على الرغم من أن التحركات الأخيرة للولايات المتحدة – ومنها دعمها فكرة إنشاء شبكة نقل بين الشرق الأوسط والهند لمواجهة الصين – تعبر عن جدية واشنطن في تعزيز انخراطها مجدداً في الشرق الأوسط، إلا أن هناك العديد من التحديات التي تعترض هذا المسعى، وعلى رأسها تآكل نفوذ واشنطن في المنطقة على المستويات المختلفة خلال السنوات الأخيرة، بشكل دفع دول المنطقة إلى البحث عن حلول وشركاء آخرين. وفي هذا الإطار، نشر موقع “نيكاي آسيا”، تقريراً بعنوان “تتطلع الولايات المتحدة إلى إنشاء شبكة نقل بين الشرق الأوسط والهند لمواجهة الصين”.
عراقيل مُكبلة
تطرق التقرير إلى بعض الجهود التي بذلتها واشنطن لتعزيز حضورها في الشرق الأوسط، والتحديات التي تعترض هذه المساعي، ويمكن استعراض أبرز ما جاء فيه على النحو التالي:
1– تطلع واشنطن إلى إنشاء شبكة نقل تربط الشرق الأوسط بالهند: أوضح التقرير أن الولايات المتحدة تُجري محادثات مع المملكة العربية السعودية والهند والإمارات، حول مشروع ضخم للبنية التحتية للنقل، في الوقت الذي تكثف فيه واشنطن مساعيها لمواجهة نفوذ الصين في الشرق الأوسط. ووفقاً للتقرير، سيشمل المشروع شبكة من السكك الحديدية بين دول الخليج العربي والدول العربية، سيتم ربطها بالهند، عبر ممرات ملاحية من موانئ في المنطقة.
وبحسب التقرير، ناقش هذا الأمرَ وليُّ العهد السعودي الأمير “محمد بن سلمان”، ومستشار الأمن القومي الأمريكي “جيك سوليفان”، وسمو الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان مستشار الأمن الوطني في الدولة، ومستشار الأمن القومي الهندي “آجيت دوفال” في جدة يوم 7 مايو الجاري. وجاء في بيان صادر عن البيت الأبيض أن “الاجتماع يهدف إلى تعزيز رؤية مشتركة لمنطقة شرق أوسط أكثر أمناً وازدهاراً، ومترابطة بالهند والعالم”.
2– سعي واشنطن إلى تعزيز وجودها في الشرق الأوسط عبر “I2U2“: طبقاً للتقرير، طُرحت فكرة المشروع لأول مرة داخل مجموعة “I2U2″، وهي مجموعة للتعاون الاقتصادي الحكومي الدولي تأسست عام 2021، تضم كلاً من الهند وإسرائيل والإمارات والولايات المتحدة؛ لمناقشة مشاريع البنية التحتية في الشرق الأوسط. ونوه التقرير أنه تم جلب المملكة العربية السعودية إلى المناقشات في الآونة الأخيرة.
ووفقاً للتقرير، يتمثل الهدف الأساسي لـ”I2U2″ – حسبما أشار “سوليفان”، في كلمة ألقاها يوم 4 مايو الجاري – في ربط جنوب آسيا بالشرق الأوسط وبالولايات المتحدة، بطرق تعزز الاقتصاد والدبلوماسية الأمريكية. ولفت التقرير إلى أنه تم إنشاء “I2U2” أيضاً لمواجهة التحديات التي تشمل المياه والطاقة والنقل والفضاء والصحة والأمن الغذائي. وأكد التقرير أن معهد الولايات المتحدة للسلام شبَّه “I2U2” بالمجموعة الأمنية الرباعية التي تضم الولايات المتحدة والهند واليابان وأستراليا “كواد”.
3– حرص واشنطن على بلورة إيران باعتبارها تهديداً مشتركاً لدول المنطقة: شدد التقرير على أن دعم تطوير البنية التحتية يعد جزءاً من استراتيجية واشنطن للشرق الأوسط؛ حيث تسعى إلى بلورة إيران باعتبارها تهديداً مشتركاً، وتعزيز التعاون بين إسرائيل والدول العربية، وهو أمر تعوقه القضية الفلسطينية. وأشار التقرير إلى أن تحرك السعودية في يوليو عام 2022، بفتح مجالها الجوي أمام جميع الطائرات المدنية – بما في ذلك الطائرات الإسرائيلية، التي كانت محظورة في السابق – جاء متماشياً مع هذه الجهود.
4– تآكل تدريجي لنفوذ الولايات المتحدة بمنطقة الشرق الأوسط: وفقاً للتقرير، فإن الاتفاق الأخير لتطبيع العلاقات بين السعودية وإيران أثَّر سلباً على مساعي واشنطن لعزل طهران، وإقامة علاقات دبلوماسية رسمية بين السعودية وإسرائيل. علاوةً على ذلك، تُشكِّل العلاقة المتوترة بين الرئيس الأمريكي “جو بايدن”، ورئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو”، عقبة أيضاً، كما يضيف تآكل النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط، مزيداً من دواعي القلق.
5– نجاح بكين في توثيق علاقاتها بالدول الرئيسية في المنطقة: أضاف التقرير أن الصين توسطت في المحادثات بين إيران والسعودية، في مارس الماضي، مع استبعاد واشنطن من تلك المحادثات. ونوه التقرير بأن الرياض وبكين تعملان معاً بشكل أوثق لتعزيز التعاون عبر مبادرة الصين للبنية التحتية للحزام والطريق، وأيضاً الشراكة في رؤية 2030. ووفقاً للتقرير، ولعل حقيقة أن الصين تستورد 70% أو نحو ذلك من النفط السعودي، يمهد الطريق لعلاقة تبعية متبادلة.
وختاماً، أكد التقرير أن بكين تعتبر الرياض مصدراً مهماً لإمدادات الطاقة المستقرة التي تحتاجها نيودلهي لدعم النمو الاقتصادي، بينما تقدم الصين للمملكة سوقاً ثابتةً للتصدير. وشدد التقرير على أن الشرق الأوسط يحمل من ناحية أخرى قيمة أقل للولايات المتحدة؛ نتيجة استقلال الطاقة الناتج عن طفرة النفط الصخري، وفق ما ذكر التقرير.