الاحتجاجات في إسرائيل تتصاعد بوتائر غير مسبوقة على كافة المستويات وتطال كافة المجالات، وباتت أشبه بمعركة حقيقية فاصلة بين المعارضة والحكومة، لا تستثني فيها المعارضة أيّ وسيلة، بما في ذلك الوسائل التي كان من المحرم استخدامها خوفًا على بقاء الدولة ومؤسساتها وقدرتها على التصدي للتهديدات الأمنية وتوفير الأمن.
سواء من جانب الائتلاف أو من جانب المعارضة، فكل منهما يعتبرها معركته الفاصلة والحاسمة، ويبدو أن ثمة إصرار لديهما على عدم التراجع بكل ثمن، وهو ما يعني تراجع احتمالات التسوية قريبًا ويؤكد مؤشر زيادة وتائر التصعيد، فالكل يجمع قواته وأنصاره لإقناعهم بعدالة ومشروعية موقفه، ونتنياهو يتهم المعارضين بالرغبة الجامحة لإسقاط الحكومة بوسائل غير ديموقراطية، ويتهم أمريكا بأنها مَن تقف خلف الاحتجاجات لإسقاط حكومته؛ اتهامٌ جاء على لسان مصدر سياسي رفيع كان ضمن حاشية نتنياهو في لندن.
الاحتجاجات والإعلانات الكثيرة لوحدات كثيرة من قوات الاحتياط، وبالذات من سلاح الطيران والوحدة 8200، من عزمهم رفض الخدمة لما يعتبرونه احتجاجًا على تحول الدولة بفعل الإصلاحات القضائية إلى دولة ديكتاتورية هي أخطر ما تحمله الاحتجاجات، وهي التي دفعت وزير الحرب يوآف غالنت لتحذير نتنياهو وإنذاره بأنه في حال لم تتوقف التشريعات القضائية فإنه (أي غالنت) سيصوت ضدها، الأمر الذي جعل نتنياهو يلتقيه في اجتماع طارئ على وجه السرعة، وفي الاجتماع طلب نتنياهو من غالنت منحه فرصة للتسوية، فمنحه غالنت حتى يوم الثلاثاء. وفي الاجتماع، استعرض غالنت حقيقة التهديدات وخطر تفكك المنظومة الأمنية، في حال استمرت الإصلاحات القضائية واستمرت الاحتجاجات ضدها، وأكد على أن تقديرات رئيس الأركان عن نسبة الخطر وتهديد التفكيك أثبتت صحتها وأن الخطر لم يقتصر على وحدات الاحتياط، بل وصل إلى القوات النظامية، ووصل إلى أهالي الجنود الذين على وشك التجنيد، ليس فقط غالنت من حذر نتنياهو من مخاطر التفكيك للمؤسسة الأمنية؛ كذلك رئيس "الشباك" قدم لنتنياهو تقديرات مشابهة، ورئيس الأركان هليفي حذر من الشرخ داخل الجيش.
لكن نتنياهو اختار تجاهل التحذيرات واختار التصعيد، متهمًا المتمردين بأنهم يشكّلون خطرًا على الأمن القومي الإسرائيلي، معتبرًا رفض الخدمة خطر قومي، وإن تفشى فلن يقف عند جهة معينة، بل سيمتد إلى الجزء الآخر من الخارطة، ومعتبرًا ذلك عملًا يمسّ بأساسات الديموقراطية ومحاولات إسقاط حكومة شرعية جاءت بالانتخابات، مطالبًا رؤساء أجهزة الأمن بالتصدي لظاهرة التمرد.
وفي خطابه الاخير أعلن وقوفه صراحة خلف الإصلاحات القضائية وإصراره على المضي بها، وقد تسارعت وتيرة التشريع، بما في ذلك قانون تحصين نتنياهو من العزل، وهو الأمر الذي استفز المستشارة القانونية للحكومة غالي بهراف ميارا، التي أبلغت نتنياهو أنه يخرق القانون وأنه يستهتر بقرارات محكمة العدل العليا، رسالة ميارا لنتنياهو تعتبر درجة تصعيد عليا في الصدام بين القضاء ونتنياهو، وسيكون لها ما بعدها من استفحال وتصاعد الأزمة القضائية، وربما اتهام نتنياهو بخرق القانون نظرًا لتعارض المصالح، حيث إنه مُتهم في قضايا جنائية، وهذا يجعل من غير المسموح له أن يتدخل في أي تشريع يخص المبنى والهيكلية القانونية، لأن في ذلك خرق لقانون عدم تعارض المصالح.
خطاب نتنياهو وإصراره على إنجاز مشروعه القضائي، وتوالي التشريعات، ودخول كل ممثلي المجتمع تقريبًا على خط مطالبته بوقف التشريعات والدخول في حوار مع المعارضة؛ زاد من الحماسة الاحتجاجية التي لم تعتد تقتصر على إسرائيل، بل تطارد نتنياهو أينما ذهب، حيث شهدت لندن احتجاجات قوية أثناء زيارته، وفي إسرائيل يخططون لأسبوع كامل من الاحتجاجات، يوصف بأنه سيكون أسبوع شلل للدولة، يغطي معظم المدن ويحاصر الوزراء، والتركيز على غالنت لتقديم استقالته.
الأزمة باتت أزمة قضائية سياسية مركبة، والشرخ كبير داخل المجتمع، وهو فقط يزداد مع الوقت، ولا يبدو أن أي من الأطراف ينوي التراجع قريبًا، والتصعيد هو الاحتمال الأكبر.