في أعقاب استيلاء حركة "طالبان" على السلطة في أغسطس 2021، إثر الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، أثارت القوى الغربية تساؤلات حول أفضل الطرق التي يمكن من خلالها فهم نيات قيادة الحركة وكيفية التعامل معها، ولاسيما أن ثمة قناعة غربية بأن الاتصال الدبلوماسي المباشر المحدود مع "طالبان" يفرض الحاجة إلى الاعتماد على مصادر بديلة للمعلومات، لذا، تم تحديد استخدام الحركة لوسائل التواصل الاجتماعي، ولاسيما "تويتر"، كطريقة لفهم تفكيرها.
وعلى الرغم من حظر "طالبان" لوسائل التواصل الاجتماعي عندما حكمت أفغانستان بين عامي 1996 و2001. إلا أن استخدام الحركة لهذه الوسائل نما بشكلٍ ملحوظ بعد الإطاحة بها من السلطة في ديسمبر 2001، وذلك لحاجتها إلى تجنيد أعضاء جدد، وتضخيم رسائلها إلى المجتمع الدولي، وإيصال مواقفها وتطلعاتها في جميع أنحاء أفغانستان. ومع توليها السلطة مرة أخرى في أغسطس 2021، وظفت الحركة وسائل التواصل الاجتماعي بقوة أكبر، ولاسيما "فيسبوك" و"تويتر" لتحسين صورتها أمام الخارج.
في هذا الإطار، يدرس تقرير لمركز "راند" الأمريكي في العام 2023 استخدام "طالبان" لوسائل التواصل الاجتماعي لتحليل موقفها إزاء بعض الموضوعات المحددة، وبحث ما إذا كانت الرسائل الإعلامية التي يتم بثها عبر اللغات الإقليمية المختلفة متشابهة أو مختلفة. وقد ركز التقرير على "تويتر"، باعتباره أكثر منصات التواصل الاجتماعي استخداماً لنشر الأخبار من قبل قادة الحركة، حيث اعتمد التقرير على مجموعة كبيرة من التغريدات لتحليلها خلال الفترة ما بين أغسطس 2021 وإبريل 2022، كما ركز على ثلاثة موضوعات في هذه التغريدات، وهي: الاهتمامات الاقتصادية، والعلاقات الخارجية، ووضع المرأة في المجتمع الأفغاني.
من يقود "طالبان"؟
منذ إنشاء حركة "طالبان" في تسعينيات القرن الماضي، احتفظت قيادة الحركة بتركيبتها النمطية، حيث انتقلت في بعض الحالات من الأب إلى الابن، كذا يسيطر على الرتب العليا الذكور حصرياً، من "البشتون"، خريجي المدارس الدينية الباكستانية، وبدرجة أقل من معتقلين سابقين في غوانتانامو. فبعد مقتل الملا محمد عمر، مؤسس الحركة، وجلال الدين حقاني، مؤسس شبكة حقاني، ظهر أبناؤهما كقادة جدد للجماعة.
ومنذ ظهور "طالبان"، تركزت القوة في مكتب قائد الحركة والأجنحة العسكرية والاستخباراتية للجماعة، ووزارات المالية والخارجية، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فالأفراد الذين يقودون هذه الوزارات هم من بين أقوى الأشخاص داخل التسلسل الهرمي للمجموعة. ويمكن عرض أبرز قادة الحركة على النحو التالي:
- الملا هبة الله أخوند زاده، زعيم "طالبان"، وقبل أن يتولى هذا المنصب شغل منصب كبير قضاة "طالبان" ونائب الملا أختر منصور، الزعيم السابق لـ"طالبان"، الذي قُتل في غارة بطائرة من دون طيار في مايو 2016. ولم يتم تصوير أخوند زاده منذ استيلاء "طالبان" على السلطة في أغسطس 2021، فالمتحدثون باسم "طالبان" حساسون للغاية لنشر أي معلومات عنه.
- سراج الدين حقاني، ثاني أقوى شخص في نظام "طالبان"، وهو نائب زعيم الحركة ووزير داخليتها بالإنابة، ويُعد هذا الرجل الوجه العام للقيادة في غياب الملا هبة الله، وعادة ما يطلق عليه أعضاء "طالبان" اسم الخليفة.
- الملا تاجمير جواد، نائب رئيس المديرية العامة للمخابرات، وهو قائد شبكة حقاني، وكان يدير معسكراً لتدريب الانتحاريين.
- عبدالحكيم حقاني، القائم بأعمال رئيس قضاة نظام "طالبان"، وتُعد آراؤه أساسية لفهم سياسات "طالبان" بشأن مشاركة المرأة في القوى العاملة والتعليم.
- الملا يعقوب مجاهد، وزير دفاع "طالبان" بالوكالة، ويتمتع باحترام كبير داخل الحركة باعتباره الابن الأكبر للملا عمر، مؤسس "طالبان"، وهو يركز على حدود أفغانستان وبناء الجيش، ويحاول إبراز قوة الحركة من خلال زياراته للدول المجاورة.
- عبدالحق الواثق، قائد المديرية العامة للاستخبارات، وتتمثل مهمتها في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية في ولاية خراسان (ISKP)، وتحديد مواقع مخابئ الأسلحة ومصادرتها.
- الملا هداية الله بدري، وزير المالية والمسؤول عن التمويل في نظام "طالبان" من خلال الضرائب والجمارك.
- مولوي أمير خان متقي، القائم بأعمال وزير خارجية "طالبان"، ويُعد وجه دبلوماسية "طالبان" مع العالم الغربي والدول العربية والصين وروسيا.
الاهتمامات الاقتصادية:
واجهت أفغانستان أزمة اقتصادية كبيرة مع استيلاء "طالبان" على السلطة في أغسطس 2021، حيث تعطل النظام المصرفي والتجارة الداخلية والخارجية، وهو ما أدى إلى انخفاض كبير في قيمة العملة الأفغانية وتعليق المساعدة الإنمائية الدولية، ونتيجة لذلك ارتفعت معدلات البطالة ويواجه ملايين الأفغان الآن نقصاً حاداً في الغذاء. في هذا الإطار، ركزت رسائل "طالبان" الموجهة للداخل الأفغاني على "تويتر" على أن الأزمة الاقتصادية الحالية مؤقتة، وأنها تحاول صياغة سياسات لتحسين الاقتصاد وتحقيق الاعتماد على الذات من خلال الاستثمار في الزراعة والصناعات الاستخراجية ودعم وتطوير المبادرات الإقليمية، بما في ذلك بناء خطوط الأنابيب الإقليمية. فيما عمدت رسالة "طالبان" إلى المجتمع الدولي للترويج لفكرة حاجة أفغانستان إلى دعم دولي لمشاريع التنمية.
كذلك، تحاول "طالبان" صياغة رواية تستهدف التنصل من أي مسؤولية عن الأزمة الاقتصادية، حيث تزعم أن الاقتصاد كان ينهار بالفعل بسبب الفساد المستشري في ظل النظام السابق، كما تزعم أن حظر الولايات المتحدة لاحتياطيات العملة الأفغانية يؤدي إلى تفاقم الأزمة، وأن الوجود الأمريكي في العشرين عاماً الماضية أضر بالبلاد والاقتصاد، لذلك يتوقع النظام أن تساعد الولايات المتحدة في إعادة بناء أفغانستان.
وفي إطار مقارنة التغريدات الاقتصادية عبر اللغات المختلفة في الفترة التي يغطيها هذا التقرير، كان حوالي 74% من التغريدات الاقتصادية لحسابات "تويتر" باللغات المحلية، "الباشتو" و"الداري/ الفارسية"، فيما جاءت بقية التغريدات باللغة الإنجليزية، بينما اشتركت التغريدات في مختلف اللغات في عدة موضوعات كالنمو الاقتصادي الذي يغذيه الاستثمار في قطاعي التعدين والزراعة، والحد من الفساد المستشري، وتحسين الوضع الأمني، لكن يبدو أن "طالبان" تصمم الرسائل الاقتصادية بشكل أساسي للجمهور المحلي، حيث يتم تغطية الأخبار الاقتصادية على نطاق واسع باللغات المحلية.
ويكون الاختلاف في نغمة ومحتوى التغريدات الاقتصادية عبر اللغات المختلفة أقل وضوحاً، حيث تستخدم "طالبان" موقع "تويتر" وغيره من المنافذ الإخبارية لتسليط الضوء على جهودها لتحسين الاقتصاد المنهار، عبر جميع اللغات، وتسعى جاهدة لرسم صورة واعدة للنمو الاقتصادي، وتحسين العلاقات الاقتصادية مع البلدان الإقليمية، وتحقيق الاكتفاء الذاتي، على الرغم من أن هذه الصورة لا تعكس الواقع دائماً.
العلاقات الخارجية:
يبدي نظام "طالبان" بعد سيطرته على السلطة في العام 2021 اهتماماً بالحفاظ على علاقات دبلوماسية جيدة في جميع أنحاء العالم، على عكس الفترة الأولى التي حكم بها البلاد. ويستخدم أعضاء "طالبان" لغة سلبية قوية عند مخاطبة الجمهور حول الوجود الأمريكي في أفغانستان، على الرغم من أن بعض تغطية الاجتماعات مع ممثلي الولايات المتحدة قد بدت إيجابية، ويغطي الفريق الإعلامي لحركة "طالبان" على نطاق واسع الزيارات الخارجية لمسؤولي الحركة واللقاءات مع شخصيات أجنبية بارزة في الداخل والخارج، لكن الرسائل غالباً ما تكون إجرائية.
كما تمت تغطية التفاعلات مع الصين وروسيا وتركمانستان وأوزبكستان بشكل مكثف، لكن الإشارات إلى الجار الشمالي، طاجيكستان، تكاد تكون معدومة، كما تُعد العلاقات مع باكستان، التي لم تعترف بحكومة "طالبان"، ودية مع بقاء بعض التوترات قائمة، بينما لا توجد اتصالات تقريباً مع الهند.
على المنوال ذاته، أكدت تغريدات "طالبان" العلاقات الوثيقة مع قطر وإيران وتركيا. كذا، تعكس تغريدات "طالبان" اهتمامها بالمشاركة الإيجابية مع العديد من أعدائها السابقين. فمنذ أغسطس 2021، اجتمع قادة "طالبان" مع السفراء والممثلين الخاصين لليابان والاتحاد الأوروبي، بالإضافة لمسؤولين منفصلين من كثير من الدول الغربية، واهتمت "طالبان" بتغطية واسعة لهذه اللقاءات.
ومن المعروف أن "طالبان" لديها علاقات مع عدد قليل من الجماعات المسلحة، مثل "القاعدة"، وحركة "طالبان" باكستان (TTP)، والحركة الإسلامية في أوزبكستان، والحزب الإسلامي التركستاني. ومنذ أغسطس 2021، لم يذكر أي متحدث باسم "طالبان" أياً من هذه الجماعات بالاسم، على الرغم من أن "طالبان" دعمت علناً المحادثات بين حركة "طالبان" باكستان وإسلام أباد. فيما شكلت ولاية خراسان الإسلامية (ISKP)، الفرع الإقليمي لتنظيم "داعش"، أصعب تحدٍ أمني لـ"طالبان" منذ إنشاء الإمارة الإسلامية حيث تُعد رسائل "طالبان" حول الولاية محدودة ولكنها مختلطة.
وتُعد "الباشتو" اللغة الأكثر شيوعاً التي يستخدمها فريق الإعلام التابع لـ"طالبان" لرسائل العلاقات الخارجية، بينما تُعد "الداري/ الفارسية" ثاني أكثر اللغات شيوعاً في محتوى وسائط "طالبان". فيما تُعد اللغة العربية قليلة الاستخدام من قبل معظم فريق الإعلام لـ"طالبان"، إذ قام بعض المتحدثين باسم الحركة بتغريد نسخ عربية لمنشوراتهم التي تدين الهجمات على السعودية، لكن باستثناء ذلك لا يوجد نمط واضح لاستخدام اللغة العربية، حتى إن بعض التغريدات العربية تتعلق ببلدان غير ناطقة باللغة العربية.
بينما تُعد اللغة الإنجليزية شائعة الاستخدام من قبل المتحدثين الرسميين الرئيسيين لـ"طالبان"، كما أن الروايات التي تمثل كبار القادة تنشر أيضاً باللغة الإنجليزية بشكل متكرر، ومع ذلك نادراً ما يستخدم المتحدث باسم المكتب السياسي في الدوحة، محمد نعيم وردك، اللغة الإنجليزية.
وضع المرأة الأفغانية:
أثار وصول "طالبان" للسلطة مرة أخرى قلق المجتمع الدولي حول أوضاع المرأة، ففي ظل نظام الحركة السابق، تعرضت النساء للعنف والمضايقة والحرمان من الحقوق الجسدية والإقصاء من القوى العاملة وتقييد الوصول إلى التعليم والرعاية الصحية، لذا ثمة تخوفات من العودة إلى هذا الوضع، وفقدان المكاسب التي تحققت لحقوق المرأة في العقدين الماضيين. لذلك، تناقش تغريدات "طالبان"، باللغات "الباشتو"، و"الداري/ الفارسية"، والعربية، والإنجليزية، قضايا المرأة بشكل متكرر. ومع ذلك، فإن الموضوعات المرتبطة بالمرأة والتي تمت مناقشتها تختلف باختلاف المجموعات اللغوية التي تخاطبها.
بشكل عام، ركزت تغريدات "طالبان" المرتبطة بقضايا المرأة على سبعة موضوعات رئيسية، وهي: دعم وصول المرأة للتعليم ومشاركتها في القوى العاملة، وحماية حقوق المرأة، وسعادة المرأة الأفغانية بالنظام الجديد، والترويج لفكرة أن المخاوف الغربية بشأن حقوق المرأة غير صادقة، والتأكيد أن حقوق المرأة يجب أن تكون متماشية مع المبادئ الإسلامية، ونفي صحة التقارير الخارجية عن انتهاكات حقوق المرأة، وأخيراً ربطت رفاهية وتقدم المرأة الأفغانية بحجم المساعدات الخارجية الممنوحة لـ"طالبان".
وناقشت التغريدات في كل مجموعة لغوية موضوعات مختلفة، فقد ركزت الرسائل باللغة العربية على موضوعات دعم المرأة الأفغانية للنظام الحالي، والتشكيك في القلق الغربي فيما يتعلق بقضايا المرأة، وأهمية توافق حقوق المرأة مع القيم الإسلامية، فيما كانت المناقشات حول دعم "طالبان" لتعليم المرأة ومشاركتها في القوى العاملة، إلى جانب رفض التقارير حول انتهاكات حقوق المرأة، غائبة بشكلٍ ملحوظ في التغريدات العربية.
في المقابل، ظهرت أربعة موضوعات بشكل متكرر في تغريدات "الباشتو" و"الداري/ الفارسية"، وهي: دعم "طالبان" لتعليم المرأة ومشاركتها في القوى العاملة، ودعم الحركة لحقوق المرأة، وضرورة توافق حقوق المرأة مع مبادئ الإسلام، وأخيراً الحاجة إلى مساعدات خارجية لدعم تقدم المرأة ورفاهيتها، فيما لم يكرس مسؤولو "طالبان" الكثير من رسائل "الباشتو" و"الداري/ الفارسية" لمهاجمة المقاربات الغربية لحقوق المرأة.
فيما ظهر دعم الحركة لحقوق المرأة وتعليم المرأة وتوظيفها بشكلٍ كبير نسبياً في الرسائل باللغة الإنجليزية، كما كان اعتماد المرأة الأفغانية على المساعدات الدولية لتقدمها ورفاهيتها موضوعاً بارزاً آخر، بينما كرست تركيزاً محدوداً لمواءمة حقوق المرأة مع القيم الإسلامية.
ختاماً، لم تكشف هذه الدراسة عن استراتيجية شاملة وراء استخدام "طالبان" لوسائل التواصل الاجتماعي، فلا يوجد دليل ملموس على وجود تنسيق عالٍ لنشاط الحركة على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يستخدم القادة منفردون هذه الوسائل لإبلاغ الدوائر المحلية والإقليمية حول القضايا المسؤولين عنها، ويتم تصميم المنشورات لإعلام الجمهور المستهدف وإقناعه والتأثير فيه.