أكد سماحة السيد حسن نصر الله في خطابه بعيد الانتصار والتحرير في 25-أيار 2023 على استراتيجية وفرادة المشروع الذي حقق الانجاز الكبير في أيار عام 2000 معتبراً أن الإنجاز لم يكن ليتحقق بدون عوامل رئيسية يمكن اعتبارها من المميزات لهكذا انجاز في غرب آسيا ككل ابتداءً من محور المقاومة والممانعة وصولاً إلى كل الاحرار في هذا العالم. وكخطابه الجامع يوم احتفال الانتصار في بنت جبيل في 26-5-2000 تحدث لكل من يصله خطابه في هذا العالم بلغة ليست بعيدة أبداً عن فطرته السوية التي ترفض الظلم وتسعى إلى العدالة والحرية البشرية في مواجهة القوى التي تحاول قهر الشعوب بالحديد والنار والمخططات المختلفة. وركز سماحته على الانسان كقيمة وكأساس في محور المقاومة وعدد مجموعة من العناصر التي تحققت رغم التفاوت الهائل بين المحور وبين اعدائه. وربط سماحته مجموعة من العناصر التي تعني الانسان وبين عوامل القوة التي يتمتع بها محور المقاومة ورأى أن الأصل في معركة القيم والحق الدائرة منذ العام 1948 هو الانسان الذي لا يمكن خوض المعركة الكبرى للقضاء على الاحتلال دونه.
وقارن سماحته بين عناصر القوة هذه وبين مثيلاتها في الكيان المؤقت ليفصح عن معنى أساسي في الصراع مع العدو وهو الانسان (البيئة + أركان مجتمع المقاومة المدنيين والعسكريين + القيم الانسانية التي تميز هذه الجبهة عن جبهة العدو).
دور العامل البشري في مقاومة العدو
بداية عدد سماحته مجموعة من الانجازات التي تحققت في هذا المجال كالتالي:
- دور الانسان والبيئة الحاضنة: التي اعتبرها ممثلة لعمدة القوة في المقاومة الحضارية المتعدد الابعاد والجغرافيات والاعتقادات ضمن وحدة الهدف والتي تبني قوتها الذاتية من خلال التجربة التراكمية، وقوة التمسك بالحق والدفاع عنه والتي تتمتع بميزات عديدة أهمها (الشهامة والشجاعة والجرأة والإقدام).
- الايمان بالحق والقضية وعدالتهما: وهي التي برزت من خلال التضحية والصبر والصمود ومراكمة القوة والتي نبعت من خصوصيتي ربط الذات بالقيم المشتركة والاستعداد لدفع أي ثمن لتحصيل الحق وانتصار القضية معتبراً أن هذا العنصر يحقق الاقتراب من هدف تحرير فلسطين والاراضي المحتلة.
- الثقة والأمل بالمستقبل وصنع الانتصار: وذلك بالتعبير عن الاستعداد للتضحية والثقة بالقدرات المادية والمعنوية والاعداد الجيد واليقين بأن هذا هو الطريق الوحيد لتحقيق الانجازات فهذا العنصر ذا المنشأ الذاتي التراكمي هو المدخل إلى ردع العدو وإضعافه واجباره على التراجع.
- الكم والنوع والحشد الممتاز: الذي ينطلق من قيم الحماسة، والاعتقاد الواثق بالقدرة البشرية النوعية والذي يتميز بالسعة الجغرافية التي تضم (لبنان – فلسطين – اليمن – العراق – سوريا – إيران – البحرين) ولا زالت تتراكم مع تصديق من هم خارج هذه الجغرافيات بقدرات هذا المحور الذي يتميز أيضاً بالتعدد ضمن وحدة الهدف والمصير والذي يضم طوائف وأعراق تعاهدت (سنة – شيعة – زيديين – شبك – أيزيديين - مسيحيين – ومن عدة أعراق) على دفع الظلم والعدوان والاحتلال عن هذه البقعة العزيزة من هذا العالم والتي تميزت وراكمت الخبرات واللياقات الممتازة والقدرات العملية المجربة على الانجاز وإثخان العدو وقهره والانتصار عليه في كل المعارك التي خاضتها.
- وحدة المعركة في المجالين العسكري والمدني: وقد تحقق هذا العنصر بالتراكم والايمان بوجود دور لكل من لبى دعوة المقاومة، وتعدد الوظائف والأدوار التي تصنع مقاومة حقيقية والتي احتاجت إلى حشد كل عناصر النجاح وتهدف إلى دعوة الامة إلى الاتحاد للقيام بواجباتها كل حسب دوره والاعداد للمعركة الكبرى.
- الجدية والجهوزية: والتي تعتبر مصداقاً للإيمان بالهدف المنشود وتحققه بالسعي الدائم لمراكمة التجارب والخبرات وتبادلها والاستعداد للتنفيذ في أي لحظة ومهما بلغت التضحيات والذي تمكن من هزيمة العدو في عدد من المنازلات بفعل إخفاء الأهداف – والمحافظة على المبادأة والردع وعدم السماح للعدو بالخداع والغدر.
- القدرة على التحمل: حيث ان انخراط كل البيئة بالمعركة ووجود القدوة الصالحة التي تسبق الجميع في الصبر وبذل التضحيات لا يمكن تفريقه عن الاختبارات المستمرة والتعرض لكافة الضغوط العسكرية والامنية والاقتصادية والفتن والطعن الداخلي وقد حقق هذا العامل عدة نتائج أهمها صيانة عناصر القدرة والقوة ومراكمة الانتصارات والايمان الشديد باقتراب تحقيق الأهداف الكبرى.
- حصانة البيئة من الاختراق: حيث أن العدو اصطدم بالمناعة الذاتية لكل هذه البيئة المقاومة ضده وضد محاولات اختراقه الثقافية والقيمية حتى ضمن البلاد التي طبعت معه حيث تكررت تجربتي مصر والاردن فلم يجد الكيان المؤقت مطبعاً سوى الحكومات، فيما احتفظت الشعوب بعداواتها له وذلك ما ظهر في عدة مناسبات آخرها في مونديال قطر 2022. سبب ذلك هو الوعي والقدرة على تمييز العدو وأحابيله والقيم الاجتماعية الموروثة والتي تعزز المناعة الذاتية والمجتمعية فضلاً عن الثقافات الأصيلة للبيئات المقاومة بكل تلوناتها والتي تغلب الحق على الباطل، كل ذلك أدى إلى عدم قدرة العدو على اختراق البيئة رغم طول الزمن وتعدد وتنوع محاولات الاختراق.
- القدوة الصالحة: يمكن اعتبار أهم ميزة إنسانية في كل بيئة المقاومة هي الثقة بالقيادة الشجاعة والحكيمة والمدبرة والخادمة التي تسبق الجميع في الصبر وبذل التضحيات والقادرة على اتخاذ القرارات بدون تحفظ بما يليق بالمعركة ومهما كانت شدة الاختبار والتي تعرف لدى الصديق والعدو بالتخطيط البارع وتقدير الأولويات والتفرغ الكامل لخدمة المنخرطين في المعركة والتواصل الدائم والشفاف معهم، وهو ما حقق منذ زمن طويل عناصر الضبط الحسن وتناغم الأداء ورجاحة تحديد سلم الأولويات مما أدى إلى اختصار الزمن لتحقيق البرامج بدون مواربة ولا تسويف كل هذه الميزات دفعة البيئة المقاومة إلى التأسي بقدوتها الصالحة في العمل والجهاد والصبر والقدرة على تقديم التضحيات مهما بلغت.
دور العامل البشري لدى العدو
وفيما استخدم سماحة السيد حسن نصر الله اسلوب مقارنة كل عامل من العوامل السابقة بما يماثله في مجتمع وبيئة العدو فقد قمنا بتفكيك ما يتعلق بالعدو وإعادة إدراجه ضمن نفس العناوين السابقة زيادة في الوصف والمقارنة.
- دور الانسان في مجتمع الاحتلال: تحول الانسان مع الزمن إلى مشكلة وعالة على الدولة وعلى الجبهة الداخلية بسبب تراجع ايمان المستوطنين بكيانهم وذلك بعد تراجع ايمانهم بالتفوق المادي والتكنولوجي والاعتماد عليه وتراجع ثقتهم بالحياة الرغيدة في الارض "الموعودة" وذلك بسبب الاضطراب والحروب الدائمة التي أدخل بها قادة العدو مستوطنوهم وكيانهم وهذا ما تنافى مع الثقافة العنصرية والنفس الاستعلائي الذي ينظر به مستوطنو فلسطين المحتلة إلى سكان غرب آسيا ومعظمهم من بيئة محور المقاومة وهذا ما يدفع المستوطنين (المستعمرين الجدد) إلى الشك بالقدرة وعدم اليقين بالقوة المادية وجعلهم أكبر الأثقال التي تثقل كاهل الكيان المؤقت.
- الايمان بالحق والقضية وعدالتهما: مارس الصهاينة منذ أوائل القرن الماضي البطش والقوة والتحايل معتمدين القدرة العسكرية الغاشمة والافلات الدائم من العقاب، إلا أن شكوكهم الواعية والصريحة أو اللاواعية بعدالة قضيتهم ابقاهم في حالة قلق مزمن وخوف دائم على مستقبل وجودهم في فلسطين المحتلة.
- الثقة والأمل بالمستقبل وصنع الانتصار: تراجع الصهاينة كثيراً منذ أن ظهرت المقاومة العقائدية لمشروعهم فاستبدلوا ثقتهم بصنع الانتصارات بمحاولات مستميتة لسلب بيئة المقاومة ايمانها بإمكانية تحقيق الانتصار. حيث يعتقدون جازمين أن أي إنجاز تحققه المقاومة يقرب الكيان المؤقت من نهايته وذلك بسبب عدم قدرتهم على إنجاز الكثير في السنوات الـ 25 الماضية وتراجع قابليتهم في المحافظة على الهدف وتسبب هذا التراجع الدائم بتبديل مرهق للاستراتيجيات مما جعل الاهداف تبتعد يوماً فيوماً ليصبح بعدها مستحيلاً كحلم اسرائيل الكبرى واسرائيل العظمى وينذر المستقبل أن الوجود بأكمله بات في نعرض التساؤل.
- الكم والنوع والحشد: أدى تراجع الثقة بالجيش واختراقه من قبل أركان الدولة العميقة إلى التعامل مع الحرفة العسكرية المقدسة عند الصهاينة وكأنها وظيفة لجمع الأموال فجرى التسابق على المناصب والوظائف التي تدر مالاً وخاصة في مجال الهاي تك مما تسبب بثقافة استهلاكية مبنية على نوع من الليبرالية المتوحشة وتسبب أيضاً بضعف وتراجع الوازع الأخلاقي وأدت خبرات الهزائم المتلاحقة وسوء التقدير المستمر التصديق بفكرة انحدار الكيان نتيجة لعدم تحقيق انجازات وتضرر الردع بشكل كبير وهذا ما تسبب في الفوضى والقلق على المصير وشيوع ثقافة عدم الثقة بالقدرات الذاتية مهما كانت قوية والهروب من التجنيد.
- وحدة المعركة في المجالين العسكري والمدني: أدى تراجع هيبة الجيش العبري وانحسار الثقة فيه إلى انفصام شديد بين المدني والعسكري في الكيان المؤقت رغم محاولات المؤسستين الأمنية والعسكرية لإعادة اعتبارهما وشن الحملات المتكررة بفصل المسارات وتفكيك الوظائف واذكاء عوامل الفتنة في بيئة المقاومة بالاعتماد على الحلفاء الدوليين والاقليميين وعلى التسهيلات التي تقدمها المؤسسات والشركات الكبرى ومنظمات المجتمع المدني واسترجاع الثقة بأجهزة الامن والاستخبارات العبرية وحلفاؤها في المنطقة والعالم. إلا أن قدرات العدو الامنية والعسكرية التي كانت توصف بأنها اسطورية باتت مع تطور محور المقاومة اجهزة أمن عادية تعرضت لنكبات في السنوات الاخيرة من المقاومة في المستويين الامني والعسكري مما أثر كثيراً على النزعة الاعتقادية التي تصدق بأن اليهودي (الصهيوني) هو الكائن الاعلى في هذا العالم وابدلها بإحساس دائم بالقلق على المصير وضعف الحيلة، وزادت مصائبه مصيبة عند انشغال حلفائهم الكبار كالولايات المتحدة وبريطانيا وغيرها بمشاكلهم ما أدى إلى تراجع متفاوت ولكنه متعاظم عن معاونة الكيان المؤقت في العقد الأخير، كما أن فوبيا التفوق العددي لأعدائه تبقى حاضرة مما دفع قيادات العدو إلى مراكمة الاخطاء بسبب إصرارهم على العمل في بيئة استراتيجية غير ملائمة.
- الجدية والجهوزية: رغم القدرات المعلوماتية الالكترونية والسايبرية وقدرات الجمع الاستخباري في الوقت الحقيقي والاعتقاد بأن منظومة الانذار المبكر المعلوماتية ستحمي الكيان دائماً إلا أن التأثر الشعبي والعمومي بالإخفاقات وضعف الثقة بالجيش والامن ارتفع في ظل تراجع الحافزية وتحلل القيم في المجتمع الصهيوني.
- القدرة على التحمل: يتميز "الصهاينة" عن غيرهم بالخوف من الموت وعدم القدرة على الصبر أمام القتل والتضحية من أجل القضية، وقد تسبب تعرضهم الدائم في العقود الأربعة الماضية إلى مواجهة الموت في "أرض الأحلام" بتراجع الاهتمام بقيم "الدولة اليهودية" في ظل ضعف الثقة بالجيش والأجهزة الأمنية وغياب القدوة الصالحة وتراجع مستوى القيادات في الكيان المؤقت مما دفع الحريصين على حياتهم إلى التفريط بالحلم الموعود "دولة اسرائيل" والبحث عن الأمان خارج الكيان والتحول من الدفاع عن الحلم المقدس بالدولة الموعودة إلى المطالبة بالأمن الشخصي ولو كان في آخر أقاصي الأرض.
- العجز عن اختراق بيئة المقاومة: رغم الخداع والمكر الذين يتصف بهما الصهاينة إلا أنهم يمتلكون صفات مناقضة تماماً لذلك فالاعتداد المبالغ فيه بالنفس والاستعلاء الذي يطبع ويغلب على الشخصية عند العدو في ظل تحول اعدائهم من مخترقين (بفتح الراء) إلى مخترقين (بكسر الراء) مما تسبب بإصابة بني صهيون بخيبات متراكمة وتسبب بتأثر شديد في بيئات العمل واضطراب بالبرامج وضعف تراكمي لعناصر القوة.
- القدوة السيئة: ختاماً فإن الاعتقاد الجازم بأنانية القيادة واهتمامها بنفسها في الكيان المؤقت وتحايل القيادة الانتخابي وميزتها السيئة بمسارعتها إلى تحميل الغير معظم الاخطاء والهزائم مضافاً إلى ذلك كله شيوع تقارير الفساد الاخلاقي والمالي والاداري ومحاولة هذه القيادة تكييف القضاء لحمايتها وتغطية هروبها من العقاب كل هذا أضيف إليه عامل الجبن والتهرب من اتخاذ مبادرات. مما تسبب باختفاء القدوة الصالحة وبروز القدوة السيئة التي تعمل وأزلامها ومافياتها في السلطة دون حسيب ولا رقيب.