبة الخط الأخضر.

الجدير بالذكر أن الخطة لا تزال في المرحلة النظرية ولم يتم وضع أي تصور نهائي لها على الخرائط، ويقوم مكتب رئيس الوزراء نتانياهو بتحليل الاحتمالات المختلفة والتواصل مع الولايات المتحدة، وقد ذكرت صحيفة إسرائيل هيوم أن الخطة الإسرائيلية تُلزم الجانب الإسرائيلي في المرحلة الأولى بتطبيق السيادة على المستوطنات الواقعة خارج الكتل الكبيرة في يهودا والسامرة، أو حوالي 10 في المئة من الأراضي مقابل 30 في المئة تسمح بها خطة ترامب للسلام في الشرق الأوسط.

ثالثاً رد الفعل للمعارضة الإسرائيلية:

أعلن زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد أنه سيعارض أي خطة لتطبيق ضم أحادي الجانب في الضفة الغربية، معتبرا أن خطوة من هذا القبيل تنطوي على انعدام المسؤولية من الناحية الأمنية، وحذر لابيد من أن فرض السيادة الإسرائيلية على غور الأردن من شأنه أن يمس -إلى حد كبير- باتفاقية السلام الموقعة مع عمان، وقال إنه "من البديهي أن تبقى هذه المنطقة تحت سيطرة إسرائيل، وإنه لا داعي لإطلاق تصريحات نحن في غنى عنها"، وأكد تأييده لحل الدولتين مع وجوب إقامة سور كبير بينهما.

رابعاً الموقف الدولي:

يمكن القول بأنه ثمة شبه إجماع دولي خرجت عنه واشنطن على إدانة الخطط الإسرائيلية بوصفها تقلل من فرص السلام في الشرق الأوسط وتعد خرقاَ للقانون الدولي، لكن تلك المواقف مجرد إدانات وتحذيرات بإمكانية النظر في إجراءات عقابية.

أما بالنسبة لموقف كلاَ من السعودية والكويت وقطر والإمارات قالت إن تنفيذ إسرائيل لخطط الضم سيهدد العلاقات الدافئة معها، بينما لوح العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني بأن قراراَ كهذا سيقود إلي صدام كبير مع الأردن.

الموقف الفلسطيني ومنظمة التحرير الفلسطينية: أعلن الرئيس محمود عباس أن فلسطين ستكون في حِلّ من جميع الاتفاقات والتفاهمات مع الحكومتين الأمريكية والإسرائيلية ومن جميع الالتزامات المترتبة عليها بما فيها الأمني، أما حركة حماس تعتبر القرار بمثابة إعلان الحرب على الشعب الفلسطيني.

هذا بينما نجد أن هناك انقسامات بين القيادات الإسرائيلية ذاتها: حيث صرح شريك نتنياهو في الائتلاف الحكومي ووزير الدفاع الإسرائيلي بينى غانتس بأنه يعارض البدء بإجراءات الضم من جانب واحد مؤكداَ أنه على الأقل يريد أن يضمن عدم معارضة العاهل الأردني للخطة، بينما نجد بعض التيارات داخل اليمين الإسرائيلي المتشدد لا تريد الاكتفاء بنسبة٣٠ في المئة من الضفة الغربية وترفض وجود دولة فلسطينية داخل الضفة الغربية من الأساس.

الموقف الروسي /الإتحاد الأوروبي: روسيا مازالت تدعم حل الدولتين وترفض قرار إسرائيل بضم الضفة الغربية، كما ندد الإتحاد الأوروبي بأن ذلك سوف يؤدي إلى جولة جديدة من العنف بين الطرفين.

الموقف المصري: ترحب مصر باستئناف المفاوضات التي تعود إلى حل الدولتين وترفض خطط الضم الإسرائيلية. وجاء ذلك على لسان وزير الخارجية المصري سامح شكري في لقائه مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس في مقر الرئاسة الفلسطينية في رام الله مؤكداَ على سعى مصر إلى إيجاد الإطار المناسب وفقاَ لقرارات الشرعية الدولية ولمبادرة السلام العربية وللحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.

وانطلاقاَ من توضيح مختلف المواقف الدولية تجاه خطة الضم الإسرائيلية نجد أن هناك شبه إجماع لرفض الخطة وتأييد حل الدولتين.

خامساً سيناريوهات متوقعة:

1ـ في حال وصول جو بايدن للرئاسة الأمريكية:

يمكن القول بشكل عام أن الديمقراطيون يعارضون أي خطوة أحادية يقوم بها أي من الجانبين بما في ذلك الضم التي تقوض احتمالات قيام دولتين، وهو ما تمت الإشارة إليه في مسودة برنامج الحزب الديمقراطي لعام 2020، في حين أن بايدن قد أعلن عن رؤية أخرى مبنية على أساس حل الدولتين القريب من مفاهيم وأفكار كلينتون والأفكار العربية والفلسطينية تجاه حل الصراع، فالديمقراطيون يطرحون شروط ومفاهيم أخرى للصراع الإسرائيلي- الفلسطيني.

لذا يرى نتنياهو في خطة الضم فرصةً تاريخيةً لا ينبغي تضييعها، لذا فهو يحاول حتى اللحظة حسم توجهاته وتنفيذ جزء من مخططاته قبل تشرين الثاني/ نوفمبر 2020، حيث الانتخابات الأمريكية التي تراجعت فيها شعبية ترامب، وازدادت فرص منافسه الديموقراطي والمعارض للضم جو بايدن.

وقد نشر موقع ميدل إيست أي البريطاني تقريراً كشف عن أن اللوبي الإسرائيلي يصطدم مع الديمقراطيين في الولايات المتحدة بشأن خطة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو لضم الضفة وأغوار الأردن.

ومن جهة ثالثة، أوضح التقرير الذي أعده الصحفي علي حرب أن "لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (إيباك) التي تعد نفسها مؤيدة من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، تتصدر حملة لمعارضة الجهود التي يبذلها أعضاء الكونغرس من الديمقراطيين لإعاقة خطة الضم".

وكانت مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين بتعديل على الميزانية العسكرية للولايات المتحدة للعام 2021 الذي يتضمن حظر استخدام الأموال الأمريكية “لنشر المواد والخدمات أو التدريبات العسكرية في المناطق التي يتم ضمها داخل الضفة الغربية أو التي تسهل عملية ضمها، وبذلك يتضح أن وصول الحزب الديموقراطي إلى سدة الحكم يعني التراجع عن دعم خطة الضم أو على الأقل تأجيلها.

2ـ وصول دونالد ترامب للرئاسة الأمريكية:

في حين يعارض الديموقراطيون بشكل أو بآخر إعطاء الضوء الأخضر لبدء تنفيذ خطة الضم، إلا أن الحزب الجمهوري يدعم تنفيذها بقوة، وتجدر الإشارة إلى أن إدارة ترامب لم تقر بشكل صريح خطة الضم، وحصل في مناسبتين أن تهرب بومبيو من الإجابة على أسئلة حول الموضوع خلال الشهور القليلة الماضية بقوله أن الأمر "قرار إسرائيلي".

إلا أن منتقدي خطة نتنياهو يؤكدون أن الضم أبعد من أن يكون مجرد شأن إسرائيلي لأنه ينتهك القواعد الأساسية للقانون الدولي الذي يحظر الاستيلاء على الأراضي بالقوة، وقد أقر أغلب الجمهوريين في مجلس النواب خطة نتنياهو، وساندوا القادة الإسرائيليين في "اتخاذ قرارات سيادية بشكل مستقل عن أي ضغط خارجي".

*بالنسبة للداخل الإسرائيلي:

بصفته نائباً لرئيس الوزراء، سيتمكن جانتس من عرقلة أي سياسات خارجية وداخلية، وعرقلة جهود نتنياهو الأكثر تطرفاً المناهضة للعرب، ومثال على ذلك تهديد نتنياهو بتوسيع السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية من جانب واحد الذي أعلنها بعد أن أعلن الرئيس ترامب خطته لحل القضية الإسرائيلية-الفلسطينية، ولم يدعم جانتس ضم الضفة الغربية من جانب واحد، وقال إنه سيوافق على ذلك إذا كان هناك إجماع دولي على ذلك فقط، ويعتقد معظم المراقبين أنه لا يوجد مثل هذا الإجماع الدولي، لذلك يبدو أن نتنياهو، كرئيس للوزراء في حكومة وحدة، لا ينبغي أن يكون قادراً على تنفيذ تهديده بالضم من جانب واحد.

علاوة على ذلك، يشير المراقبون الإسرائيليون إلى أن أي ضم أحادي الجانب، سيتطلب نشر العديد من القوات الإسرائيلية في الضفة الغربية للحفاظ على النظام، وعادة ما تكره القوات الإسرائيلية هذا الواجب، ويعلم جانتس، باعتباره جنرالاً متقاعداً، بالتأكيد أن الضم سوف يؤدى إلى مقاومة خطيرة من الجيش، لذا فمن غير المرجح أن يوافق عليه.

ومن المرجح أن يقوم جانتس بعرقلة أو تخفيف بعضٍ من سياسات نتنياهو الأكثر راديكالية، والتي يدعمها اليمين الإسرائيلي والمستوطنون، وأيضاً، لأن جانتس أدار حملة انتخابية بدعم من الكتلة العربية، فمن غير المرجح أن يكون معادياً للعرب بشكل علني مثل نتنياهو، على الرغم من أن الكيفية التي سيظهر بها هذا الاتجاه غير واضحة.

سادساً تداعيات الضم:

التداعيات الأمنية:

لا تتعلق التداعيات الأمنية هنا بتحسين أو زيادة قدرات إسرائيل الأمنية على السيطرة التكتيكية والاستراتيجية، فمناطق الضفة بالكامل تقع حالياً تحت مثل هذه السيطرة، وعليه فإن الضم الرسمي أو القانوني لن يزيد إسرائيل قوةً إلى قوتها، بل قد يعرض ما تمتلكه من قوةٍ وقدرةٍ استراتيجية مستقرة وواضحة للخطر. وقد يكون هذا الأمر هو الدافع الرئيسي للتحفظ، بل وأحياناً الرفض. وهو ما أبداه معظم القادة العسكريين والأمنيين في إسرائيل لخطة الضم أحادي الجانب، وفق ما أكده قادة وجنرالات سابقين أمثال غيورا آيلاند، وعاموس يادلين ، وعاموس جلعاد ، الذي أشار بشكل خاص لمخاطر ضم غور الأردن على العلاقات الأمنية "الرائعة مع المملكة الأردنية الهاشمية، والتنسيق الأمني الناجح مع السلطة الفلسطينية"، حيث تتمتع إسرائيل بإنجاز غير مسبوق، وبعمق استراتيجي من البحر الأبيض وحتى الأردن والعراق، وهو مجال يوفر لها هدوءًا واستقراراً من الإرهاب والتهديدات العسكرية.

التداعيات السياسية:

يُجمع المراقبون والباحثون بأنه ستكون لعملية ضم أجزاء من الضفة الغربية نتائج وآثار وتداعيات سياسية على الفلسطينيين والإسرائيليين والمنطقة وأهم هذه التداعيات هي: القضاء على أي إمكانية لتسوية سياسية بين الفلسطينيين ودولة الاحتلال القائمة على ما يعرف بحل الدولتين، وإلغاء اتفاق أوسلو الموقع سنة 1993، وتعزيز أفكار ورؤى ومواقف اليمين الإسرائيلي المتشدد القائم على الانضمام بدلاً من الانفصال، وتعزيز مُركَّب الدولة اليهودية على حساب الديموقراطية.

      3ـ التداعيات الاقتصادية:

إن تكاليف الضم الاقتصادية تبلغ وفق البحث الذي تم لصالح جمعية قادة من أجل أمن إسرائيل Commanders for Israel’s Security برئاسة الجنرال أمنون ريشف سيبلغ نحو 2.1 مليار دولار سنوياً، يمكن أن يخصم منها نحو 0.5 مليار دولار زيادة مدخولات الدولة من الضم. كما سيؤدي الضم في أسوأ حالاته: إلى انهيار السلطة الفلسطينية، وجولة قتالية جديدة مع غزة إلى إدخال 30 ألف جندي احتياط للضفة بتكلفة نحو 1.1 مليار دولار.

ونحو 2.6 مليار دولار لمواجهة المقاومة الفلسطينية في غزة، والخدمات المدنية التي ستضطر “إسرائيل” لتقديمها للفلسطينيين في المناطق المضمومة.

من ضمن التكاليف والمخاطر الاقتصادية المتوقعة، ما ستتركه من عقوبات دولية وأوروبية محتملة ضد إسرائيل نتيجة قرارها المخالف للقانون الدولي الذي يقضي على احتمالات التسوية السياسية المدعومة دولياً، وهو ما أشار إليه عاموس يادلين "تهدد أوروبا التي هي شريك تجاري أساسي لإسرائيل بالتالي تمس بالتعاون الاقتصادي معها، والصين ليست بديلاً عن أوروبا؛ لأن أي زيادة في التعاون معها ستزيد من توتر العلاقات مع أمريكا".

خاتمة:

وجملة القول في شأن ما تقدم أن تبعات الانتفاضة الفلسطينية واتفاقية أوسلو لاتزال مؤثرة في مسار العلاقات الفلسطينية-الإسرائيلية حتى وقتنا الحاضر ولاتزال موضوعات هامة قيد المفاوضات لعل أبرزها (اللاجئين- المستوطنات الإسرائيلية- القدس).

وتعد خطة ترامب للسلام التي لاتزال محل جدل حيث يرفضها العرب ويسعى ترامب لتحقيقها، وتمثل الإطار الذي تُنفذ من خلاله خطة الضم الإسرائيلية تلك الخطة التي رفض المجتمع الدولي تنفيذها من جانب أحادي، ذلك الرفض الذي كان أحد أسباب تأجيل الخطة.

ولايزال يترقب العالم مستجدات الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، ويضغط المجتمع الدولي على الأطراف لإقناعهم بأن حل الدولتين هو الأفضل ويحقق السلام في الشرق الأوسط.

ويظهر لنا من مجرى الأحداث أن هناك انقسام داخلي في الأوساط السياسية الأمريكية والإسرائيلية، فنجد أن اليمين الإسرائيلي يدعم الضم بينما الوسط الإسرائيلي بقيادة جانتس يعارض الضم في حال عدم وجود دعم دولي لتلك الخطوة، وهذا الانقسام نراه كما أوضحنا بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، ومن الواضح أن مستقبل خطة الضم والصراع بشكل عام يتأثر بتوجهات السياسة الخارجية الأمريكية.