• اخر تحديث : 2024-05-03 21:39
news-details
ندوات وحلقات نقاش

ذكرى النكبة محطة نضاليّة لتحرير فلسطين


لمناسبة الذكرى 75 للنكبة وإيمانًا بعالمية المقاومة وبمكانة فلسطين في الضمير والوجدان العربي والإسلامي، وتأكيدًا لمحورية القضية الفلسطينية في توجيه بوصلة نضال الأمّة من أجل التحرير والتحرّر، وتفاعلًا مع المتغيّرات الإقليمية والدّويّة الرّاهنة، نظّمت الرّابطة الدّوليّة للخبراء والمحلّلين السياسيين ومركز مسارات للدّراسات الفلسفيّة والإنسانيات وبالتعاون مع مركز دراسات أرض فلسطين ندوة فكريّة بعنوان: "ذكرى النكبة.. محطّة نضاليّة لتحرير فلسطين"، وأحيت فعالياتها ثلة من الباحثين من خلال مداخلات علميّة وتحليلات متنوّعة سياسيّة وتاريخيّة وأدبيّة وحضاريّة.  كما شهدت الندوة حضورًا نوعيّا ومتنوّعا لأساتذة جامعيين وناشطين في المجتمع المدنـيّ التّونسي، وباحثين عرب وأفارقة من بلدان وجنسيات مختلفة.

أولاً: معطيات أولية حول اللقاء:

الزمان

السبت 13 /5/ 2023

المكان

مقرّ مركز مسارات للدّراسات الفلسفيّة والإنسانيات في تونس

 

المشاركون السادة

1

عضو  الهيئة الإدارية للرّابطة في تونس  ورئيس مركز مسارات د. فوزي العلوي

2

عضو الهيئة الإداريّة لاتّحاد عمّال  فلسطين الأستاذ محمّد بدران

3

 رئيس جمعيّة دراسات فلسطين للتنميّة والانتماء د. عابد الزريعي

4

رئيس وحدة الدّراسات الإفريقيّة د. موديبو دانيون

5

الباحثة في مركز دراسات أرض فلسطين الأستاذة سمر عبد العظيم

 

ثانيًا: مجريات اللقاء

بعد بالترحيب بالمشاركين، افتتح الدكتور فوزي العلوي الندوة وفي ما يلي مما جاء في مداخلته:

المداخلات:

د. فوزي العلوي:

أكّد  الدكتور فوزي العلوي على أن لا سبيل لوحدة الأمّة وتجميع صفوفها خارج مفهوم عالمية المقاومة، لذا دعا إلى أن يكون إحياء  هذه الذكرى مناسبة لإحياء الذاكرة النضاليّة الشّعبيّة العربيّة والإسلاميّة ضمن رؤية شاملة لطبيعة الصراع  بين مشروع الاستقلال والتحرّر، ومشروع الهيمنة والاحتلال بالمنطقة، وذلك من خلال التركيز على بناء رؤى استراتيجيّة، وآليات  فكريّة وسياسيّة قادرة على تجميع الصفوف واستنهاض الإرادات على أرضية سياسية وأخلاقيّة روحيّة  تنطلق من رؤية شرعية وواقعية لطبيعة هذا الصراع، وربط كلّ ذلك بما يجري حاليّا في فلسطين المحتلّة: "معركة الشرف: ثأر الأحرار"، حتى نتمكّن من تعبئة الحاضنة الشعبيّة للمقاومة، وحشد طاقات جماهيرنا العربيّة والإسلاميّة للصمود والالتفات حول مشروع المقاومة، وسبيلًا  نحو بناء عالميّة جديدة "نكون صنّاعها".

الأستاذ محمّد بدران

وبعد هذه المداخلة، كانت مداخلة عضو الهيئة الإداريّة لاتّحاد عمّال فلسطين والمجلس الوطني الفلسطيني سابقا والرئيس الحالي لجمعيّة تكافل الجاليّة الفلسطينيّة في تونس الأستاذ محمّد بدران الذي تناول في مداخلته تاريخيّة النكبة والأسباب المحليّة والدّولية التي أدّت إليها، متمثّلة أساسا في التحالف البريطاني الصهيوني خلال الانتداب، ودور الحركة العمّالية الفلسطينية في مقاومتهما، وتصدّيها لسياسات الحركة العمالية الصهيونيّة (الهستدروت).. مبرزًا مسؤولية أنظمة الدّول القطريّة العربيّة في ضياع فلسطين، وتخاذلها عن الدّفاع عن أرض فلسطين خلال حرب 1948م، وختم بأنّ القضية الفلسطينية أصبحت قضية عدل عالمية كونيّة بفضل نضال الشعب الفلسطيني الباسل وبفضل دماء سلسل من قوافل الشهداء الذين أحيوا بدمائهم استمرارية هذا النضال...

د. عابد الزريعي:

 تلت هذا المدخل التّاريخي، مداخلة رئيس جمعيّة دراسات فلسطين أرض فلسطين للتنميّة والانتماء الدّكتور عابد الزريعي حول: "محمد طارق الإفريقي: الهوية والدور"، وقد اعتبر أن تاريخ هذه الشخصيّة جزء من التّاريخ النضالي الفلسطيني ومن الذاكرة الفلسطينية، والقومية والإنسانية عموما، وأنّ الحديث عنها يمثّل شكلا نضاليّا للاستقطاب ومقاومة التطبيع والحملات الصهيونية والرجعيّة المتكرّرة الهادفة إلى تزييف التّاريخ واغتصاب الذاكرة النضالية الفلسطينية بعد اغتصاب الأرض.. وقال: الحديث عن مناقب هذه الشخصية في الذكرى 75 للنكبة  يحمل دلالات رمزية ورسائل سياسيّة عميقة تتمثّل في التأكيد على  استمرارية وديمومة  المقاومة، وأنّ النكبة ليست إلا  إحدى  محطّاتها، ومن ثمّ فمشاركة محمد طارق الإفريقي في الحروب التحرّيريّة الفلسطينيّة، ومساهماته الثقافيّة والعسكريّة والجيو-استراتيجيّة والسياسيّة، ورؤيته الاستشرافية في كيفية إدارة المعركة، كلّها عوامل ودروس يجب الاستئناس بها، وأخذ العبرة عنها للاستعداد للمعركة الفاصلة القادمة لتحقيق النصر المبين، وهو مبتغى لطالما  قصده المقاومون  من أجل فلسطين  على مرّ العصور، على اختلاف أجناسهم وانتماءاتهم...

د. موديبو دانيون:

 وضمن مقاربة حضاريّة تكامليّة للقراءة التّاريخيّة كانت مداخلة رئيس وحدة الدّراسات الإفريقيّة في مركز مسارات للدّراسات الفلسفيّة والإنسانيات الدّكتور موديبو دانيون بعنوان: "النَّكبةُ باعتبارها سيرورةً". وأشار فيها أوّلا إلى الدّلالات اللّغويّة والاصطلاحيّة لمفردة" النكبة" وأنّها تدلّ في المعاجم العربية على العدول عن الشّيء والميل عنه واعتزاله، وعلى المصيبة التّي نزلت بالبشريّة والعالم العربيّ عموما والشّعب الفلسطينيّ خصوصا، حينما لقد أطلق مصطلح النكبة على ما حصل للفلسطينيين من تهجير قسريّ وتقتيل واقتلاع من أرضهم عام 1948م حينما احتلت العصابات الصهيونية أرضه وطردته منها بقوة السلاح وبدعم دولي. لتستقرّ الدّلالة -في النّهاية- على متصوّر لا يزال حيّا نعيشها في فلسطين وفي الدّول المستضعفة، ولذا اعتبره سيرورة تاريخيّة لم تنشأ في سنة 1948 ولم تقف عندها، لأنّ هزيمة العرب في فلسطين – كما قال قسطنطين زريق- ليست "مجرد إخفاق، أو شر عابر. هذه نكبة بكامل معنى الكلمة، وإحدى أصعب النكبات التي ألمت بالعرب خلال تاريخهم الطويل. تعلن سبع دول عربية الحرب على الصهيونية في فلسطين، وتقف عاجزة مرتدة على أدبارها. تريد سبع دول إلغاء التقسيم والقضاء على الصهيونية، لكنها تترك المعركة بعد أن خسرت جزءًا كبيرًا من أرض فلسطين، حتى ذلك الجزء الذي أُعطي للعرب. إنها تضطر إلى قبول الهدنة التي لا يوجد فيها أي ميزة أو مكسب من جهتها".

وبهذا الاعتبار يصبح متصوّر النّكبة يتشكّل من الأركان التّالية:

- تسليح متمرّدين من قبل دول عظمى بما يفوق عتاد جيش بلد من حيث العدد والتطوّر

- تزوير صيغة قانونيّة محليّة فدوليّة لإضفاء الشرعيّة على حركة التّمرّد.

- دعم التّمرّد لاكتساح الأراضي بقتل أهلها وتهجير من تبقّى ثمّ فرض هدنة حين يصبح المتمرّدون في موقف قوّة.

- إنشاء دولة للمتمرّدين تعلة استحالة التعايش بين الطرفين واتّخاذ هذه الدّولة حليفة للمخطّطات الاستراتيجيّة.

وبناء عليه تتأتى السيرورة التاريخيّة العربيّة للنكبة، باعتبار أنّها انطلقت منذ 1917 بوعد بلفور المشؤوم، بما هو منطلق تسليح المتمرّدين الصهاينة وتزوير ملكيّتهم على الأرض والتّراث، إلى أن جاء الانفجار الكبير سنة 1948، الذّي أسَّس سلسلة أحداث مأسوية أكبر تجلياتها لجوء الفلسطينيين وتشردهم المتواصل من الضفة الغربية وقطاع غزة بعد عدوان الخامس من حزيران/ يونيو 1967، ومن لبنان بعد الاجتياح الإسرائيلي صيف سنة 1982، ومن الكويت في عامَي 1990-1991 بعد الغزو العراقي، ومن ليبيا عام1994، ومن العراق عام 2003، ومن سورية بعد اندلاع الأحداث الدامية فيها عام 2011.

في ذكرى النكبة التي نعيش وقائعها اليوم فرصة لندرك أن المخططات التصفوية للقضية الفلسطينيّة مستمرة ومتصاعدة بوتيرة عالية. ولذا تدعو الضّرورة إلى استثمار حملات الـتأييد والتضامن الدولي المتنامي مع هذه القضيّة العادلة، ومواجهة المخاطر وإفشال المؤامرات وبغير ذلك فإن مفاعيل النكبة ستتواصل وتتحول إلى نكبة مزمنة، تتوسّع عبر نكبات أخرى في أماكن أخرى من العالم منها العالم الإفريقي.

إنّ ما يحصل في إفريقيا اليوم ومنذ أمد بعيد من صناعة الإرهاب الدوليّ والتمرّد المتكرّر لا يأتي من فراغ. إنّه مشروع غربيّ بتحالف شرقيّ لزعزعة الاستقرار من أجل نهب الثروات واستيطان الأراضي واستعباد أهلها وتهجيرهم طوعا عبر الهجرة غير الشرعيّة وكرها من خلال اللجوء فرارا من الموت. وهو ما يحدث في إثيوبيا والسودان وجمهوريّة الكونغو الديمقراطيّة وجمهوريّة إفريقيا الوسطى ومالي وبوركينا فاسو...

إنّ النزاعات في هذه البلدان تؤسّسها دول غربيّة وعلى رأسها فرنسا في أغلب الحالات. ويتمّ ذلك بإنشاء حركات التّمرّد في المناطق الغنيّة بالمواد الأوليّة وتزويد الحركات بالمال والأسلحة المتطوّرة والمعلومات الاستخباراتيّة والتغطية الإعلاميّة والدّعم الدبلوماسيّ في المحافل الدّوليّة... ويهدف هذا كلّه إلى السيطرة على الأراضي وإعلان استقلال دويلات تابعة للغرب. وهكذا نفهم كيف تتلقّى حركة م23 في الكونغو دعما غربيّا غبر رواندا، البلد الإفريقيّ الذّي يدير مناجم الذّهب والألماس... الواقعة تحت نفوذ الحركة، ويوقّع على اتّفاقيّات مع لندن لنقل لاجئين ومهاجرين من بريطانيا إلى رواندا استعدادا لتوطينهم في الكونغو. ونفهم كذلك كيف أقنعت فرنسا الطوارق في ليبيا بالوقوف معها ضدّ العقيد المرحوم معمر القذافي مقابل إنشاء دولة لهم في مالي تحت مسمّى "دولة أزود"، فزوّدتهم ولا تزال تزوّدهم بالسلاح والمال وكلّ أنواع الدّعم بما فيه مرتزقة وجنود فرنسيّون وأوروبيّون وأفارقة بعضهم من دول مجاورة. وترتّب عن ذلك السيطرة على أراض شاسعة وإجبار دولة مالي على التوقيع على ما يعرف بـ "اتفاقيّة الجزائر"، التي يؤدّي تطبيقها تباعا إلى تقسيم هذا البلد...

إنّ هذه الأمثلة تعبّر عن مدى حضور متصوّر النكبة في إفريقيا باعتباره سيرورة، تقتضي معالجتها تضافر الجهود مع الدول المقاومة لإفشال المخطّطات الرامية إلى الاستعمار الجديد والصهيونيّة والعنصريّة. ويتمّ ذلك عبر مركزيّة القضيّة الفلسطينيّة والاستفادة من النضال الطويل للشّعب الفلسطينيّ المظلوم.

وخلص إلى أنّ النكبة مأساة إنسانيّة لا تنسى. ووعي وجوديّ ينبغي أن يدرَّس. لأنّ التّاريخ أمر مكرّر. والتضامن مع الشّعب الفلسطينيّ تضامن مع كلّ الشعوب المستضعفة. والسكوت على الظلم تشجيع على استمراريّته. وهكذا نفهم أنّ النّكبة سيرورة...        

الأستاذة سمر عبد العظيم:

 ونظرا للقيمة الأدبيّة للنكبة، ودورها في استلهام الشعراء والأدباء العرب والفلسطينيين وغيرهم، ودور الشاعر والأديب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال والاستيطان والتطبيع الثقافي والفكري، تحدثت الباحثة في مركز دراسات أرض فلسطين الأستاذة سمر عبد العظيم عن: " النكبة في أدب غسّان كنفاني" باعتبار أن أدب غسّان أدب مقاوم بامتياز. وقالت: تناول غسان كنفاني نكبة عام 1948 من خلال السرد؛ أي من خلال التخييل في القصة القصيرة والرواية، موظفًا عناصره من حدث، ومكان، وزمان، وشخصيات، ولغة معبرة، جاعلًا من هذا التوظيف هدفا يعبر فيه عن النكبة من زاوية الالتزام بالأدب؛ ليكون أدبًا في خدمة الجماهير يعمل على نشر الوعي بينهم. إذ أنّ حدث النكبة هيمن على فكرة موضوعات السرد من خلال الحدث الذي تناول فيه غسّان الأسباب التي أدت إليها، وهي الهزيمة التي تجلت مظاهرها في اقتطاع جزء من أرض فلسطين، أقام اليهود عليه كيانهم "إسرائيل"، وعليه غدا بعض أهل فلسطين لاجئين بعد أن طردوا من مدنهم وقراهم، عن طريق البر والبحر.

لقد تناول غسان الزمن في سرده من باب الهزيمة موقفًا احتساب الزمن الكوني معتمدًا على زمن النكبة في تحديد المدة التي عاشها ابن فلسطين / اللاجئ بعيدًا عن وطنه في المكان الذي حُدد بالمخيم فيما لم يحتل من وطنه (الضفة الغربية وقطاع غزة).   وقد سمّى غسان المدن التي اِحتُلَّت وطُرد أهلها منها أكثر من تسمية القرى محافظاً على أسمائها من الإمحاء لتبقى في ذاكرة اللاجئين منتقلة من جيل إلى جيل.  كما ذكر أسماء شخصيات تاريخية كان لها الدور الفاعل في أحداث النكبة، وتناول أدوار شخصيات إيجابية وسلبية محاكياً الواقع، وشخصيات الآخر أو العدو؛ وهو المنتدب البريطاني، واليهودي الذي قدم للاستيطان في فلسطين.   ووظف غسان هذه العناصر من باب التخييل المتكي على الواقع التاريخي الذي عاشه ابن فلسطين قبل النكبة وأثناءها وبعدها.

واختتم اللّقاء بتأكيد ضرورة الاستثمار في الفرص التي وفّرها انتصار المقاومة الأخيرة، والاستفادة ممّا وفّرته من أرضية، وما حققته من مكاسب على الصعيدين الفكري والثقافي والإعلامي لصياغة سرديات وأدبيات جديدة لبناء وعي مقاوم وملتزم، وصياغة رؤية استراتيجية شاملة تحصّن المقاومة، وتمكّن من التصدّي بالوسائل المتاحة للتموقع الصهيوني الجديد في المنطقة الذي يحاول -عبر التحالف مع قوى إقليميّة رجعيّة- توظيف في الأحداث الرّاهنة لصالحه. الأمر الذي يقتضي التركيز على التهديدات الحافّة بهذا الانتصار، وتنبيه القوى المقاومة- خاصّة- إلى عدم الانشغال بالتناقصات الداخليّة على حساب التناقض الرئيس مع الكيان الصهيوني، ممّا يفرض انخراطًا مباشرًا في النضال، وتعبئة جماهيريّة، وفتح جبهات جديدة للصراع على كلّ الساحات العربيّة والإسلاميّة، وعلى كل المستويات السياسيّة والجمعياتية والفكريّة والقانونيّة والتربويّة....