• اخر تحديث : 2024-05-03 21:39
news-details
قراءات

لماذا تصاعد الجدل حول القدرات البحرية للجيش الأمريكي؟


شهدت الآونة الأخيرة تصاعد الجدل حول مستقبل القدرات البحرية الأمريكية في ظل المنافسة المشتعلة مع بكين؛ حيث دأبت بكين على تطوير أسطولها البحري، حتى انضم إليه مئات القطع البحرية التي تجاوزت عدديّاً ما تملكه البحرية الأمريكية. وقد تمتلك الصين بحلول عام 2030 عشر غواصات باليستية وخمس حاملات طائرات على الأقل، لا سيما مع امتلاكها الموارد اللازمة لمواصلة تحديث أسطولها البحري طيلة عقود ممتدة. ومع احتدام سباق التسلح والمنافسة الاستراتيجية بين بكين وواشنطن من ناحية، وتنامي قدرة الصين على إبراز قوتها البحرية لما هو أبعد من برها الرئيسي من ناحية ثانية، تزايد الجدل حول طبيعة الفجوة العسكرية بين البحريتين الصينية والأمريكية، وسبل الولايات المتحدة لتضييق تلك الفجوة لا سيما مع اعترافها بتفوق البحرية الصينية.

تقدم بكين

يمكن الوقوف على أبرز المؤشرات الدالة على تنامي الفجوة البحرية بين الصين والولايات المتحدة من خلال النقاط التالية:

1. صعوبة مواكبة أسطول السفن الحربي الصيني: شهدت البحرية الصينية نمواً مضطرداً في السنوات القليلة الماضية حتى أضحت هي الأكبر عالمياً. ومع تزايد عدد سفنها الحربية، تتزايد بالتبعية الفجوة بينها وبين الولايات المتحدة؛ حتى حذَّر رئيس البحرية الأمريكية مؤخراً من أن أحواض بناء السفن الأمريكية لا تستطيع مواكبة مثيلتها الصينية، كما دفع بعض الخبراء بأن الصين يمكنها بناء ثلاث سفن حربية في وقت تستغرقه الولايات المتحدة لبناء سفينة واحدة. وقد سبق أن حذرت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) من امتلاك البحرية الصينية نحو 340 سفينة حربية في الوقت الحالي، بينما تمتلك الولايات المتحدة أقل من 300 سفينة، كما توقعت وزارة الدفاع الأمريكية نمو الأسطول الصيني إلى 400 سفينة حربية في العامين المقبلين، بينما سيستغرق الأسطول الأمريكي 22 عاماً حتى يصل عدد سفنه الحربية إلى 350 سفينة.

2. تنامي الفجوة بين أحواض بناء السفن الأمريكية والصينية: تتباين الإحصاءات الرسمية المتعلقة بعدد أحواض السفن التي تملكها الصين مقابل تلك التي تملكها الولايات المتحدة؛ فهناك من دفع بأنالصين تملك 13 حوضاً لبناء السفن، وأن أحدها سعته أكبر من جميع أحواض بناء السفن الأمريكية مجتمعةً؛ ما يمثل تهديداً حقيقيّاً، فيما دفع مركز الدفاع الوطني بأن الصين تملك ستة أحواض لبناء السفن الكبرى، وحوضين آخرَين لبناء السفن البحرية. أما الولايات المتحدة فلديها سبعة أحواض بناء سفن سحب كبيرة وعميقة لكل من البحرية الأمريكية وخفر السواحل. وبغض النظر عن عدد تلك الأحواض، تتمتع الصين بميزة عددية من جراء توافر العمالة الماهرة والمدربة دون أن تخضع للقيود واللوائح التي تخضع لها العمالة الأمريكية.

3. تعدد مزايا القطع البحرية الصينية: لا تقتصر المخاوف الأمريكية علىالاتساع المتزايد للبحرية الصينية فحسب، بل تمتد لتطال قوة نيران بعض السفن الصينية بالمقارنة بنظيراتها الأمريكية أيضاً؛ ففي نظر كثيرين، تعد المدمرة الصينية من طراز 055 هي المدمرة الأولى في العالم؛ فهي أكبر من المدمرات النموذجية، وأقرب في الحجم إلى فئة الطرادات (Ticonderoga) التابعة للبحرية الأمريكية، ويمكنها إطلاق صواريخ أرض–جو وصواريخ مضادة للسفن، وهو ما يزيد بنحو 96 خلية على (Arleigh Burke) أحدث مدمرات البحرية الأمريكية، ويوجد بها أيضاً أنظمة راديو متطورة، وأنظمة أسلحة مضادة للغواصات. صحيح أن الولايات المتحدة بدأت تطور مدمرات (Zumwalt) قبل 5 سنوات، فإنها ألحقت 3 منها فقط بالخدمة بتكلفة بلغت 8 مليارات دولار لكل منها، ومن المتوقع إيقاف تشغيل بعض السفن القتالية الساحلية للولايات المتحدة، التي تبلغ تكلفتها أكثر من 350 مليون دولار لكل منها، قبل أن تخدم ثلث عمرها الافتراضي.

4. الهيمنة البحرية الصينية في بحر الصين الجنوبي: تتزايد خطورة الفجوة البحرية بين الصين والولايات المتحدة في ظل السياسات العدائية الصينية المتزايدة على تايوان من ناحية، وتنامي النفوذ البحري الصيني في منطقة بحر الصين الجنوبي من ناحية ثانية، وتركيز الصين المستمر على تطوير قدراتها التنافسية كمّاً وسعراً من ناحية ثالثة. وفي هذا الإطار، قال قائد البحرية الأمريكية “راد ليندون” إن البحرية الصينية تتمتع بمزايا أكبر من منافستها الأمريكية؛ حيث تسعى بكين إلى إبراز قوتها عبر المحيطات، وهو ما يزيد المخاوف من محاولات الصين المتكررة لانتهاك السيادة البحرية والرفاهية الاقتصادية للدول الأخرى، بما في ذلك حلفاء الولايات المتحدة في بحر الصين الجنوبي وأماكن أخرى.

المجابهة الأمريكية

الخيارات الأمريكية المقترحة لمجابهة الميزة العددية والنوعية التي يتمتع بها الأسطول الصيني حول الخيارات التالية:

1. ترقية الأسطول الأمريكي: تدرك الولايات المتحدة مدى حاجتها إلى بناء مزيد من السفن والقطع الحربية في المستقبل من ناحية، وتحديث القطع البحرية التابعة لأسطولها كي تتمكن من مواجهة التهديدات المستقبلية من ناحية ثانية، وهو ما يعني أن التطوير المرغوب لا يتأسَّس على المعيار العددي فحسب، بل على المعيار الكيفي أيضاً. ووفقاً لخطة الملاحة البحرية الأمريكية 2022، فإن هدف البنتاجون هو الوصول إلى 350 سفينة مأهولة بحلول عام 2045. وعلى الرغم من ضخامة هذا العدد نسبيّاً، فإنه يقل بكثير عن التوقعات المستقبلية لأسطول الصين.

2. التعويل على الحلفاء: يعد تعدد الحلفاء الأمريكيين من الامتيازات المهمة التي تفتقر إليها الصين؛ فلا يخفى عمق الشراكة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة من ناحية، وبين كل من كوريا الجنوبية واليابان من ناحية ثانية. وتبرز أهمية ذلك بالنظر إلى تمتع كلتيهما ببعض أفضل المعدات الحربية بأسعار معقولة، وهو ما يعني قدرة الولايات المتحدة – حال تعديل القانون الأمريكي – على شراء السفن من حلفائها أو بناء سفن أمريكية جديدة في أحواض بناء السفن التابعة لهؤلاء الحلفاء، أو دمج التكنولوجيا الأمريكية والأسلحة ورادارات التجسس ونظام القيادة والتحكم في السفن التابعة لهم، وخاصةً مع تشابه السفن الحربية اليابانية مع نظيرتها الصينية من ناحية، وبراعة مصممي السفن الحربية اليابانية عالمياً من ناحية ثانية، وقدرة البحرية الأمريكية على العمل بسلاسة مع نظائرها لدى الحلفاء، كما تجلى في التدريبات المشتركة في وقت سابق من العام الجاري من ناحية ثالثة.

3. إعادة النظر في القوانين الأمريكية: يتطلب التعاون مع الحلفاء تعديل القانون الأمريكي الذييمنع حاليّاً أسطول الولايات المتحدة البحري من شراء السفن الأجنبية أو بناء سفن خاصة في أي دولة أجنبية؛ بسبب مخاوف أمنية، ولرغبة الولايات المتحدة في حماية صناعتها الوطنية، وعدم تسريب الأسرار الوطنية، والحيلولة دون استقطاب الخبراء الأمريكيين إلى دول أخرى.

ولا يمكن التقليل من أهمية وعِظَم إسهام صناعة بناء السفن الأمريكية في الاقتصاد القومي؛ ففي عام 2019، خلقت تلك الصناعة ما يقرب من 400 ألف وظيفة في الداخل الأمريكي، وساهمت بنحو 42.4 مليار دولار في الناتج المحلي الإجمالي. ويعتبر الجيش الأمريكي مصدراً مهمّاً للطلب على شركات بناء السفن هذه، بيد أنه في اتجاه مضاد لذلك، تنامت الدعوات التي تطالب بإعادة التفكير في هذا القانون لمنح الولايات المتحدة ميزة استراتيجية في مواجهة الصين على الرغم من الصعوبات السياسية التي تكتنف تلك الدعوات التي قد يُنظَر إليها بوصفها تهديداً للصناعة الوطنية.

4. تكثيف الصناعة الوطنية: تدرك الولايات المتحدة ضرورة إنفاق المزيد من الأموال والاستثمارات على الصناعة المحلية، على الرغم من تعدد التحديات التي تجابه تلك الصناعة؛ فقد سبق أن لفت الكونجرس النظر إلى صعوبة جذب قوى عاملة متخصصة والاحتفاظ بها على الرغم من حاجة أحواض بناء السفن الشديدة إلى الأيدي العاملة والمدربة. وانطلاقاً من حتمية وضرورة التطوير المستمر، أكد المتحدث باسم البحرية الأمريكية “ترافيس كالاهان” أن البحرية الأمريكية لديها عدد كبير من السفن قيد الإنشاء، وأنها تستثمر وبقوة في مجال بناء أحواض بناء السفن لزيادة سعتها وكفاءتها. وعلى الرغم من أهمية ذلك، يشكك البعض في مدى فاعليته؛ لأن التعويل على الصناعة الوطنية لن يحقق الآمال المرجوة منه في المدى القصير، ولن يجاري مدى التطور في الصناعات الصينية على المدى الطويل.

5. الاستعانة بتصميمات أجنبية: تدفع بعض الآراء بأنه في ظل مرحلة جديدة من التوازن البحري على المستوى الدولي، لا يمكن التعويل على بناء السفن الأمريكية في الخارج، بل الاستعانة بمزيد من المصادر الخارجية، لا سيما اليابان على صعيد تصميمات السفن على أقل تقدير. ومن الأمثلة البارزة على ذلك الفرقاطة الأمريكية من طراز (Constellation) ذات التصميم الإيطالي. وتتزايد أهمية ذلك لأنه يسهم في تقسيم المهام على أكثر من دولة للإسراع في عملية بناء وتطوير أحواض السفن التي قد تستغرق عقداً كاملاً على أقل تقدير؛ فلا شك أن بناء وتطوير السفن بشكل تشاركي يعود بالنفع على جميع الأطراف.

ختاماً، اتخذت البحرية الأمريكية خطوات جادة لمعالجة الفجوة المتنامية مع الصين، بما في ذلك تخصيص المزيد من أسطولها للمحيط الهادئ، واستخدام سفن حديثة عالية الكفاءة، وتطوير قدرات بناة السفن الأمريكيين، واستحداث برامج تدريبية لتدريب البحارة والجنود والطيارين، بيد أن تلك الحلول مجتمعة قد لا تنجح بالضرورة في التفوق على الصين؛ لأن قيادة البحرية تركز بالضرورة على عمليات تطوير وبناء السفن الصينية أكثر من تركيزها على إخفاقاتها المتعددة طوال العقدين الماضيين، وفي مقدمتها التفكير داخل الصندوق، والإيمان بالتفوق والريادة الأمريكية المطلقة.