• اخر تحديث : 2024-04-29 01:16
news-details
قراءات

تقرير "أمان": الخلفية والأبعاد الإعلامية


سلط الإعلام الإسرائيلي الضوء كثيرًا على ما عُرف برسائل وتقارير "أمان " لنتنياهو، والتي كان آخرها قبل يوميْن من التصويت على إلغاء حجة المعقولية، حيث حذرت من تراجع الردع العسكري وزيادة الخطر الأمني على دولة الاحتلال، تحديدًا من جهة حزب الله على وجه الخصوص، شعبة الاستخبارات العسكرية "أمان" أحد أهم أقسامها وحدة التخطيط والأبحاث والدراسات، المسؤولة عن تقديم تقدير موقف دوري عن التحديات والأخطار الأمنية والعسكرية التي تواجهها دولة الاحتلال، وعادةً تحظى تقارير "أمان" بأهمية عليا من قِبل المستوى السياسي وتغطية إعلامية للجزء العلني منها.

"أمان" ترصد بشكل دائم المخاطر والفرص في كل الساحات والميادين، الساخنة والباردة، من غزة والضفة ولبنان حتى إيران. وبحسب وكالات الإعلام الإسرائيلية، فإن التقرير الأخير تضمّن تحذيرات قوية، وقد كان لهذا التقرير وقع وصدى كبير، لا سيما على خلفية التوترات في الأسابيع الأخيرة في الشمال، وعلى خلفية الانقسام الشديد داخل إسرائيل بسبب التشريعات القضائية ورسائل ضباط الاحتياط الاحتجاجية، وقد ترافق ذلك مع حديث عاموس يدلين (رئيس الاستخبارات العسكرية سابقًا) عن "قوات الرضوان"، قوات النخبة التابعة لحزب الله، ومخططاتها لاختراق الحدود والسيطرة على المجمعات الاستيطانية في الشمال، وتحذيره الواضح بأن هذه القوات في الحرب القادمة هي مَن سيقتحم الحدود، وليس جنود جيش الاحتلال.

التقرير تناول تقديرات محور المقاومة بأن إسرائيل تعيش الآن أكثر لحظاتها ضعفًا، حيث تراجعت كل مُكونات القوة الإسرائيلية بشكل كبير، والتي تتمثل بحسب تقديرات محور المقاومة - كما جاء في التقرير - بقوة الجيش والتماسك الداخلي والعلاقة مع أمريكا والاقتصاد القوي، ويُلاحظ التقرير أن تقدير محور المقاومة أن إسرائيل تعاني ضعفًا كبيرًا على هذه المستويات الأربعة، فقوة الجيش في تراجع، حيث يعاني من انقسامات وتشكيك في الشرعية السياسية، والاقتصاد يعاني، والعلاقة مع أمريكا تعيش أزمة كبيرة، والتصدع الداخلي بات أمرًا واقعًا.

لكن التقرير، وكما أفادت صحيفة "يديعوت"، يشير إلى أن محور المقاومة في اجتماعه التقييمي لحالة دولة الاحتلال فضّل عدم التدخل وأن يترك إسرائيل تنزف من الداخل. كما أن رئيس هيئة الأركان هرتسي هليفي قدم مؤخرًا تقديرًا لنتنياهو يدعم ما جاء في تقدير "أمان"، وتؤكد الصحيفة أنه على الرغم من اختيار محور المقاومة للمراقبة دون تدخل، فإن صيف العام الجاري هو الأخطر من حيث احتمالات التصعيد.

ما جاء في التقرير هو تقدير موقف طبيعي في سياق القراءة المسؤولة للتحديات والمخاطر، ويعكس إلى حد كبير واقع التحديات والمخاطر، وهو لم يخرج عن العادة المتعارف عليها لمثل هذه التقارير التي تصدرها الأجهزة الأمنية، لا سيما بعد فشل تقديرات حرب أكتوبر 1973 وما وُصف في حينه بالكارثة والفشل الكبير، وتميل عادة مثل هذه التقارير المبالغة في التحذير من المخاطر من باب الحرص الزائد وعدم تحمل المسؤولية وترك القرار للمستوى السياسي.

ومن الطبيعي تمامًا أن تنشغل قوى ودول محور المقاومة بدراسة إسرائيل ومتابعة ما تمر بهِ من تطورات وأحداث ترصدها وتراقبها وتحللها وتستخلص النتائج، سواء بدافع الاستعداد لأي جنون إسرائيلي للهروب من أزماتها الداخلية أو بدافع استثمار أيّ فرص مُمكنة، ومعاناة إسرائيل الداخلية الناتجة عن أزمتها السياسية هي أمر معروف وعلني، وليس بحاجة لمتخصصين ومتابعين للوقوف عليه، لكن بالمقابل كل من يملك بصيرة يدرك أن إسرائيل المنقسمة والمنشغلة بذاتها واحتياطها الذي يعلن التوقف عن الالتحاق بالتدريبات سرعان ما تنسى أزمتها، تؤجلها أو تجمدها، في حال نشوب أيّ خطر أمني والتاريخ القريب يشهد كيف أن نتنياهو يوظف أيّ تصعيد للتهرب من الأزمة الداخلية، ولو مؤقتًا، لأن أجندته أصلًا تقوم على مبدأ إثارة الخوف وعلى الأولويات الأمنية، ومن الحكمة بمكان أن اختار محور المقاومة ترك إسرائيل تنزف من الداخل، إن كان هذا حقًا ما اختاره المحور، بحسب صحيفة "يديعوت".

إلا أن الأمر غير الطبيعي هو المبالغة الإعلامية في تناول المخاطر التي يرصدها التقرير، وتوقيت تقديم التقرير قبل ساعات من تمرير مشروع إلغاء المعقولية، والهدف هو توظيف ما جاء في التقرير من مخاطر على أمن إسرائيل في الحرب الكبرى التي تخوضها المعارضة ضد نتنياهو وتشريعاته، وهي حرب طاحن لم تدخر فيها المعارضة أيًا من أسلحتها، حيث رمت فيها بكل ثقلها مستخدمة كل ما يمكن استخدامه من أسلحة، حتى بمخاطرة تجاوز القانون والمخاطرة بأمن الدولة وقدسية تماسك الجيش وخطر تسييسه، وذلك لإظهار نتنياهو وحكومته على أنهم مَن يقامر بأمن الدولة ومستقبلها، في سبيل أجندات خاصة وأيديولوجية.