سلطت الجولة التي أجراها وزير الخارجية الروسي “سيرجي لافروف” في منطقة أمريكا اللاتينية خلال الفترة 17–21 أبريل الفائت، الضوء على دور روسيا في المنطقة، كما أثارت الزيارة التي شملت البرازيل ونيكاراجوا وفنزويلا وكوبا التساؤلات بشأن العوامل الدافعة لموسكو نحو تعزيز حضورها في نصف الكرة الغربي، فيما يُعرف تقليدياً بالفناء الخلفي للولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك المكاسب التي تسعى إلى تحقيقها، فضلاً عن القيود التي يمكن أن تحد مساعي روسيا لتوثيق علاقاتها ببلدان أمريكا اللاتينية.
محفزات قوية
تأتي زيارة لافروف إلى أمريكا اللاتينية في خضم الحرب الدائرة في أوكرانيا، والضغوط الأمريكية والغربية المتزايدة على روسيا. ومع ذلك فإن جهود موسكو الرامية إلى تعزيز نفوذها في المنطقة تُحرِّكها عوامل عدة لا ترتبط بالحرب في أوكرانيا فحسب، ومن بينها:
1. تقليص النفوذ الأمريكي في نصف الكرة الغربي: في ظل التراجع الملحوظ في النفوذ الأمريكي في نصف الكرة الغربي، والتوتر المتزايد بين واشنطن وبعض بلدان المنطقة؛ بسبب سياسة العقوبات الأمريكية والتدخلات المستمرة في شؤونها الداخلية، تعمل موسكو على استثمار هذا التراجع، وبل تعميقه من خلال تقديم نفسها قوة دولية يمكن لبلدان المنطقة أن تعتمد عليها، وهو ما قد يعرقل الجهود الأمريكية لإعادة الانخراط في المنطقة.
لذا فإنه لم يكن مفاجئاً رفض موسكو العقوبات التي تفرضها واشنطن على فنزويلا وكوبا ونيكاراجوا، وتنديدها بمحاولة التدخل الخارجي في أزماتها الداخلية، بل قامت بالتصويت داخل الجمعية العامة للأمم المتحدة ضد بعض مشروعات القرارات التي أدانت سياسات النظم الحاكمة في البلدان الثلاثة، كما طالبت مراراً بإنهاء الحظر الأمريكي المفروض على كوبا، من خلال تأكيدها ضرورة احترام سيادة الدول وعدم التدخل الخارجي في شؤونها، وهو تقليد راسخ في أمريكا اللاتينية. وتستهدف روسيا كسب دعم القوى الرئيسية في المنطقة، خاصةً البرازيل والمكسيك والأرجنتين، وتشجعها على الالتزام بمبدأ الحياد في ظل احتدام التنافس بين القوى الكبرى في الوقت الراهن. من هذا المنطلق، كان طرح البرازيل (القوة الكبرى في أمريكا اللاتينية)، مبادرة للسلام تضمنت اقتراحاً بتنازل أوكرانيا عن شبه جزيرة القرم لإنهاء الحرب، وسبق أن تقدمت المكسيك بمبادرة للسلام في الجمعية العامة للأمم المتحدة، انتقدها مسؤولون أوكرانيون باعتبارها محابية لموسكو.
2. محاولة نقل الصراع مع واشنطن إلى أمريكا اللاتينية: أرسلت روسيا قاذفاتها ذات القدرة النووية من طراز Tu–160 إلى فنزويلا في الأعوام 2008 و2013 و2018، كما نشرت أسطولاً من أربع سفن حربية في فنزويلا في عام 2008، بقيادة الطراد الذي يعمل بالطاقة النووية “بطرس الأكبر”؛ من أجل إجراء تدريبات هناك. ومن خلال تكثيف روسيا تحركاتها العسكرية في أمريكا اللاتينية، فإنها تسعى إلى إيصال رسالة مهمة إلى واشنطن، أنها قادرة على مضايقتها في جوارها المباشر؛ وذلك رداً على الحضور الأمريكي المتزايد في الفناء الخلفي لروسيا. وفي يناير 2022، ألمحت موسكو – على لسان نائب وزير الخارجية سيرجي ريابكوف – إلى خطط لنشر قوات عسكرية داخل البلدان التي لدى حكوماتها توجهات مناهضة لواشنطن، وتحديداً كوبا وفنزويلا ونيكاراجوا.
كانت مثل هذه التصريحات بمنزلة إشارة واضحة إلى واشنطن بشأن الحاجة إلى الاحترام المتبادل والامتناع عن التدخل في مجال نفوذ كل منهما؛ لذلك كان من اللافت للنظر تصريحات سيرجي لافروف خلال لقائه نظيره الفنزويلي “إيفان جيل” في كاراكاس، التي أكد فيها ثقته بأن أمريكا اللاتينية ستصبح “إحدى ركائز” النظام الدولي الناشئ الذي سيعارض “السياسات الاستعمارية” الأمريكية. ومما يؤكد أهمية منطقة أمريكا اللاتينية في ظل الصراع الدولي الراهن، أنه بينما كان وزير الخارجية الروسي في زيارة إلى كوبا في 20 أبريل الفائت، كان الرئيس الأوكراني “فولوديمير زيلينسكي” في الوقت نفسه يخاطب المشرعين في المكسيك؛ حيث دعا إلى عقد قمة مع بلدان أمريكا اللاتينية.
3. تعقيد استجابة واشنطن للحرب الأوكرانية: منذ اندلاع الحرب الأوكرانية، عملت واشنطن على حشد الدعم العالمي لكييف، وعزل روسيا عن حلفائها الدوليين. وللحيلولة دون ذلك، كثفت موسكو تحركاتها الدبلوماسية، وواصلت اتصالاتها مع مختلف الدول، ومنها دول أمريكا اللاتينية. في هذا الإطار، يبرز موقف البرازيل الحليف التقليدي لواشنطن، الرافض لتبني الموقف الغربي من الحرب في أوكرانيا؛ إذ عارضت فرض عقوبات على موسكو، ورفضت طلباً ألمانياً بتقديم معدات عسكرية لأوكرانيا، بل كان لافتاً انتقاد الرئيس البرازيلي “لولا دا سيلفا” مؤخراً، موقف الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من الحرب؛ حيث حمَّل الطرفين المسؤولية عن تأجيج الصراع، من خلال مواصلة إمداد أوكرانيا بالأسلحة.
وبينما ذهب وزير الخارجية الروسي، في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره البرازيلي ماورو فييرا ، إلى القول إن البلدين لديهما “مواقف متفقة بشأن الأحداث الجارية في العالم” وقال إن حكومته “شاكرة لأصدقائنا البرازيليين على فهمهم الصحيح لنشأة هذا الوضع، وسعيهم للمساهمة في البحث عن طرق لتسويته”، فقد أثارت تصريحات الرئيس البرازيلي استياء واشنطن التي قالت على لسان المتحدث باسم مجلس أمنها القومي “جون كيربي”، إن "البرازيل تكرر الدعاية الروسية والصينية دون النظر على الإطلاق إلى الحقائق".
4. تخفيف العزلة الغربية المفروضة على موسكو: تُمثل منطقة أمريكا اللاتينية والكاريبي، بعدد سكانها الذي بلغ 564 مليون نسمة عام 2021، شريكاً تجارياً واقتصادياً مهماً لروسيا. وقبل اندلاع الحرب الأوكرانية، كانت التجارة بين روسيا وأمريكا اللاتينية محدودة؛ حيث مثلت 0.64% فقط من إجمالي تجارة أمريكا اللاتينية الخارجية. ومع تقدم الحرب، أدت العقوبات الدولية على الطاقة الروسية إلى تسريع اهتمام موسكو بأسواق المنطقة. وفي ذروة أزمة الطاقة في صيف عام 2022، زادت البرازيل واردات الديزل الروسي بنسبة 15%، بينما واصلت كوبا وفنزويلا استيراد المشتقات النفطية من روسيا.
وبرفضها الإدانة الصريحة للموقف الروسي، تركت دول أمريكا اللاتينية الباب مفتوحاً للتعاون مع موسكو في مجال التجارة، في ظل تطلع بعض دولها – مثل الأرجنتين والبرازيل – إلى زيادة إنتاجها من القمح من أجل ملء الفراغ الذي خلفه القمح الروسي والأوكراني؛ حيث يعتمد البلدان على الأسمدة الروسية. في الوقت نفسه، فإن وجود 33 دولة من أمريكا اللاتينية داخل الجمعية العامة للأمم المتحدة، يشكل قوة تصويتية مهمة لروسيا التي تواجه ضغوطاً متزايدة داخل المحافل الدولية. وكان من المؤشرات الدالة على تنامي نفوذ موسكو في أمريكا اللاتينية، امتناع أربع من دولها – وهي: كوبا ونيكاراجوا وبوليفيا والسلفادور – عن التصويت على قرار في الأمم المتحدة يدين روسيا لحربها في أوكرانيا في مارس 2022، في حين لم تتمكن فنزويلا من التصويت لأسباب مالية، وصوتت البرازيل والأرجنتين والمكسيك لصالح القرار.
أدوات متنوعة
في جهودها الرامية إلى توسيع حضورها في منطقة أمريكا اللاتينية، اعتمدت موسكو على حزمة من الأدوات، وتبنت مجموعة من الاستراتيجيات، وتشمل كلاً مما يلي:
1. توثيق الحوار السياسي: تعتمد موسكو على الدبلوماسية الشخصية لتعزيز الروابط مع دول أمريكا اللاتينية؛ إذ استقبلت قبيل اندلاع الحرب الأوكرانية مباشرةً كلاً من الرئيسين الأرجنتيني والبرازيلي، وقبل ذلك تحدث الرئيس الروسي هاتفياً مع دانيال أورتيجا رئيس نيكاراجوا، لأول مرة منذ عام 2014.
في أوائل مارس الماضي، سافر كبير مستشاري فلاديمير بوتين الأمنيين وسكرتير مجلس الأمن الروسي “نيكولاي باتروشيف”، إلى هافانا بعد زيارة كاراكاس. وقبيل الحرب بأيام قليلة، أرسلت روسيا نائب رئيس وزرائها “يوري بوريسوف” في زيارة إلى فنزويلا وكوبا ونيكاراجوا؛ لحشد الدعم لموقفها في خضم توتر العلاقات مع الغرب.
وخلال جولته الأخيرة في أمريكا اللاتينية، أكد وزير الخارجية الروسي أن بلاده ستدعم المنظمات الإقليمية مثل مجموعة دول أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي التي يُنظَر إليها على أنها تتعارض مع المصالح الأمريكية، وشدد على أن روسيا تدعم اقتراحاً قدمه الرئيس البرازيلي لتقليص اعتماد دول تجمع بريكس (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا) على الدولار الأمريكي في معاملاتها التجارية. وتُجادل روسيا بأنها “لم تشارك مطلقاً في استعمار المنطقة أو استغلال الشعوب التي تسكنها أو في أي صراعات أو حروب أو غيرها من صور استخدام القوة”، وهو ما تستند إليه في علاقاتها مع بلدان المنطقة.
2. توظيف أدوات القوة الناعمة: تعكف موسكو على توظيف مصادر قوتها الناعمة لحشد التأييد لمواقفها الدولية داخل منطقة أمريكا اللاتينية، وهي تعتمد في ذلك بوجه خاص على وسائل الإعلام الروسية الناطقة بالإسبانية والبرتغالية، والموجهة للشعوب اللاتينية، بما في ذلك وكالة سبوتنيك وقناة روسيا اليوم، التي لديهما عدة مكاتب في المنطقة، وكان لهما دور محوري في نشر الدعاية الروسية فيما يتعلق بالحرب في أوكرانيا.
في الوقت نفسه، تنخرط روسيا في مجموعة واسعة من الأنشطة السيبرانية والمعلوماتية، كجزء من استراتيجيتها لتقليص الدعم الأمريكي بين بلدان المنطقة، وكوسيلة لحشد الدعم لأنشطتها العسكرية في أوكرانيا. وتُشير بعض التقارير الأمريكية إلى نشر روسيا المعلومات المضللة في محاولةٍ لإثارة الاحتجاجات والاضطرابات في بعض دول المنطقة التي تحكمها قيادات يمينية وكذلك محاولة التأثير في نتائج الانتخابات الرئاسية في بعض دول المنطقة، بما في ذلك كولومبيا.
3. تنشيط الشراكات الاقتصادية والتجارية: أبدت موسكو اهتماماً ملحوظاً بتطوير شراكاتها الاقتصادية مع بلدان المنطقة خلال الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية الروسي. وفي كاراكاس، أعلن لافروف عن الاهتمام بتقوية التعاون الروسي الفنزويلي في إنتاج النفط والغاز والزراعة والتقنيات الجديدة.
وفي برازيليا، ركز جدول الأعمال الاقتصادي على الاتفاقات المتعلقة بصادرات لحوم البقر البرازيلية إلى روسيا وواردات الأسمدة الروسية إلى البرازيل، التي تمثل 20% من إجمالي وارداتها من الأسمدة. ووصلت التجارة بين البلدين إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق عند 9.8 مليار دولار في عام 2022، وتعد روسيا الشريك التجاري الـ13 للبرازيل.
وفي كوبا، شدد وزير الخارجية الروسي على اهتمام بلاده بإعادة هيكلة الديون الكوبية، والاتفاق على منح جزيرة ليبرتي قرضاً خاصاً لإمدادات إضافية من القمح من موسكو. وتعد روسيا واحدة من أكبر 10 شركاء تجاريين لكوبا، وسبق أن وافقت العام الماضي على تأجيل مدفوعات الديون المستحقة على الدولة الكاريبية الجزرية حتى عام 2027. وقدمت روسيا في فبراير الماضي لكوبا هبة “طارئة” بقيمة 25 ألف طن من القمح بالإضافة إلى عدة شحنات من الوقود. أما نيكاراجوا، فبلغ حجم التجارة بينها وبين روسيا 160 مليون دولار في عام 2022، وهو أكثر من ضعف حجمها لعام 2019. واتفق البلدان على التعاون في مجال الرعاية الصحية لإنتاج اللقاحات، وإدخال تكنولوجيات جديدة بشكل مشترك في الزراعة والطب.
4. تكثيف التعاون العسكري والاستخباراتي: على مدار السنوات الماضية، لعبت روسيا دوراً أساسياً في تسليح أقرب حلفائها في أمريكا اللاتينية؛ حيث قدمت الأسلحة والدبابات إلى كوبا ونيكاراجوا، وصدرت لفنزويلا معدات عسكرية بقيمة 11 مليار دولار ما بين 2006–2015 وتشمل طائرات وأنظمة مضادة للصواريخ.
وتشير بعض الدراسات إلى وجود نحو 400 طائرة هليكوبتر روسية في المنطقة، التي تمثل ما يقرب من 25% من الأسطول العسكري لأمريكا اللاتينية. بالإضافة إلى ذلك، نشرت روسيا مؤخراً معدات وقوات عسكرية، بما في ذلك المستشارون والخبراء العسكريون وعلماء الكمبيوتر وضباط المخابرات وعدد من المرتزقة الروس من مجموعة فاجنر، لتقديم المساعدة لزعيم فنزويلا “نيكولاس مادورو”، قامت أيضاً ببناء GLONASS ، وهو نظام ملاحة عالمي للأقمار الصناعية لأغراض تتبع المستخدمين العسكريين والمدنيين، مع ما يقرب من أربع قواعد تتبُّع في البرازيل، وواحدة في نيكاراجوا تقع بالقرب من السفارة الأمريكية في ماناجوا.
وفي فبراير 2022، وقَّع نائب رئيس الوزراء الروسي “يوري بوريسوف” اتفاقية لزيادة التعاون العسكري مع فنزويلا، وأعادت نيكاراجوا في يونيو 2022 تفويض أعداد محدودة من القوات والمعدات الروسية لدخول البلاد مهام التدريب وغيرها من أشكال الدعم. وفي الوقت الراهن، تجري مفاوضات بين روسيا وكوبا للتوصل إلى اتفاقية للتعاون في المجال الاستخباراتي، في ظل محاولات موسكو إعادة فتح قاعدة استخباراتية في كوبا تعود إلى الحقبة السوفييتية.
محددات حاكمة
لدى الولايات المتحدة مخاوف حقيقية من تنامي الحضور الروسي في أمريكا اللاتينية، خشية أن يحد من نفوذها في مجال التعاون الأمني الثنائي وداخل المحافل المتعددة الأطراف في أمريكا اللاتينية. ومع ذلك، هناك عدة قيود ربما تحد من تطلعات روسيا الرامية إلى تكثيف انخراطها في شؤون دول المنطقة، وهو ما يشكل مستقبل الدور الروسي كما يتبين فيما يلي:
1. توجهات النخب اللاتينية الحاكمة: من خلال تحركاتها الدؤوبة لتنشيط علاقاتها مع دول أمريكا اللاتينية، نجحت موسكو في تحقيق مكاسب ملموسة، تتمثل بشكل محدد في دعم بعض الدول موقفها من الحرب الأوكرانية، ومعارضة العقوبات المفروضة عليها. وتنامت هذه المكاسب في ظل تولي حكومات يسارية السلطة مؤخراً في العديد من بلدان أمريكا اللاتينية؛ الأمر الذي يفتح الباب أمام روسيا لتقديم بديل لواشنطن في ظل مساعي هذه البلدان لتعزيز استقلاليتها الدولية.
في الوقت نفسه، يمثل رفض الدول الكبرى الرئيسية في المنطقة – بما في ذلك البرازيل والأرجنتين والمكسيك وتشيلي، وكذلك كولومبيا – تقديم مساعدات عسكرية لأوكرانيا، انتكاسة حقيقية للسياسة الأمريكية في المنطقة وللجهود المبذولة لضم دولها إلى التحالف الدولي الداعم لأوكرانيا.
2. قيود عسكرية واقتصادية روسية: تواجه جهود موسكو لتعزيز حضورها العسكري والاقتصادي في نصف الكرة الغربي مشكلات عدة، في ظل القيود الواردة على قوتها العسكرية في الوقت الراهن؛ بسبب توجيه جزء رئيسي من قدراتها إلى الحرب في أوكرانيا، وهو الأمر الذي ربما يقلص قدرة موسكو على توفير مبيعات الدفاع والتدريب لبلدان أمريكا اللاتينية في المستقبل القريب. يُضاف إلى ذلك، أن ارتفاع التكلفة الاقتصادية للعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وكذلك العقوبات الدولية التي تضر باقتصادها، من المرجح أن تضعف قدرتها على توفير الدعم المالي والاقتصادي لأصدقائها في نصف الكرة الغربي.
3. أهمية العلاقات اللاتينية مع واشنطن: حتى قبل الحرب الأوكرانية، كان لروسيا حضور اقتصادي محدود في منطقة أمريكا اللاتينية، ويتركز في مجموعة محدودة من الشركاء، وفي قطاعات اقتصادية محددة، يأتي في مقدمتها قطاع النفط؛ حيث وقعت عدة اتفاقات للتعاون مع دول المنطقة لتوفير أو دعم إنتاج الطاقة والتعدين.
ووفقاً لصندوق النقد الدولي، بلغت التجارة الثنائية الروسية مع أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي 10.8 مليار دولار في عام 2021، مقارنةً بـ350.9 مليار دولار في تجارة الصين مع المنطقة، و796.6 مليار دولار في التجارة الأمريكية مع المنطقة.
وعندما تنظر أمريكا اللاتينية إلى أسواقها المهمة، فإن من الجدير بالذكر أنه في عام 2021، اشترت روسيا بنحو 5.6 مليار دولار فقط سلعاً وخدمات من المنطقة، بينما اشترت الصين بما قيمته 170.7 مليار دولار، واشترت الولايات المتحدة بنحو 513.1 مليار دولار. وتعد الولايات المتحدة شريكاً رئيسياً لعدد من دول المنطقة؛ لذلك لم يكن مفاجئاً أن يتراجع الرئيس البرازيلي مؤخراً عن انتقاداته لواشنطن بسبب دعمها العسكري لكييف، مؤكداً إدانته “انتهاك سلامة أراضي أوكرانيا”، بالنظر إلى أن الولايات المتحدة هي ثاني أكبر شريك تجاري للبرازيل، كما تتعاون معها في العديد من الملفات، بما في ذلك تغير المناخ.
من جملة ما سبق، يمكن القول إن موسكو عملت على تعزيز حضورها في أمريكا اللاتينية على مدار السنوات الماضية، عبر دعم الأنظمة الحليفة لها، ومحاولة توثيق علاقاتها ببعض أصدقاء واشنطن التقليديين، كالبرازيل والمكسيك والأرجنتين، في محاولة لتقويض النفوذ والمصالح الأمريكية في المنطقة. وعلى الرغم من أن روسيا عمقت مشاركتها في شؤون أمريكا اللاتينية على مدى العقد الماضي، فإنها كافحت من أجل تحويل مكانتها الصاعدة إلى نفوذ حقيقي. إن الوجود التجاري المحدود لروسيا خارج قطاع الطاقة، وتضاؤل مبيعات الأسلحة، من المرجح أن يجعلا منها “مفسداً” لمصالح الولايات المتحدة في أمريكا اللاتينية وليس “منافساً” استراتيجياً لها؛ وذلك على المدى القريب على الأقل.