إن انعقاد اللقاءات الأمنية السورية- التركية، والسورية- العربية، ليس بجديدٍ، بل تجدد في الأيام القليلة الفائتة، وتطور الى مستوى لقاء وزيري الدفاع السوري والتركي في موسكو، بمسعىٍ روسيٍ. وسبق ذلك انعقاد لقاءٍ سوريٍ- سعوديٍ في نيويورك منذ نحو عامين (كانون الثاني 2020)، يوم شارك مندوب سورية الدائم في الأمم المتحدة في حينه بشار الجعفري في حفلٍ خاصٍ أقيم على شرف وزير الدولة السعودي فهد بن عبد اللـه المبارك، تحضيراً لرئاسة السعودية للاجتماع المقبل لمجموعة العشرين.
وسبق ذلك عودة العلاقات الدبلوماسية بين سورية ودولة الإمارات العربية المتحدة في العام 2018. وكذلك مع البحرين في العام 2021. وتلا زيارة الوزير الخارجية العماني بدر البوسعيدي لدمشق في تشرين الثاني الفائت، التقى فيها بالرئيس السوري بشار الأسد، وكبار المسؤولين السوريين، وبحثوا في القضايا ذات الاهتمام العربي المشترك. غير أن كل ما ذكر آنفًا، لم يغيّر في الواقع المعيشي المأساوي للشعب السوري، في وقتٍ يفرض فيه الغرب والولايات المتحدة حصارًا اقتصاديًا جائرًا على الشعب السوري، الذي بات يفقد يومًا بعد يومٍ أبسط مقومات الحياة، من سلعٍ غذائيةٍ، ومحروقات للإنتاج والتدفئة، الى الدواء وحليب الأطفال...
وكل ذلك يجري بوقاحةٍ ويشتد تأثيره على هذا الشعب الصابر والمحتسب، وسط صمتٍ عربيٍ مطبقٍ. فليس لدى الأعراب إلا هم واحد، التصدي "للمد الفارسي" ولحزب الله، لا غير.
حتى على الصعيد الميداني في سورية، فلا يمكن تقويم اللقاء السوري- التركي الأخير، بالإيجابي، قبل مبادرة أنقرة إلى البدء إلى سحب جنودها من الأراضي السورية التي يحتلها الجيش التركي في الشمال السوري، ووقف الدعم التركي عن المجموعات الإرهابية المسلحة. على اعتبار أن التجارب مع النظام التركي، لا تبعث الثقة. آخرها هذه التجارب، كان اتفاق "وقف التصعيد"، يوم توصلت الدول الراعية لمفاوضات "أستانا ″ (تركيا وروسيا وإيران) في أيار 2017 إلى هذا الاتفاق القاضي بإقامة أربع مناطق آمنة في سورية، لمدة ستة أشهر قابلة للتمديد. غير أن النظام التركي لم يلتزم بتطبيق هذا الاتفاق. وفي السياق عينه، فقد أعلنت وزارة الدفاع الروسية في بيانٍ لها في أيار من العام 2020، أن أنقرة فشلت في تمييز الإرهابيين شمال سورية.
إذًا في المحصلة، إن التجارب مع هذا النظام المذكور، غير مشجعةٍ على الإطلاق، على أن يبرهن العكس، ويبدأ بإنهاء احتلاله للأراضي السورية، ويكّف عن دعم الإرهاب. وتعقيبًا على كل ما ورد آنفًا، يستبعد مرجع سياسي كبير قريب من محور المقاومة، حدوث أي تغييرٍ مهمٍ في الواقعين السياسي والميداني السوري، قبل بداية بروز نتائج الحرب الروسية- الأطلسية، التي يدور رحاها على الأراضي الأوكرانية، وانعكاس نتائج هذه الحرب على مجمل الأوضاع في المنطقة، لافتًا إلى أن حزب العدالة والتنمية الحاكم في أنقرة، بارع في ممارسة سياسة "اللعب على التناقضات".
ويختم بالقول:" حتى ولو ساير الأتراك الروس في الشأن السوري، لكنهم لم يخرجوا بالكامل على الخطوط الحمر الأميركية في المنطقة، وكذلك الأمر بالنسبة لدولة الخليج، على الأقل في المدى المنظور، أي قبل ظهور نتائج الحرب المذكورة".