العلاقات بين اليهود والعرب في داخل إسرائيل سيئة، وكذلك بين اليهود المتدينين واليهود العلمانيين، ولكنّ العلاقات بين الإسرائيليين (اليهود) المنتمين إلى الجناح "اليساري" وأولئك المنتمين إلى الجناح اليميني هي "أسوأ من هذه وتلك بكثير"!!
ما من شك في أن هذه، تحديداً ـ بالإضافة إلى نتيجة أخرى تتعلق بمدى التأييد للدعوة إلى "تقسيم دولة إسرائيل، بسبب حالة التقاطب الاجتماعي الحاد فيها، إلى دولتين اثنتين: "دولة إسرائيل" العلمانية الليبرالية التي تشكل مدينة تل أبيب مركزها، و"دولة يهودا" الدينية المحافظة التي تشكل مدينة القدس مركزها" ـ هما النتيجتان الأبرز والأكثر لفتاً إلى الانتباه من بين النتائج التي خلص إليها استطلاع "مؤشر الصوت الإسرائيلي" لشهر أيار الأخير، والذي تركزت أسئلته في محاولة تقصّي مواقف الجمهور الإسرائيلي في عدد من القضايا المركزية، في مقدمتها بالطبع ما تشهده إسرائيل خلال الأشهر الأخيرة على خلفية ما يسمّى رسمياً بـ "برنامج الإصلاح القضائي"، حسب وصف أصحابه ومؤيديه، أو "خطة الانقلاب على السلطة" حسب وصف معارضيه، والشرخ العميق في داخل المجتمع الإسرائيلي (اليهودي)، الذي كشف عنه هذا البرنامج ووضعه على السطح بكل حدّته.
فقد نشر "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية" نتائج هذا الاستطلاع يوم الثلاثاء الأخير، السادس من حزيران الجاري، علماً بأن "مؤشر الصوت الإسرائيلي" هذا هو استطلاع شهريّ للرأي العام والسياسات في إسرائيل يجريه "مركز فيطربي" الذي يعمل في إطار "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية" منذ العام 1998. وهو مركز أبحاث مستقل متخصص في جمع، تحليل وحفظ معطيات عن المجتمع والسياسة الإسرائيليين. و"مؤشر الصوت الإسرائيلي" هو استطلاع شهريّ للآراء يُجرى مرة كل شهر، ابتداء من نيسان 2019. وقد أجري استطلاع المؤشر الأخير، لشهر أيار 2023، في الفترة بين 28 أيار الأخير و1 حزيران الجاري، وشمل عينة مستطلَعين من 767 شخصاً من الذكور والإناث (624 منهم من اليهود و143 من العرب، في سن 18 سنة وما فوق).
العلاقات الأفضل والعلاقات الأسوأ
في الإجابات على السؤال "كيف تصف العلاقات بين القطاعات/ المجموعات المختلفة في المجتمع الإسرائيلي اليوم؟"، حسب توزيعات ثنائية مختلفة، تبين أن العلاقات الأفضل بنظر الجمهور الإسرائيلي هي بين اليهود الأشكنازيين (الغربيين) واليهود السفاراديين (الشرقيين)، بينما العلاقات الأسوأ في المجتمع الإسرائيلي هي بين اليهود "اليساريين" واليهود اليمينيين. حتى أن هذه الأخيرة، حسب نتائج الاستطلاع، هي أسوأ من العلاقات بين اليهود والعرب في داخل إسرائيل!
وقد جاءت النتائج على النحو التالي: (أ) ـ العلاقات بين اليهود والعرب: قال 56.8% من مجمل المشاركين في الاستطلاع إنها سيئة أو سيئة جداً، بينما قال 8.7% إنها جيدة أو جيدة جداً واعتبرها 30% "وسط، بين بين". وبينما وصف 59.3% من اليهود المشاركين في الاستطلاع هذه العلاقات، بين اليهود والعرب، بأنها سيئة أو سيئة جداً، اختار 44.1% فقط من المشاركين العرب وصفها بأنها سيئة أو سيئة جداً. في المقابل، قال 7% من المشاركين اليهود إن هذه العلاقات، بين اليهود والعرب، جيدة أو جيدة جداً مقابل 17.2% من المشاركين العرب اعتبروها كذلك؛ (ب) ـ العلاقات بين أعضاء ومؤيدي "اليسار" من جهة وأعضاء ومؤيدي اليمين من جهة ثانية (الإسرائيليون/ اليهود): قال 67.2% من مجمل المشاركين إن هذه العلاقات سيئة أو سيئة جداً ـ 68.1% من المشاركين اليهود وصفوها كذلك، مقابل 62.5% من المشاركين العرب. وفي المقابل، قال 6.9% فقط من مجمل المشاركين في الاستطلاع إن هذه العلاقات، بين اليساريين واليمينيين، هي جيدة أو جيدة جداً ـ 7.5% فقط من المشاركين اليهود قالوا إنها كذلك، مقابل 4.3% فقط من المشاركين العرب؛ (ت) ـ العلاقات بين العلمانيين والمتدينين (اليهود): قال 45.1% من مجمل المشاركين إنها سيئة أو سيئة جداً ـ 43.7% من المشاركين اليهود وصفوها كذلك، مقابل 52.2% من المشاركين العرب في الاستطلاع. وفي المقابل، قال 16.5% فقط من مجمل المشاركين في الاستطلاع إن هذه العلاقات، بين العلمانيين والمتدينين (اليهود)، هي علاقات جيدة أو جيدة جداً ـ 18% من المشاركين اليهود اعتبروها كذلك، مقابل 8.7% فقط من المشاركين العرب؛ (ث) ـ العلاقات بين (اليهود) الأشكنازيين والسفاراديين: هي العلاقات الأفضل حسب نتائج الاستطلاع. فقد اعتبرها 39% من مجمل المشاركين جيدة أو جيدة جدا ـ 43.7% من المشاركين اليهود اعتبروها كذلك مقابل 14.6% من المشاركين العرب، بينما قال 21.8% فقط من مجمل المشاركين إن هذه العلاقات، بين الأشكنازيين والسفاراديين، هي علاقات سيئة أو سيئة جداً، وهو ما قاله 18.9% من المشاركين اليهود مقابل 37% من المشاركين العرب.
الثقة بالمؤسسات الرسمية
يشير معدو الاستطلاع إلى أن الأسئلة التي تتعلق بمدى ثقة الجمهور بمؤسسات الحكم الرسمية تُطرح عادة في نهاية كل سنة، لكنهم قرروا الآن شملها في هذا الاستطلاع الشهري، بعد مضيّ نصف سنة على تشكيل الحكومة الجديدة، حكومة "اليمين الخالص" في إسرائيل. وقد بينت النتائج في هذا المجال أن ثقة الجمهور بالكنيست لا تزال متدنية جداً، رغم التحسن الذي طرأ قياساً بالسنة الماضية التي شهدت سقوط "حكومة التغيير" برئاسة يائير لبيد ونفتالي بينيت. فمنذ حزيران 2022، موعد سقوط تلك الحكومة، حين هبطت ثقة الجمهور عموماً، بين مجمل المشاركين في الاستطلاع، إلى 14% فقط، حصل ارتفاع مستمر حتى بلغت النسبة الآن، في الاستطلاع الجديد، 26% من مجمل الجمهور الإسرائيلي. وهي نسبة متدنية جداً دون شك (تعادل، تقريباً، نسبة الثقة التي حظي بها الكنيست مع إقامة حكومة بينيت ـ لبيد في حزيران 2021، إذ بلغت آنذاك 27.5%) بالمقارنة مع سنوات ماضية: بين 2003 و2012 ـ 40.6% بالمعدّل وبين 2013 و2022 ـ 30.5% بالمعدل.
وتبين النتائج أن ثقة الجمهور اليهودي بالكنيست هي أعلى من ثقة الجمهور العربي. فبينما قال 27.7% من المشاركين اليهود في الاستطلاع إن لديهم ثقة كبيرة أو كبيرة جداً بالكنيست، قال ذلك 15.5% فقط من المشاركين العرب. أما النسبة بين مجمل المشاركين في الاستطلاع فكانت 25.7%، بينما قال 69.1% من مجمل المشاركين إن ثقتهم بالكنيست معدومة تماماً أو قليلة جداً. وهو ما قاله 67.4% من المشاركين اليهود و78% من المشاركين العرب.
النتائج ذاتها، تقريباً، ظهرت في السؤال عن ثقة الجمهور بالحكومة الإسرائيلية: فبينما قال 66.2% من مجمل المشاركين إن ثقتهم بالحكومة معدومة تماماً أو قليلة جداً (وهو ما قاله 64.8% من اليهود المشاركين في الاستطلاع و73.4% من المشاركين العرب)، قال 29% فقط من مجمل المشاركين إن لديهم ثقة كبيرة أو كبيرة جداً بالحكومة ـ وهو ما قاله 31.3% من اليهود و17.4% فقط من العرب.
ورغم أن النتائج بيّنت أن وضعها أفضل بقليل من الكنيست (السلطة التشريعية) والحكومة (السلطة التنفيذية)، إلا أن ثقة الجمهور بالمحكمة العليا (السلطة القضائية) لا تزال متدنية أيضاً. فقد قال 42.9% من مجمل المشاركين في الاستطلاع إن ثقتهم بالمحكمة العليا كبيرة أو كبيرة جداً (وهو ما قاله 40.5% من اليهود المشاركين في الاستطلاع و55.4% من المشاركين العرب)، بينما قال 51.1% من مجمل المشاركين في الاستطلاع إن ثقتهم بالمحكمة العليا معدومة تماماً أو قليلة جداً، وهو ما قاله 52.8% من المشاركين اليهود و37% من المشاركين العرب.
توضح هذه النتائج أن ثقة الجمهور العربي بالمحكمة العليا لا تزال مرتفعة، جداً نسبياً، وهي أكبر من ثقة الجمهور اليهودي بها، على عكس الثقة بالكنيست والحكومة، حيث ثقة الجمهور اليهودي بكل منهما أعلى من ثقة الجمهور العربي.
وعلى عكس ذلك تماماً، تبين النتائج أن ثقة الجمهور العربي بالسلطات المحلية (البلديات والمجالس المحلية) هي أدنى من ثقة الجمهور اليهودي بهذه السلطات: فقد قال 38.3% من المشاركين العرب في الاستطلاع ـ مقابل 55.1% من المشاركين اليهود ـ إن لديهم ثقة كبيرة أو كبيرة جداً بالبلديات والمجالس المحلية التي يسكنون ضمن نطاق نفوذها (وهو ما قاله 52.4% من مجمل المشاركين في الاستطلاع)، بينما قال 59.9% من المشاركين العرب إن ثقتهم بهذه البلديات والمجالس معدومة تماماً أو قليلة جداً، وهو ما قاله 39.2% من المشاركين اليهود و42.5% من مجمل المشاركين في الاستطلاع.
"دولتان لشعب (يهودي) واحد"!
على خلفية حالة التوتر الشديد التي كشف عنها الخلاف الحاد حول "الإصلاح القضائي" الذي تسعى الحكومة الجديدة إلى تنفيذه، بينما يعتبره معارضوه محاولة "لتنفيذ انقلاب على السلطة"، حاول استطلاع "مؤشر الصوت الإسرائيلي" الأخير استيضاح رأي الجمهور بشأن الدعوة التي أطلقتها بعض الأصوات في المجتمع الإسرائيلي "لتقسيم الدولة إلى دولتين: دولة "إسرائيل" العلمانية الليبرالية بحيث تكون مدينة تل أبيب مركزها، ودولة "يهودا" المتدينة المحافظة بحيث تكون مدينة القدس مركزها". وفي النتائج، عبرت أغلبية ساحقة (72.6%) من مجمل المشاركين في الاستطلاع عن معارضتها لهذه الدعوة، وهو ما عبر عنه أيضاً 67.9% من المشاركين اليهود و65.6% من المشاركين العرب؛ بينما أيّده 15.2% من مجمل المشاركين في الاستطلاع و15.9% من المشاركين اليهود و12.2% من المشاركين العرب.
ورغم التأييد المتدني بوضوح لهذه الفكرة بين الجمهور اليهودي (نحو 16% فقط)، إلا أنه من الممكن ملاحظة الفوارق بين المجموعات المختلفة: فمثلاً، بين الحريديم والعلمانيين ـ 21% من العلمانيين يؤيدون فكرة "التقسيم" إلى دولتين، مقابل 10% فقط من الحريديم و9% فقط من المتدينين الصهيونيين و14% من المحافظين المتدينين و13% من المحافظين غير المتدينين. أما الفجوة الأكبر بين مؤيدي هذه الفكرة ومعارضيها فنجدها ـ بحسب نتائج الاستطلاع ـ لدى الجمهور اليهودي حسب الانتماء إلى المعسكر السياسي: 32% من مؤيدي "اليسار" يؤيدون الفكرة مقابل 9% فقط بين مؤيدي "الوسط" واليمين.
وأما في توزيعة الجمهور اليهودي بحسب منطقة السكن، فقد بينت النتائج أن سكان تل أبيب والجنوب يؤيدون الفكرة أكثر بكثير (19.5% و19% على التوالي) من سكان القدس والشمال (11% و13% على التوالي).