اعتبر تقرير لـ "معهد أبحاث الأمن القومي" الصهيوني، أنه بموازاة الصراع المسلح بين "إسرائيل" وحزب الله، هناك معركة أخرى تدور على مدى سنوات، هي "حرب الوعي". وفيما يلي النص المترجم للتقرير:
تبرز مؤشرات للحوار، حيث أن لدى إسرائيل فرصة هائلة للوصول إلى عقل وقلب اللبنانيين.. لكن ينبغي فعل ذلك بشكل صحيح.
وتشكل المعركة على الوعي بين إسرائيل وحزب الله، مدماكاً مهماً في المواجهة بين الجانبين، فكلاهما يستطيعان الادعاء بتحقيق إنجازات من خلالها، وإن كانت محدودة.
في الفصل الحالي من هذا الصراع، فقد كشف رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو في الأمم المتحدة، عن تخزين أسلحة لحزب الله، وسط السكان المدنيين في قلب بيروت، ومحاولة نفي الحزب لذلك من جهة. ومن جهة ثانية تهديدات الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله بالانتقام من إسرائيل، في أعقاب مقتل أحد عناصره في سوريا.
فتح المفاوضات بشأن ترسيم الحدود البحرية بين إسرائيل ولبنان، على خلفية انهيار النظام الاقتصادي والسياسي والصحي في لبنان، خلق فرصة لإسرائيل لنقل رسائل ايجابية بأن الإيجابيات المرتقبة للبنان ومواطنيه، إذا اختاروا استبدال الخيار القتالي الذي يمليه حزب الله، المحرك بدوافع أجنبية، بخيار الحوار السياسي والاقتصادي لحل الخلافات الجغرافية في البر والبحر.
لقد لوحظ أخيراً، فصل آخر في البعد العلني للمعركة على "الوعي" بين إسرائيل وحزب الله، عندما كشف نتنياهو في خطاب ألقاه في الجمعية العامة للأمم المتحدة في 29 أيلول/سبتمبر الماضي عن وجود مخازن صواريخ لحزب الله وسط سكان مدنيين في لبنان. واحد منها بالقرب من شركة غاز في منطقة الجناح ببيروت.
وفي الليلة نفسها، نفى السيد نصر الله ما جاء على لسان نتنياهو، وقال إنه يكذب، ونظم جولة للصحافيين في أحد المواقع من أجل تفنيد الادعاءات، "بحجة أن مصنع الصواريخ هو عملياً، ورشة صناعية مدنية".
وزعم الموقع أنه لاحقاً، "أثبت الجيش الإسرائيلي عبر صور من الجولة في المصنع، أن التجهيز الصناعي يستخدم في إنتاج صواريخ، بل وشخّص مدير المصنع بصفته عضو بحزب الله، حدثاً مشابهاً لكشف مواقع في وسط بيروت، حصل قبل سنتين، أيضاً في إطار خطاب لنتنياهو في الأمم المتحدة، حينها أيضاً دعا حزب الله الصحفيين من أجل تفنيد ما كشفه نتنياهو، لكنه تعرض لانتقادات بسبب ردّه المتأخر. أما هذه المرة فقد نظم حزب الله الجولة بالليلة نفسها، جولة إعلامية حظيت بتغطية واسعة.
وبحسب رأي جهات استخبارية في إسرائيل، (رئيس لواء الأبحاث بأمان درور شالوم 7 تشرين الأول/أكتوبر) فإن الحدث "أحرج حزب الله، وجسّد للحزب التفوق الاستخباري لإسرائيل"، على حدّ تعبيرها.
الموقع أشار إلى أن حساسية السيد نصر الله عالية حيال الادعاءات التي توجه لحزبه، بأنها تعرض سكان لبنان للخطر، واستخدامهم كدروع بشرية، ووجود قنبلة موقوتة بسبب تخزين مواد متفجرة وسط السكان في بيروت، وقرى في لبنان، وذلك على ضوء الانتقادات الشعبية الواسعة التي توجه للحزب في لبنان. هذه الانتقادات تزايدت مؤخراً في أعقاب الانفجار الضخم في مرفأ بيروت في 4 آب/أغسطس الماضي، والذي أودى بحياة حوالي 200 شخص، وإصابة الآلاف بجروح، إضافة إلى دمار وأضرار مادية واسعة.
وبعد انفجار مرفأ بيروت، حصل انفجار آخر في مركز أسلحة في قرية عين قانا في 22 أيلول/سبتمبر، ومنع حزب الله وسائل الاعلام من تغطيته. ثم وقع انفجار آخر في بيروت في 9 تشرين الأول/أكتوبر الجاري، كما يبدو على خلفية عطل في قارورة غاز، الأمر الذي عزز الشعور بالخوف من تحول بيروت إلى برميل قابل للاشتعال.
المعركة التوعوية لإسرائيل
الصراع التوعوي- السياسي هو جزء من معركة تديرها إسرائيل، بهدف إضعاف حزب الله، وكبح نشاطه ضدها. المعركة التوعوية التي تخوضها إسرائيل مع حزب الله، تهدف للتأثير على السكان في لبنان، وزيادة الضغط على الحزب، وعلى الرأي العام الدولي، ودول عربية وعلى قيادة الحزب. في هذا الإطار، حيث تعمل إسرائيل على كشف أنشطة الحزب في الخارج، وبناه التحتية الإرهابية في دول مختلفة في مختلف أرجاء العالم، وتعميق نزع الشرعية من خلال توسعة دائرة الجهات الدولية التي تصنف حزب الله منظمة إرهابية، وتوسيع العقوبات ضده.
هذا الجهد أثمر في السنوات الأخيرة، انضمام ألمانيا وبريطانيا وهولندا والولايات المتحدة الأميركية، ودول أخرى في أميركا اللاتينية، ودول الخليج التي تعتبر أن حزب الله منظمة إرهابية، تعمل للحصول على موافقة كامل الاتحاد الأوروبي على هذه المسألة.
وفي هذا الخصوص، يظهر نوع من التغيير، بالنسبة إلى موقف فرنسا التي امتنعت بسبب علاقاتها التقليدية مع لبنان من الانضمام إلى تصنيف حزب الله منظمة إرهابية. ففي 27 أيلول/سبتمبر، هاجم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حزب الله بصفته شريكاً في إفشال تشكيل حكومة جديدة في لبنان. وأشار إلى أن حزب الله هو في آن واحد جيش وحزب سياسي.
وعلى المستوى السياسي، تعمل إسرائيل أمام مختلف شرائح الأطراف في لبنان، وأمام مختلف الجهات في الساحة الدولية وفي العالم العربي، للكشف عن مخاطر أنشطة حزب الله على لبنان، وتحديداً على السكان الذين يعيشون في الأماكن التي يخفي الحزب الأسلحة الموجودة في مناطقها.
هذا الجهد التوعوي، يشكل جزءاً من استراتيجية المعركة بين الحروب الإسرائيلية على الحدود الشمالية مع لبنان، وهي تهدف للتأثير عبر إرسال رسائل إلى أماكن معينة في لبنان، هامش حرية العمل العسكري لإسرائيل فيها محدود. الجهد الأساسي لإسرائيل، هو للإشارة من جهة إلى الحرص على لبنان مستقر وعلاقات جيدة معه، ومن جهة ثانية التشديد على أن دمج حزب الله في النظام السياسي يحول لبنان إلى دولة مسؤولة عن أفعاله ويعرضها إلى الاستهداف من جانب إسرائيل.
إن الجهود التي قامت بها إسرائيل حيال السكان اللبنانيين، نجحت إلى حدٍ ما، فهي تجد صعوبة في التأثير على الجمهور الشيعي الموالي لحزب الله. وأيضاً على أجزاء أخرى من السكان عموماً، الذين تضرروا من العمليات العسكرية لإسرائيل في لبنان، ويرون فيها عدواً مسؤولاً عن معاناتهم.
المعركة التوعوية لحزب الله
حزب الله في المقابل، يخصص حيزاً واسعاً للتوعية من إسرائيل، تستهدف أصحاب القرار، الجيش في إسرائيل، وكل الجمهور. فالخطابات المتتالية للسيد نصر الله تحظى بتغطية واسعة في وسائل الاعلام الإسرائيلية، وهي تشكل محطة مركزية في هذه المعركة، وتهدف إلى زرع الخوف لدى الجمهور الإسرائيلي. خاصة وأن تهديداته في الأشهر الأخيرة بالانتقام لمقتل أحد عناصره في سوريا، هي جزء من معادلة ردع واسعة يحاول تثبيتها، لإجبار الجيش الإسرائيلي على البقاء في حالة استعداد متواصلة عند الحدود مع لبنان. بموازاة ذلك، يبذل الحزب جهوداً توعوية في الجمهور اللبناني عموماً، وعناصر الحزب نفسهم، ومؤيديهم الذين يرون بأن الحزب هو عامل رادع لإسرائيل. وفي هذا الإطار، يشدد نصر الله على تكرار مقولة بأن المقاومة تحمي لبنان من التهديد الإسرائيلي، وفي الوقت نفسه، يحاول نصر الله إخفاء تأثير المصالح الإيرانية على بلاده.
حاجة حزب الله لتعزيز التأييد له مؤخراً على خلفية الانتقادات الجماهيرية التي توجه للحزب من خلال الاحتجاجات في لبنان، والتي وصلت إلى ذروتها بعد انفجار مرفأ بيروت. وتضمنت الانتقادات توجيه أصابع الاتهام مباشرة إلى نصر الله، عبر عرض مجسم له على عامود المشنقة.
وفي المقابل، اتخذ الحزب وأنصاره سياسة مشددة بهدف إسكات المنتقدين، منها توجيه تهديدات بالقتل للصحفية لونا صفوان التي انتقدت حزب الله، وادعت أن لبنان خطف على يد مليشيا مسلحة.
في الواقع، وبعد كشف نتنياهو عن مصنع الصواريخ التابع لحزب الله وردّ حزب الله على هذا الكشف، في هذه المعركة التوعوية، يبدو أن إسرائيل هي المبادرة وحزب الله هو المدافع. إلا أنه في نفس الوقت، تظهر أيضاً قدرة الرد والتعلم سريعاً لدى الحزب، حتى وإن ترافق مع السرعة أخطاء، لكن تبقى إسرائيل متفوقة استخبارياً الذي ستستخدمه لاحقاً.
خلاصة وتوصيات لإسرائيل
يشكل الصراع على الوعي بين إسرائيل وحزب الله مدماكاً مهماً في المواجهة بينهما، فكلا الجانبين يستطيعان الادعاء بتحقيق إنجازات في إطارها، حتى وإن كانت محدودة. من ناحية إسرائيل، ومن المهم مواصلة الجهد التوعوي بشكل دائم ومكثف أمام حزب الله، عبر أدوات علنية وسرية، مع تنسيق الرسائل حيال مختلف الجماهير المستهدفة.
انطلاق المفاوضات بشأن ترسيم الحدود البحرية والبرية بين إسرائيل ولبنان، إلى جانب الوضع الاقتصادي، والسياسي والصحي الصعب في هذه الدولة، وخصوصاً بعد كارثة مرفأ بيروت، يخلق لإسرائيل فرصة للتشديد أمام الشعب اللبناني، الجدوى الآنية للنمو من تقدم المفاوضات مع إسرائيل، والذي من شأنه أن يسهل في الاستعداد لتقديم المساعدة الدولية لتحسين ظروف حياتهم وتطوير بلدهم، من حيث الازدهار الاقتصادي والاستقرار. وهذا يأتي كبديل عن الاحتكاك والمواجهة الذي يقوده حزب الله ضد إسرائيل، والذي من شأنه أن يؤدي إلى ضربة قاتله أخرى للبنان.
في الموازاة، على إسرائيل أن تخوض معركة توعوية مركزة، توضح للبنانيين، ولحزب الله والرأي العام الدولي، إن المسّ بجنود إسرائيليين انتقاماً لاستشهاد عناصر حزب الله في سوريا، سيرتد عليه بضربة مضاعفة من شأنها أن تصعد الوضع إلى مواجهة واسعة النطاق، تضاف إلى الاقتصاد اللبناني المنهار. ويوصى بأن يتم التشديد خصوصاً على ضبط النفس الذي انتهجته إسرائيل أمام المحاولات الفاشلة لحزب الله لاستهداف جنوده مؤخراً في شمال إسرائيل، من أجل الضغط داخلياً ودولياً ضد شرعنة لعمليات الانتقامية التي من شأنها أن تزعزع الاستقرار في الساحة.
على إسرائيل رفع سقف رسائلها على أن حزب الله هو المتهم الأساس في منع الدعم الدولي عن لبنان، من أجل مساعدته للخروج من أزمته الأصعب له في التاريخ، فضلاً عن أن الحزب يشكل خطراً دائماً على أمن الشعب اللبناني، بسبب تخزين السلاح وسط مناطق مأهولة بالسكان، ومنع تشكيل حكومة، وإجراء إصلاحات سياسية واقتصادية. ومع ذلك يجب أن يؤخذ بالحسبان، أن نقل هذه الرسائل لا يجب أن تكون عبر جهات محسوبة على إسرائيل، لأن هذا يمنع الانصات له، وسط جمهور لبنان، والممتعضين من حزب الله.
في الساحة الدولية، يجب على إسرائيل مواصلة جهودها في التركيز، على أن حزب الله هو منظمة إرهابية دولية، تشكل خطراً على دول العالم، وتزعزع الاستقرار الإقليمي، سواء بسبب التهديد الذي يشكله على لبنان نفسه، أو لأنه عقبة أمام محاولات التقدم بحل ممكن للأزمة الاقتصادية والسياسية الحالية في لبنان، وتحديداً على وجه الخصوص، توجيه الرسائل بهذا المضمون للولايات المتحدة والدول الأوروبية، وتحديداً فرنسا التي يبدو أنها تسعى لإعادة تأثيرها على لبنان.
ورغم الصعوبات الموضوعية في قياس مدى نجاح الجهود التوعوية، فإن أهمية هذه المعركة التي تقودها إسرائيل في لبنان عموماً، ومع حزب الله خصوصاً، تتعاظم هذه المعركة في الوقت الراهن، بسبب الصعوبات والأزمات التي يعاني منها لبنان، والتي من شأنها أن تلقى أذاناً صاغية في وسط الجمهور اللبناني، الذي يرزح تحت عبء الأزمة، التي يعتبر حزب الله من بين المسؤولين الرئيسيين عنها، ان لم يكن أولهم.