أثار الكشف عن وجود وثائق سرية في "مركز بن بايدن للدبلوماسية والمشاركة العالمية" بالعاصمة واشنطن، الذي سبق أن استخدمه الرئيس الأمريكي جو بايدن عندما كان نائباً للرئيس الأسبق باراك أوباما، وكذلك في منزله في ويلمنغتون بولاية ديلاوير؛ تساؤلات عدة على صعيد أوجه الشبه أو الاختلاف عن الوثائق التي عُثر عليها في مقر إقامة الرئيس السابق دونالد ترامب، وتداعياتها المحتملة على الرئيس بايدن وشعبيته، لا سيما مع تعيين المدعي العام ميريك جارلاند مستشاراً خاصاً للتحقيق في الأمر.
سياق مُقارن
يسعى الجمهوريون إلى المقارنة بين قضية وثائق بايدن وبين وثائق ترامب الذي يواجه تحقيقاً جنائياً اتحادياً على خلفيتها. وفيما يلي يمكن الوقوف على أوجه الشبه والاختلاف بين الحالتين؛ وذلك على النحو التالي:
1– التشابه في الاحتفاظ بوثائق حساسة ومصنفة: صُنفت الوثائق التي اكتُشفت في مكتب بايدن معلومات حساسة ومُصنفة؛ ما يشير إلى أنها قد تتضمن بيانات عن أساليب ومصادر جمع المعلومات الاستخبارية، بجانب معلومات عن أوكرانيا وإيران وبريطانيا. أما وثائق ترامب، فصُنفت مجموعة واحدة منها فقط من بين مئات الوثائق الموجودة في مقر إقامته معلومات حساسة ومصنفة، وقد عُثر على عدد صغير من الوثائق السرية في مرآب الرئيس بمنزله في ديلاوير. وفي المقابل، وعلى مدار العام الماضي عُثر على أكثر من 325 ملفاً سرياً؛ منها ما هو سري للغاية في منتجع ترامب مار إيه لاغو في فلوريدا.
2– التباين في كيفية العثور على الوثائق السرية: لقد سبق أن داهم مكتب التحقيقات الفيدرالي في 8 أغسطس 2022 مقر إقامة ترامب في مار إيه لاغو بولاية فلوريدا، كما صادر صناديق تحتوي على آلاف الوثائق السرية التي لم يُعِدها ترامب عند مغادرته للبيت الأبيض. وفي المقابل، عثر محامو بايدن الشخصيون على 10 وثائق سرية حمل بعضها علامة “سري للغاية” في صندوق مع مواد أخرى في خزانة بمركز "بن بايدن للدبلوماسية والمشاركة العالمية"، وهو ما أكده المستشار الخاص للرئيس ريتشارد ساوبر في 2 نوفمبر 2022، حين عكف هؤلاء المحامون على إخلاء المكاتب، ثم سلموا المواد إلى الأرشيف الوطني إلى أن عُثر على المجموعة الثانية منها في 20 نوفمبر 2022 في إطار تفتيش المحامين الشامل لجميع ممتلكات الرئيس، وهو ما يعني أن الاكتشاف الأول حدث قبل أيام قليلة من انتخابات التجديد النصفي للكونجرس التي أجريت في 8 نوفمبر الماضي، وسط تعتيم إعلامي تام حتى شهر يناير الجاري؛ ما يشكك في شفافية الأمر، لا سيما أنه في حالة ترامب بدأ الأرشيف الوطني يتصل بمكتبه بعد التأكد من أنه لا يمتلك بعض السجلات البارزة من فترة رئاسته، ثم أعقب ذلك تقديم فريق الرئيس السابق بعض المواد والوثائق السرية إلى الحكومة الفيدرالية إلى أن تدخل مكتب التحقيقات الفيدرالي وداهم منزل ترامب.
3– احتفاظ بايدن بالوثائق لفترة زمنية أطول من ترامب: لقد احتفظ بايدن بالوثائق في مكتبه بعد أن ترك منصب نائب الرئيس في عام 2017، وقد توقف عن استخدام هذا المكتب عندما أطلق حملته الرئاسية في شهر أبريل 2019، وهو ما يعني أن تلك الوثائق ظلت موجودة في المكتب لمدة تجاوزت الأعوام الثلاث؛ ما دفع كثيرين للتساؤل عن طبيعة من أمكنهم الوصول إليها خلال تلك الفترة. أما في حالة ترامب، فقد أمكن استرداد ما يقرب من 300 وثيقة سرية منذ تركه منصبه في يناير 2021. وفي يناير 2022، استعادت إدارة المحفوظات والسجلات الوطنية 15 صندوقاً من الوثائق تحتوي على مواد سرية. وفي شهر أغسطس 2022، أخذ عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي نحو 33 صندوقاً وحاوية تحتوي على 11 ألف مستند، بما في ذلك ما يقرب من 100 وثيقة سرية كانت موجودة في غرفة التخزين والمكتب.
4– تعيين مسؤول للتحقيق في التعامل مع الوثائق الحساسة: نفت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارين جان– بيير علم بايدن بوجود وثائق سرية تعود إلى الفترة التي شغل فيها منصب نائب الرئيس في مركز أبحاثه بواشنطن أو في منزله في ويلمنغتون، كما نفت أيضاً معرفته بمضمونها. وفي سياق متصل، أكد بايدن أن وجود وثائق حساسة في مكتبه السابق يمثل مفاجأة له، وإن أكد تعاونه التام والجدي مع وزارة العدل. وفي المقابل، اتهم ترامب مكتب التحقيقات الفيدرالي ووزارة العدل بالتحقيق في الأمر بدوافع سياسية، في محاولة لمنعه من الترشح للبيت الأبيض مرة أخرى. والجدير بالذكر أن وزير العدل ميريك جارلاند قد عين المدعي العام الأمريكي السابق “روبرت هور” مستشاراً خاصاً للتحقيق في طريقة التعامل مع الوثائق الحكومية الحساسة التي تم العثور عليها في المكانين، بالتوازي مع بحث محامي ترامب عن وثائق قد تكون ضائعة في أماكن أخرى.
معركة سياسية
من شأن وثائق بايدن أن تتسبب في جملة من التداعيات التي يمكن الوقوف على أبرزها في النقاط التالية:
1– تطويق الجمهوريين الرئيس بايدن: في ظل المقارنة السابقة، طلب “جيمس كومر” رئيس لجنة الرقابة بمجلس النواب، الحصول على سجلات زوار منزل الرئيس الحالي؛ بهدف الوقوف على ماهية من زاروه في مقر إقامته واطلعوا على الوثائق الحساسة، دون أن ينصرف الأمر إلى سجلات زوار ترامب". والجدير بالذكر أنه لا يوجد من الناحية القانونية ما يُلزم رؤساء الولايات المتحدة بالكشف عن زوارهم في منازلهم أو في البيت الأبيض، وإن أعادت إدارة بايدن تقليد الكشف عن الضيوف الرسميين للبيت الأبيض، وأصدرت أول مجموعة من السجلات الخاصة بذلك في مايو 2021 بعدما أوقف ترامب العمل بذلك التقليد، بعد فترة وجيزة من توليه المنصب في عام 2017.
2– التشكيك في مصداقية بايدن: قد ينجم عن الوثائق السرية للرئيس الأمريكي بعض التداعيات السياسية السلبية التي قد تقوض صورته، وبخاصة في ظل حرصه الدائم على الالتزام بالقيم السياسية والمعايير الأخلاقية من ناحية. ووصَف الجمهوريون وثائقه بكونها دليلاً على نفاقه من ناحية ثانية، كما من شأن هذا الأمر أن يُعقد التحقيق الجاري بحق ترامب، على الرغم من التأكيد المستمر لعدالته ونزاهته. وفي هذا السياق، دفعت بعض التحليلات بأن كلاً من بايدن وترامب يتأرجحان على حافة هاوية واحدة في ظل إمكانية توجيه الاتهام إلى أيٍّ منهما بموجب قانون السجلات الرئاسية وقانون التجسس.
3– إحداث تبعات قانونية مؤثرة على الرئيس الأمريكي: دفعت كثير من التحليلات بأن وثائق بايدن لا تعدو كونها إحراجاً للبيت الأبيض، لا سيما أن فضيحته تفوق في تبعاتها فضيحة ترامب؛ لأن الأمر لم يقتصر على مركز الأبحاث التابع للرئيس الأمريكي، بل امتد إلى منزله من ناحية، ولأنه قد تترتب عليه تبعات قانونية على الرغم من قلة المعلومات المتداولة عن الوثائق ومجهولية السبب في عدم تخزينها بشكل آمن في الأرشيف الوطني الأمريكي حسبما ينص القانون من ناحية ثانية، ولأن ترامب كان يملك صلاحية رفع السرية عن الوثائق، بينما حصل عليها بايدن وهو نائب للرئيس؛ أي دون أن يملك صلاحية رفع السرية عن أي منها من ناحية ثالثة.
4– تأثير محتمل على السباق الرئاسي لعام 2024: من غير المرجح أن تسفر واقعة بايدن عن اتهامه بموجب قانون السجلات الرئاسية وقانون التجسس، لا سيما في ظل جهود الإدارة الديمقراطية التي ترمي إلى تدارك الخطأ بالإعلان عنه وتصحيحه من ناحية، واختلاف وضع كل من بايدن وترامب الراهن؛ إذ لا يزال الأول رئيساً رسمياً للبلاد من ناحية ثانية. وتذهب أرجح التحليلات إلى أن واقعة الوثائق قد تُقوض نسبياً جهوده إن رغب في الترشح لولاية ثانية؛ لكونها دفعة كبرى لمنافسه ترامب في سباقه الرئاسي.
ختاماً، من شأن وثائق بايدن أن تضيف مزيداً من التعقيدات السياسية للتحقيقات الجارية في كلتا الواقعتين، لا سيما في ظل الدعوات التي تطالب بخضوع بايدن للتحقيق الذي يخضع له ترامب، كما أنها ستقوض مصداقية الرئيس الذي سبق أن انتقد ترامب على الفعل نفسه، ووصفه بغير المسؤول من ناحية، وتعمد التعتيم على الواقعة لأسباب سياسية حزبية من ناحية ثانية. وبطبيعة الحال، فإن تحقيقات الجمهوريين في أداء الإدارة الديمقراطية، وكيفية تعاملها مع فيروس كورونا المستجد، بجانب الاتهامات الموجهة إلى هانتر بايدن (نجل الرئيس الأمريكي)؛ تعني في مجملها أن بايدن سيتعرض لضغوط قانونية متزايدة خلال الفترة المتبقية من ولايته.