• اخر تحديث : 2024-05-03 21:39
news-details
قراءات

حكومة اليمين.. تحديات تغيّب عنها الاستقرار


منذ شهرين فقط، شكّل  بنيامين نتنياهو حكومته السادسة من الأصوليين واليمين واليمين الديني الفاشي، وكان يطلق عليها "الحكومة كاملة اليمينية" بدون مشاركة أيّ حزب من خارج بلوك نتنياهو، والطبيعي أن تبدو وتظهر كحكومة كاملة الانسجام بدون أزمات داخلية تهددها من الداخل كما حدث مع الحكومة السابقة، لكن الواقع وبعد شهرين من نيلها لثقة الكنيست، أظهر الكثير من علامات التوتر والنزاعات الداخلية الآخذة في الاتساع، وما اعتُقِد بأنه ائتلاف مُستقر يتمتع بالانسجام الداخلي ووحدة المصالح والأهداف وبقاعدة برلمانية كبيرة تظهر ولاءً كبيرًا للائتلاف دون الخوف من إغراءات وانشقاقات داخلية، وبأنه ائتلاف سيستمر طويلًا حتى الدورة الانتخابية القادمة؛ يبدو اليوم أن كل ذلك كان مجرد توقعات في غير محلها، لأنها لم ترَ حقيقة التناقضات والصراع الذي زرعته الاتفاقات الائتلافية التي وقع عليها نتنياهو تحت ضغط ابتزاز أطراف معسكره، مستغلين ضعفه وحاجته الماسة لهم ليعود لكرسي الحكومة وينفذ مشروعه في القضاء لأسباب كثيرة، من أهمها إنقاذ نفسه بسنّ قوانين وإصلاحات تتيح له التحكم بالقضاء من حيث تعيين قضاة المحمة العليا، ومن حيث تحصين القوانين من رقابة القضاء.

فضلًا عن أنه منح اليمين الفاشي صلاحيات واسعة في مجاليْ الأمن والاستيطان، صلاحيات يطالب بتفعيلها اليمين الفاشي ويهدد بأنه لن يتهاون مع محاولات الالتفاف عليها حتى بثمن إسقاط الائتلاف؛ الأمر الذي يجعل نتنياهو يشعر بالكثير من الارتباك والخوف من عدم القدرة على مواصلة المناورة، وأن الوقت يقترب من فقدانه لزمام القيادة أو أن يحسم أمرة بتنفيذ وعوده لليمين، لكن ذلك ينطوي على مخاطر كبيرة بالنسبة له.

نتنياهو يعمل الآن 24 ساعة في مجال المناورة على جبهتيْ القضاء والاستيطان والعدوان على الفلسطينيين، كقرصان يرى الأمواج العالية ويرى الصخور، وبحّارته في خضم صراع داخلي، وهدفه الأول كسب الوقت وكسب كل معركة صغيرة أو على الأقل احتواء أضرارها.

على جبهة القضاء، أطلق نتنياهو العفريت ياريف لفين (وزير القضاء) من القمقم، ولفين وجدها فرصة مواتية لتحقيق أقصى حد من أجندته القضائية، وهو أعلى بكثير ممّا يرغب بهِ نتنياهو، إصلاحات لفين المقترحة خلقت جبهة معارضة قوية داخلية شملت الاقتصاديين ورجال الأمن ونخب واسعة من كل أطياف وجوانب المجتمع الصهيوني، ويبدو أن نتنياهو بات يفقد السيطرة على لفين، فهو يرفض وساطة رئيس الدولة هرتسوغ، ويصر على المضي قدمًا بإصلاحاته، وفي "الليكود" - وتحديدًا المتنافسين على خلافة نتنياهو - باتوا يعتقدون بأن لفين يعمل لصالح أجندته التي ينوي من خلالها رفع مكانته عاليًا على منصة التنافس الداخلي، كما أن نتنياهو أصبحت لديه شكوك حول نوايا لفين الحقيقية، وكما يقال فإن رادار نتنياهو التقط بعض نوايا لفين الشخصية، ممّا أثار حالة من التوتر الداخلي بينهما، جعلت لفين يسرب أنه في حال اضطر لوقف إصلاحاته القضائية فإنه سيترك الحكومة، وهذا يعتبر تهديد مبطن لحكومة نتنياهو، لا سيما وأن لفين يتمتع بمكانه عالية داخل "الليكود" ولدى سموتريتش وبن غفير.

يُقال إن نتنياهو الذي منح صلاحيات الإصلاحات القضائية للفين منحه سلمًا استغله لفين للصعود عاليًا، أعلى ممّا خطط له نتنياهو، والآن يطالبه بالنزول لعقد صفقة تسوية مع المعارضة تحت عنوان الاستجابة لوساطة هرتسوغ، لكن لفين لا يبدو أنه يستجيب أو يرغب بالاستجابة. وليس لفين وحده مَن يضغط على دواسة الإصلاحات القضائية، أيضًا غافني وغولدكنوب من الأحزاب الأصولية يصرون على المضي قدمًا بالإصلاحات، ويشترطون الالتزام بسن قوانين تتيح التغلب على المحكمة العليا بما لا يتجاوز الـ 61 صوت من أصوات المشرعين.

أما على جبهة العدوان على الفلسطينيين، فإن نتنياهو يواجه إشكالية تقسيم صلاحيات وزير الأمن في الضفة ما بين وزير الأمن غالنت ووزير الأمن سموتريتش، بحسب ما جاء في الاتفاقات، حيث تمنح الاتفاقات سموتريتش صلاحيات واسعة وتخوله بضم الإدارة المدنية لوزارته، لكن غالنت - وبدعم من نتنياهو - يرفض مشاركة صلاحيات الأمن مع سموتريتش، وبعد قرار غالنت إخلاء بؤرتيْن استيطانيتيْن استجابة لقرار العليا لبنائهما على أراضٍ مملوكة لفلسطينيين، اعترض سموتريتش وأصدر تهديدات لعدم أخذ غالنت قرار سموتريتش بالتوقف عن الإخلاء بعين الاعتبار، نتنياهو إذ كان على علم بقرار غالنت، اضطر تحت ضغط سموتريتش أن يوقف تجريف الأشجار في نهاية عملية التجريف، وبذلك حاول أن يُرضي سموتريتش وفي نفس الوقت أن يمنح غالنت صلاحياته، لكنه بذلك جعل غالنت يتصدر المواجهة الشخصية مع سموتريتش، الذي غرد بأنه يُمكن إيجاد الكثير من البدلاء لغالنت داخل "الليكود".

نتنياهو يدرك أن لدى سموتريتش وبن غفير دوافع كثير لإشعال الحرائق، وينطلقون بسرعة جنونية في تطبيق أجندتهما، وهو يخشى من أن طريقتهما ستجعل إسرائيل في مواجهة المجتمع الدولي، وقد وصله تحذير رسمي أمريكي علني من أن ضم الإدارة المدنية لسموتريتش ستعتبره أمريكا ضمًا فعليًا، وهو ما سيجعل الموقف الأمريكي - إن حدث ذلك - في مواجهة الموقف الإسرائيلي، وسيكون له تأثير في كل ما يتعلق بالعلاقات الأمنية والملف الإيراني والتقارب مع السعودية، وهو أمر يُشعل الأضواء الحمراء لدى نتنياهو، الذي يقدر كثيرًا تأثير الموقف الأمريكي على الساحة الدولية.

فضلًا عن أن نتنياهو يخشى من أن بن غفير وسموتريتش سيتسببان في جرّ المنطقة إلى صدام كبير، قد لا يستطيع احتواءه، لا سيما في الأسابيع القادمة، حيث دخول شهر رمضان وأعياد الفصح وموسم اقتحامات الأقصى.

على الرغم من أنها الحكومة الأكثر يمينية، وتشكل حكومة الأحلام بالنسبة لمعسكر نتنياهو؛ إلا أنها تحمل الكثير من الصراعات والتهديدات الداخلية، ونتنياهو قد يفقد قدرته على المناورة الداخلية، وبالتالي قدرته على السيطرة والاستسلام لأهواء اليمين الفاشي أو أنه يكسب الوقت لكسب ثقة غانتس وضم حزب "أزرق أبيض" للحكومة.