• اخر تحديث : 2024-04-26 21:42
news-details
تقارير

لماذا تصاعد استخدام مفهوم "الهندوباسيفيك" في الاستراتيجيات الدولية؟


مع تزايد الصراع الدولي على النفوذ بمنطقة “الهندوباسيفيك”، يبدو أن الصراع الذي بدأ في السنوات القليلة الماضية “جغرافياً” حول حدود الرقعة التي تشمل المحيطين الهندي والهادئ، وما يشاطئهما من دول وجزر وأراض بحرية، قد اكتسب المزيد من الأبعاد الاستراتيجية المركبة؛ سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، كما أنه قد تحول إلى محور للتحالفات والتحالفات المضادة بين القوى الدولية المختلفة؛ الأمر الذي جعل “الهندوباسيفيك” أبرز المصطلحات والمفاهيم الجيوسياسية والجيوستراتيجية في الألفية الجديدة. وفي هذا الإطار نشر موقع “إيكونوميست” تقريراً بعنوان “إعادة اختراع المحيطين الهندي والهادئ”، ويمكن استعراض أبرز ما جاء فيه على النحو التالي:

أسباب متعددة

يمكن استعراض أبرز الأسباب التي أدت إلى تصاعد استخدام مفهوم “الهندوباسيفيك” في التفاعلات الدولية خلال السنوات الماضية؛ وذلك على النحو التالي:

1جمع المفاهيم الجغرافية المتقاربة في مصطلح استراتيجي محدد: قبل بضع سنوات، لم يكن مصطلح “المحيطين الهندي والهادئ” شائعاً في الشؤون الدولية؛ حيث كانت الأطر البديلة مثل “نصف الكرة الأرضية في شرق آسيا” أو “حوض المحيط الهادئ” أو “آسيا والمحيط الهادئ” أكثر إقناعاً للاستراتيجيين حتى وقت قريب، على اختلاف مع الوضع الحالي؛ حيث تتبنى العديد من الدول ما تسمى “استراتيجيات الهندوباسيفيك”، وهو ما يشمل الولايات المتحدة الأمريكية وأستراليا وبريطانيا وفرنسا والهند وإندونيسيا واليابان والفلبين حتى منغوليا، وانضمت كوريا الجنوبية إلى تلك الدول في ديسمبر 2022.

2ربط الدلالة الجغرافية الآسيوية للمنطقة بالممرات البحرية العالمية: يأتي الوصف الجغرافي الجديد لمنطقة “الهندوباسيفيك”، ليضم المساحة الجغرافية من أفغانستان إلى قمة اليابان، ومن جزر المالديف إلى نيوزيلندا، وهي المساحة التي كانت تعرف بكل بساطة بأنها “آسيا”، مع العديد من الخرائط الذهنية المتعددة لعدد من الفاعلين الدوليين، التي لا تحدد فقط المنطقة “الطبيعية–الجغرافية” لبلد ما، لكنها تشير أيضاً إلى الأولويات الوطنية، التي بدورها تشكل قرارات القادة ومصير الدول والاستراتيجية المتبعة. وفي إطار ذلك، فإن الخريطة الجديدة لمنطقة “الهندوباسيفيك” تربط القوة الاقتصادية لشرق آسيا بالدينامية الأحدث في جنوب القارة، بما في ذلك على طول الممرات البحرية التي تمر بها معظم التجارة العالمية والسفن المحملة بإمدادات الطاقة.

3مجابهة النفوذ الإقليمي الصيني لبناء الازدهار الآسيوي بالمنطقة: بالقدر نفسه من الأهمية، يرتكز مفهوم “الهندوباسيفيك” على التحدي الرئيسي لمحرك الازدهار الآسيوي، الذي يتمثل في سلوك الصين المزعزع للاستقرار، وفي ضوء تزايد قوتها العسكرية والاقتصادية والدبلوماسية؛ ليس فقط في ساحتها الخلفية في شرق وجنوب آسيا، بل عبر المحيط الهندي إلى شرق أفريقيا، وإلى جنوب المحيط الهادئ. ورغم أن صعود الصين بذاته ليس بأمر جديد، غير أن الدول التي أضحت تتبنى التسمية الجديدة لمنطقة “الهندوباسيفيك” – ومعظمها ديمقراطي إلى حد ما – أصبحت قلقة بشكل متزايد بشأن التوجهات التوسعية للصين، التي تتعدى أساطيلها الضخمة على المياه الإقليمية لدول في آسيا وخارجها، فضلاً عن أن ممارساتها العسكرية في بحر الصين الجنوبي تثير القلق في جنوب شرق آسيا، ودون إغفال التهديدات العسكرية الصينية لتايوان، التي لا تزعج تلك الجزيرة المتمتعة بالحكم الذاتي فحسب، بل المنطقة بأسرها.

4التكتل الغربي الجغرافي والقيمي ضد دبلوماسية “الذئب المحارب” الصينية: مع تبني الصين دبلوماسية “الذئب المحارب”، والتوجهات القومية التي يغذيها الرئيس الصيني “شي جين بينج” في الداخل، فإن ذلك يعني على الجهة الأخرى أن مصطلح منطقة “الهندوباسيفيك” لا يحدد مساحة جغرافية فقط، بل يفرض كذلك الرد على العدوان الذي تمثله الصين، من وجهة النظر الغربية، دون اللجوء إلى الصراع، وهو ما يمثل أكبر تحدٍّ جيوسياسي لدول المنطقة. وقد تضاعفت حدة هذا التحدي بسبب المخاوف القائمة بشأن قدرة وبقاء الولايات المتحدة (القوة البارزة في المنطقة منذ الحرب العالمية الثانية). وذلك ما يفسر أن اليابان (الحليف الرئيسي للولايات المتحدة في آسيا)، كانت هي التي أولت الأهمية لفكرة التعامل مع الهند بشكل منعزل، وهي خطوة ساعدت بدورها في بلورة مفهوم “الهندوباسيفيك”؛ حيث أعاد رئيس الوزراء الياباني السابق شينزو آبي، صياغة فكرة سابقة عن حوار أمني بين أمريكا وأستراليا والهند واليابان؛ ما أدى إلى إحياء ذلك “الرباعي” الخامل. وفي قمة أفريقية في عام 2016، اقترح فكرة “منطقة الهندوباسيفيك الحرة والمفتوحة” (FOIP)، لتميل الهند على نحو نسبي نحو المعسكر الغربي، رغم إصرارها السابق على أنها لن تكون جزءاً من كتلة مناهضة للصين.

وأخيراً، رغم أن دول منطقة الهندوباسيفيك الحرة والمفتوحة (FOIP) لم تتبنَّ أو تدعُ إلى مقاطعة الصين اقتصادياً، فإن بكين ترفض مصطلح “الهندوباسيفيك” على نحو علني، معتبرةً أنه وسيلة تعمل من خلالها الدول لاحتواء طموحاتها. ولا يقتصر الأمر على الصين فحسب؛ ذلك أن مصطلح “الهندوباسيفيك” يواجه الكثير من الآراء المعارضة في الغرب، التي يعتبرها البعض مجرد واجهة للأجندات الجيوسياسية المتعارضة، فيما يجادل آخرون بأن المفهوم واسع وغامض لدرجة أنه غير متماسك. ويُضاف إلى ذلك وجود فجوات صارخة على الجانبين الشرقي والغربي من منطقة “الهندوباسيفيك”، مع غياب الولايات المتحدة والهند إلى حد كبير عن المبادرات الاقتصادية الإقليمية، على الرغم من دورهما العسكري الكبير في المنطقة.