• اخر تحديث : 2024-05-15 19:58
news-details
تقدير موقف

تداعيات استراتيجية بايدن الصناعية على الاقتصادين الأمريكي والعالمي


قبل أيام من إعلان الرئيس الأمريكي جو بايدن، يوم 25 إبريل 2023، ترشحه رسمياً في الانتخابات الرئاسية 2024 بعد كثير من الشكوك حيال ترشُّحه، شرع الرئيس الأمريكي يجري جولة جديدة للترويج لتأثير أجندته الاقتصادية على الاقتصاد الأمريكي، بصورة تشير إلى احتمالية أن يُشكِّل النهج الأمريكي الجديد المتمثل في استراتيجيته الصناعية التي كان قد بدأها في عام 2021، جوهرَ حملته الانتخابية لعام 2024، في حال ترشحه.

اللافت أن هذه الاستراتيجية ارتبطت بالأزمات التي واجهها الاقتصاد الأمريكي؛ فقد كشفت جائحة كوفيد–19 عن نقاط ضعف عدة في الاقتصاد العالمي؛ حيث أرفف المتاجر الفارغة، وتناقص الأدوية الأساسية، واختناقات سلاسل التوريد من رقائق الكمبيوتر إلى المعدات الطبية المتطورة، وهو ما أضر بدوره بالعديد من الاقتصادات، بما في ذلك الاقتصاد الأمريكي رغم قوته؛ ما شكَّل حافزاً لدى الولايات المتحدة للسعي إلى تبني استراتيجية صناعية جديدة في عام 2021، الذي تلا الجائحة وعُرف عالمياً بعام التعافي والانتعاش الاقتصادي. وجعلت الاستراتيجية من مبتغاها تحقيق الانتعاش الاقتصادي في الدولة بعد الركود الذي مرت به خلال الجائحة؛ وذلك من خلال التركيز على خلق وظائف ذات رواتب جيدة ومناسِبة للعمال الأمريكيين، وتقوية سلاسل التوريد الخاصة بها، وإعادة بناء قاعدتها الصناعية، عبر القطاعات والتقنيات والمناطق. وفي سبيل ذلك أصدرت عدداً من القوانين التي تُساعد على تحقيق الهدف، وهي القوانين الممثلة في مشاريع قوانين الإنفاق الضخمة للكونجرس الأخيرة – كقانون خطة الإنقاذ الأمريكية (ARP)، وقانون الاستثمار في البنية التحتية والوظائف (IIJA)، وقانون CHIPS والعلوم، وقانون الحد من التضخم (IRA) – إذ جسَّدت تلك القوانين محوراً وطنياً، أعادت به الولايات المتحدة الالتزام بأجندة استثمار عامة واسعة.

تحول تدريجي

بعد الحرب العالمية الثانية، كانت السياسة الصناعية في الولايات المتحدة تقوم على فكرة مفادها أن الحكومة يمكن أن تستخدم يدها لتوجيه مسار السوق الحرة، بدلاً من ترك السوق تعمل بلا قيود، وهي المرحلة التي وصلت إلى ذروتها، جنباً إلى جنب مع ما يسمى “العصر الذهبي” للرأسمالية حتى سبعينيات القرن الماضي.

ومنذ السبعينيات حتى عام 2020، حدث صعود في تفكير السوق الحر النيوليبرالي الذي يُحجِّم تدخلات الدولة الاقتصادية مقابل صعود دور القطاع الخاص، وهي السياسة الصناعية التي ظلت تمثل أداة قوية لطالما تردد العديد من الرؤساء الأمريكيين في التخلي عنها، حتى لو تجنبوا تسميتها باسمها.

لتأتي إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن من خلال استراتيجيتها الصناعية الجديدة لتثير الشكوك حول السياسة الصناعية التي ظلت تتبناها الولايات المتحدة لعقود؛ حيث قدَّم بايدن استثناءات لقواعد عدم التدخل التي تحكم الرأسمالية الأمريكية، في ظل التحولات الاقتصادية العالمية الجديدة، التي تفوقت في إطارها الصين على الولايات المتحدة في بعض قطاعات التكنولوجيا الفائقة الحيوية، وتراجع التصنيع في الدولة الأمريكية؛ إذ على الرغم من أن الولايات المتحدة لا تزال أغنى وأقوى دولة عالمياً، فإن الإدارة الأمريكية وجدت نفسها تمارس مجهوداً مضاعفاً للحاق بالدول الأخرى، ليصبح تدخل الدولة لتصحيح المسار ضرورة حتمية. ومن ذلك المنطلق جاءت الاستراتيجية الصناعية الجديدة لدعم ذلك التوجه الجديد الذي يدعم تدخل الدولة في عمل السوق.

ركائز خمس

استندت استراتيجية بايدن الصناعية وقت إطلاقها إلى خمس ركائز أساسية، يمكن استعراضها فيما يأتي:

1مرونة سلسلة التوريد: أوضح الوباء حتمية أن تكون سلاسل التوريد مرنة؛ لتلافي التداعيات السلبية من جراء التوترات الجيوسياسية التي تدفع بدورها نحو تعطل سلاسل التوريد. وعليه قامت الإدارة الأمريكية ببذل جهد حكومي شامل لتقييم مدى مرونة سلسلة التوريد، وحددت أهدافاً فرعية في سبيل تحقيق ذلك القدر من المرونة، تمثلت في أن يكون هناك صرامة أكثر في ربط الابتكار المنتج في الولايات المتحدة بالتمويل الحكومي للتصنيع المحلي والتوظيف من المنزل للعمال الأمريكيين، والقيام باستثمارات استراتيجية قادرة على بناء قدرة سلسلة التوريد المحلية، في رقائق الكمبيوتر، فضلاً عن استثمار 50 مليار دولار في أبحاث وتصنيع أشباه الموصلات المحلية، ومد التعاون بين القطاعَين العام والخاص؛ إذ ليس بإمكان القطاع العام تحديد نقاط التدخل بمفرده، بل يظل في حاجة إلى القطاع الخاص.

2توسيع آفاق الاستثمار العام: انطلاقاً من الحاجة الاقتصادية الملحة والعاجلة للقيام باستثمارات رأسمالية في الولايات المتحدة، فإن الإدارة الأمريكية جعلت من تقوية الأنظمة العامة التي تربط بين التصنيع والباحثين والعاملين والشركات الصغيرة، هدفاً رئيسياً، فضلاً عن تشجيع الاستثمار العام في الطرق والجسور والموانئ والمطارات والسكك الحديدية، ودعم الوصول الشامل إلى النطاق العريض الميسور التكلفة؛ من شبكة طاقة حديثة، ومدارس جديدة، ومرافق رعاية أطفال تسمح للآباء بالعمل.

يُضَاف إلى ذلك الاعتماد على مجموعة من الأدوات تضع البحث والتطوير العام أساساً لتقنيات متطورة يمكنها إعادة تشكيل الصناعات أو إنشاء صناعات جديدة بالكامل، والاستفادة من رأس المال العام في حشد استثمارات القطاع الخاص؛ ما يقلل مخاطر الاستثمار في فرص النمو الهامة، التي تعتبر بالغة الأهمية للمصلحة الوطنية.

3تعزيز المشتريات العامة في الدولة: عملت إدارة بايدن من خلال الاستراتيجية الصناعية الجديدة على إعادة تصور سياسة المشتريات العامة، التي تنطلق من تعزيز القدرة الشرائية للحكومة الفيدرالية للمساعدة في التنسيق بين القطاعين العام والخاص، وتحقيق أهداف بالغة الأهمية في الابتكار باستخدام نماذج مدفوعة بالنتائج – مثل الجوائز والتحديات والمسابقات المتعددة المراحل – وقد تم اقتراح استثمار بقيمة 50 مليار دولار تقريباً لسحب الطلب إلى الأمام على منتجات الطاقة النظيفة الجديدة، إضافة إلى إطلاق مبادرة “صنع في أمريكا” لتعزيز القوة الشرائية للحكومة الفيدرالية بما يدعم التصنيع المحلي في الولايات المتحدة.

4مقاومة التهديدات الوجودية للتغيرات المناخية: مثَّلت الحاجة إلى قاعدة صناعية تدفع الجهود لمواجهة التهديد الوجودي لتغير المناخ، ركيزة أساسية من ركائز استراتيجية بايدن الصناعية، التي تتطلب تحولاً جوهرياً في كيفية توفير القوة للاقتصاد، بما يجعله قادراً على تحدي تغير المناخ؛ حيث تساعد الحكومة في إطلاق العنان بقوة وبراعة نحو الأسواق الخاصة وتعبئة الموارد بسرعة نحو إزالة الكربون، وإعادة بناء القوة الصناعية من خلال تعزيز الاستثمارات في قطاعات إزالة الكربون والطاقة والنقل، ودعم البحث والتطوير والنشر في هذه القطاعات، بالإضافة إلى حوافز الإنتاج التي تدفع نمو القطاع الخاص وتزيد الحصة السوقية للولايات المتحدة.

5تعزيز فرص العدالة والمساواة في الدولة: يقصد بتلك الركيزة تعزيز القدرة التنافسية الاقتصادية للدولة، من خلال إعطاء الأولوية للمساواة بين الأعراق والجنس، وتقليل الفجوات المتسعة في الثروة والفرص، وإطلاق العنان لنمو أقوى، وكذلك عبر الاستثمار في جميع أنحاء الولايات المتحدة – لا سيما في تلك المناطق التي عانت منذ عقود من تراجع التصنيع – وتجنب المزيد من الترسخ الجغرافي والاستقطاب.

تداعيات واسعة

بعد مضي قرابة عامين على إطلاق استراتيجية بايدن الصناعية، يمكن الوقوف على بعض المنجزات والتداعيات واستعراضها فيما يأتي:

1إطلاق مجموعة من القوانين الداعمة لأهداف الاستراتيجية: لجأت الإدارة الأمريكية، في سبيل تطبيق استراتيجيتها الصناعية، إلى إصدار عدد من القوانين؛ أبرزها قانون الاستثمار في البنية التحتية، الذي تم إطلاقه بهدف إضفاء صفة الديمومة على سلاسل التوريد، والتقليل من ضغوط الأسعار، وربط المزيد من الأشخاص بمزيد من الأماكن، وخلق فرص عمل، ودفع الابتكارات من المختبر إلى السوق.

فضلاً عن إطلاق قانون الإنتاج الدفاعي لدعم الإنتاج المحلي، ومعالجة المخاطر الأمنية الفورية، الذي في إطاره تعاقدت وزارة الدفاع مع شركة مقرها نيفادا الإسبانية لإنشاء أول سلسلة إمداد محلية شاملة “للمغناطيس الدائم”، مع القدرة على تشغيل 500.000 سيارة كهربائية سنوياً. وترافق مع ذلك استعداد وزارة الطاقة لاستثمار ما يقرب من 7 مليارات دولار لتعزيز سلسلة التوريد المحلية الشاملة للبطاريات.

إضافة إلى قانون الرقائق والعلوم، وقانون الحد من التضخم اللذين تم تمرير أحدهما بعد أيامٍ من تمرير الآخر، في أغسطس 2022، وجلبا معاً أكثر من 400 مليار دولار في صورة ائتمانات ضريبية، ومنح وقروض مصممة بغرض تعزيز صناعة أشباه الموصلات المحلية، وبناء قاعدة تصنيع التكنولوجيا النظيفة، ومواجهة هيمنة الصين على القطاعات الاستراتيجية مثل السيارات الكهربائية.

2بناء المرونة الداخلية وإقامة شراكات خارجية: تركز الاستراتيجية الصناعية الحديثة على حقيقة مفادها أنه من غير المُجدِي إنتاج كل شيء محلياً، بل الأفضل بناء المرونة والقدرة في الداخل، وإقامة شراكات أكثر فاعليةً في الخارج. في ذلك الإطار، سعت الإدارة الأمريكية إلى إظهار أن ذلك النهج الواضح للعلاقات الاقتصادية العالمية بإمكانه أن ينجح، وهو ما اتضح فعلياً من تجديد علاقتها الاقتصادية مع أوروبا، بما في ذلك توقيع أول صفقة قطاعية قائمة على الكربون في العالم بشأن تجارة الصلب والألمنيوم، فضلاً عن قيادة اتفاقية ضريبية عالمية تاريخية مع 136 دولة لوقف السباق بشأن ضرائب الشركات.

3تحقيق طفرة صناعية محتملة: يبدو أن الولايات المتحدة مهيأة لطفرة صناعية؛ حيث تستفيد الشركات من الدعم الذي تقدمه الإدارة الأمريكية مع تعهدات بإنفاق عشرات المليارات من الدولارات على الصناعات الجديدة. ووفقاً لأبحاث Financial Times، التزمت الشركات بنحو 204 مليارات دولار في مشاريع واسعة النطاق لدعم الولايات المتحدة في إنتاج أشباه الموصلات والتكنولوجيا النظيفة اعتباراً من 14 أبريل 2023، بما يَعِد بخلق ما لا يقل عن 82 ألف فرصة عمل جديدة، ومن ثم دعم وتحفيز فرص التوسع في التصنيع المحلي.

حيث استحوذت أشباه الموصلات والمركبات الكهربائية والبطاريات على الجزء الأكبر من الاستثمارات؛ إذ بلغ عدد الاستثمارات المتعلقة بأشباه الموصلات نحو 21 استثماراً، بحسب تقدير فايننشال تايمز، وأكثر من ثلاثين مشروعاً تم توجيهها نحو تعزيز سلسلة توريد السيارات الكهربائية في الولايات المتحدة.

4تعزيز الوظائف وفرص الاستثمار في الولايات المتحدة: تدعم القوانين الأخيرة خلق وظائف جديدة من خلال تضمين تدابير جودة الوظائف، كما تحفز متلقي الإنفاق الحكومي على المضي قدماً نحو خلق وظائف جيدة وبناء قوة عاملة أكثر إنصافاً وتنوعاً.

وقد هدفت إجراءات بايدن المختلفة إلى تعزيز الوظائف والاستثمار في الدولة على مدار العامين الماضين. ولعل الاستجابة الواضحة من قبل الشركات المختلفة لإجراءات بايدن الداعمة لاستراتيجيته الصناعية، قد ساهمت على نحو كبير في زيادة فرص العمل؛ إذ ساعد الإعلان عن أكثر من 200 مليار دولار في استثمارات صناعية مهمة في الولايات المتحدة، على نمو قطاع التصنيع الأمريكي الذي بات يشهد أقوى نمو في الوظائف منذ ثلاثة عقود.

5دعم التنويع الاقتصادي بعيداً عن سلاسل التوريد الصينية: سعت الولايات المتحدة إلى تعزيز علاقاتها بعدد من الدول بغية تحقيق التنويع الاقتصادي، بما يحررها من سلاسل التوريد الصينية؛ فاليابان – على سبيل المثال – دخلت مع واشنطن في اتفاق بشأن الإعفاءات الضريبية الأمريكية على المعادن المهمة للسيارات الكهربائية. ويذكر في هذا الصدد أن نحو ثلث الاستثمارات المعلنة، تنتج مما يقرب من عشرين مشروعاً قادماً من شركات يقع مقرها الرئيسي في كل من اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان.

6المساهمة في إعادة تشكيل الاقتصاد العالمي: تتجه استراتيجية بايدن الصناعية إلى أن تكون بمنزلة أداة لإعادة تشكيل الاقتصاد العالمي؛ حيث تُعمِّق الولايات المتحدة علاقاتها الاقتصادية بدول عدة؛ من بينها اليابان وتايوان والاتحاد الأوروبي؛ إذ يريد بايدن من ذلك جلب أكثر صانعي الرقائق تطوراً في العالم إلى الولايات المتحدة، في تجاهل واضح للصين، بما يدفع نحو زيادة التنافس الاقتصادي ومزيد من الاحتدام في الحرب التجارية الأمريكية الصينية. وفي سبيل ذلك عمدت الإدارة إلى تبني إجراءات تهدف إلى طمأنة مخاوف الدول الشريكة ومن بينها القضاء على عبء الازدواج الضريبي الذي كان يثير مخاوف الكثير من الدول؛ وذلك من خلال اتفاق أبرمته الولايات المتحدة مع عشرات الدول.

7تصاعد المنافسة مع مراكز مالية رائدة: ثمة الكثير من المخاوف المثارة في لندن بشأن ظهور مراكز مالية أخرى قادرة على اللحاق بركبها، بما يهدد مرتبتها ومكانتها المالية، وهو ما سيكون له – بالتبعية – آثار اقتصادية سلبية على اقتصادها الكلي، واحتمالية لتحول الاستثمارات الأجنبية بعيداً عنها على المدى البعيد؛ حيث باتت نيويورك تشترك في المرتبة الأولى مع لندن حالياً، باعتبارها المركز المالي الرائد في العالم، فضلاً عن تعزيز الوجهات التجارية الأخرى – مثل فرانكفورت الألمانية وباريس – جاذبيتها بصفتها مراكز مالية بوتيرة أسرع خلال السنوات القليلة الماضية.

8ضغط داخلي من أجل ضخ السيولة نحو الأولويات المحلية: في ظل الزخم والاهتمام المحلي باستراتيجية بايدن الصناعية، يزداد الضغط في الداخل الأمريكي على حتمية توجيه كافة السيولة المالية نحو خدمة الأهداف والأولويات المحلية. وعلى خلفية ذلك، صرَّح الجمهوريون في الكونجرس الأمريكية بأن مليارات الدولارات من المساعدات الأمريكية لأوكرانيا مُعرَّضة لخطر إساءة إنفاقها، وأنه من الأفضل استخدامها وتوظيفها لخدمة الأولويات المحلية، وهي علامة جديدة على تراجع دعم الحزب الجمهوري لأوكرانيا في حربها مع روسيا، وهي التعليقات التي جاءت في جلسة استماع أبلغت فيها مكاتب المفتش العام لوزارة الخارجية والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية والبنتاجون، المشرعين أنه لا توجد حالات مؤكدة تم فيها تحويل معدات أمريكية أو أي دعم آخر إلى أوكرانيا، بما يشير إلى احتمال تراجع الدعم الأمريكي لأوكرانيا؛ ما قد يرجح بدوره الكفة الروسية في الحرب.

9تهديد سياسة “أمريكا أولاً” للعلاقات مع أوروبا: ثمة توجه أوروبي ساخط على استراتيجية بايدن الصناعية؛ حيث يعتبر الكثيرون أنها هي استراتيجية “أمريكا أولاً”؛ إذ ينظر الأوروبيون إلى الإعانات الأمريكية الضخمة للسيارات والطاقة النظيفة وأشباه الموصلات على أنها خطر على اقتصاداتهم؛ فبعد علاقات أوروبية أمريكية هادئة ومتوازنة استمرت على مدار العامين الأولين من فترة رئاسة “بايدن”، بدأت انقسامات كبيرة بين واشنطن وحلفائها الأوروبيين في الظهور والتأجج بشأن السياسة الاقتصادية الأمريكية؛ من بينها النظرة الأوروبية إلى قانوني خفض التضخم والرقائق، على أنهما يدعمان الشركات الأمريكية على نحو غير عادل، بما يؤدي إلى تفاقم تحديات القدرة التنافسية للقارة الأوروبية، وربما يجبر أوروبا على الدخول في سباق مكلف مع كل من الولايات المتحدة والصين.

وهذا الأمر يُرجِّح – في حال عدم التعامل معه بحكمة من قبل الإدارة الأمريكية – أن تتدهور رؤية إدارة بايدن من نظام اقتصادي عالمي جديد تعمل فيه الولايات المتحدة مع حلفاء وشركاء في أوروبا وآسيا لاحتواء الطموحات الصينية والروسية، لتتحول بالتدريج إلى عالم من التكتلات الاقتصادية المتنافسة.

إجمالاً، تسعى الإدارة الأمريكية، من خلال استراتيجيتها الصناعية الجديدة التي أطلقتها منذ نحو عامين، إلى دعم التصنيع الوطني، وتحفيز الشراكات الخارجية في عدد من الصناعات، وعلى رأسها أشباه الموصلات، باعتبارها أساس حربها التجارية مع الصين؛ وذلك بغية التحرر من الهيمنة الصينية على سلاسل توريد تلك الصناعة.

وإن كانت الاستراتيجية الأمريكية قد نجحت في خلق الكثير من فرص العمل ودعم الاستثمارات وتعزيز المشتريات في الدولة وتحفيز التصنيع المحلي وإقامة علاقات اقتصادية قوية مع عدد من الفاعلين المهمين في مجال التكنولوجيا كاليابان وتايوان، إلا أنها على الجانب الآخر، تثير العديد من المخاوف لدى فاعلين آخرين من بينهم فواعل شريكة كالاتحاد الأوروبي، فضلاً عن المنافس الاستراتيجي المتمثل في الصين.