• اخر تحديث : 2024-12-23 03:31

أولاً: المقدمة:

يقال أن المعارك يُعرف متى وكيف تبدأ؛ ولا يعرف – بالعادة – متى وكيف ستنتهي، فما يمكن أن يخطط له ضابط العمليات من حيث زمان ومكان وكيفية بدء المعارك؛ يمكن أن يضبطه بناء على جدول أعماله، ولكن تبقى الكيفية والزمن الذي تنتهي فيه هذه المعارك، فقد يضع ضابط العمليات زماناً ومكاناً وكيفية معينة لانتهاء معاركه.

ولكنه يُفاجأ بعد ذلك أنه لا يستطيع أن يضبط هذه الكيفية وذاك الزمان ليوافق ما خُطط على الورق والخرائط، بما هو واقعٌ بالفعل في ميدان المعركة، الأمر الذي يدفع ضباط العمليات للتفكير بالشكل والآلية والزمان الذي يجب أن تتوقف فيه المعارك والاشتباكات قبل بدء معاركهم، وهو ما يعرف “بقطع التماس” مع العدو.

إن هذه الورقة تأتي في سياق تعريف هذا المصطلح، وكيف يمكن تطبيقه في حالات عمليات المقاومة التي تقوم بها قواها في الضفة الغربية بشكل خاص، كوننا نرى المجاهدين أو المقاومين في الداخل لديهم مشكلة في تحقيق قطع التماس مع العدو، الأمر الذي يجعله – العدو – يتمكن منهم ولو بعد حين، فيوقعهم في كمائنه أو يصطادهم في غاراته. إذا فهدف هذه الورقة تقديم ما يمكن أن يفيد في فهم الموقف –قطع التماس– وكيف يمكن أن يُحقق في ساحة عمليات؛ أقل ما يقال عنها إنها من أعقد ساحات العمل، حيث يسيطر العدو بذاته أو بأدواته على أرضها وسمائها بشكل يكاد يكون الإفلات من مراقبته وتعقبه أمراً يرقى إلى درجة المستحيل!!

ثانياً: تعريف المصطلح والمفهوم:

نبدأ بتعريف المصطلح، فالفهم يساعد على التطبيق، والإسقاط على الواقع. إن “قطع التماس” هو حالة قتالية يتم فيها الانفصال عن العدو والابتعاد عن ناره ونظره ووسائل ووسائط سيطرته الأرضية والجوية، بحيث يتم المحافظة على الذات والقدرات، فلا يصل لها العدو بأدوات فعله – المباشرة وغير المباشرة – فيُلحق بها خسائر وأضرارا غير مرغوب بها، أو غير ممكنة الاحتمال. هذا التعريف المختصر هو أقل ما يمكن أن يقال عن هذا الموقف القتالي في هذه العجالة من الوقت. وحتى تكتمل الصورة؛ سنتحدث في العنوان التالي وبشكل مقتضب عن مكان “قطع التماس” في مراحل العمليات القتالية.

ثالثاً: مكانه في العمليات العسكرية:

إن العمليات العسكرية النظامية، وإلى حد كبير عمليات العصابات، تمر بمراحل خمسة، تنتقل فيها القوات من إجراء إلى آخر، وصولاً إلى تحقيق الأهداف المرجوة، وإتمام المهام المُحولة لها من قبل قيادتها، هذه المراحل هي:

التقدم لأخذ التّماس:

إن أول مرحلة من مراحل أي عملية عسكرية هي: ما يعرف بالتقدم لأخذ التماس مع العدو، فتتقدم القوات؛ نظامية كانت أو مجاميع عصابات، باتجاه عدوها من منطقة انطلاقها -حارة، بيت آمن، بناية في حي، معسكر خارج المدينة- حتى تصل إلى مشارف منطقة العمليات التي تريد أن تشتبك فيها مع عدوها، فتكمن له محققة معه تماساً بالنظر العادي أو المسلح، بحيث تستطيع معه جمع أكثر ما يمكن من المعلومات التي تساعد في تحسين موقفها القتالي، بهدف إنجاز المهمة في أسرع مدة زمنية وبأقل خسائر بشرية ومادية.

الاستطلاع القتالي:

المرحلة الثانية من مراحل العمل القتالي هي: مرحلة الاستطلاع القتالي، وهي عملية قتالية لا تقوم بها بالعادة إلّا القوات النظامية، بحيث تحتك بعدوها في عمل تعرضي الهدف منه كشف الاستعداد القتالي -البشري والمادي- للعدو، وانتشار قواته، وشكل رد فعله في مواجهة أي عمل هجومي يمكن أن يتعرض له هذا العدو، وفي هذه المرحلة من القتال لا تخوض القوات المُستطلِعة بالنار، لا تخوض قتالاً حاسماً مع عدوها، إنما (تتحركش) فيه لتحقيق ما قلناه سابقاً من أهداف.

وهنا نلفت الانتباه إلى أن قوات العصابات ومجاميع المقاومة يمكن أن تقوم بمثل هذا العمليات للتعرف على قدرات عدوها وشكل انتشاره ومناورة قتاله، ولكن يجب على القوات العاملة في هذه المرحلة أن تعرف متى تقطع التماس مع عدوها، والمستوى المطلوب من الإجراءات التي ستنفذها بحيث لا تجر عليها رد فعل يجبرها على خوض قتال حاسم مع عدوها في ظروف قتالية هي أضعف ما تكون فيه.

الهجوم المنظم:

تلي عملية الاستطلاع القتالي، عملية الهجوم المنظم على العدو المنتشر أو المتموضع أمامنا؛ فبعد جمع المعلومات الأولية عنه، ثم الاحتكاك به لكشف قدراته واستعداده وطبيعة إجراءاته الدفاعية؛ يمكن مهاجمته في نقاط ضعفه، وإلحاق خسائر بشرية ومادية فيه، وتحقيق موقف قتالي متفوق عليه، بحيث يتم تحقيق الهدف الرئيسي من المهمة القتالية المُحولة للمجموعة القتالية المشتبكة مع العدو، بمعنى أن الهجوم المنظم هو الإجراء الرئيسي الذي يتم فيه إنجاز المهمة وتحقيق الأهداف.

المطاردة:

بعد إنجاز المهمة – احتلال أو تحرير – عبر الهجوم المنظم الذي يلي التقدم لأخذ التماس والاستطلاع القتالي، وبعد دفع العدو للاشتباك معنا في موقف قتالي غير مناسب له، وبعد احتلال مواقعه أو تحرير ما نريد تحريره من أرض أو مقرات، وبعد وقوع العدو في حالة من الاضطراب ورد الفعل غير المنظم، بعد كل هذه المواقف القتالية؛ يُترك للعدو فُرجة ومتنفساً ليخرج منه باتجاه عقبته الآمنة، حيث أن حصاره قد يدفعه إلى قتال المستميت، فلا نحقق أهدافنا ولا نصل إلى غاياتنا إلّا بخسائر بشرية ومادية عالية، وغير محتملة.

وعند خروج العدو وفراره من ساحة القتال، تتبعه القوات المهاجمة في عملية مطاردة حذرة لتلحق به أكبر خسار ممكنة قبل وصوله إلى مكان يتحصن أو يعيد تنظيم نفسه فيه استعداداً لهجوم معاكس على القوات المهاجمة.

استثمار النصر:

وبعد انتهاء عمليات المطاردة، وإعادة القوات المهاجمة لتنظيم نفسها، وتعويض ما خسرته من قدرات وإمكانيات بشرية ومادية، يمكن أن تقوم هذه القوات بعمليات استثمار لنصرها الذي حققته، من خلال مهاجمة بعض الأهداف الأخرى التي تساعد على تحسين موقفها القتالي الحالي، أو تمكنها من استئناف مناورتها القتالية المستقبلية انطلاقاً من موقف قتالي أنسب لها من عدوها.

في هذه المراحل القتالية الخمس؛ هناك إمكانية لقطع التماس مع العدو تفرضها تطورات الموقف الميدانية؛ المهم أن يعرف المقاتل أو القائد متى؟ وكيف؟ يقطع تماسه مع العدو

حيث أن معرفة التوقيت الصحيح لقطع التماس تكاد تكون أكثر أهمية من قرار القيام بالعملية أو شن الهجوم؛ فالهجوم على العدو إنما يتم بناءً على “تقدير معلومات” يفترض أن يكون أقرب ما يكون إلى الصحة، ولكن عندما تشتبك القوات، وتلتحم الأدوات، يتحول الموقف من “أمر تقدير” إلى “واقع عيان”، عندها يجب على القائد أن يقرر؛ أيقدم؟ أم يحجم؟ وهنا يأتي إجراء قطع التماس كضرورة عملياتية وتعبوية لا بد من تنفيذها، طلباً لتحسين الموقف، أو تقليلاً لخسائر يمكن أن تقع.

رابعاً: أهمية قطع التماس:

إن أهمية قطع التماس مع العدو تبرز كإجراء تعبوي يتوخى منه القائد أو المقاتل تحقيق مجموعة من الأهداف، من أهمها:

المحافظة على الذات:

حيث إن العمليات العسكرية إنما تخاض بناء على “تقدير موقف عملياتي” منبثق عن “تقدير موقف معلوماتي” الأمر الذي يعني أن هذه المقدمات إنما هي من التقديرات، وليست من (الآيات) المحكمات، وعليه فقد تكون صواباً؛ وقد تحمل في طياتها الأخطاء والمبالغات، لذلك عندما تُفتح النار، ويتحقق التماس مع العدو؛ (يذوب الثلج ويظهر المرج)، ويتبين سمين التقدير من غثه، فإن كان -التقدير- محكم المعلومات، دقيق المعطيات؛ يتحقق النصر، وتنال النجاحات؛ وإن كان هذا التقدير قد بني على الأماني؛ فقد يحمل في طياته خسائر وتضحيات.

لذلك يجب على القائد أن يقطع تماسه مع العدو، وينسحب أو ينحاز إلى فئة أخرى، طلباً للحفاظ على الذات وعدم هدر القدرات، إلى حين توفر فرص أفضل، وموقف قتالي أصلب، فيحمل على عدوه، محققاً لأهدافه ومتماً لمهماته.

تنظيم القوات:

ومن الأهداف التي تدفع القائد لقطع التماس مع عدوه؛ إعادة تنظيم قواته، وترتيب صفوفه، تمهيداً لعمل معاكس، يشن فيه هجوماً على عدوه، فيوقع فيه الخسائر، ويجبي منه الأثمان، وتنظيم الصفوف للكرّ على العدو من أهم متطلبات نجاحه قطع التماس مع العدو، بحيث تخرج قواتنا من مربع سيطرة العدو البصرية والنارية، إلى رحابة إعادة التنظيم والاستعداد للكرّ بعد الفرّ.

الهجوم المعاكس:

أن أول إجراء يقوم به القائد عند تعرض قواته للهجوم المباغت من العدو هو: امتصاص ضربته الأولى، وتشتيت طاقتها، ثم يعيد القائد تنظيم صفوفه لهجوم معاكس على العدو، يستعيد فيه ما خسر من مواقع، ويجهز فيه على قدرات العدو التي تكون في طور التموضع والاستحكام، لذلك فالهجوم المعاكس على العدو؛ يتطلب قبله قطع تماسٍ معه، لتنظيم الصفوف وتعويض الخسائر، ووضع الخطط والإجراءات لمثل هذه المناورات.

خامساً: كيفية قطع التماس:

وحتى يحقق القائد أو الجندي قطع تماس مع عدوه بأقل الخسائر، تمهيداً لإعادة الحملة والكر عليه؛ لا بد من القيام ببعض الإجراءات التعبوية، والتي من أهمها:

غزارة النار:

صب نار، وفتح فوهات لهب من مختلف الأعيرة والمديات على مواقع العدو، ومنصات ناره الأرضية، بحيث لا يقدر على رفع رأسه وتحديد طبيعة وكيفية ومكان حركة القوات أثناء قطع التماس معه.

إن إجراء “هانبعل” المعادي والذي يستخدم فيه العدو ما يملك من مصادر نار؛ إنما هو إجراء يتوخى منه العدو منع عدوه من قطع التماس معه وتحقيق التماس مع عقبته – عقبة المهاجم -، فترى العدو يفتح ما يملك من فوهات نار على منطقة العمليات من أجل تحقيق هذا الهدف، وعليه فإن أردنا أن نقطع التماس مع عدو؛ لا بد من تسليط ما نملك من فوهات نار عليه، ثم الانسحاب وقطع التماس تحت غطاء ناري كثيف لا يتمكن معه العدو من معرفة سلوكنا وطبيعة حركتنا.

ضرب التنظيم القتالي للعدو:

ومن الإجراءات التي يجب العمل عليها من أجل قطع تماس ناجح مع العدو، محاولة ضرب التنظيم القتالي له؛ فبقاء التنظيم القتالي للعدو على ما هو عليه كفيل بإفشال حركات قطع التماس والانسحاب من منطقة العمليات، وكإجراء عملي لتحقيق هذا الهدف -ضرب التنظيم القتالي- فبالإضافة إلى صب النار للمنع من المتابعة والإشراف على مناورة الانسحاب؛ يمكن أيضاً القيام بحركات ومناورات تشتت انتباه العدو، فتنسحب القوات أو المجموعات عبر أكثر من ممر أو محور أو معبر، كما أن شن هجوم الهائي على قوات العدو بحيث يتم اشغاله فيه ريثما تنسحب قوات الهجوم الرئيسية وتقطع التماس معه، مثل هذا الإجراء يمكن أن يفيد في ضرب تنظيم العدو القتالي.

الانسحاب المنظم:

ومن أهم إجراءات قطع التماس؛ ما يتم التوافق عليه أثناء التخطيط للعمليات من حركات تراجعية أو انسحابات منظمة، بحيث يُوضح للقوات المشاركة في العملية أو المناورة ما هي الإجراءات التي سيتم القيام بها لقطع التماس، وأين ستنسحب القوات أثناء الحركات التراجعية، في صورة لا يعرف معها العدو المحاور والممرات والمسارات الموصلة إلى عقبة القوات أثناء التراجع، فتنسحب القوات انسحاباً منظماً مسيطراً عليه، وليس عشوائياً، يضر حيث أريد منه أن ينفع.

الخروج خارج مديات أسلحة العدو وسيطرته النارية والبصرية:

الإجراء الأخير الذي يفضي إلى قطع التماس مع العدو، هو الخروج خارج المديات القاتلة لأسلحته، وصنوف قواته، وهنا تجب الإشارة إلى أنه في ظل تطور وسائل القتال، وطرق الرصد والتعقب والمتابعة؛ لا يكفي أن نخرج خارج مدى أسلحة العدو وناره المدمرة؛ بل يجب أن نخرج خارج مدى سيطرته البصرية، وعدم البقاء على شاشات راداراته -البرية والجوية- فبقاؤنا ضمن مدى وسيطرة أجهزة الرقابة هذه يعني بقاء تماس عدونا معنا، وتوفر إمكانية إعادة تنظيم قواته وصب ناره علينا أثناء الحركة التراجعية، لذلك فقطع التماس مع العدو يتطلب قطع التماس مع ناره ونظره -المسلح وغير المسلح-، وأجهزة تتبعه ورقابته الفنية الإلكترونية.

سادساً: قطع التماس بعد عمليات المقاومة:

نختم هذه الورقة بما يمكن أن يساعد في عمليات “قطع تماس” مجاميع المقاومة التي تشن هجماتها وغاراتها على العدو، فهذه القوات مختلطة بعدوها اختلاط الشحم باللحم، إلى درجة تكاد تكون معها عملية “قطع التماس” من أهم وأخطر مراحل أي عمل عسكري ضد هذا العدو، وهنا نتحدث بشكل خاص عن أفراد ومجموعات المقاومة في الضفة الغربية، والتي عليها إن أرادت أن تقطع تماسها مع عدوها استعداداً لضربه مرة ثانية، عليها القيام بمجموعة من الإجراءات والتي من أهمها:

الخروج من ساحة العمليات:

إن أول الإجراءات هو الخروج من ساحة العمليات التي تمت فيها العملية، أو تم فيها ضرب العدو والتعرض له، فالقدرات التي تشن بها مجاميع المقاومة هجومها على عدوها لا تمكنها من خوض اشتباكات حاسمة معه، أو البقاء إلى حين تعبئة العدو لقدراته لشن هجوم معاكس على من هاجمه.

وهنا لا بد من التفكير جيداً بطرق الخروج وممرات الانسحاب ومسارات التراجع وزمن استجابة العدو ورد فعله على التعرض له.

عدم التوجه مباشرة إلى العقبة الخلفية (المكان الآمن):

ومن الأمور المهمة أثناء “قطع التماس مع العدو” عدم التوجه بشكل مباشر إلى المكان الآمن الذي ستأوي له المجموعة المهاجمة، لذلك لا بد من التفكير في إيجاد محطات آمنة يستقر فيها المقاومون بشكل مؤقت إلى حين وصولهم إلى المكان الآمن المعد والمجهز لاستقبالهم لمدد طويلة. وهذه الأماكن المؤقتة يجب أن تجهز إدارياً بما يعين على استمرار الحياة، وقتالياً بما يساعد على التصدي لأي هجوم معادٍ غير متوقع.

تهيئة الظروف الإدارية:

إن أكثر ما يمنع من “قطع التماس” مع العدو بعد الاشتباك معه والتعرض له؛ تواجد المقاومين في أماكن آمنة غير مجهزة إدارياً، مما يضطرهم إلى التحرك بذاتهم أو عبر وسطاء لتأمين متطلبات الحياة اليومية، الأمر الذي يلفت انتباه المحيط الذي يستقرون فيه أو البيئة التي لجأوا لها، لذلك، فإن تجهيز الأماكن الآمنة بما يديم الحياة ويسهل -بشكل معقول- من المكوث والسكون، وتقليل الحركة بأقل درجاتها، مثل هذه التجهيزات من الأمور التي تساعد وبشكل كبير على “قطع التماس” مع العدو وعملائه ومصادر معلوماته التي تنشط في البحث عما يدل على مكان التواجد والاختفاء.

الابتعاد عن المتابعة الإعلامية:

من الأمور التي ينشط العدو في متابعتها بعد كل عملية؛ رصد وسائل الإعلام، ومنصات التواصل الاجتماعي، والبحث عن أكبر نشاط إلكتروني بحثي يتتبع أثر ما تم من عمليات أو شُن من هجومات، مكوناً بذلك (رأس جسر) معلوماتي، وبداية خيط يوصله إلى جغرافيا معينة ينشط فيها البحث والتقصي والتحري عن الخسائر وردات فعل العدو على الفعل، فيركز على هذه الجغرافيا -بذاته أو بأدواته- مما قد يوصله إلى المكان الذي استقر فيه المقاومون، أو لجأ له المجاهدون، حتى ولو بعد حين.

الاختفاء وليس التخفي:

إن بعض المقاومين قبل عملهم أو بعده يلجؤون إلى التخفي عن عيون محيطهم والبيئة التي أووا لها، وهذا الإجراء -التخفي- يفيد بالقدر الذي يجعل المحيط المدني العادي غير منتبه لهم، فلا يميزهم ولا يتعرف عليهم، وما في هذا -التخفي- من بأس، لكن الأهم من هذا الإجراء هو الاختفاء عن شاشات رادارات العدو البشرية (العملاء) والتقنية، فليس مهماً أن لا يعرفك المحيط المدني الذي تتحرك فيه -وإن كان مهماً-، وإنما الأهم أن تختفي عن المتابعة الخاصة والملاحقة الأمنية من عدوك الذي يعرف عنك أكثر مما يعرف محيطك عنك، فكم من الشهداء الذين لم يُفطن لهم إلّا بعد شهادتهم! فلم يرهم أهل الحي والجيران إلا أناساً مسالمين، وطلاباً وأكاديميين؛ وإذ بهم مقاومين مجاهدين ومطاردين!!

إن أهم ما يساعد على “قطع التماس” مع العدو؛ اتباع استراتيجية الاختفاء، وليس تكتيك التخفي.

عدم المكوث في جغرافية محددة:

ومن الأمور المهمة في “قطع التماس” مع العدو؛ عدم المكوث الطويل والزائد عن الحد في جغرافيا معينة، حتى لو كانت بيئة حاضنة للمقاومة، فعملاء العدو وعيونه سيقلبون كل حجر، و(ينبشون) كل مكان بحثاً عن المقاومين، وعليه لا يستقيم البقاء الطويل في مكان واحد، وإنما يجب الانتقال والتنقل وعدم ترك أثر أو دالة تدل على التواجد، الأمر الذي يتطلب أن يواكب عمل المقاومين جهاز إداري نشط وفاعل ومدرب ومُجرب، قادر على سل الشعرة من العجين دون أن يثير المحيط أو يجلب الانتباه، فينقل من يتطلب النقل، ويؤمن حاجات من يحتاج، يوصل الرسائل وينقل التوجيهات.

إدامة التماس مع المحيط:

نختم بأن “قطع التماس” مع العدو يتطلب في المقابل إدامة التماس مع المحيط، حتى لا يُفاجأ المقاومون، ويؤخذوا على حين غرة، وإدامة التماس مع المحيط بحاجة أيضاً إلى فريق مدرب ومجرب على مثل هذه الأمور بحيث لا تؤتى المقاومة من قبله، فهم العين الساهرة والعصب الناقل للتغيرات، وجهاز الإنذار المبكر عما يتكون ويتطور من مخاطر وتهديدات.

هذه بعض الأفكار والنصائح الكلية التي نعتقد أن في بعضها فائدة، وأنها تساعد في “قطع تماس” المقاومين مع عدوهم، استعداداً للكرّ عليه مرة ثانية، فيصيبون منه مقتلاً، قبل أن يوقعهم هو في كمين.