إخلاء بؤرة استيطانية باسم "أور حاييم" أقيمت فجر الجمعة على أراضي قرية جوريش جنوب نابلس، بأمر من وزير الأمن يوآف غالنت، مساء نفس الجمعة التي أقيمت فيها؛ أثار ضجة إعلامية وفتح خيال المحللين الإسرائيليين على أن الأمر يؤشر على بداية التناقض والصراع داخل الحكومة التي - برغم تجانسها - تظهر تصدعات وصراعات داخلية بين اليمين الليبرالي الذي يمثله نتنياهو وغالنت، وبين اليمين الديني الفاشي الذي يمثله سموتريتش وبن غفير، وأن الأمر هو مجرد البداية لظهور أزمات وصراعات أكثر عمقًا تترجم تناقض ما جاء في الاتفاقات الائتلافية مع القوانين والتقاليد الرسمية، ما يشكل في نظرهم بدايةً للتنصل ممّا جاء في الاتفاقات الائتلافية، على اعتبار أن نتنياهو عندما وقع على الاتفاقيات كان مضطرًا، وأنه في اللحظة التي وقع عليها عرف بأنه سيجد طريقة للالتفاف عليها.
في أعقاب قرار غالنت بإخلاء البؤرة الاستيطانية التي اقيمت فجر الجمعة باسم "أور حاييم" في ذكرى مرور 30 يومًا على موت الحاخام الأكبر للمستوطنين حاييم دروكمان، والتي أقام فيها بضعة أفراد؛ سموتريتش بصفته وزيرًا في وزارة الأمن والمسؤول عن إدارة المستوطنات وشؤون الإدارة المدنية، اتصل بغالنت طالبًا تأخير الإخلاء إلى يوم الأحد ومنح متسع من الوقت لنقاش الأمر، ثم اتصل بغسان عليان منسق شؤون الحكومة في الأراضي المحتلة طالبًا منه وقف الإخلاء، لكن غالنت أصر على الإسراع بالإخلاء قبل أن يتمكّن المستوطنون من تحشيد المستوطنين.
بعد الإخلاء، أصدر كلٌ من سموتريتش وبن غفير بيانات منفصلة، أدانا فيها عملية الإخلاء، واعتبراها تشكل تناقضًا مع ما جاء في الاتفاقيات الائتلافية التي تشكّل أساس وجود الحكومة. وردًا على ذلك، أصدر مكتب نتنياهو بيانًا أكد فيه على أن "الحكومة تؤيد الاستيطان فقط عندما يتم بشكل قانوني، وبتنسيق مسبق مع رئيس الحكومة والأجهزة الأمنية، وهو ما لم يتم في هذه الحالة"، وأضاف أنه سيجري نقاشًا حول الموضوع في بداية الأسبوع المقبل. بدوره، قال غالنت إن "كل عمل ميداني يجب أن يتم وفق القانون"، وذلك في محادثة أجراها مع رئيس الأركان هرتسي هليفي.
سموتريتش الغاضب أغلق هاتفه ولم يرد على مكالمات رئيس الحكومة ولا على مكالمات غالنت، اللذيْن حاولا احتواء الأزمة، سموتريتش يعتبر أن ما حدث هو بداية لعبة صراع النفوذ داخل وزارة الأمن بينه وبين ما جاء في الاتفاقيات من جهة، وبين غالنت الذي أصر في كل خطاباته (منذ تعيينه وزيرًا للأمن) وأكد على أن للجيش رئيس أركان واحد، وأنه هو الوزير المخول والمفوض بإصدار الأوامر لرئيس الأركان؛ في إشارة واضحة أنه لن يسمح لسموتريتش - على الرغم من كونه وزيرًا ثانيًا للأمن - بأن يتدخل أو يُملي قرارات على الجيش.
إقامة البؤرة وإخلاؤها كانت فرصة ذهبية لكل من غالنت ونتنياهو، وهي عبارة عن مسرحية موظفة لخدمة العلاقات العامة، موجهة للداخل وللخارج، والرسالة الموجهة هي أن حكومة نتنياهو السادسة، وعلى الرغم من مشاركة بن غفير وسموتريتش فيها؛ إلا أنها مُلتزمة بما التزمت بهِ الحكومات السابقة، وأنها مُتمسكة بتنفيذ القانون، وأن سياساتها لن تخضع لمزاجية بن غفير وسموتريتش. وكان نتنياهو بحاجة ماسة للضجيج الإعلامي حول الإخلاء، بحيث يتم توظيف إخلاء ثانوي وهامشي جدًا لتقديم رسالة أعمق وأهم بكثير من إخلاء بضع أفراد، لا سيما وأن جاك سوليفان (مستشار الأمن القومي الأمريكي) كان في زيارة لإسرائيل يوم الخميس، أكد فيها خلال لقائه بنتنياهو على تمسك أمريكا بحل الدولتيْن، وعلى المطالبة بعدم توسيع الاستيطان. وصادف الإخلاء مع تواجد وفد سناتورات أمريكي عن الحزبيْن الديموقراطي والجمهوري، الذين رفضوا الالتقاء مع سموتريتش وبن غفير، وهي المرة الأولى التي يرفض فيها وفد أمريكي من الحزبيْن الالتقاء مع وزراء إسرائيليين.
لكن إخلاء بؤرة صغيرة أقيمت في عتمة الليل لا يشير إلى اتجاه يذهب فيه نتنياهو بالتنكر لنفوذ سموتريتش وبن غفير في حكومته أو التنكر للاتفاقيات والعضلات التي استعرضها غالنت محاولًا الترويج وتعزيز مكانته كوزير أمن يملك كامل الصلاحيات، وأنه قادر على إبعاد الجيش عن السياسة وصد نفوذ السياسيين عن التغلغل والتأثير داخل الجيش، فتحالف سموتريتش - بن غبير قوي وذو تأثير كبير، ولن يستطيع نتنياهو تجاهل تأثيرهما، ومن المرجح أنهما سيطالبان بتعويض مناسب.