• اخر تحديث : 2024-05-03 21:39
news-details
أبحاث

مسار إفلاس الدول: الأسباب والتجليات والانعكاسات (1 من 2)


يكتسي البحث في مسار إفلاس الدول في الظرف الراهن أهمية بالغة نظرًا لتفاقم أزمة الديون السيادية في مناطق عديدة من العالم جرَّاء التداعيات المتراكمة للأزمة المالية الجاثمة على الاقتصاد العالمي والتي ضاعفت من مخاطرها الأزمة الوبائية الكونية والحرب الروسية-الأوكرانية. وقد أدى ذلك بوكالات الترقيم السيادي إلى تخفيض تصنيف عدد من الدول ذات الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الحرجة إلى أدنى درجات السلَّم الائتماني؛ الأمر الذي يضعها على أبواب الإفلاس المالي، سواء أعلنت عنه تلك الدول أو تكتمت عليه إلى حين، بهدف تخفيف تداعيات الإعلان واستتباعاته على أوضاعها الداخلية.

وتزداد الحاجة لتناول هذا الموضوع كونه يمثل أبرز التحديات التي تواجهها مختلف اقتصادات العالم، لاسيما النامي منها في المستقبل المنظور، وذلك من أجل استكشاف مخاطره السيادية من جهة، وللتعرف على السيناريوهات المحتملة لمصير الدول المقبلة على الإفلاس السيادي وتأثيراتها على العلاقات الدولية. يضاف إلى ذلك، أهمية الدور الذي تلعبه المؤسسات المالية وفي مقدمتها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، إلى جانب الأسواق المالية ووكالات الترقيم السيادي في نحت مستقبل الدول المتعثرة عن سداد ديونها.

فماذا يعني إفلاس الدول تحديدًا؟ وما أبرز أسبابه ومقدماته وتجلياته؟ وما تداعياته على الدولة والمجتمع؟ وما المآلات التي يقود إليها، والتجارب المختلفة في معالجة استتباعاته؟ تحاول هذه الورقة الإجابة على هذه الأسئلة، وفي السياق ذاته، تقدم تحليلًا لواقع الدول المُهدَّدة بالإفلاس في العالم.

متى تُصبح الدولة مُفلسة؟

وفق تعريف معهد التمويل الدولي، يعني إفلاس الدولة أو "الإفلاس السيادي" (Sovereign default) أن الدولة أصبحت غير قادرة على الوفاء بديونها ومستحقاتها الخارجية من أقساط وفوائد بشكل عام؛ وهو ما يعني ضمنيًّا عدم قدرتها على الإيفاء بالتزاماتها الداخلية من حيث تسديد نفقات التسيير من أجور ونفقات توريد لحاجياتها الأساسية، خاصة تلك المتعلقة بمستلزمات الأمن الغذائي والأمن الصحي. ويمكن أن يتم ذلك بإعلان رسمي من حكومة تلك الدولة، أو حتى من دون إعلان رسمي من خلال مجرد "التخلف عن السداد". بعبارة أخرى، يعكس الإفلاس السيادي فشل حكومة دولة في سداد دينها بالكامل. وقد يرافق ذلك الفشل إعلان رسمي من قبل الحكومة بعدم السداد أو رفض السداد الجزئي لديونها، أو الوقف الفعلي للدفعات المستحقة. كما يعني الإفلاس، فضلًا عن التخلف عن السداد والعجز عن توفير مستلزمات تسيير الدولة وتمويل ما تستورده من السلع والمواد الأساسية، الفشل في الحصول على أموال من جهات خارجية لتأمين تلك المستحقات. ويعني الإفلاس أخيرًا، اضطرار الدولة المفلسة، في بعض الحالات، لنقل قوتها وقدرتها السيادية إلى جهات عالمية، لتتمكن تلك الجهات من التحكم في الاقتصاد، من أجل تحصيل الديون. وفي حال إعلان الإفلاس دون تمكين الدائنين من التحكم في الاقتصاد، أو عدم الإذعان لتطبيق الشروط اللازمة للتأكد من القدرة على جمع الأصول المالية الخاصة بالدولة، والكافية لسداد ثمن الديون، فإن ذلك يعني أن الدولة ستقع في خطر عدم القدرة على الاستدانة في المستقبل من أي جهة تمويلية نظرًا لتضامن الجهات الدائنة فيما بينها.

أولًا: مقدمات الإفلاس

تسبق حالة الإفلاس الفعلي للدولة مظاهر عامة، وإن كانت تختلف من دولة إلى أخرى. ويمكن إجمال السمات الأساسية لتلك المقدمات فيما يلي:

- استفحال الأزمة المالية، التي غالبًا ما تجتمع مع أزمة سياسية واجتماعية تعكس حالة من عدم الاستقرار السياسي وتفاقم الاحتقان الاجتماعي وضبابية الرؤية للمستقبل.

- ضعف الحكومة القائمة على تسيير شؤون الدولة وحصول تغييرات متكررة فيها بما يؤشر على عجز ملحوظ في إدارة المالية العامة وتأمين مستلزماتها.

- العجز عن توفير الخدمات والمرافق العامة بانتظام كانقطاع الكهرباء والماء وإمدادات الطاقة وشح في المحروقات وغيرها مما يولِّد حالة من الهلع الاجتماعي خوفًا من فقدان تلك الخدمات.

- فقدان، أو اختفاء عدد من المواد الأساسية من أغذية وأدوية، وتفشي الاحتكار فيها، ما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار ولجوء الناس إلى الشراء غير المنظم والاستهلاك غير الرشيد.

- تضاؤل احتياطيات النقد الأجنبي وارتفاع أسعار الصرف وشيوع عمليات سحب الودائع من البنوك، وبالتالي تقلص السيولة.

- لجوء الحكومة إلى طباعة النقود لتغطية العجز بطرق ملتوية مثل إصدار السندات قصيرة الأجل من قبل البنك المركزي وتسييلها لدى البنوك التجارية، ما يستنزف رصيد السيولة البنكية ويؤدي إلى تراجع الاستثمار لغياب التمويل، ويسهم في تغذية معدلات التضخم التي تشهد ارتفاعًا غير مسبوق.

ثانيًا: أسباب الإفلاس

تتعدد العوامل الاقتصادية التي يمكن أن تؤدي إلى انهيار اقتصاد أي دولة، ولكن السياسة النقدية الضعيفة تبقى أهم هذه العوامل المُحدِّدة لمسارات تأزم وضعها المالي. وبشكل عام، هناك أسباب داخلية للإفلاس وأسباب خارجية:

الأسباب الداخلية

عادة ما تكون العلل التي تصيب الاقتصادات الوطنية ناتجة عن عوامل داخلية مباشرة وغير مباشرة، وتتمثل الأسباب الداخلية في:

- تفاقم المديونية والاعتماد الكبير على الاقتراض، ولاسيما الاقتراض الأجنبي حيث يتم يتجاوز السقف المتعارف عليه دوليًّا، أي 60%. فمستويات الدَّين المُرتفعة، رغم أنها ليست دائمًا سمة من سمات الاقتصادات الهشة، يُمكن أن تُسهم في تدني التصنيف الائتماني للبلدان. فقد كانت ديون أربعة بلدان من مجموعة السبع تساوي أكثر من 75% من الناتج المحلي الإجمالي، أما في جامايكا واليونان، فقد تجاوز الدَّين 100% من الناتج المحلي الإجمالي.

- تعطيل تدابير التقشف والتوسع في الإنفاق والترفيع في الميزانية العامة دون مراعاة القدرة على سد الفجوة المالية المترتبة عن تلك السياسة التي يمكن أن تؤدي إلى المزيد من الاعتماد على الجباية لتغطية العجز بما يسهم في ارتفاع معدل الضغط الجبائي وإرهاق الافراد والمؤسسات.

- تضخم كتلة الأجور قياسًا بالناتج الإجمالي بشكل يثقل كاهل الدولة ويعرضها لابتزاز النقابات العمالية والمطالب الاجتماعية المشطة.

- اعتماد سياسة نقدية غير حصيفة تعتمد آليًّا على الترفيع في أسعار الفائدة؛ ما يسهم غالبًا في تغذية التضخم وإعاقة الاستثمار وتفشي الفقر والبطالة.

- الاستمرار في الاقتراض للاستهلاك بدل الاستثمار والإفراط في اللجوء للتمويل الداخلي بما يؤدي إلى شح السيولة ويدفع الحكومة إلى السحب من احتياطيات الدولة من العملة الأجنبية لسداد الديون.

- استفحال المُعضلات الهيكلية التي تنخر النظام الاقتصادي لمدة طويلة وتحول دون تطوره ونهضته من مديونية وعجز في الميزانية وعجز في الميزان التجاري.

- ضعف قدرة الدولة على التحكم في مواردها وثرواتها وفشلها في إدارتها بطريقة رشيدة تحول دون التدخل الأجنبي للسيطرة عليها وتوظيفها لغير صالح الدولة المالك الحقيقي لتلك الثروات.

تخلُّف الإصلاحات الاقتصادية الضرورية مثل تصحيح الاختلالات وترشيد النفقات وحوكمة المنشآت العامة وإصلاح منظومتي الدعم والجباية في اتجاه تقليص معدلات الضغط الجبائي ومحاربة الفساد.

- تخلف الإنتاج وتراجع الإنتاجية بسبب تعطل محركات النمو الأساسية على غرار الاستهلاك والاستثمار والتصدير، وبالتالي تقلص الموارد الذاتية وخصوصًا من العملات الأجنبية.

- الصراعات السياسية وعدم الاستقرار الحكومي؛ إذ غالبًا ما تؤدي الصراعات السياسية الداخلية إلى إضعاف الاقتصاد وخلق حالة من عدم اليقين وزيادة المخاطر. كما أن التغييرات الحكومية المستمرة أو المفاجئة على صعيد النظام السياسي قد تدفع الحكومات الجديدة إلى التشكيك في شرعية الديون السابقة وربما التوقف عن سدادها.

الأسباب الخارجية

- اقتراض الأموال من سوق السندات الدولية، وتكون هذه العملية أكثر تكلفة بكثير بالنسبة إلى البلدان ذات التصنيف الائتماني الضعيف. فالمستثمرون يحتاجون إلى عوائد أكبر على ما يرون أنه استثمارات أكثر خطورة، وبالتالي يفرضون معدلات فائدة أعلى نتيجة لذلك. على سبيل المثال، يبلغ عائد سندات الخزانة الأميركية لمدة 10 سنوات 2.16٪ فقط. على النقيض من ذلك، فإن السندات المماثلة التي أصدرتها جامايكا مؤخرًا تدفع 6.44٪ سنويًّا. وقد وصلت عائدات السندات الحكومي.

- ضعف الاستثمار الأجنبي الذي يُعد أمرًا حيويًّا لأغلب البلدان، لاسيما النامية منها. ولتعزيز اهتمام المستثمرين، تستخدم البلدان الساعية لجلب الاستثمارات الأجنبية إستراتيجيات متعددة. وفي كثير من الأحيان، تصدر تلك البلدان سندات بعملات أخرى أكثر أمانًا لتكون أكثر قدرة على المنافسة في أسواق السندات الدولية، وقد أصدرت دول مثل الأرجنتين وجامايكا وبليز وأوكرانيا سندات بعملات دول أخرى. فعادة ما تكون معدلات التضخم للعملات المشتركة مثل الدولار والين واليورو أقل بكثير وأكثر استقرارًا من عملات البلدان المصدرة للسندات؛ وهذا يعني أن المستثمرين لا يحتاجون إلى القلق بشأن خسارة استثماراتهم لقيمتها.

- تراجع الترقيم السيادي للدولة، فالتصنيف الدوري الذي تجريه وكالات التصنيف العالمية له أهمية كبرى. وإذا تراجعت دولة إلى أدنى درجات السلم مثل الأخيرة أو ما قبلها فإن ذلك يحول دون الوصول إلى مصادر التمويل الدولية.

- منهج الإقراض غير الحكيم وغير المنتج، فإذا اتجه الإقراض للمشروعات غير المنتجة مثل المشروعات الخدمية غير ذات العائد وأفرطت الدولة في هذه السياسة فإن من شأن أن ذلك يسرِّع الوقوع في التعثر والتخلف عن السداد على غرار ما حدث في معظم دول أميركا الجنوبية التي وقعت في الإفلاس السيادي والبعض منها عدة مرات.

- تأثير الظروف الاقتصادية العالمية، فالركود العالمي وما يصحبه من تراجع في النمو ينعكس بالضرورة سلبًا على اقتصادات البلدان المتعثرة ماليًّا. فعلى صعيد الصادرات ينخفض التصدير نحو الأسواق الخارجية، وعلى صعيد الواردات تضطرب سلاسل التوريد وترتفع نسب التضخم.

- تداعيات الحروب بين الدول المُصدِّرة للمواد الأساسية، على غرار ما حدث في الحرب الروسية-الأوكرانية؛ حيث تفاقمت أزمة الاحتياجات من السلع الزراعية وفي مقدمتها الحبوب. وقد تجلت تلك التداعيات بوضوح على اقتصادات البلدان المستوردة لتلك السلع، وهي في أغلبها بلدان نامية مهددة بالإفلاس أو تعاني من أزمات مالية مثل مصر وباكستان وتونس وإثيوبيا والسلفادور وغانا والسودان وسوريا والأردن.

ثالثًا: "حلقة الموت" أو طريق الإفلاس

تصف حلقة "الموت" أو "حلقة العذاب" أو "الدوم لوب" (Doom Loop) الوضعية التي يؤدي فيها أحد الإجراءات أو العوامل السلبية إلى تشغيل عامل سلبي آخر، والذي بدوره يؤدي إلى تشغيل عامل سلبي آخر أو يتسبب في تفاقم العامل السلبي الأول. وتتواصل الدورة السلبية باستمرار في حلقة مُفرغة يصبح فيها الاتجاه التنازلي معززًا ذاتيًّا. تنطبق وضعية "حلقة الموت" بدقة على أزمة الديون اليونانية في عام 2009، حيث كشفت الحكومة اليونانية الجديدة أن الحكومات السابقة قد أخطأت في الإبلاغ عن المعلومات المالية الوطنية. وفي عام 2010، كشفت الحكومة عن عجز في الميزانية بمستويات صادمة، كانت أسوأ بكثير مما كان متوقعًا؛ فقد تجاوزت نسبة العجز في تقديرات أولية 12% من الناتج المحلي الإجمالي، ثم وقع تعديلها لاحقًا لتصل إلى 15.4%. وبالتالي ارتفعت تكاليف الاقتراض في اليونان وخفضت وكالات التصنيف الائتماني الديون الحكومية للبلاد إلى مرتبة عالية المخاطر.

وقد أدى الكشف عن عجز أعلى من المتوقع إلى انحسار ثقة المستثمرين وانتشار الخوف بشأن مستويات الديون المرتفعة في بلدان منطقة اليورو الأخرى. وتباينت ردود فعل الجهات المالية المختصة حول خطط الاستجابة المالية العاجلة والآجلة. ومع انتشار المخاوف بشأن الديون السيادية في منطقة اليورو أصبح المقرضون يطالبون بمعدلات فائدة أعلى على الديون السيادية لأية دولة في الاتحاد الأوروبي، خاصة منها ذات الأسس الاقتصادية الضعيفة؛ ما زاد من صعوبة توفير الموارد اللازمة لتمويل عجز ميزانياتها. وقد حدا هذا الوضع ببعض الدول إلى الزيادة في الضرائب وخفض الإنفاق؛ ما أدى إلى تباطؤ اقتصاداتها المحلية.

تبعًا لذلك، شهد العديد من البلدان، بما في ذلك اليونان وأيرلندا والبرتغال، تخفيضًا في تصنيف ديونها السيادية من قبل وكالات التصنيف الائتماني الدولية؛ ما أدى إلى تضاعف مخاوف المستثمرين الذين سارعوا إلى بيع سنداتهم التي تمتلكها البنوك المحلية. ومع انخفاض قيم السندات، أصبحت البنوك المحلية تعاني من خسائر فادحة، وعانت الموارد المالية الحكومية من الضغط المتزايد بسبب التهديد بخطة إنقاذ البنوك المحتملة؛ ما جعل ديونها أكثر خطورة وخلق المزيد من الخسائر لتلك البنوك. ومن أجل كسر "حلقة الموت" التي انتشرت بالفعل وخلقت أزمة الديون السيادية الأوروبية، في أواخر عام 2010، صوَّت البرلمان الأوروبي لإنشاء "النظام الأوروبي للرقابة المالية" الذي أوكلت له مهمة الإشراف المالي المتسق والمناسب في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي. وفي السياق ذاته، تلقت اليونان العديد من عمليات الإنقاذ من كل من البنك المركزي الأوروبي (ECB) وصندوق النقد الدولي (IMF) خلال السنوات التالية مقابل إجراءات التقشف التي خفضت الإنفاق العام ورفعت الضرائب.

من خلال ما تقدم، يتبين أن كسر "حلقة الموت" يكون عادةً من خلال التدخل الخارجي لتوفير التمويل لوقف الدورة، مصحوبًا بإجراءات أخرى لاستعادة الصحة المالية الوطنية.

رابعًا: تجليات الإفلاس

يتجلى الإفلاس السيادي للدول، سواء باعتباره مسارًا له مقدماته وأسبابه وعوامله التي تقود إلى الإعلان عنه من خلال التخلف عن السداد أو رفضه بشكل مطلق، أو باعتباره حالة زمنية محددة تفصح فيه الدولة المفلسة عن ذلك، في جملة من المظاهر والعلامات التي ترتبط من حيث المضمون بالمقدمات والأسباب، بل هي نتيجة لها. ويمكن حصر تلك التجليات في النقاط التالية:

- عجز الدولة عن تغطية احتياجاتها التمويلية من نفقات تشغيل وخدمة الدين لمدة محدودة تقدر عمومًا بستة أشهر لدفع رواتب موظفيها وتشغيل مصانعها وغير ذلك من الخدمات العامة.

- تكرر حالة التعثر عن سداد الديون، وهو ما يعبَّر عنه اقتصاديًّا بـ"كرة ثلج الديون"، أي إنه كلما زاد التعثر والتخلف عن السداد زادت خدمة الدين وارتفعت نسبة الفائدة على الديون التي ستحصل عليها. ومن شأن ذلك الزيادة في حجم المديونية، وهكذا إلى أن تصل الدولة إلى مرحلة لا تستطيع فيها سداد تلك الفوائد.

- غياب مصادر التمويل الخارجية، وفي حال وجودها يكون الإقراض بشروط مجحفة للغاية بسبب تدني الترقيم السيادي الناتج عن تخفيضات متتالية. في هذه الحال، لا تحظى الدولة بأية جدارة ائتمانية في الأسواق المالية.

- ارتفاع حاد في أسعار المواد الأساسية، وتحديدًا الغذائية، وتراكم الضغوط الاقتصادية الأخرى الناجمة عن التضخم بصورة لا تتناسب مع القدرة الشرائية لفئات واسعة من الناس.

- اللجوء المتكرر إلى الترفيع في الأداءات الجبائية وتوسيعها بشكل يؤدي إلى ارتفاع معدل الضغط الجبائي بشكل يرهق كاهل المطالبين بالأداء.

- اضطرار الدولة إلى إعلان حالة التقشف ليس بغرض التنمية ولكن من أجل سداد الديون الخارجية.

- ارتفاع نسق الاحتقان السياسي والاجتماعي بما يهدد حالة الاستقرار ويدفع البلاد نحو أزمة اقتصادية حادة، مدفوعة بجملة من العوامل الداخلية والخارجية، تعبِّر عنها المؤشرات الاقتصادية السلبية.

باختصار، يحدث إفلاس الدول عندما تجتمع عدة أزمات مع بعضها البعض، وهي: عجز الدولة عن سداد أقساط قروضها لعدم توافر الأموال، وعجزها عن سداد قيمة وارداتها من السلع والخدمات، والعجز عن دفع رواتب الموظفين، والعجز عن السيطرة على العملة المحلية وفقدان الاحتياطيات الأجنبية الضرورية.

خامسًا: تداعيات الإفلاس

لا شك أن التكتم على الإفلاس وتأجيل إعلانه يمكِّن الدولة من تقسيط تأثير التداعيات الداخلية على الأفراد والمؤسسات، ولكنه لا يقدم حلًّا للأزمة ولا يحول دون التداعيات الخارجية على صعيد الأسواق الدولية ووكالات التصنيف الائتماني والمستثمرين. فمن التداعيات الداخلية السريعة لحالة الإفلاس حدوث رجَّة قوية في النظام الاقتصادي من شأنها أن تدفع إلى حركة واسعة لسحب الأموال من البنوك تحوطًا من قبل المودعين من انهيار النظام البنكي، وهو ما حدث، على سبيل المثال، في حالتي اليونان ولبنان وقبل ذلك الأرجنتين. يلي ذلك تدهور سريع لسعر صرف العملة المحلية مع ارتفاع معدلات التضخم وغلاء الأسعار. في هذه الحال، يلجأ أصحاب الأموال المسحوبة إلى ملاذات خارجية أكثر أمانًا. ومن أجل وقف تدهور قيمة العملة والحد من سحوبات الأموال، تلجأ الحكومة المتعثرة في سداد ديونها إلى إغلاق بعض البنوك وفرض قيود على حركة رؤوس الأموال. ومن التداعيات الداخلية كذلك، عجز الدولة عن دفع أجور الموظفين وسداد تكاليف شحن السلع المستوردة من الخارج؛ الأمر الذي يؤثر بشكل كبير على المواطن وعلى قدرته الشرائية.

أما على الصعيد الخارجي فتنعكس الرجة الاقتصادية على مستوى الأسواق المالية الدولية التي تلجأ بالضرورة إلى فرض إجراءات سريعة للتخلص من سندات الدولة المفلسة التي تشهد انهيارًا في قيمتها. يعقب ذلك مفاوضات بين الدولة المفلسة والجهات الدائنة بغرض التوصل إلى إعادة جدولة لديونها بشروط عادة ما تكون مكلفة. فالدولة المفلسة تبحث عن سبل لإنقاذ اقتصادها بأي ثمن كان. ومن التداعيات الخارجية أيضًا، ونتيجة للتعثر في سداد الديون، تصدر وكالات التصنيف الائتماني تحذيرات بشأن الاستثمار في الدولة المفلسة، ما يزيد من صعوبة الاقتراض من جديد.

عندما تفلس دولة وتتخلف عن سداد قروضها، قد تحاول البنوك المركزية جذب مستثمرين أجانب إضافيين من خلال رفع أسعار الفائدة على سندات الدولة. فعلى سبيل المثال، رفع البنك المركزي الأيسلندي سعر الفائدة الأساسي إلى 18% في عام 2008، بينما عرضت فنزويلا فائدة بنسبة 20% على أمل بيع سنداتها. وتؤثر مثل هذه الارتفاعات الكبيرة في أسعار الفائدة سلبًا على التصنيفات الائتمانية للبلدان نفسها، وغالبًا ما تؤدي إلى شطب المقرضين القروض التي لم تعد الدول قادرة على سدادها.

عندما يصل بلد ما إلى مرحلة الإفلاس، فإن التضخم الهائل هو النتيجة المحتملة للمستهلكين والشركات. فغالبًا ما تنخفض أسعار الأسهم وتنهار قيمة العملة الوطنية. وفي بعض الحالات، يمكن أن تحدث اضطرابات اجتماعية، على غرار ما حدث في الأرجنتين، عام 2001، حين قام السكان الغاضبون بأعمال شغب ونهبوا محلات التسوق، أو ما وقع في أيسلندا عام 2008، حيث اضطر رئيس البنك المركزي للاستقالة بعد أزمة كلفت الآلاف من الأيسلنديين وظائفهم ومدخراتهم المالية. لقد تسبب انهيار البنوك الأيسلندية في فقد 50.000 شخص مدخراتهم، وأصبح 25% من مالكي المنازل في حالة تخلف عن سداد الرهن العقاري، ووجد المواطنون أنفسهم أمام إجبارية إعادة تقييم مزايا الإنفاق الباذخ والاقتراض والاستهلاك والمضاربة.