• اخر تحديث : 2024-05-07 12:43
news-details
تقارير

ما اتجاهات تصويت الجيل Z في الانتخابات التركية المقبلة؟


يتنافس المرشحون في الانتخابات التركية الرئاسية والتشريعية المقرر إجراؤها 14 مايو الجاري على جذب الكتلة التصويتية للجيل Z. ولا شك أن تصويت الجيل Z يحظى بأولوية استثنائية في الاقتراع الراهن؛ فمن بيننحو 13 مليون ناخب يعرفون بالجيل Z من أصل 64 مليون ناخب تركي، سيصوت نحو 6 ملايين منهم أول مرة في الانتخابات الحالية، وهي شريحة يتوقع أن تلعب دوراً حاسماً في حسم المشهد الانتخابي المقبل.

وتشير بعض استطلاعات الرأي إلى أن ثمة تفضيلات مغايرة ورؤى مختلفة بين الفئات العمرية الأصغر سناً، مجموعة Generation Z الذين تبلغ أعمارهم ما بين 18 إلى 25 سنة، وبين مجموعة الجيل الأكبر سناً؛ فثمة مَيلٌ عام لدى هذه الشريحة – التي تنتمي إلى جيل جديد، وتحظى باستقلالية في اتخاذ قراراتها بعيداً عن توجهات عائلاتهم السياسية – إلى التغيير؛ خاصةً في ضوء اختلاف اهتماماتها عن الفئات العمرية الأكبر سنّاً، وتعرضها الكثيف لمضامين الإنترنت، ومنصات التواصل الاجتماعي، والعوالم الافتراضية.

مؤشرات الاهتمام

مع اقتراب الاقتراع في تركيا، تتضاعف حركة المرشحين وحملاتهم الدعائية لجذب أكبر عدد من ناخبي الجيل Z، الذي يمثل قوة تصويتية كبيرة ومهمة، كما أنه في ظل مؤشرات عامة حول قدرة هذا الجيل في التأثير على نتائج انتخابات 2023 خاصةً في ظل حدوث تغييرات كثيرة في التركيبة الديموغرافية التركية منذ انتخابات 2018، يتصاعد الاهتمام بمساعي جذب هذه الفئات، وهو ما يمكن بيانه على النحو التالي:

1. تعزيز التواصل مع ممثلي الجيل Z: يُمثل الجيل Z ذخيرة انتخابية معتبرة في الانتخابات التركية الراهنة، وهو ما يفسر اهتمام القوى المشاركة في الاقتراع بتعزيز فرص التواصل مع الجيل Z، خاصة أن كتلة تصويتية يمثلها هذا الجيل لعبت دوراً بارزاً في الانتخابات البلدية التي أُجريت في عام 2019 لمصلحة الخصوم السياسيين للسلطة الحاكمة، وقبلها في الانتخابات الرئاسية 2018 عندما انحازت إلى خصم أردوغان المرشح المستقل آنذاك محرم أنجة، وهو دور من المتوقعأن تلعبه أيضاً في الانتخابات المقبلة؛ وهنا يمكن تفسير اهتمام الأحزاب التركية، ومرشحي الرئاسة بالتجاوب مع أفكار وطموحات الجيل Z.

2. التماهي مع اهتمامات وقضايا الجيل Z: تُدرك المعارضة أهمية الجيل Z التي تجلَّت خلال الفترة الماضية، وتتضح كذلك في انحياز المعارضة لجانب واسع من أفكار هذا الجيل، خاصة تجاه بعض القضايا الرئيسية في السياسات التركية، وفي مقدمتها قضايا الحريات، وضرورة الحد من حملات التضييق على وسائل التواصل الاجتماعي، والتوجه الليبرالي والانفتاح على نمط الثقافة الأوروبية والغربية؛ فهذه قضايا أساسية تهم هذا الجيل أكثر من قضايا السياسة الخارجية، وتساهم في تحديد توجهاته الانتخابية. وسعت المعارضة عبر الانحياز إلى اهتمامات الجيل Z إلى ضمان جذب ذلك الجيل بأدوات ذات صبغة سياسية تُعزز حضور المعارضة في الوعي الجمعي لهذا الجيل، ويحقق لها المزيد من المكاسب الانتخابية وسط هذه الفئات.

في المقابل، يتجه التحالف الحاكم منذ عدة أشهر بالدرجة الأساسية إلى محاولة خلق سردية قادرة على تعبئة أفراد الجيل Z لمصلحته؛ وذلك من خلال السعي إلى امتلاك الأدوات اللازمة لإيصال هذه السردية إلى الفئات المكونة لهذا الجيل، وفتح قنوات تواصل وحوار مع أفراده، وهنا، يمكن فهم انفتاح حزب العدالة والتنمية على الجيل الجديد في تركيا من خلال تأكيد دور السلطة في دخول تركيا عالم التكنولوجيا الحديثة، بالإضافة إلى اتجاه الحكومة التركية لتخفيف قيودها على وسائل التواصل الاجتماعي، وتوفير خدمة الإنترنت بالمجان في العديد من الأماكن. بالتوازي، حرص التحالف الحاكم في خطاباته الانتخابية الحالية على تجنب توظيف الرسائل الدينية في العملية الانتخابية، لا سيما أن نسبة معتبرة من أفراد الجيل Z تبدو أكثر ميلاً نحو تحييد الفروقات المذهبية والدينية والسياسية في التعامل مع الآخرين.

3. اختراق المعارضة أدوات الجيل Z: أبدت القوى التركية المشاركة في اقتراع 14 مايو الجاري اهتماماً لافتاً باستخدام الأدوات التكنولوجية، والتقنيات الحديثة؛ وذلك في إطار محاولتها الوصول إلى عالم الجيل Z، وجذب أصواتهم في الانتخابات المقبلة. وفي هذا السياق، كثفت المعارضة التركية من توظيف أدوات التقنية الحديثة لاختراق ومخاطبة الجيل Z، وظهر ذلك في إنشاء حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي التي يرتادها الشباب الأتراك، وآخرها تيك توك، والمشاركة في حلقات شبابية ومؤتمرات وجولات بث مباشر على مواقع التواصل الاجتماعي. فعلى سبيل المثال، ظهر مرشح الطاولة السداسية كمال كليتشدار أوغلو في فيديو عبر تيك توك ليعلن انضمامه إلى المنصة التي يستخدمها الجيل Z. ورغم أن كليتشدار أوغلو يبلغ 78 عاماً فإنه ظهر بروح شبابية حاملاً بيده “ترايبوت” كاميرا الهاتف الذي قال إنه يعمل بـ٧ أضواء وسيكون وسيلته للتواصل مع الشباب والرد على استفساراتهم عبر تيك توك.

4. انخراط أردوغان في عالم جيل Z: في إطار سعي الرئيس التركي لتعويض تراجعه بين كتلة الشباب، وفي الصدارة منها فئات الجيل Z، اضطر إلى الانخراط في منصات التواصل الاجتماعي الأكثر جماهيرية، ومنها فيسبوك وتويتر وإنستجرام ولينكد إن. كما دشن حساباً له على “تيك توك” على الرغم من معارضته الشديدة السابقة للاندماج مع هذا التطبيق الصيني. واضطر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى إنشاء حساب له بشكل غير مباشر تحت اسم “الإعلام الإلكتروني لأردوغان”؛ وذلك في إطار مساعي الوصول ومخاطبة أوسع شريحة من الشباب الصغار السن الذين يحق لهم التصويت لأول مرة، ويلعبون دوراً مهماً في تحديد الرئيس المقبل. ويشار إلى أن عدداً من استطلاعات الرأي أظهرت تحديات جمة تواجه الرئيس أردوغان في الانتخابات الحالية، ناهيك عن تقارب حظوظه مع منافسه مرشح الطاولة السداسية كمال كليجدار أوغلو؛ الأمر الذي يزيد أهمية الكتلة التصويتية للجيل Z في الانتخابات الحالية.

كما يعمل الرئيس التركي منذ أكثر من عام على عقد لقاءات مع طلاب الجامعات خلال جولاته بالمحافظات التركية، بالإضافة إلى المشاركة على غير العادة في احتفالات عامة، تتخللها النشاطات الفنية والموسيقى. تحول الحزب الحاكم نحو الانخراط مع الجيل Z لم يقتصر على ما سبق، فقد أبدى التحالف الحاكم حرصاً لافتاً على المشاركة في المنتديات الشبابية الإلكترونية، وعقد مؤتمرات في الفضاء الإلكتروني، للإجابة على أسئلة جمهور الجيل Z إضافة إلى الاهتمام بإنشاء المكتبات الوطنية وتقديم خدمات الإنترنت المجانية فيها لروادها من الشباب والطلاب.

اتجاهات التصويت

تشير بعض التقديرات إلى أن الجيل زد كتلة سياسية غير منسجمة، رغم الاشتراك في جانب واسع من الأفكار والقناعات. في هذا السياق، فإن ثمة احتمالات متباينة بشأن تصويت كتلة Z في الانتخابات المقبلة، وهو ما يمكن بيانه كالتالي:

1. توقعات بتصويت محدود للتحالف الحاكم: ثمة استطلاعات للرأي تشير إلى أن أقل من 20٪ من كتلة الجيل Z ربما تصوت لمصلحة التحالف الحاكم، وبخاصة أوساط القواعد التقليدية للشباب المحافظ والمتدين. ويجمع مراقبون على تراجع الصورة الذهنية لحزب العدالة والتنمية في أوساط قطاعات معتبرة من جيل الشباب في تركيا، وأن بقاء أردوغان ورفاقه في السلطة لنحو عقدين، يدفع الجيل الجديد للانعطاف نحو التغيير وتجربة أحزاب جديدة في السلطة.

بالتوازي، فإن احتمال تراجع التصويت بين فئات الجيل Z لمصلحة التحالف الحاكم، يرتبط في جانب معتبر منه، بالعثرات الاقتصادية والسياسية للتحالف الحاكم خلال السنوات الأخيرة؛ فقد وصل التضخم إلى مستويات غير مسبوقة، كما تصاعدت معدلات البطالة بالإضافة إلى تراجع مستويات المعيشة. ولم يكن سأم جيل زد على السلطة الحاكمة بسبب مؤشرات الاقتصاد فحسب؛ فقد تضررت هذه الفئات من تصاعد حدة الاستقطاب السياسي في الداخل التركي. ويشار إلى أن استطلاعات عديدة للرأي حول جيل Z، تكشف عن أن نحو 70% منهم، يفضلون العيش في مكان آخر، في حين يقول أكثر من 60 %إنهم لا يرون مستقبلاً باهراً ينتظرهم في تركيا.

2. انحياز قطاع مُعتبر للتصويت لمصلحة المعارضة: تشير العديد من التقديرات إلى انحياز قطاع معتبر من الجيل Z نحو الأحزاب المعارضة عوضاً عن التحالف الحاكم؛ فقطاع واسع من الجيل الجديد الذي سيصوت لأول مرة يدخل هذه الانتخابات بخيبة أمل واستياء بسبب جمود الأوضاع في البلاد، وتراجع مؤشرات الاقتصاد، كما أن ثمة قناعة لدى جانب واسع من الجيل زد بأهمية التغيير، وضرورة وصول الخصوم السياسيين للسلطة، باعتبار ذلك أنسب الطرق لضمان الاستجابة لطموحاتهم، وإحداث تطور في الحياة بشكل عام. ويشار إلى أن مسح للرأي أجرته مؤسسة “أو آر سي” في نهاية مارس الماضي، كشف أن قرابة 50% من الجيل الشاب في تركيا الذي يتم الإشارة إليه بحرف Z ضمن الفئات العمرية، سيدعم تحالف الأحزاب المعارضة.

3. رفض جيل Z توجهات الحزب الحاكم لتقييد منصات التواصل: الأرجح أن الانجذاب المحتمل لنصف كتلة الجيل Z نحو التصويت للمعارضة، يرتبط بعدة اعتبارات؛ منها سأم قطاع جيل زد من القوانين الاستثنائية التي مررها حزب العدالة والتنمية خلال العاميين الماضيين، ومنها مراقبة منصات التواصل الاجتماعي، فعلى سبيل المثال وافق البرلمان التركي في أكتوبر 2022، على قانون تحت مسمي “مكافحة التضليل الإعلامي”، ويستهدف تعزيز رقابة السلطة على منصات التواصل الاجتماعي. وأثار القانون غضب المعارضة وقطاع واسع من الشباب التركي. كما رفض جيل Z إلزام حكومة العدالة والتنمية شركات الإنترنت العالمية العاملة في تركيا بضرورة تقديم بيانات عملائها للأجهزة الأمنية في البلاد. في المقابل يرتبط التصويت المرجح لجيل زد للمعارضة، برغبة هذه الفئات في وصول قوى جديدة للسلطة، تكون قادرة على تقديم مزيد من الخدمات وفرص العمل والانفتاح والحريات والرفاهية والديمقراطية، ومن ثم يرغب جيل Z في إيصال حزب جديد إلى السلطة لضمان تعزيز العملية الديمقراطية والحصول على مزيد من الخدمات المأمولة.

4. تفضيل قطاع واسع من الجل Z لـ”مُحرم أنجة”: يُتوقع أن يتجه قطاع واسع من الجيل Z نحو البحث عن مرشح جديد لا يرتبط بالسلطة الحاكمة، ويتمايز في ذات الوقت عن المعارضة، لا سيما أن ثمة غياباً للثقة بمرشح الطاولة السداسية، باعتباره رجلاً طاعناً في السن، ولا يملك ناصية الخطاب، ولا يحظى بكاريزما وسط الجيل Z؛ لذل، من المتوقع أن يذهب قطاع واسع من أصوات الجيل Z نحو المرشح الثالث محرم أنجة رئيس حزب البلد، الذي يبدو أقرب إلى جيل الشباب، ويحظى بحضور واسع منذ ترشحه في الانتخابات السابقة برصيد وافر أوساط القطاعات الشبابية. ويبدو أنجة وجهاً مقبولاً لدى الجيل Z؛ بسبب خطاباته التي تلهب حماسة الشباب، واندماجه في العالم الافتراضي مع الجيل Z ناهيك عن أنه يبدو محسوباً ضد السلطة، كما يجمع إلى جانب أفكاره المتمايزة جانباً واسعاً من أفكار وسياسات المعارضة.

دور مؤثر

ختاماً، يمكن القول إن الجيل Z الذي سيصوت لأول مرة، سيلعب دوراً مؤثراً في حسم انتخابات 14 مايو الجاري. ورغم أن هذا الجيل لا يمثل كتلة سياسية منسجمة، ولديها ميول مختلفة فإن ثمة قناعة لدى هذا الجيل بفشل النخب التقليدية في التجاوب مع طموحاته؛ لذا فمن المحتمل أن تذهب الكتلة التصويتية للجيل Z نحو خصوم أردوغان، ليس عن قناعة، وإنما باعتبار ذلك أقصر الطرق للتغيير، وإعادة هندسة المجتمع وفقاً للأطر الحديثة التي تمثل التكنولوجيا وتقنيات الإنترنت العمود الفقري لها في الوعي الجمعي للجيل Z.