• اخر تحديث : 2024-11-15 12:27
news-details
قراءات

أشار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، يوم 18 يناير الحالي، إلى إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة في تركيا مبكراً، لتصبح يوم 14 مايو 2023 قبل موعدها الرسمي بخمسة أسابيع تقريباً، وأرجع ذلك إلى تزامن موعدها السابق – الذي كان مقرراً في 24 يونيو 2023 – مع موسم العطل المدرسية وامتحانات دخول الجامعات بتركيا. ورغم توقع الإعلان عن إجراء انتخابات مبكرة، فإنه مثَّل مفاجأة لتحالف "الأحزاب الست" المعارض الذي لم يعلن عن مرشحه لخوض الاستحقاق الرئاسي كمنافس “لأردوغان”؛ ما يمنح الأخير فرصاً أكبر للفوز بها، لا سيما أنها واحدة من أهم الانتخابات في العام الحالي وفي تاريخ تركيا الحديث؛ نظراً للمتغيرات الجيوسياسية والاقتصادية الإقليمية والدولية المصاحبة لها بعد الحرب الأوكرانية.

دوافع متعددة

وفق إعلان أردوغان فإنه سيتم إجراء الانتخابات الرئاسية لاختيار رئيس جديد لمدة أربع سنوات مقبلة، والبرلمانية لاختيار 600 عضو في الجمعية الوطنية الكبرى في تركيا (البرلمان) لمدة 5 أعوام قادمة، في يوم واحد هو 14 مايو 2023، وربما يتم تقديمه أو تأخيره أياماً قليلةً أخرى وفق قرار اللجنة العامة للانتخابات. وهناك عدة دوافع لهذا القرار؛ منها:

1– الضغط على المعارضة التركية: ثمة ثلاثة تحالفات سياسية رئيسية في تركيا ستخوض الانتخابات، وقد دأب الرئيس التركي “أردوغان” على انتقاد تحالف الأمة المعارض لفشله في الإعلان عن مرشح رئاسي لمنافسته، وسيؤدي الإعلان المبكر عن الانتخابات إلى إرباك تحالف المعارضة، وسيضعه تحت ضغط الإعلان عن اسم مرشحه سريعاً، كما أنه سيمنح فرصة لأردوغان وحلفائه بتحالف الشعب الحاكم في الإعداد الجيد للانتخابات المقبلة، واستقطاب المزيد من الأحزاب الصغيرة لهم.

وتضمَّنت خريطة الانتخابات المقبلة ثلاثة تحالفات رئيسية؛ أولها “تحالف الشعب” الحاكم الذي يضم حزب “العدالة والتنمية” بزعامة الرئيس “أردوغان” و”الحركة القومية” برئاسة “دولت بهجلي”، وقد أعلن منذ ستة أشهر عن خوض “أردوغان” الانتخابات الرئاسية المقبلة مرشحاً لهذا التحالف.

والتحالف الثاني هو “تحالف الأمة” المعارض، ويضم ستة أحزاب هي “الشعب الجمهوري” برئاسة “كمال كليجدار أوغلو”، و”الجيد” برئاسة “ميرال أكشنار”، و”السعادة” برئاسة “تمل كارمولا أوغلو”، و”الديمقراطية والتقدم” برئاسة “علي باباجان”، و”المستقبـل” برئاسة “أحمد داود أوغلو”، و”الديمقراطي” برئاسة “جولتكين أويصال”. وقد أعلن هذا التحالف عن خوض الانتخابات الرئاسية بمرشح موحد، بيد أنه لم يعلن اسمه حتى اليوم. ويرجع هذا إلى الخلافات بين أحزابه.

والتحالف الثالث هو “تحالف العمل والحرية” الكردي المعارض، ويضم 6 أحزاب ذات توجه يساري، وهي “الشعوب الديمقراطية” المؤيد للأكراد، وأحزاب (الحركة العمالية، وحزب العمال، واتحاد الجمعيات الاشتراكية، والعمال التركي، والحرية المدنية. وقد أعلن هذا التحالف عن ترشح رئيس حزب الشعوب الديمقراطية “صلاح الدين دميرطاش” المعتقل منذ عام 2016 للانتخابات الرئاسية، وقد دشن الأخير حملته من سجنه مطلع العام الحالي.

2– استغلال التحسن الاقتصادي: شهد الاقتصاد التركي نهاية عام 2022 تحسناً طفيفاً بعد أزمة طاحنة مرت به خلال العامين الماضيين؛ حيث انخفض معدل التضخم ليسجل (64%) تقريباً، وتعهد الرئيس التركي بخفضه ليصل (20%) بنهاية العام الحالي، وأعلن عن رفع الحد الأدنى للأجور عام 2023 إلى (8506.60 ليرة) بزيادة تقدر بـ55%، وارتفع احتياطي النقد الأجنبي ليصل (23.12) مليار دولار، كما تم الكشف عن أكبر حقل للغاز الطبيعي في السواحل التركية للبحر الأسود؛ ما سيؤدي إلى حالة من الرواج بالاقتصاد التركي بعد تقليل الاعتماد على استيراد موارد الطاقة من الخارج؛ هذا فضلاً عن تركيز مشاريع التنمية والبنية التحتية خلال العام الماضي في محافظات وسط الأناضول، التي لا توجد فيها بكثافة أحزاب المعارضة، لا سيما تحالف “الأمة”؛ حيث تم افتتاح 99 مشروعاً جديداً في ولاية غازي عنتاب جنوباً. وفي ولاية قيصري وسط البلاد تم افتتاح مؤسسات تعليمية وصحية جديدة، وبدأ العمل بخط سكة حديدية يربطها بأنقرة، كما تم طرحمشروع للإسكان الاجتماعي، ومشروع السيارة التركية الذاتية القيادة (توج). وهذه المشاريع ستعمل على استقطاب الناخبين من محافظات وسط وجنوب البلاد لتأييد “أردوغان”.

3– استقطاب التيارات المحافظة والقومية: اختار الرئيس التركي موعد الانتخابات المبكرة ليستقطب به التيارات الدينية المحافظة بتركيا؛ حيث إنه يأتي عقب انتهاء شهر “رمضان المبارك”، كما شبَّه “أردوغان” نفسه برئيس الوزراء التركي الراحل “عدنان مندريس” (أسَّس مندريس الحزب الديمقراطي عام 1946 وفاز بالانتخابات في مايو 1950 كأول رئيس وزراء إسلامي بالجمهورية التركية منذ عام 1923، ويحظى بإعجاب التيارات المحافظة الإسلامية بالبلاد، ثم تم إعدامه عقب انقلاب عسكري عام 1960)؛ حيث قال “أردوغان” في كلمته لأعضاء حزبه خلال إعلانه عن موعد الانتخابات المبكرة: “بعد 73 عاماً على فوز الحزب الديمقراطي عام 1950، ستوجه أمتنا ردها على تحالف طاولة الستة المعارض”، كما يسعى “أردوغان” إلى استغلال العداء المتصاعد للأكراد عقب التظاهرات المناهضة له في بعض الدول الأوروبية (كالسويد وفرنسا) واتهامه بأنه يعادي الأكراد بعد تكرار تهديداته بشن عملية عسكرية ضد “قوات سوريا الديمقراطية – قسد” شمال سوريا؛ ما أدى إلى ارتفاع شعبيته بين الأحزاب القومية المناهضة للأكراد واللاجئين كحزبَي (الحركة القومية، والنصر).

4– توظيف زخم السياسة الخارجية التركية: حققت السياسة الخارجية التركية عام 2022 عدة نجاحات بارزة على الصعيدين الإقليمي والدولي؛ فقد كسرت العزلة التي عانت منها خلال العامين الماضيين، ونجحت في إنهاء التوتر في علاقاتها الخارجية مع عدة دول إقليمية، وقام وزير الخارجية التركي “مولود جاويش أوغلو” بزيارة إسرائيل للمرة الأولى منذ 15 عاماً، كما أظهرت تركيا حرصها على التقارب مع مصر والعمل على إعادة السفراء إلى أنقرة والقاهرة بعد سحبهما منذ عام 2013، فضلاً عن بوادر التطبيع التركي السوري الذي سيساهم في إنهاء أزمة اللاجئين بتركيا. ومع اندلاع الأزمة الأوكرانية حققت تركيا توازناً في علاقتها بموسكو وكييف، وتقوم بدور وساطة ناجحة في الأزمة أسفرت عن صفقة تصدير الحبوب الأوكرانية للخارج؛ وهذا كله يصب في صالح “أردوغان” الذي تعهد بأن عام 2023 سيكون عام “القرن التركي”.

تداعيات متوقعة

بعد إعلان موعد الانتخابات المبكرة بتركيا، يتبقى أربعة أشهر لإجرائها، وأعلن عن مرشحَين فقط لخوض الاستحقاق الرئاسي؛ هما: “أردوغان” رئيس التحالف الحاكم، ورئيس الحزب الكردي “صلاح الدين دميرطاش”، ويعد ترشيحه رمزياً لأنه معتقل. وهذا الإعلان المبكر سيكون له العديد من التداعيات، يمكن الإشارة إلى أبرزها فيما يلي:

1– انقسام المعارضة حول المرشح الموحد: أصبح من شبه المؤكد وجود انقسام بتحالف الأمة المعارض وأحزابه الستة حول هوية المرشح الرئاسي تحديداً. واللافت أن التحالف لم يصدر أي رد فعل عقب إعلان “أردوغان” تبكير موعد الانتخابات. ومن المقرر أن يعقد قادة التحالف اجتماعاً يوم 26 يناير الحالي للتشاور بينهم. ومؤخراً برز خلاف واضح أحد طرفيه “أكشنار” التي أعلنت أن حزبها سيدعم ترشح عمدة بلدية أنقرة “منصور يافاش” أو عمدة بلدية إسطنبول “أكرم إمام أوغلو” للرئاسة، والاثنان عضوان بحزب الشعب الجمهوري؛ ما آثار حفيظة رئيس الحزب “كمال كليجدار أوغلو” الذي أكد أن “اختيار اسم مرشح شأن داخلي للحزب، ويجب عدم التدخل فيه ورفض ترشح رؤساء البلديات للانتخابات الرئاسية”، وأعقب ذلك عقد اجتماع بين “أكشنار” و”كليجدار أوغلو” استمر ساعتين ونصفاً دون الخروج بأي نتائج أو تصريحات عنه؛ ما جدد الشكوك بوجود خلافات حادة بينهما، خاصةً أن الأخير أكد أنه المرشح الرئاسي للتحالف.

وما زال اسمَا “يافاش” و”إمام أوغلو” يُطرَحان كمنافسين “لأردوغان”، كما طرحت أسماء أخرى، مثل الرئيس السابق “عبد الله جول”، و”علي باباجان”. واستمرار الخلافات الداخلية حول اسم المرشح الرئاسي للمعارضة سيؤثر سلباً على مصداقية التحالف بين قواعده الشعبية، ويعرقل فرص المرشح المحتمل في التواصل مع الناخبين في 84 ولاية تركية؛ حيث ينبغي له الوجود شخصياً في هذه الولايات أثناء الحملات الانتخابية، لا سيما في ظل سيطرة الحكومة التركية على الإعلام الرسمي وترويجه المستمر “لأردوغان”. وقد بدد “أحمد داود أوغلو” وجود أي انقسام أو تفكُّك للتحالف، وألمح إلى إمكانية طرح “مرشحين” لمنافسة “أردوغان”.

2– اتساع فجوة الخلافات داخل “تحالف الأمة”: يبدو أن الخلافات بين أحزاب المعارضة لا تقتصر على اسم المرشح للرئاسة؛ فقد برزت مؤخراً خلافات عدة بين أحزاب الأمة المعارض؛ حيث عقد “داود أوغلو” اجتماعاً مع “أكشنار”، وطلب منها ضم 40 نائباً من حزبها “الجيد” ليخوض حزبه الانتخابات بكل قانوني، بيد أن الأخيرة لم توافق حتى الآن، كما جدَّد “داود أوغلو” موقفه السابق بأن “قادة التحالف الست سيكون لهم الحق وصلاحية التوقيع والمصادقة على أي قرار سيصدر من رئاسة الجمهورية، وهو ما انتقده “أردوغان”؛ لأنه يثير الشكوك حول طبيعة نظام الحكم، كما أنه غير دستوري.

ومن جهة أخرى، أبدى حزب “الديمقراطية والتقدم” برئاسة “علي باباجان” موافقة أولية لضم عدد من نواب حزب “الشعوب الديمقراطية” الكردي إليه ليخوضوا الانتخابات البرلمانية المقبلة إذا أقرت المحكمة الدستورية إغلاق الحزب الكردي، كما أكد “باباجان”، خلال زيارته إلى ولاية “ديار بكر” الكردية جنوباً، ضرورة حل القضية الكردية بشكل نهائي، وهو ما سيُواجَه برفض من قبل الأحزاب القومية بتحالف الأمة المناهضة للأكراد، ومنها حزبا (الشعب الجمهوري، والخير).

3– تصاعد أهمية الكتلة الكردية التصويتية: أكد وزير العدل التركي “بكير بوزداج” أن أصوات حزب الشعوب الديمقراطي الكردي ستكون “حاسمة” بالنسبة للمعارضة، وهذا حقيقة؛ لأن رئيس حزب “الشعوب الديمقراطية” الكردي المعارض، الذي يعد ثالث أكبر حزب بتركيا بعد (العدالة والتنمية، والشعب الجمهوري)، يعلم جيداً أنه لن يفوز بالانتخابات الرئاسية التي يخوضها من معتقله بولاية “أدرنة” (اعتقل في نوفمبر 2017 وحكم عليه بـ142 سنة بتهم تتعلق بدعم الإرهاب وإهانة رئيس الجمهورية)، بيد أنه سيكون قوة تصويتية كبيرة داعمة لأي حزب آخر؛ لأنه يحصل على 10% من أصوات الناخبين. وإذا قرر توجيه ناخبيه لتأييد أي حزب أو تحالف آخر فسيحالفه الفوز. ورغم هذا فإن “أردوغان” يؤكد معارضته للحزب في رهان على الأصوات القومية والمُحافِظة، بينما يستمر تحالف الأمة المعارض في مناهضة الحزب الكردي وعدم التقارب معه رغم أن التحالف بين الطرفَين والدفع بمرشح رئاسي موحد عنهما ربما يؤدي إلى فوزه بالانتخابات المقبلة وهزيمة “أردوغان”.

4– تذبذب الكتل التصويتية: تشهد استطلاعات الرأي حول نتائج الانتخابات التركية المقبلة تذبذباً ملحوظاً، ومن المنتظر استمراره خلال الأشهر الأربع المقبلة. ومن الجدير بالذكر أن أحزاب المعارضة تعول على أصوات الشباب الذين سيدلون بأصواتهم للمرة الأولى، وهم يشكلون نحو 12% من مجموع الناخبين، ويُبدون معارضة “لأردوغان” دون تأييد واضح للمعارضة، بينما يعول الحزب الحاكم على الكتلة التصويتية التقليدية المحافظة و”الصامتة” التي تصوت له عادةً، وهو ما انعكس على نتائج استطلاعات الرأي الأخيرة في تركيا. ووفقاً لاستطلاع رأي أجرته شركة “جينار” في شهر ديسمبر الماضي، زادت أصوات المؤيدين “لأردوغان” بنسبة 7% لتصل إلى 49%، وحصل “كليجدار أوغلو” على 16%، يليه “يافاش” و”أكرم إمام أوغلو”، ثم “أكشنار” وأخيراً “صلاح الدين دميرطاش”.

ختاماً، يمكن القول إن الرئيس التركي “أردوغان” قد حقق فوزاً أولياً بإعلانه عن إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة. والأحرى بتحالف “الأمة” المعارِض الإسراع بطرح منافس رئاسي له وبدء الترويج له ودعمه ليتمكن من طرح أفكاره وحلوله للقضايا المختلفة في المجتمع داخلياً وخارجياً.