• اخر تحديث : 2024-11-15 12:27
news-details
مقالات عربية

تثير حكومة نتنياهو، التي نالت ثقة الكنيست الخميس الفائت، الكثير من المخاوف لدى الفلسطينيين على جانبيْ الخط الأخضر؛ لما تنطوي عليه أهدافها المعلنة والموثقة في الاتفاقيات من هجوم كاسح يعتقد بأن بإمكانه اليوم الانتقال إلى حسم الصراع بدلًا من إدارته أو احتوائه، وإلى حسم هوية الدولة باعتبارها خالصة لليهود دون أدنى تسامح مع أيّ ترجمة للهوية العربية أو تعبيراتها، سياسيًا وديموغرافيًا واجتماعيًا وثقافيًا، أي تشديد العنصرية وتعزيز الاستعلاء اليهودي الصهيوني.

كما تثير الحكومة مخاوف كبيرة لدى المعارضة الإسرائيلية، ولدى نخب المجتمع الصهيوني، مخاوف تتعلق كلها بما يسمونه الأخطار التي تحدق بهوية الدولة وعلمانيتها وديموقراطيتها؛ حيث يخشون من تبعات الضم على الميزان الديموغرافي وفقدان الأغلبية اليهودية بفعل الضم، وخطر التحول إلى دولة أبرتهايد معلنة لا يُمكن الدفاع عنه أو إنكاره أو تبرير مسوغاته. وقد وصفها لبيد، رئيس المعارضة، بالمتطرفة والخطرة، لكن مخاوفهم الكبرى وسبب تحركهم يتعلق بالخوف على علمانية الدولة وديموقراطيتها، نظرًا لطبيعة المكونات الحزبية التي تشكّل الحكومة وأجنداتها المعلنة المتعلقة بتحويل إسرائيل إلى دولة يهودية أكثر وعلمانية أقل؛ الأمر الذي تم ترجمته في الاتفاقيات الائتلافية، لا سيما ما يتعلق بالمثليين، والتوجه لتشريع قوانين تحدّ من تدخل القضاء.

إنها الحكومة الأولى لنتنياهو التي يترافق تتويج إعلانها رسميًا بالكثير من الاحتجاج خارج مبنى الكنيست، وتعبيرات الاحتجاج كانت واسعة شملت الكثير من النخب والمؤسسات الاقتصادية والاجتماعية، وربما أكثر ما أثارهم بند ائتلافي يسمح لأي شخص أن يعتذر عن تقديم الخدمة إذا كان طالب الخدمة يتعارض مع إيمانه، وهو تشريع رسمي يسمح بممارسة العنصرية والخوف من أن يسمح بممارستها ضد المثليين.

أجندة وفاشية أحزاب الائتلاف خلقت الكثير من المخاوف لدى المعارضة، وفي نفس الوقت منحتها قضايا مهمة وهوية وراية بعد أن كانت تفتقد لأي قضية أو هوية تميزها عن نتنياهو، قضايا يُمكنها أن تستقطب المجتمع الصهيوني على الرغم من سحر نتنياهو وكاريزمته، وهو الذي يدرك خطورة مثل هذا الأمر على مستقبل حكمه؛ عمل منذ اللحظة الأولى على احتواء الأمر، فأعلن أن أيّ تغيير في مناهج التعليم ستكون له الكلمة الأخيرة فيه وليس لماعوز، أما بالنسبة للتمييز ضد المثليين فعيّن أمير أوحنا المثلي رئيسًا للكنيست وأعلن أثناء خطابه في الكنيست متوجهًا لأوحنا، مرحبًا به وبزوجه الحاضر في الكنيست وبأطفالهم، وأن حكومته ستضمن لأسرته وأطفاله حياة كريمة، وفي ذلك رسالة قوية لمجتمع المثليين وللغرب أيضًا.

نتنياهو - وحزب "الليكود" العلماني - سيضمن ويعمل على دحض ادعاءات المعارضة أو التقليل من خطورتها على مستوى تأثيرات الائتلاف على علمانية وديموقراطية الحياة في إسرائيل، وبذلك فإن لم تستطيع المعارضة إثارة مخاوف المجتمع الصهيوني (والمجتمع الصهيوني لن يتحرك دون أن يشعر بأن هناك مسًا بنمط حياته اليومية، اجتماعيًا أو اقتصاديًا أو أن يشعر بالخوف على مستقبل حياته)؛ فهي لن تنجح بزعزعة استقرار الحكومة.

القلق الحقيقي يبقى لدى الفلسطينيين، الذين أمر المس بهم لن يؤثر ولن يثير أيّ حراك صهيوني، طالما أن المس بالفلسطينيين لا يؤثر على أمنهم أو على جيوبهم؛ بل العكس صحيح، فإن مزيدًا من التنكيل بالفلسطينيين يشكّل مزيدًا من الدعم للحكومة، حيث ثمة إجماع صهيوني كبير على سياسات الاحتلال وعلى التوجهات العنصرية ضد فلسطينيي الداخل.

ومع ذلك، هل سيدفع نتنياهو باتجاه ترجمة بنود الاتفاقيات الائتلافية المتعلقة بتسوية البؤر الاستيطانية خلال 60 يومًا والشروع بفرض السيادة وشق الطرق الاستيطانية وإطلاق يد الحركة الاستيطانية؟

بتقديرنا، إنه سيمنح المستوطنين الكثير من التشجيع والأموال وفرض الأمر الواقع، لكن ربما سيميل إلى تأجيل أيّ تغيير سياسي كبير إلى ما بعد العاميْن الأوليْن من عمر الحكومة، لأسباب تتعلق بانتظار عودة الجمهوريين إلى البيت الأبيض، وتعزيز العلاقة مع السعودية أملًا في تطويرها وصولًا إلى انضمامها إلى "اتفاقيات ابراهام"، كما أن الموضوع الايراني يحظى بأولويته الآن.