أما وقد تم تكليفه لتشكيل الحكومة بعد صوم سياسي لسنة كاملة ، وتعفّف عن المنصب لشهور طويلة ، ليعود ويطرح نفسه منقذاً بشبقٍ للسلطة غير مسبوق ، وبأصوات 65 نائباً كان اكثرنا تفاؤلاً يعتقد انه لن يتجاوز ال 55 صوتاً ، فماذا حصل ؟
لا شكّ انّ خبير القطب المخفية والأخ الأكبر كما يحلو لنُخب الثنائي ان تسميه لعب الدور الأكبر في تغيير قرار البعض ممّن ابدوا تمنّعاً حتى ساعات قليلة قبل التكليف ، لتعود الإصطفافات الى ما عهدناها وان منقوصة بعض الشيء الاّ انّها فعلت فعلها وجاءت بالحريري مقبولاً غير هزيل .
كُلّف الحريري وقُضي الأمر وذهب قليلٌ من مرّ المسيرة المُنتظرة ، لننتقل الى مرحلة التعقيدات الكبرى التي سترافق التشكيل وهو ما بان ببيان الحريري المركّب بحيث يصح ما يقال ان " المكتوب يُقرأ من عنوانه " فإصرار الرئيس المكلّف على وزراء تقنيين غير حزبيين هو بداية مشكلة مع كل الأطراف السياسية التي كلّفته وتلك التي لم تكلّفه ، فهو هذه المرة آتٍ تواكبه خصومات وعداوات لم تُفلح الشهور السابقة على رأب الصدع فيها سوى ما تحقق مع زعيم المختارة الذي سار بالتكليف لغير سبب وسبب لا يستطيع احد ضمان استمرار موقفه بشأنها في مرحلة التشكيل اذا ما تبين له ان لا استجابة لما طلب ، ناهيك طبعاً عن مواقف التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية التي تكبّله اكثر وتعقد عليه المهمة اضعاف ما حصل مع مصطفى اديب .
وفي كل مرّة اكتب عن الوضع اللبناني لا استطيع تجاوز التحولات الإقليمية وتأثيراتها ولا النوايا الأميركية المتجهة اكثر الى خلق تعقيدات مضافة هذه المرّة في كل جغرافيا اوراسيا وليس فقط في ساحات الصراع الستة في اليمن والعراق وسورية ولبنان وفلسطين وليبيا .
فالناظر الى طبيعة المستجدات في إقليم قره باغ والمطلّع على جذور المشكلة هناك يُدرك ان المقصود بدء اطلاق الفوضى في قلب جغرافيا اوراسيا أي في القوقاز واسيا الوسطى والهدف هو منع مشروع الصين الكبير ( خط الحزام والطريق ) وتحطيم المشروع الأوراسي الذي تقوده روسيا .
وانطلاقاً من هذه الأسس وممّا حصل في لبنان على مدى سنة كاملة لا يُعتبر في النظرة الأميركية مكتملاً بعودة الحريري كرأس حربة وليس كمنقذ كما طرح نفسه وكما يعتقد البعض ، فالمطلوب اميركياً في لبنان لم يتحقق منه شيء يُذكر على مستوى قلب الموازين والنيل من المقاومة ، وهذا يعني اننا امام بداية جديدة بحصان قديم – جديد لم تستطع " انجئوزات " ( من NGOs ) اميركا تحقيقه ، ليعود الرهان اميركياً على الحصان القديم لعلّ وعسى .
وعليه فإن ما ينتظرنا في لبنان ليس عرساً تُذبح فيه الخراف وتصدح فيه موسيقى " يا ست الدنيا يا بيروت " ، ان ما ينتظرنا هو الدخول في حقل الغام اخشى ما اخشاه ان تشكل " حماسة " الرئيس المكلّف لتنفيذ الخطة الفرنسية بحَرفيتها اندفاعه نحو حقل الألغام بتسرع وتعنت ودون حكمة فينفجر الحقل في بلد كفاه ما حصل فيه من انفجارات .
اما لماذا هذا التشاؤم ؟ فلأن القادم ممّا هو مرسوم يتلخص بما يلي :
1- سيتم العمل وبشكل غير مسبوق على افتعال أزمات متتالية في بيئة المقاومة في استغلال مريع لأوضاع الناس والحالة المعيشية السيئة التي وصلوا اليها بفعل السياسات المالية والإقتصادية التي صنعها فريق الرئيس المكلف منذ 1993 ويدفع اللبنانيون جميعهم ثمنها ضائقة معيشية غير مسبوقة وهو ما يعني توقع ازدياد الضغوط الأميركية ليتسنى للرئيس المكلّف فرض شروطه – شروط اميركا على اللبنانيين وتحديداً على بيئة المقاومة للضغط في مواضيع سيادية كخصخصة القطاع العام وبيعه وتقديم تنازلات في موضوع ترسيم الحدود للتعجيل في الوصول الى اتفاق سريع ولا يهم حينها ان كان لمصلحة لبنان ام لا .
2- في ظل هكذا تعقيدات من المؤكد ان مرحلة التشكيل ستكون طويلة وسيتم تحميل الثنائي مسؤولية التعطيل وللحريري وفريقه الف سابقة بهذا النمط من الممارسة السياسية ، ليشكل هذا الضغط ضغوطاً مضافة الى ما تقدّم ذكره .
3- امام هذا الوضع يجب الذهاب استباقياً الى خطة مواجهة سياسية وإعلامية واقتصادية لمواجهة الضغوط القادمة ، فالأميركي لم ولن يرحم احداً طالما انه يمتلك الإمكانيات والأدوات ولم يخسر من صندوقه شيء ، فحتى ال 10 مليارات دولار التي دُفعت لجماعات " الأنجئة " دفعها حكام محميات الخليج طوعاً وحبّاً وتقرباً من الإله الأميركي ..
4- ختاماً : اعدوا لهم ، فعدونا لا يفهم .. ، والسلام .