أعلن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، مساء الاثنين 27 مارس 2023، إرجاء التعديلات القضائية إلى الدورة البرلمانية المقبلة، مشيراً إلى أنه قرر إرجاء القراءتين الثانية والثالثة لمشروع التعديلات القضائية في دورة الكنيست الحالية. واعتبر نتنياهو أن قرار “التجميد” يهدف إلى إعطاء فرصة للحوار، مبرراً هذه الخطوة بالرغبة في التوصل إلى توافق واسع في الآراء، والخشية من حدوث “انقسام واسع في الأمة”، معتبراً أن "هناك أقليةً متطرفةً مستعدة لتقسيم شعبنا".
يأتي هذا فيما رحَّب قادة المعارضة الإسرائيلية بخطوة نتنياهو، فيما أعلنت نقابة الأطباء إلغاء الإضراب في النظام الصحي، كما بدأ مطار بن غوريون الدولي يعيد جدولة الرحلات الجوية تمهيداً لاستئنافها بعد توقُّف الرحلات لعدة ساعات، في خضم الأزمة التي عصفت بالبلاد، لا سيما بعد إقالة وزير الدفاع، على خلفية دعوته إلى إرجاء التعديلات القضائية المثيرة للجدل، كما رحَّبت واشنطن ولندن بتعليق التعديلات القضائية في إسرائيل.
وعلى الرغم من هذا التفاؤل الحذر، والبدء في مفاوضات بين الحكومة وأقطاب المعارضة حول التعديلات القضائية وغيرها من الملفات، مثل وضع دستور للبلاد؛ فإن من غير المتوقع أن تحقق تلك المفاوضات الاختراق المطلوب، مع تعقُّد الملفات وتداخلها، وإصرار كل طرف على مواقفه، وصعوبة تراجع نتنياهو عن خططه المتعلقة بالتعديلات القضائية، مع الضغوط القوية التي يواجهها من التيارات اليمينية المتطرفة المهيمنة على حكومته، وهو ما ينذر بتفجر الأزمة مجدداً في الفترة القادمة.
أزمة خطيرة
يأتي تعليق نتنياهو التعديلات القضائية بعد استفحال الأزمة التي سبَّبتها في الداخل الإسرائيلي على نحو غير مسبوق دفع العديد من الساسة والنخب الإسرائيلية إلى التحذير من إمكانية انزلاق البلاد إلى “حرب أهلية”، في ظل حالة الاستقطاب المتصاعد داخل المجتمع والمؤسسات الإسرائيلية؛ وذلك على النحو التالي:
1– مخاوف نتنياهو من تفكُّك الائتلاف الحكومي: يأتي مسعى رئيس الحكومة الإسرائيلية لتأجيل الإصلاحات القضائية، محاولةً لمنع انهيار الائتلاف الحكومي اليميني، لا سيما بعد اتساع الأزمة وامتدادها إلى الائتلاف الحاكم والليكود ذاته، وتراجع الثقة بين أعضائه، بعد إعلان وزير الدفاع يوآف غالانت رفضه التصويت على التعديلات المقترحة قبل أن يُقِيله نتنياهو، متهماً إياه بالعمل على تقويض جهود التوصل إلى حل بشأن مسألة التعديلات، وعدم التنسيق معه قبل الإدلاء بتصريحاته، وهو ما أثار غضب الكثير من كبار الساسة في المعسكرَين: الداعم لنتنياهو والمعارض له على حد سواء، ولعل أبرزها تصريحات عضو الكنيست عن حزب الليكود جدعون ساعر، التي اعتبر فيها أن كل يوم إضافي يقضيه نتنياهو في منصبه يُعرِّض إسرائيل ومستقبلها للخطر، ويدفعها للهاوية، واصفاً قرار إقالة وزير الدفاع بأنه “قرار مجنون” لا سابق له.
يأتي هذا بالتزامن مع إعلان القنصل العام الإسرائيلي في نيويورك أساف زمير استقالته، قائلاً في رسالة مفتوحة نشرها على وسائل التواصل الاجتماعي: “أعتقد أن الوقت قد حان الآن لاتخاذ إجراءات والانضمام إلى النضال من أجل مستقبل إسرائيل، جنباً إلى جنب مع المواطنين؛ حيث نعمل معاً لبناء إسرائيل أفضل وأكثر عدلاً ومساواةً”، وإنه لم يَعُد بإمكانه تمثيل الحكومة بسبب جهود الإصلاح القضائي التي تبذلها.
2– الخشية من تدهور الأوضاع الأمنية على نحو خطير: تصاعدت في الأيام الأخيرة، وعلى نحو لافت، التحذيرات من حدوث حرب أهلية في إسرائيل، بالنظر إلى حالة الاستقطاب الشديد في الشارع الإسرائيلي بين التيارات اليمينية من جهة والتيارات اليسارية والعلمانية من جهة أخرى، وهو ما تجلى في خروج تظاهرات حاشدة لليمين أمام الكنيست بالقدس، شارك فيها وزراء وأعضاء كنيست في الائتلاف الحاكم، بالتزامن مع التظاهرات المستمرة المعارِضة لنتنياهو، وهي التظاهرات التي تخللتها أعمال شغب وصدامات بين الطرفين. ولعل هذا ما دفع كبار الساسة ورجال الأمن في إسرائيل، وعلى رأسهم الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ، إلى التحذير أكثر من مرة من مغبَّة انزلاق البلاد في أتون حرب أهلية.
اللافت أن نتنياهو نفسه، وفي سياق تبرير تأجيل خطط الإصلاح القضائي، اعترف بأن “المجتمع الإسرائيلي على طريق تصادم خطير”، وأن هناك أزمة تُهدِّد الوحدة الأساسية للبلاد، وأنه لن يقبل بحدوث حرب أهلية. ولعل هذه المرة هي الأولى التي يعترف فيها نتنياهو بخطورة الأزمة التي اندلعت في الأساس بسبب إصرار حكومته على تمرير أجندتها المثيرة للجدل.
3– حدوث شلل في المرافق والمؤسسات الرئيسية في إسرائيل: تشهد إسرائيل منذ أكثر من 12 أسبوعاً تظاهرات واسعة عمَّت معظم المدن الإسرائيلية، وشارك فيها مئات الآلاف، تخللتها العديد من الإضرابات. وقد أثارت خطوة نتنياهو بإقالة وزير الدفاع موجة غضب واسعة؛ ما دفع مئات الآلاف للخروج إلى الشوارع في تل أبيب، والعديد من المدن الأخرى، لا سيما القدس وحيفا وبئر السبع؛ حيث تم إغلاق بعض الطرق الرئيسية، كما أصاب الشلل عدداً من المرافق والمطارات والمؤسسات الحيوية، وأعلن مجلس عمال شركة الطيران الإسرائيلية “العال” تعليق العمل والمشاركة في الإضراب ضد التعديلات القضائية، كما أعلن رئيس لجنة عمال مصلحة المطارات “التوقف التام والفوري” لحركة إقلاع الطائرات من مطار بن غوريون.
وفي السياق نفسه، أعلن ميناءا “أسدود” و”حيفا” الإضراب أيضاً، وأعلنت نقابة الأطباء في إسرائيل الإضراب العام في القطاع الصحي، كما دعا الاتحاد العام لنقابات العمال في إسرائيل إلى “إضراب عام تاريخي” إذا استمر نتنياهو في خططه لتمرير التعديلات القضائية. وقد أدَّت كل هذه التطورات إلى تراجع قيمة الشيكل بنحو 2% مقابل الدولار، بالتزامن مع حديث عن توجه لإغلاق بورصة تل أبيب، قبل أن يعلن نتنياهو تجميد التعديلات القضائية المقترحة مساء الاثنين 27 مارس 2023.
4– تشبث المعارضة بمواقفها وقدرتها على التصعيد التدريجي: أثبتت المعارضة الإسرائيلية خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة أنها لاعب رئيسي في إسرائيل لا يمكن تجاوزه بأي حال من الأحوال؛ حيث استطاعت تنظيم تظاهرات متواصلة لما يقرب من ثلاثة أشهر، وبدا أنها قادرة على التأثير بشكل واضح في الرأي العام ووسائل الإعلام والجيش الإسرائيلي، كما بدت المعارضة أكثر إصراراً على مواقفها وقادرة على التصعيد التدريجي ضد الحكومة، واستقطاب معظم النقابات العمالية إلى صفها، فضلاً عن قطاع القضاء والمحاكم في البلاد؛ الأمر الذي أدى إلى حدوث انقسامات في الائتلاف الحاكم، برزت في استقالة وإقالة بعض المسؤولين البارزين في الحكومة، وأبرزهم وزير الدفاع.
وقد تركزت سردية المعارضة بشكل أساسي على التحذير من تقويض الديمقراطية في إسرائيل، وإمكانية تفكك وانهيار الدولة بفعل استمرار الصراعات الداخلية غير المسبوقة، وهي السردية التي بدت أكثر قبولاً في الشارع وبين النخب الإسرائيلية إلى الحد الذي دفع نتنياهو إلى الاعتراف بوجود مخاطر حقيقية تهدد السلم الأهلي في إسرائيل.
5– تزايد عزلة الحكومة الإسرائيلية إقليمياً ودولياً: من الواضح أن الحكومة الإسرائيلية تعاني عزلة متزايدة في المنطقة والعالم، بفعل سياساتها اليمينية المتطرفة، وسلوك وزرائها وتصريحاتهم غير المنضبطة، التي كان آخرها استدعاء الأردن السفيرَ الإسرائيلي في عمَّان، بعد تصريحات وُصفت بـ”العنصرية المتطرفة” لوزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، استخدم فيها خريطة لإسرائيل تضم حدود الأردن والأراضي الفلسطينية، فضلاً عن بروز موجة غضب دولية وإقليمية واسعة بعد دعوة الوزير المتطرف نفسه إلى “محو” بلدة حوارة الفلسطينية، وقبلها اقتحام وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير، باحات المسجد الأقصى في يناير الماضي.
وقد أدى هذا إلى تراجع زخم العلاقات الثنائية مع دول المنطقة التي أقامت علاقات مع تل أبيب في السنوات الأخيرة؛ ليس هذا فحسب، بل ظهرت العديد من المؤشرات على وجود خلافات قوية بين حكومة نتنياهو والإدارة الأمريكية الديمقراطية، وهي الخلافات التي برزت منذ عودة نتنياهو إلى السلطة، وتعيين بعض قادة اليمين المتطرف في عدد من الوزارات والمناصب الحساسة، وتصريحات هؤلاء الوزراء العنصرية والمثيرة للجدل.
كما استدعت واشنطن مؤخراً السفير الإسرائيلي في واشنطن مايك هيرتسوغ للاحتجاج على قانون إسرائيلي تم تمريره يُجيز العودة إلى المستوطنات وشرعنة البؤر الاستيطانية في الضفة الغربية المحتلة. وتُبدِي الإدارة الأمريكية قلقاً واسعاً من إصرار حكومة نتنياهو على تمرير خطة التعديلات القضائية، التي أدت إلى خروج تظاهرات ضد نتنياهو في عدد من العواصم الغربية أيضاً. وفي مؤشر على تصاعد الخلافات بين الحكومة الإسرائيلية والإدارة الأمريكية، زعمت بعض التقارير بأن واشنطن تُموِّل الاحتجاجات في إسرائيل، وهي الاتهامات التي رفضتها الخارجية الأمريكية واعتبرتها باطلة ولا أساس لها.
خطوة تكتيكية
على الرغم من حالة التفاؤل الحذر الذي صاحب إعلان نتنياهو تجميد التعديلات القضائية المثيرة للجدل، والبدء في حوار موسع بشأنها، فإنه يمكن القول إن الضغوط التي يُواجِهها رئيس الحكومة من التيارات اليمينية الحريدية منها والقومية، والتي تهيمن على حكومته، سوف تدفعه إلى محاولة الالتفاف على مطالب المعارضة، والعمل على تمرير حزمة التعديلات القضائية، لا سيما أنه أحد المستفيدين المباشرين من تلك التعديلات في ظل التهم المختلفة التي يواجهها.
ويدعم هذا التوجه أيضاً تصريحات وزير الأمن القومي المتطرف “بن غفير” المستمرة، التي تؤكد الإصرار على المضي قدماً في تلك التعديلات، بالإضافة إلى تصريحات وزير العدل الإسرائيلي ياريف ليفين، يوم 29 مارس 2023، بالتشكيك في جدوى الحوار الذي بدأ مع المعارضة، والتعهد بتمرير خطة الإصلاح القضائي بعد استئناف الكنيست أعماله بعد عيد الفصح اليهودي. ويعزز هذا أيضاً، تقديم الائتلاف الحاكم أحد مشاريع القوانين المثيرة للجدل إلى الكنيست للتصويت النهائي، رغم إعلان بدء المفاوضات، وهو ما أثار موجة انتقادات واسعة من المعارضة.
يأتي هذا فيما كشف موقع “زمان يسرائيل” العبري، يوم 30 مارس 2023، أن بنيامين نتنياهو أبلغ وزير الأمن القومي “بن غفير” بأنه “ستتم المصادقة على مشروع قانون التعيينات القضائية في الأسبوع الأول من الدورة الصيفية للكنيست”، وأن نتنياهو وافق على عدم إدخال تغييرات على مشروع القانون، في مؤشر على ترجيح الأخير فشل المفاوضات قبل انتهائها.
تأثيرات ممتدة
بالنظر إلى عمق الأزمة الحالية في إسرائيل، ووجود مؤشرات قوية على احتمالات تفجرها مرة أخرى في الأمد القريب، فإن ثمة ارتدادات محتملة لتلك الأزمة خلال المرحلة القادمة؛ وذلك على النحو التالي:
1– تراجع قدرة النظام السياسي على إدارة الأزمات الداخلية: تُظهِر الأزمة الحالية المتعلقة بالتعديلات القضائية، مدى تراجع قدرة النظام السياسي الإسرائيلي على إدارة التباينات المختلفة في المجتمع الإسرائيلي التي تعمقت على نحو واضح خلال السنوات الأخيرة مع تزايد نفوذ التيارات اليمينية المتطرفة في السياسة الإسرائيلية؛ الأمر الذي أدى إلى عقد أربع جولات انتخابية متتالية في أربعة أعوام، في مؤشر واضح على عمق الأزمة التي يواجهها النظام السياسي. ومن المتصور أن يؤدي إصرار الائتلاف اليميني الحاكم على المضي قدماً في خطط التعديلات القضائية إلى المزيد من الإضعاف للنظام السياسي، وزيادة الفجوة بين النظام والشارع الإسرائيلي.
2– تعمُّق حالة الاستقطاب والانقسام في الداخل الإسرائيلي: يعاني الداخل الإسرائيلي من حالة استقطاب كبيرة، على أكثر من محور. ومن المتصور أن يؤدي إصرار حكومة نتنياهو على المضي قدماً في التعديلات القضائية إلى تعميق حالة الانقسام والاستقطاب التي لم تعد تقتصر على النخب والأحزاب الإسرائيلية، بل وصلت إلى الشارع، مع خروج تظاهرات ضخمة معارضة لنتنياهو وخططه، وأخرى يمينية مؤيدة لتلك الإجراءات، وهي التظاهرات التي شهدت بعض أعمال الشعب والصدامات التي قد تتوسع خلال المرحلة القادمة، مع إعلان أقطاب الائتلاف الحالي اعتزامهم تنظيم تظاهرات واسعة لأنصار اليمين في عموم المدن الإسرائيلية.
3– تزايد الانتهاكات الإسرائيلية في القدس والضفة الغربية: يتوقع أن تشهد الفترة القادمة المزيد من أعمال العنف والانتهاكات الإسرائيلية في القدس والضفة الغربية، لا سيما مع الإعلان عن منح وزير الأمن القومي اليميني المتطرف إيتمار بن غفير سلطة إنشاء “حرس وطني” تحت إمرته، وهو ما يُـتوقع أن يكون شبيهاً بميليشيا مسلحة من المتطرفين؛ ما يعزز فرص الصدام مع الفلسطينيين، لا سيما في القدس والضفة، فضلاً عن توفير الحماية للمستوطنين المتطرفين لتنفيذ اقتحاماتهم المتكررة للمسجد الأقصى، وشرعنة البؤر الاستيطانية في الضفة الغربية.
4– تعرُّض نتنياهو للمزيد من العزلة الإقليمية والدولية: من المُتصوَّر أن يتعرَّض رئيس الحكومة الإسرائيلية للمزيد من العزلة الدولة والإقليمية خلال المرحلة القادمة؛ حيث أدت سياسات حكومته خلال الشهور الثلاثة الماضية إلى موجات متكررة من الانتقادات والإدانات، مع فتور واضح في العلاقات مع دول الإقليم التي أقامت علاقات مع تل أبيب مؤخراً، كما وصلت العلاقات مع الإدارة الأمريكية إلى مستوى قياسي من التوتر، مع التحذيرات العلنية التي وجهها الرئيس الأمريكي إلى نتنياهو من مغبة المضي قدماً في خطط التعديلات القضائية، وهي التصريحات التي كان لها صدى واسع في الداخل الإسرائيلي، وكشفت عن عمق الأزمة بين الطرفين.
5– تضاؤل نفوذ نتنياهو وتقلُّص هامش المناورة أمامه: على الرغم من الدهاء والخبرة السياسية الواسعة التي يتمتع بهما رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، فإن قوته ونفوذه السياسي يشهد تحدياً غير مسبوق، كما يبدو أن هامش المناورة أمامه قد تقلَّص كثيراً، مع الضغوط الكبيرة التي يواجهها من التيارات العلمانية واليمينية على حد سواء، ووصول الأزمة إلى صفوف الجيش وقياداته، فضلاً عن تنامي منسوب التوتر مع واشنطن بقدر نادر في العلاقات بين البلدين. وقد يؤدي استمرار الأزمة الحالية إلى تعرُّض نتنياهو للمزيد من التحديات من داخل الائتلاف الحاكم والليكود ذاته، وصولاً إلى إمكانية تفكُّك الائتلاف، وإقامة انتخابات جديدة.
6– احتمالية تكثيف التحركات العسكرية الخارجية: ربما تدفع الأزمة الداخلية “نتنياهو” إلى تكثيف تحركاته العسكرية الخارجية بهدف الإلهاء عمَّا يجري في الخارج والبحث عن ملف يتيح له تعزيز شرعيته وتخفيف حدة الانتقادات لحكومته. وفي هذا الصدد، قد يسعى نتنياهو إلى صرف الانتباه عن التحديات الداخلية التي تواجه الحكومة بالعمل على توجيه ضربة عسكرية ضد إيران؛ لاحتواء حدة الغضب الداخلي. وقد يستغل نتنياهو في ذلك إعلان اليونان، يوم 28 مارس 2023، القبض على شخصين كانا يُخطِّطان لهجمات إرهابية في البلاد ضد أهداف إسرائيلية. وأوضحت السلطات أن المُشتبَه بهما يُعتقَد أنهما جزء من شبكة إرهابية خارجية، وقد أشارت بعض التقارير إلى أن هذه الشبكة مرتبطة بإيران.
7– محاولة تخفيف حدة العزلة الغربية عبر الورقة الأوكرانية: قد يلجأ نتنياهو خلال الفترة القادمة إلى تخفيف حدة العزلة والضغوط الغربية المفروضة عليه؛ وذلك من خلال الملف الأوكراني. ولعل هذا ما ظهرت مؤشراته مع تصريحات نتنياهو نهاية شهر يناير الماضي خلال مقابلة مع شبكة سي إن إن؛ حينما أكد أنه يدرس إرسال مساعدات عسكرية إلى أوكرانيا؛ فعندما سئل نتنياهو إذا ما كان بإمكان إسرائيل تقديم المساعدة لأوكرانيا في مجالات مثل القبة الحديدية التي تحمي إسرائيل من الهجمات الجوية، أجاب: “حسناً، أنا بالتأكيد أدرس هذا الأمر”، كما ذكر أن الولايات المتحدة نقلت مخزوناً من ذخيرة المدفعية المخصصة لإسرائيل إلى أوكرانيا.
استقطاب أيديولوجي
خلاصة القول: من المُتوقَّع أن يكون لأزمة التعديلات القضائية تأثير كبير على السياسة والمجتمع في إسرائيل خلال الأشهر والسنوات القادمة؛ حيث كشفت بوضوح عن عمق الانقسام والاستقطاب الأيديولوجي في إسرائيل بين النخب العلمانية القوية النافذة في الجيش والقضاء والإعلام الإسرائيلي، التي سيطرت على صنع القرار في إسرائيل خلال العقود الماضية، وبين “الشعبوية اليمينية المتطرفة” الصاعدة، التي تحاول تغيير نمط الحياة والسياسة في إسرائيل بالكامل، بعد تعزيز حضورها في الكنيست وتحالفها مع الليكود بزعامة نتنياهو الذي يبدو أنه يواجه صعوبات كبيرة في المواءمة بين ضغوط التيارات اليمينية المتطرفة المهيمنة على حكومته من جهة، والحفاظ على استقرار الأوضاع في إسرائيل وعلاقاتها الطبيعية مع الخارج وحلفائها التقليديين من جهة أخرى.