• اخر تحديث : 2024-05-10 13:04
news-details
قراءات

تأثير ترامب: دلالات إخفاق الجمهوريين في انتخاب رئيس مجلس النواب


أجَّل مجلس النواب، يوم الثلاثاء الموافق 3 يناير 2022، في سابقة لم تحدث منذ قرن، جلسته المقررة لانتخاب رئيسه الجديد خلفاً لرئيسة مجلس النواب السابقة نانسي بيلوسي، بعد أن عجز زعيم الأغلبية الجمهورية كيفين مكارثي عن الحصول على الأصوات اللازمة لانتخابه عبر 3 جولات تصويت متتالية. وفي الوقت الذي التف فيه الحزب الديمقراطي حول مرشحه حكيم جيفريز، الذي حصل على 212 صوتاً ديمقراطياً، على الرغم من تراجع فرص فوزه من ناحية، وترشحه الرمزي من ناحية ثانية؛ حصل مكارثي في الجولتين الأولى والثانية على أصوات تقل عن الأصوات التي حصل عليها جيفريز، وتحديداً 202 من الأصوات، بينما يحتاج إلى 128 صوتاً للفوز بمنصب رئيس مجلس النواب؛ ما يدلل على تأجج حدة الانقسام بين صفوف الحزب الجمهوري.

خلفيات التصويت

يمكن الوقوف على أبرز حيثيات عملية انتخاب رئيس مجلس النواب وفشل الجمهوريين في اختياره من خلال النقاط التالية:

1- تراجع فاعلية التعبئة الجمهورية: حظي ترشح مكارثي بتأييد وحفاوة جمهورية واسعة، وقد سعى قبيل بدء عملية التصويت على منصب رئيس المجلس إلى عقد اجتماع للنواب الجمهوريين سعياً من جانبه لكسب الأصوات المعارضة له التي وصفها بالقلة “التي تريد الأمور لنفسها”، بيد أنه فشل في تحقيق هذا الهدف، وهو ما تجلى خلال ثلاث جولات اقتراع متتالية؛ جمع في الجولة الأولى منها 203 أصوات ليعرقل 19 نائباً من مؤيدي الرئيس السابق دونالد ترامب عملية انتخابه. ويمكن القول إن نتائج الانتخابات الرئاسية السابقة تلقي بظلالها على معارضي مكارثي، وهو ما أشارت إليه صحيفة “نيويورك تايمز” لا سيما أن أكثر من نصف الذين صوتوا ضده يعارضون نتائج انتخابات 2020.

2- عرقلة جمهورية لانتخاب مكارثي: عول مكارثي على عودة النواب المعارضين له إلى صفه في الجولة الثالثة من التصويت على الأقل، بيد أن تلك الجولة شهدت تصويت أحد حلفائه الجمهوريين ضده ليحصل فيها على 202 من الأصوات، ويصل عدد معارضيه إلى 20 نائباً. وقد شهدت الجولة الأولى ترشيح الجمهوري أندي بيجز ضد مكارثي ليحصل الأول على 10 أصوات، ثم شهدت الجولة الثانية ترشيح نائب ولاية أوهايو “جيم جوردان” ضد مكارثي، وإن أعلن الأول دعمه للثاني قبل تلك الجولة.

3- أبرز المعارضين لترشح مكارثي: تُعرف المجموعة المعارضة لفوز مكارثي بمنصب رئيس مجلس النواب بما يسمى “تجمع الحرية”، وتضم كلًا من نائب ولاية فلوريدا مات جايتز، ونائبة ولاية كولورادو لورين بوبرت، ونائب ولاية بنسلفانيا “سكوت بيري”، وغيرهم، ويطالبون جميعهم بقاعدة مستحدثة تقضي بالتصويت على إبعاد رئيس مجلس النواب الأمريكي عن منصبه في أي وقت. وعلى الرغم من موافقة مكارثي على ذلك، اشترط موافقة وتوقيع 5 مشرعين لا مشرع واحد على طلب إبعاده عن منصبه. كما يطالبون بقاعدة هولمان التي تخول النواب استخدام مشروعات قوانين الإنفاق لوقف تمويل برامج بعينها، إلى جانب إقالة بعض المسؤولين الفيدراليين.

4- تمرد جمهوري في مواجهة الرئيس بايدن: مع ثلاث جولات فاشلة من التصويت، ظل مصير رئيس مجلس النواب الأمريكي غير محسوم، في الوقت الذي يتمسك فيه المعارضون الجمهوريون بموقفهم فيما وصفته بعض التحليلات بـ”التمرد المفتوح”، وهو ما يعني أن معركة الجمهوريين في مواجهة الرئيس الأمريكي جو بايدن لا بد أن يسبقها تجاوز الانقسامات الداخلية أولًا بين صفوف الجمهوريين، وهو ما يشكك في قدرة مكارثي على قيادة الأغلبية الجمهورية إن تمكن من الفوز بهذا المنصب في نهاية المطاف.

دلالات معبرة

يمكن الوقوف على أبرز دلالات فشل الجمهوريين في اختيار رئيس مجلس النواب من خلال النقاط التالية:

1- وجود سوابق تاريخية لتعثر التوافق على رئيس مجلس النواب: لم يتمكن أعضاء مجلس النواب في عام 1856 من التوافق على رئيسهم إلا بعد مضي شهرين ونحو 133 دورة؛ ولذا يمكن القول إن هناك سوابق تاريخية لعدم قدرة مجلس النواب على اختيار رئيسه، بيد أن هذه المرة هي الأولى التي يعاد فيها التصويت على انتخاب رئيس مجلس النواب الأمريكي منذ عام 1923، كما أنها المرة الأولى أيضاً التي يواجه فيها زعيم الحزب الجمهوري مرشحاً بديلاً له من داخل حزبه بعد أن ترشح ضده بيجز كما سبق القول. ويجد تعدد المرشحين المحتملين لمنصب رئيس مجلس النواب أواصره في الاتهامات الموجهة إلى مكارثي بعدم عدم قدرته على اتخاذ مواقف عدوانية صارمة في مواجهة الديموقراطيين.

2- تكرار سيناريو نانسي بيلوسي: تمثل المعارضة الجمهورية تهديداً حزبياً يفوق في خطورته الفريق اليساري الذي سبق أن هدد الديمقراطيين؛ ففي أعقاب الانتخابات النصفية لعام 2018، تشكك التقدميون المنتخبون حديثاً بقيادة ألكساندريا كورتيز علناً في قيادة بيلوسي، لتفوز في نهاية المطاف بنحو 220 صوتاً في عام 2019 بما في ذلك أصوات معارضيها، بيد أنها خسرت تصويت 15 من النواب الديمقراطيين بالمجلس، بيد أن مكارثي خسر 19 صوتاً في 3 جولات متتابعة.

3- قوة تأثير دونالد ترامب: لم يتمكن مكارثي من تهدئة غضب عدد من مؤيدي ترامب ممن يرون أنه لم يدعمه على النحو المرجو، وأن ترامب سيحدد بنفسه الشروط اللازمة لانتخابه. وفي اتجاه مضاد لذلك، وفي دعم علني نادر من جانبه، حث ترامب النواب الجمهوريين على التصويت لصالح مكارثي تجاوزًا لحالة الجمود التام الذي شهده مجلس النواب يوم الثلاثاء، وطالب على شبكته الاجتماعية تروث سوشيال بعدم تحويل النصر العظيم إلى هزيمة كبيرة ومحرجة.

4- عدم وجود بدائل مناسبة: عقب 7 أعوام من محاولته الأولى، يأمل مكارثي تحقيق هدفه، لا سيما أنه لا يوجد أي منافس جدي له في الوقت الراهن. وعلى صعيد المرشحين المحتملين، يبرز اسم ستيف سكاليز على الرغم من تراجع فرصه، وكذلك أندي بيجز ولي زيلدين، بجانب حكيم جيفريز الذي رشحه الديمقراطيون الذين لا يملكون الأغلبية في المجلس. ومن المرجح أن يتمكن مكارثي من الفوز وتخطي المعارضة الجمهورية إذا غير الجمهوريون المعارضون له رأيهم.

حالة شلل

ختاماً، عقب 4 سنوات من توليه زعامة الأقلية الجمهورية في المجلس، يحتاج مكارثي إلى 218 صوتاً من أصل 435 لخلافة بيلوسي في منصب رئيس مجلس النواب. ولا شك في حالة الجمود والشلل التي يعاني منها مجلس النواب حالياً؛ لعدم قدرة النواب على تمرير أي تشريع قبل انتخاب رئيسه، وهو ما دفع الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى حث النواب على حسم الصراع على رئاسة المجلس.