• اخر تحديث : 2024-04-29 01:16
news-details
تقارير

هل أصبح الحياد نقطة قوة في العلاقات الدولية؟


تدفع العديد من الاتجاهات الدولية إلى أنه قد تمت المبالغة في زوال وانتهاء الحياد في القضايا العالمية؛ حيث تم تفسير العضوية الفنلندية وطلب السويد الانضمام إلى حلف الناتو، من بعض النواحي، دليلاً على التراجع كذلك. وفي الحروب – على غرار الحرب الروسية على أوكرانيا – لا يمكن الدفاع عن الحياد، حسبما يعتقد البعض؛ إذ يتم توبيخ أولئك الذين ما زالوا ممتنعين عن إرسال أسلحة إلى أوكرانيا أو الذين يعاقبون روسيا. ومع ذلك فإن الحياد لم ينته، سواء أحب النقاد ذلك أم لا. وفي ضوء هذا نشر موقع “فورين بوليسي”، تقريراً للكاتبين باسكال لوتاز وهاينز جارتنر بعنوان “الحياد وعدم الانحياز علامة على القوة”، ويمكن استعراض أبرز ما جاء فيه على النحو التالي:

1عدم وجود تعريف مقبول لماهية الحياد: بحسب التقرير، فإنه لا يوجد تعريف مقبول عالمياً لما يعنيه الحياد في الواقع، باعتباره مفهوماً سياسيّاً، وإنما يُفهم فهماً شائعاً على أنه عدم الانحياز إلى أي طرف في النزاعات الدولية. لكن هذا التعريف السطحي، هو أيضاً أصل التصور الخاطئ بأن المحايدين غير مُبالين سياسيّاً، وهذا عكس الواقع تماماً. ولقد تم تعريف الحياد بموجب القانون الدولي قبل الحرب العالمية الأولى، ولكن جرى ذلك فقط في إطار علاقة أطراف ثالثة بالأطراف المتحاربة أثناء حروب إطلاق النار. وغالباً ما يكون هذا الفهم عديم الفائدة تماماً للتحليل السياسي؛ لأنه يتجاهل حياد وقت السلم، ويخلق عالماً ثنائياً تكون فيه الدولة إما محاربة أو محايدة، مع عدم وجود شيء بينهما؛ فنادراً ما يتوافق ذلك مع الواقع، كما يتضح من دعم سويسرا عقوبات الاتحاد الأوروبي ضد روسيا، بينما تمتنع عن إرسال أسلحة إلى أوكرانيا. خلال الحرب الباردة، تحول الفهم المشترك للحياد، من عدم المشاركة في الحروب الخارجية إلى عدم المشاركة في التحالفات العسكرية؛ فالدول التي تذكر الحياد في مبادئ سياستها الخارجية أو حتى دساتيرها، مثل سويسرا والنمسا وأيرلندا، أو صربيا ومولدوفا ومنغوليا مؤخراً، تَعِد ببساطة بالالتزام دائماً بالقوانين الأساسية للحياد في أي نزاع مستقبلي، خاصةً عندما تتعلق بالمشاركة العسكرية النشطة.

2استمرار استراتيجية الحياد في النظام الدولي: تعتبر المواقف الحيادية المبدئية، دائماً وفي كل مكان، ردود فعل على النزاع. وما دام النزاع موجوداً، فسيظل المحايدون كذلك. الحجة هي نفسها دائماً، أن عدم مساعدة الجانب الجيد من الصراع الملحمي بين الخير والشر، يساوي فعل الشر نفسه. وعلى الرغم من أن الحروب عادةً ما تلتهم بعض المحايدين، إلا أنها دائماً ما تولد حروباً جديدة؛ فعلى سبيل المثال، خلقت حروب نابليون حياداً دائماً لسويسرا، وأدت الثورة البلجيكية ضد الهولنديين إلى إصدار بروكسل الحياد نفسه. كذلك فإن الحرب الحالية على أوكرانيا ليست استثناءً؛ إذ أدت إلى ظهور سياسات محايدة في ما يقرب من ثلثي العالم. وبذلك فإن سلوك الدول الثالثة بعدم الانحياز، هو حقيقة من حقائق السياسة الدولية، وسيظل كذلك.

3دحض الادعاء بسلبية القوى المحايدة: هناك سوء فهم عميق ومنتشر حول آثار الحياد، وأسباب تبني الدول له. الأكثر انتشاراً هو الادعاء بأن المحايدين سلبيون في سياساتهم الخارجية، وإن كان العكس هو الصحيح؛ حيث يعد الحفاظ على سياسة مستقلة لا تتماشى مع رغبات المتحاربين، أمراً صعباً للغاية، ويتطلب مشاركة مستمرة مع جميع أطراف النزاع. كان هذا صحيحاً بالنسبة إلى إسبانيا والسويد وسويسرا خلال الحرب العالمية الثانية، وهو صحيح اليوم أيضاً بالنسبة إلى دول مثل الهند وجنوب إفريقيا وتقريباً جميع البلدان في أمريكا اللاتينية، التي تتبادل هذه العلاقات مع روسيا وأوكرانيا والغرب، لتحقيق توازن عدم الانحياز خلال هذه الحرب.

4رفض وصف الحياد بأنه علامة ضعف: الافتراض الثاني هو أن الحياد يساوي الضعف والهدوء. لكن سياسة الحياد الفعالة على العكس؛ عادةً ما تكون علامة على القوة، كما كانت بالنسبة إلى الولايات المتحدة خلال 150 عاماً من الحياد؛ فمن الضروري أن يكون المحايدون أقوياء – عسكريّاً وأيديولوجيّاً – لتحمل الانتقادات والتهديدات من جميع أطراف النزاع للحفاظ على مواقفهم المستقلة، مثلما يظهر من الضغط على الهند للانحياز إلى أحد الجانبين في النزاع الروسي–الأوكراني.

5تعدُّد شروط نجاح المواقف الحيادية: يجب أن يفي المحايد الناجح بشرطين على الأقل: أولاً– يجب أن يكون وضعه موثوقاً ويمكن التنبؤ به. وهذا يعني أن المحايدين يجب أن ينقلوا مواقفهم السياسية بشكل لا لبس فيه، وأن يكونوا قادرين على وضع حد أدنى من الدفاع عن أنفسهم إذا تعرضوا للهجوم، ولكن في الوقت نفسه، لا يعني ذلك أن الدول المحايدة بحاجة إلى أن تكون مسلحة أكثر من اللازم؛ لأن مصداقية المحايدة تعني أيضاً عدم تشكيل تهديد لأيٍّ من الجانبين؛ فإذا أدرك أحد الطرفين أن المحايد يمثل تهديداً؛ إما لأنه مسلح أكثر من اللازم، أو يتعاون على نطاق واسع مع العدو، فغالباً ما يصبح المحايد بذلك هدفاً لهجوم اقتصادي أو عسكري، كما حدث مع لاوس وكمبوديا في حرب فيتنام. ثانياً– يجب أن تكون الدولة المحايدة مفيدة. ويمكن القيام بذلك من خلال تولي وظيفة الدولة التجارية، وتقديم خدمات إدارية جيدة تمثل المتحاربين دبلوماسياً على أرض أعدائهم. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تقوم الدولة المحايدة بالعمل وسيطاً دبلوماسيّاً للمفاوضات، وتقدم الخدمات المصرفية والعملة لجميع الأطراف، أو حتى القبول الضمني لعمليات التجسس على أراضيها لتعمل كمركز استخبارات.

6تعدُّد الفوائد الاستراتيجية للحياد: غالباً ما يُفترض أن المحايدين محرومون من الناحية الاستراتيجية؛ إذ لا يمكنهم الاعتماد على الدعم الخارجي لمواجهة التهديدات. ولكن كونك مفيداً للمتحاربين هو أفضل ضمان أمني يمكن أن تحصل عليه الدولة؛ حيث يزيد ذلك بشكل كبير من تكلفة الهجوم للغزاة المحتملين، إلى الحد الذي قد يكون فيه كلا طرفي النزاع مستعدَّيْن للتدخل، في حالة مهاجمة المحايد. كان هذا هو الحال بالنسبة إلى بلجيكا المحايدة في عام 1914؛ حين دفع انتهاك ألمانيا لحيادها، المملكة المتحدة وفرنسا إلى إعلان الحرب لمساعدة بلجيكا، دونما حاجة إلى وجود تحالف. لكن ماذا عن أوكرانيا؛ فإنها تتبنى شرط الحياد في دستورها، ومع ذلك تمت مهاجمتها. لم يقتصر الأمر على وعد حلف الناتو بعضوية أوكرانيا في نهاية المطاف خلال قمة بوخارست عام 2008، بل أطاحت ثورة الميدان بالحكومة المنتخبة لفيكتور يانوكوفيتش، وجلبت القوات الموالية لحلف شمال الأطلسي. وبذلك فإنه مع اختفاء وضع أوكرانيا باعتبارها دولةً محايدةً، أو على الأقل كانت موضع شك؛ شنت روسيا هجومها في عام 2014. بالنسبة إلى أوكرانيا، كان الحياد الدائم خياراً قبل بدء الحرب الروسية. أما الآن فسيكون التقسيم الدائم للبلاد أكثر احتمالاً.

ولقد أثبت المحايدون أهميتهم، خاصةً خلال الحرب الباردة؛ حيث وضع حزام المحايدين من فنلندا والسويد وصولاً إلى سويسرا والنمسا ويوغوسلافيا، مساحة فعلية بين حلف الناتو وأعضاء حلف وارسو. والآن بعد أن تخلت فنلندا والسويد عن أدوارهما، أشارت روسيا بالفعل إلى أنها ستعاملهما باعتبارهما من التهديدات المحتملة؛ ما يجعلهما دولتين في خط المواجهة في حالة نشوب حرب بين الناتو وروسيا. وقد أدرك المستشار النمساوي السابق برونو كريسكي تلك الديناميكية؛ لذا حاول جاهداً تسوية أكبر عدد ممكن من المنظمات الدولية في فيينا؛ لأنها ستثبت فائدة النمسا، وستكون بمنزلة ضمان عملي ضد هجوم نووي. وبذلك فإن الحياد الملتزم يعني القيام بدور نشط لمصالح الفرد ومصالح جميع الأطراف المتنازعة، كما تلتزم الدول المحايدة المشاركة برفع أصواتها عندما يتعلق الأمر بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان أو الإبادة الجماعية أو الحرب.

وختاماً، أوضح التقرير أن مسألة انتهاء عدم الانحياز منذ فترة طويلة أو عودة ظهورها، هي محل نقاش؛ فعندما يتعلق الأمر بالحياد، يبرز سؤالان مهمان: أولاً– أي المحايدين سيغادر الساحة؟ وأيهم سيولد؟ ثانياً– هل سيلعب المحايدون دوراً بنَّاءً في الصراع العالمي الجديد؟ أم سينحسرون إلى الهامش؟ بوجه عام، يبقى الحياد – في السلام أو الحرب – موجودًا، ويتعيَّن التفكير في كيفية استخدامه بأسلوب منتج.