نشرت صحيفة "إزفيستيا" الروسية تقريرا، تحدثت فيه عن انسحاب مجلس الدوما من معاهدة القوات المسلحة التقليدية في أوروبا، وإعلان وزارة الخارجية أن هذه الوثيقة باتت الآن من الماضي.
وقالت الصحيفة، في تقريرها إن معاهدة القوات المسلحة التقليدية في أوروبا اعتمدت في تشرين الثاني/ نوفمبر من سنة 1990، بعد توقيعها من طرف 22 دولة. وقد دخلت حيز التنفيذ في سنة 1992، واستمر العمل بها لمدة سبع سنوات. لكن في سنة 1999، وعلى خلفية انهيار الاتحاد السوفيتي وتوسّع الناتو على حساب رومانيا السوفيتية سابقًا والمجر وبولندا، صيغت اتفاقية جديدة مماثلة لمعاهدة القوات المسلحة التقليدية في أوروبا.
ورغم توقيع حوالي 30 دولة على هذه الوثيقة، فإن المصادقة عليها تمت فقط في روسيا وبيلاروسيا وكازاخستان وأوكرانيا. ونظرًا لعدم دخول الاتفاقية حيز التنفيذ، أعطى ذلك أعضاء الناتو أفضلية على روسيا، ليصبح الفرق بحلول سنة 2007 واضحًا، حيث امتلكت دول الناتو معدات تفوق الحجم المحدد في الوثيقة، وانضم البعض الآخر إلى الحلف. وفي سنة 2007، توقفت موسكو عن العمل بالمعاهدة، مراهنة على عودة الأطراف الأخرى، ومن بينها بولندا ودول البلطيق، إلى حوار على قدم المساواة.
ماذا حددت معاهدة القوات المسلحة التقليدية في أوروبا؟
ذكرت الصحيفة أن النسخة الأولى من معاهدة القوات المسلحة التقليدية في أوروبا فرضت قيودًا على عدد المعدات العسكرية في أوروبا، أي الدبابات والمركبات المدرعة والمدافع ذاتية الحركة والطائرات والمروحيات التابعة لكل من حلف شمال الأطلسي ودول حلف وارسو. وبموجب هذه المعاهدة تعهّدت كل كتلة بتقليل عدد المعدات العسكرية، واقتصارها على 20 ألف دبابة و30 ألف مركبة مدرعة، و20 ألف مدفع ذاتي الحركة، فضلا عن تخفيض الطائرات العسكرية بما لا يزيد على 6.8 ألف طائرة وألفي مروحية لكل حلف.
فضلا عن ذلك، تعّهدت الدول بتزويد لجنة فيينا العسكرية وشركاء المعاهدة بمعلومات عن الترسانات وحركة القوات والمعدات، بالإضافة إلى إجراء عمليات التفتيش والرقابة المتبادلة الأخرى الموضحة في الوثيقة. وافترضت الاتفاقية المعدلة سنة 1999 تأثير القيود على الكتل وعلى البلدان بشكل فردي. واقتصرت حصة روسيا من المعدات العسكرية على 6.3 ألف دبابة و11.2 ألف مركبة سريعة و6.3 ألف منظومة مدفعية و3.4 ألف طائرة و855 مروحية.
قادة الناتو يسعون لتطبيق النموذج الأمني الإسرائيلي في أوكرانيالماذا انسحبت روسيا من معاهدة القوات المسلحة التقليدية في أوروبا؟
طوال تسع سنوات من الانتظار، لم يصادق أعضاء الناتو الجدد الذين انضموا إلى الكتلة بين 1999 و2004 على المعاهدة، واستمر الحلف نفسه في التوسع نحو روسيا التي قررت في سنة 2007 خرق الاتفاقيات المتعلقة بالمراقبة والتفتيش على القوات. وفي آذار/ مارس سنة 2015، وعلى خلفية توتر العلاقات مع أوكرانيا، علقت روسيا مشاركتها في اجتماعات المجموعة الاستشارية المشتركة بشأن معاهدة القوات المسلحة التقليدية في أوروبا، وبذلك أنهت التفاعلات الأخيرة بموجب الاتفاقية.
وذكرت الصحيفة أنه في أيار/ مايو الجاري انسحب مجلس الدوما الروسي من الاتفاقية، رافضا رسميًا الامتثال للاتفاقيات المبرمة في إطار الوثيقة، باعتبارها واحدة من آخر المعاهدات العسكرية المبرمة مع الناتو بعد ذوبان جليد العلاقات في منتصف التسعينيات. وعن طريق الانسحاب من المعاهدة، تهدف روسيا إلى تحييد اختلال توازن القوات المسلحة التقليدية بين كتلة شمال الأطلسي وروسيا، الذي بات جليا بعد طلب فنلندا والسويد الانضمام إلى الناتو، وعلى خلفية تزويد أوكرانيا بالسلاح.
وقد بررت موسكو هذا الإجراء بامتلاكها معلومات حول انتهاك بعض دول أوروبا الشرقية لبنود المعاهدة. وفي هذا الصدد، قال نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي، دميتري ميدفيديف، إن الانسحاب من معاهدة القوات المسلحة التقليدية في أوروبا سيسمح لروسيا بنشر الأسلحة، وفقًا لما يستوجبه الوضع، دون الحاجة إلى إبلاغ طرف آخر، مشيرًا إلى نيّة روسيا مضاعفة إنتاج الأسلحة والمعدات العسكرية.
ماذا يعني الانسحاب من معاهدة القوات المسلحة التقليدية في أوروبا؟
فيما يتعلق بإجراءات الانسحاب من معاهدة القوات المسلحة التقليدية في أوروبا، أوضح نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، أن الأمر يستغرق حوالي ستة أشهر. وحسب ما أفاد به، يُرسل إشعار الانسحاب من المعاهدة قبل 150 يومًا من التاريخ المتوقع للانسحاب، مشيرا إلى ضرورة عقد مؤتمر خاص للدول في الأسابيع الثلاثة المقبلة.
أوردت الصحيفة أن البنية التحتية للأمن الأوروبي التي أنشئت بصعوبة كبيرة في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي دمرت. بعد انسحاب الولايات المتحدة من معاهدتي الصواريخ المضادة الباليستية ومعاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى اضطرت روسيا إلى الانسحاب من معاهدة ستارت في شباط/ فبراير 2023، وأعلنت انسحابها من معاهدة القوات التقليدية في أوروبا في أيار/ مايو الجاري. ومن بين جميع الاتفاقيات الأساسية سارية المفعول مع الغرب بقيت فقط معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية.
بالنسبة لمعاهدة القوات المسلحة التقليدية في أوروبا، فإن الحديث عن بدائل لها ينشأ وفق تواتر معين، إذ يدرك قادة الدول ضرورة مثل هذه الاتفاقيات، غير أن النخب الغربية تحاول فرض رؤيتها على روسيا. ففي سنة 2016، نشر الرئيس فرانك فالتر شتاينماير مقالا في صحيفة "دي فيلت"، دعا فيه نظراءه الأوروبيين إلى استئناف الحوار مع روسيا بشأن الحد من الأسلحة التقليدية في أوروبا، لكن بشروط تنافي مصالح روسيا.
من جانبه، أوضح الخبير العسكري العقيد المتقاعد فيكتور ليتوفكين، أن المفاوضات التي استمرت لأشهر حول معاهدة جديدة للحد من الأسلحة التي تهدف إلى استبدال معاهدة القوات التقليدية في أوروبا تغيب عنها الضمانات التي تأخذ بعين الاعتبار كلا من مطالب الناتو والاهتمامات والشروط الروسية، ما يجعلها تلقى نفس مصير الاتفاقيات السابقة.
وكشف ليتوفكين عن عدم إجراء مفاوضات في سنة 2023 بشأن صياغة بديل لمعاهدة القوات المسلحة التقليدية في أوروبا. وتابع ليتوفكين: "لن تكون هناك معاهدة أخرى؛ لأن إبرام المعاهدات يكون بين الدول المتساوية في القدرة القتالية التي تثق في بعضها البعض. وتؤمن الولايات المتحدة بتفوقها من حيث القدرة القتالية، لذلك تريد السيطرة على القوى الأخرى دون السيطرة عليها".
ولا يستبعد ريابكوف ظهور بديل للاتفاقية في وقت لاحق بعد مرور فترة توتر العلاقات مع الغرب وتخليه عن سياسته العدائية، ما سيسهل البحث عن مناهج أخرى من الناحية المفاهيمية.