• اخر تحديث : 2024-12-20 17:12
news-details
مقالات عربية

تصاعد المقاومة وتهديدات الاحتلال برد استعراضي


المقاومة الفلسطينية، وتحديدًا المسلحة منها، في الضفة تتصاعد يوميًا، وتكتسب زخمًا غير مسبوق، وعدد القتلى من الجنود والمستوطنين، منذ بداية العام، الذي بلغ 35 قتيلًا، وهو قد تجاوز إحصائيات القتلى السنوية؛ يشير إلى التقدم النوعي والكمي من حيث التدريب والتخطيط والسلاح والقدرة على استخدامه، ومن حيث الجرأة أيضًا، وهو الأمر الذي يفهمه قادة الاحتلال ومستوطنيه، ومعه يجن جنونهم، فحكومة اليمين المتطرف، التي ليس لديها خطوط حمراء تجاه الفلسطينيين؛ تفشل فشلًا ذريعًا في تحجيم المقاومة وفي ردعها، برغم كل أعمال القتل والبطش والاجتياحات، وكل ما وعدوا جمهورهم ومستوطنيهم فيه بإعادة الردع ينهار يومًا بعد يوم، ورغم نشر أكثر من 23 كتيبة في مدن الضفة (رقم قياسي ومرهق للجيش)، عجزوا عن توفير الأمن للمستوطنين، وظل المقاومون ينجحون في تحديد الثغرات ونقاط الضعف والاشتباك والانسحاب الآمن.

بين عمليتيْ حوارة والخليل أقل من 48 ساعة، وعملية الخليل تحديدًا استفزتهم بشكل استثنائي، فحضر بشكل غريب وغير مسبوق إلى مكان العملية رئيس الوزراء ووزير أمنه ورئيس الأركان وقادة لواء وفرقة الضفة ورئيس "الشاباك"، ومن هناك أطلقوا العنان لتصريحاتٍ عن نية الانتقام وتدفيع الثمن للتغطية على العجز والفشل، ولتهدئة خواطر المستوطنين وتحسين شعورهم بالأمن المفقود.

من جهة أخرى، فإن عدد الشهداء الفلسطينيين الذين قتِلوا وصُفوا، من نساء وأطفال ورجال ومقاتلين، على يد الجيش وعلى يد المستوطنين، أيضًا غير مسبوق، والواقع على الأرض يشهد بهجوم عدواني هو الأشد والأكثر فتكًا منذ سنوات اجتياحات متعددة وشبه يومية للمدن والبلدات والقرى وانتشار كثيف للحواجز وعربدة المستوطنين، التي وصلت إلى حد القتل والحرق، فضلًا عن الإغداق المالي الكبير لتوسعة ومضاعفة حجم المستوطنات وعدد المستوطنين، بما يرسم مشهدًا لتصعيد عدواني كبير تقابله مقاومة متصاعدة أكثر جرأة وقدرة على الرد على جرائم الاحتلال.

إلا أن الاحتلال ومستوطنيه، وكعادة المجرمين الذين لا يفهمون إلا لغة القوة، لا تعنيهم بشيء أرقام الضحايا من الفلسطينيين ولا حجم معاناتهم، وبغباء واستكبار شديديْن، ولأسباب أيديولوجية، لا يحاولون فهم أسباب رد الفعل المقاوم الفلسطيني، ويترجمون ذلك بالمزيد من العنف والقتل ردًا على عمليات المقاومة، سواء السلمية منها أو العسكرية، لكن مَن يستصعب عليه الفهم اليوم، فسيفهم بالمزيد من القوة غدًا وسيعرف محدودية قوته، كما فهموا ذلك سابقًا وبشكل متأخر في جنوب لبنان وفي القطاع، وسيكتوون مضطرين أن شعبًا تحت الاحتلال لا يُمكن ردعه أبدًا، وأن الردع فقط هو من نصيب الاحتلال.

لكن المكابرة لا زالت تتسيد التفكير والمنطق الاحتلالي، وأمام عجزهم ومشاهد ضجيج المستوطنين المتهم للجيش بالتقصير والمطالب بالمزيد من الحماية والتصريحات المنفلتة لبن غفير ووزراء المستوطنين واتهامات المعارضة بأن حكومة "المستر أمن" هي الأكثر فقدانًا للأمن؛ هدد نتنياهو وأركان حكومته من مكان العملية في مدينة الخليل بالرد والانتقام من المنفذين ومرسليهم، في تهديد واضح لقادة المقاومة في القطاع وسوريا ولبنان، ولم ينسَ إيران بالطبع من الاتهام والتحريض عليها وتهديدها.

ولإرضاء بن غفير وسموتريتش، وتخوفًا من التصعيد الفلسطيني المقاوم، دعا إلى اجتماع للكابينت واستقدم موعده المقرر مسبقًا من العاشر من سبتمبر القادم إلى يوم الثلاثاء الماضي، أي إلى اليوم التالي للعملية. وبعد ثلاث ساعات من الكلمات التصعيدية لبن غفير وسموتريتش المطالبة بالتصعيد الاستيطاني وجباية الثمن والتضييق على الأسرى وسلبهم لأبسط مقومات الحياة، وتبادل الاتهامات وعلو الصراخ بين بن غفير وغالنت؛ قرر الكابينت تفويض نتنياهو وغالنت باتخاذ خطوات تستهدف المقاومين الفلسطينيين ومرسليهم - بحسب إعلان مكتب نتنياهو - في إشارة واضحة لاحتمال استهداف بعض قادة المقاومة في إحدى الساحات (لبنان، سوريا، قطاع غزة).

حكومة نتنياهو تعيش في مأزق حقيقي، أمني في الضفة، وداخلي وخارجي، وحجم الرضى عن أدائها بين جمهور المستطلعين في أسوأ مراحله، ويبدو واضحًا أن نتنياهو فقد قدرة التأثير الكبير على الحكومة، وقد شاهدنا سابقًا كيف أن بن غفير أثر كثيرًا على قرار الجيش بالعودة للاغتيالات من الجو في الضفة، في سابقة لم تحدث منذ عام 2005، وكيف كان له تأثير على العدوان على قادة الجهاد في القطاع.

اليوم، حكومة نتنياهو أحوج ما تكون لإظهار قوتها وقدرتها عبر عملية استعراضية، تستعيد فيها بعضًا من ثقة جمهورها، والأهم ان تكون استعراضية، وبأقل ثمن، وربما يكون معيار الاستعراض والثمن القليل هو معيار ترشيح ساحة العدوان.