• اخر تحديث : 2024-04-26 21:42
news-details
مقالات عربية

تهديدات إسرائيلية لاستعادة الردع


قبل أيام، ومباشرة بعد العدوان الإسرائيلي على القطاع، وبتزامن مُلفت للنظر؛ أطلقت أعلى القيادات الأمنية والسياسية في دولة الاحتلال جملة من التهديدات غير المسبوقة بشكل علني وواضح، وكأنها جوقة منسجمة تعزف جملة من التهديدات المنسقة والمدروسة، في تزامن مثير للانتباه، تهديدات طالت جميع الساحات، ممّا جعل كل وسائل الإعلام، المحلية والعربية والدولية والإسرائيلية، تنشغل بها، وأظهرتها في عناوينها الرئيسية وتناولتها بالقراءة والتحليل، وساد الكثير من الشعور بأن ثمة ما هو مريب، وهناك ربما من ذهب بعيدًا في قراءة التهديدات بأنها تحضير لعدوان كبير، واختلفت ساحات عنوان التهديد، هل هي إيران أم حزب الله أم سوريا أم القطاع؟

وردًا على التهديدات، قام كلٌ من حزب الله وإيران بالرد إعلاميًا واستعراضيًا، وربما أيضًا بإعلان الاستنفار، توجسًا وتحسبًا من أيّ عدوان مباغت؛ الأمر الذي دفع الناطق باسم الجيش الإسرائيلي لإرسال رسائل تهدئة بأن إسرائيل لا تنوي العدوان، وشرح أهداف وأبعاد المناورة التي يخطط لها الجيش الإسرائيلي في الشمال.

وفي الساحة الفلسطينية أيضًا، وهي الساحة الأكثر حساسية لمثل هذه التهديدات، لتاريخها الطويل مع العدوان، انشغلت بتحليل ومحاولة فهم ما خلف كلمات التهديد.

التهديدات الإسرائيلية ليست أمرًا جديدًا، فهي جزء من سياسية استعادة الردع، وهي نهج لدى السياسيين الإسرائيليين للاستقطاب الداخلي، ولكن ما لفت الانتباه أكثر إزاء هذه التهديدات أنها صدرت عن مستويات تتصف بالمهنية ولا تشارك في لعبة الاستقطابات السياسية مثل رئيس الأركان ورئيس شعبة الاستخبارات وقائد المنطقة الجنوبية ووزير الأمن، وهو ما يؤكد أن قرارًا مُسبقًا صدر من المنظومة الأمنية والسياسية العليا بأنه لابدّ من إطلاق مثل هذه التهديدات، وقرار مثل ذلك لابدّ وأن يُبنى على أسس ودوافع واعتبارات تبرره.

وبتقديرنا، إن تلك التهديدات لا تحمل تحذيرًا يسبق التخطيط لعدوان، لكنها على الأغلب تهديد وإنذار لتقليل احتمالات الاشتعال، ويقف خلف ذلك ما شاع في الثقافة السياسية الإسرائيلية، بعد مسيرات الاحتجاج ضد التشريعات القضائية ومظاهر التمرد وإعلانات نوايا رفض الخدمة الاحتياطية، من أن إسرائيل باتت تبدي مظاهر ضعفها لأعدائها، وقد حذر كثيرًا نتنياهو وأركان حكومته من مخاطر مظاهر التفكك الإسرائيلي على مفهوم الردع، وأن استمرار الشقاق الإسرائيلي يُرسل للأعداء رسائل مغلوطة عن ضعف إسرائيلي، ممّا يُشجع نواياهم العدوانية ويعزز تجرءهم على المسّ بإسرائيل، باعتبارها فرصة مؤاتية وأن إسرائيل في أضعف حالاتها.

وقد عزز هذه المفاهيم الإسرائيلية إطلاق الصواريخ من جنوب لبنان، احتجاجًا على اقتحامات الأقصى المترافقة مع صواريخ غزة والحديث الفلسطيني ومحور المقاومة عن وحدة الساحات وما رافقها من تهديدات محور المقاومة، وبعد أيام استشهد خضر عدنان وأطلقت الصواريخ من القطاع، وبدا للإسرائيلي أن ثمة زيادة كبيرة في منسوب الجرأة وتراجع كبير فيما يسمى بمفهوم الردع.

ولكن القلق الأكبر إسرائيليًا هو في قراءة حزب الله تحديدًا لميزان الضعف والقوة الإسرائيلي، وقد لاحظت إسرائيل منذ فترة أن حزب الله يزداد تجرؤًا على إسرائيل، وقد شكّلت عبوة مجدو الغامضة حتى الآن، والتي نسبتها بعض المصادر الإسرائيلية للحزب، مؤشرًا خطيرًا وتطورًا نوعيًا يستوجب عدم إغفاله، وجاء لاحقًا إطلاق الصواريخ من جنوب لبنان ليؤكد المخاوف الإسرائيلية.

إسرائيل، التي تعتبر ردع الوعي أحد أهم مكونات نظريتها الأمنية، اعتبرت أن تراجع الردع في وعي محور المقاومة يُشكّل تهديدًا حقيقيًا يحتمل معه أن يحمل مستقبلًا المزيد من التدهور، ممّا سيشكّل تهديدًا مهمًا لمنظومتهم الأمنية، فضلًا عن تقديرنا بأن ثمة معلومات استخباراتية إسرائيلية عن أنشطة لمحور المقاومة في هذا الاتجاه، فكان بعد العدوان على القطاع، واستنادًا لما حققته مثلما تروج، أنه لابدّ من إرسال رسائل تهديد واضحة ومباشرة لا تقبل التشكيك في محاولة لردع محور المقاومة.

وعليه، فإننا نرى التهديدات مُجرد تهديدات للردع ولترميم الردع الإسرائيلي دون أن تنطوي على احتمالات الإقدام على عدوان كبير ما، رغم أن العدوان هو من طبيعة الاحتلال، لا سيما على الجبهات التي تمكّنه من إظهار قوته دون أن تجبي منه ثمنًا ما، وهي أيضًا رسالة للداخل الإسرائيلي لتظهر وحدة القيادة الأمنية خلف نتنياهو وقوتها بعد مظاهر التمرد ومخاطر انتقال الشقاق السياسي إلى الجيش والأجهزة الأمنية.

ربما العدوان على القطاع لا زال مُحتملًا قريبًا، لا سيما وأن التهدئة الأخيرة تعتبر هشة جدًا، خاصة في ظل استمرار مسلسل الاستفزازات والعدوان على القدس والأقصى، فضلًا عن أن حالة الصراع مع الاحتلال تشهد حالة من الغليان على جميع الساحات، بما فيها ساحة السجون، في كل لحظة قد نشهد تدهورًا خطيرًا يُنذر بانفجار جولة من جولات التصعيد المحدودة.