• اخر تحديث : 2024-05-02 20:55
news-details
قراءات

توجهات قادة موجة الانقلابات الأخيرة في أفريقيا


ترتبط موجة الانقلابات التي شهدتها خمس دول أفريقية في منطقة الساحل منذ عام 2020 بصعود نخبة حاكمة من العسكريين الجدد يمثلون مرحلة جديدة في السياق الأفريقي ربما تشهد ملامح تشكُّل نظام إقليمي جديد هناك، لا سيما أن صعودهم يرتبط بتحولات جوهرية على الصعيدين الإقليمي والدولي في إطار تغير التحالفات الدولية لأفريقيا؛ وذلك عقب التخلص من بعض الأنظمة الحاكمة التي تعد حليفاً رئيسيّاً للغرب وفرنسا في الساحل وغرب أفريقيا، وتزامناً مع صعود المنافسات الدولية بين القوى الفاعلة، لا سيما روسيا والصين والغرب – بما في ذلك باريس وواشنطن – في عدد من المناطق الاستراتيجية بالقارة. وهو ما يعكس أهمية تسليط الضوء على السمات والقواسم المشتركة للعسكريين الجدد في القارة، وتداعيات صعودهم إلى السلطة على المستويين الداخلي والخارجي خلال الفترة المقبلة، خاصةً مع التوقعات بتوسع حزام الانقلابات في الساحة الأفريقية مستقبلاً.

سياقات متشابهة

هناك العديد من السمات المميزة والقواسم المشتركة بين النخبة الحاكمة الجديدة عقب سلسلة الانقلابات الأخيرة في أفريقيا، ويمكن الإشارة إلى أبرزها على النحو التالي:

1– قادة صغار السن برتب عسكرية متوسطة: شهدت الانقلابات الأخيرة في دول مالي وبوركينا فاسو وغينيا والجابون، صعود قادة برتب عسكرية مختلفة، مثل الجنرال عبد الرحمن تشياني قائد الحرس الرئاسي في النيجر (59 عاماً)، والجنرال بريس نجويما قائد الحرس الرئاسي في الجابون، والجنرال مامادي دومبويا قائد القوات الخاصة المرتبطة بالرئاسة في غينيا (42 عاماً)، والكابتن إبراهيم تراوري الضابط العسكري في جيش بوركينا فاسو، والجنرال أوسيمي جويتا الضابط العسكري في الجيش المالي (40 عاماً).

كما تتباين سياقات البيئات التي نشأ بها هؤلاء القادة العسكريون؛ فعلى سبيل المثال ينحدر الجنرال تشياني من بلدة فيلينقي الفقيرة القاحلة بمنطقة تيلابيري شمال شرق العاصمة النيجرية نيامي، في حين تشير تقارير إلى أن قائد انقلاب الجابون هو ابن عم الرئيس السابق المعزول علي بونجو، كما أن أوسيمي جويتا هو نجل مدير سابق للشرطة العسكرية المالية. ولم يؤثر هذا التباين في إدراك العسكريين لتفاقم الأزمات الاقتصادية والأمنية للشعوب التي دفعتهم إلى اتخاذ قراراتهم بالإطاحة بالأنظمة الحاكمة التي فشلت في معالجة التحديات التي تواجه بلدانها.

2– امتلاك قدرات وكفاءات عسكرية عالية: يمتلك العسكريون الجدد خبرات كبيرة في الشأن العسكري، لا سيما أن معظمهم قد التحقوا بالدراسة العسكرية في الخارج، كما شاركوا في التدريبات العسكرية والبعثات الأممية لحفظ السلام في عدد من الدول الأفريقية وغيرها؛ إذ يصف البعض أوسيمي جويتا بأنه “عسكري محترف لا يترك شيئاً يمر”؛ حيث درس في أكاديمية كاتي العسكرية بمالي، وشارك في بعض التدريبات العسكرية بعدد من الدول مثل ألمانيا وفرنسا والولايات المتحدة، كما أسهم في ساحة القتال بالمناطق الساخنة في البلاد مثل شمال مالي.

كما تعددت الخبرات العسكرية للجنرال مامادي دومبويا من خلال دراسته في فرنسا وحصوله على بعض الدورات التدريبية العسكرية من دول السنغال والجابون وفرنسا وإسرائيل، إضافة إلى حصوله على ماجستير في الدفاع والديناميات الصناعية من جامعة بانثيون بباريس، وهو خبير في الدفاع والقيادة والاستراتيجية، بجانب انضمامه إلى الفيلق الأجنبي بفرنسا؛ بسبب قدراته العسكرية الفائقة، بينما خدم الجنرال “عبد الرحمن تشياني” (مالي) في عدة بعثات للأمم المتحدة في دول كوت ديفوار والكونغو والسودان.

3– الاستفادة من الأزمات الهيكلية الحاكمة: وهي متلازمة مستمرة مع دول الساحل التي تعاني جملة من الأزمات والتحديات على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية التي باتت تشكل ضغطاً كبيراً على أطر الحكم الهشة، وهو ما يجعل الانقلابات العسكرية تمثل استجابة ضرورية لهذه التحديات الهائلة، في ظل فشل النخب الحاكمة في معالجتها بأسلوب فعال؛ ما أثر سلباً على الأوضاع المعيشية لقطاعات كبيرة من المواطنين، وإدراك العسكريين بأن ذلك يمثل سبباً كافياً للقيام بالانقلابات، وربما يكون انعكاساً لقربهم من نبض الرأي العام الأفريقي.

4– ترحيب شعبي متنامٍ بالقادة الجدد: غالباً ما يحظى العسكريون في أفريقيا بدعم شعبي واسع لتحركاتهم للإطاحة بالأنظمة الحاكمة؛ نتيجة انعدام الثقة لدى الشعوب تجاه النخبة الحاكمة ووعودها بتحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والأمنية في البلاد، وإن كان العسكريون يواجهون أيضاً سخطاً شعبيّاً ممثلاً في قيام الاحتجاجات نتيجة الإخفاق في معالجة الأزمات الداخلية المتراكمة، وهو ما تشهده غينيا كوناكري خلال الفترة الأخيرة من احتجاجات شعبية مرتبطة بالأزمات الاقتصادية المتفاقمة، مثل استمرار انقطاع الكهرباء.

5– الاضطلاع بدور المنقذ للأفارقة: يقدم العسكريون الجدد أنفسهم على أنهم وكلاء لإرادة الشعب قد جاؤوا لترميم النظام العام في البلاد؛ وذلك بهدف حشد المزيد من المناصرين لهم لتعزيز نفوذهم على المستويين الداخلي والخارجي في مواجهة الضغوط الدولية، وهم يحاولون أيضاً استمالة قطاع كبير من الشباب اعتماداً على الخطاب اليساري الشعبوي والدعوة إلى استعادة القيم وطرد الأجانب.

فعلى سبيل المثال، أكد عسكريو بوركينا فاسو أن الجيش يحمي حرية الناس ويحاول استعادة قيم النزاهة على نهج توماس سانكارا في ثمانينيات القرن الماضي، بينما دعا المجلس العسكري الانتقالي المالي إلى إنهاء اعتماد البلاد على المستعمر القديم فرنسا؛ ما يعني إثارة الحس الوطني عبر بوابة إعادة إحياء الأفكار الثورية للمزيد من التأييد والحشد الشعبي حول العسكريين الجدد.

6– الاتفاق على تأثير التحديات الأمنية: اتفق العسكريون في دول حزام الانقلابات على أن انعدام الأمن وعدم القدرة على التعامل مع تهديدات التنظيمات الإرهابية، هما ما عجَّل باندلاع الانقلابات العسكرية. ويمكن تبرير ذلك بمشاركتهم في ساحات القتال ضد التنظيمات الإرهابية، وإدراكهم فشل حكوماتهم والغرب في مساعدتهم على القضاء على تلك التنظيمات الإرهابية، وهو ما كان دافعاً كبيراً للتخلص من تلك الأنظمة التي اتهموها بالتبعية للغرب وربما الخيانة فيما يتعلق بحماية أمن مواطنيها ضد التهديدات الإرهابية التي تصاعدت بدرجة كبيرة على مدار العقد الماضي.

7– استغلال المشاعر المعادية للغرب: ارتبط سخط معظم العسكريين الجدد من تنامي العلاقة الارتباطية بين الرؤساء السابقين مع الغرب، لا سيما فرنسا، بموجة الاستياء الشعبي الرافضة للوجود الغربي والفرنسي في الساحل؛ الأمر الذي سهَّل مهمة العسكريين في إقناع الرأي العام بشرعية تحركاتهم ضد الأنظمة الحاكمة السابقة؛ حمايةً لمصالح البلاد، وتغيير دفة التحالفات الدولية إلى روسيا بدلاً من فرنسا والغرب الذي تراجع نفوذهما بشكل كبير خلال الفترة الأخيرة.

8– طرح خطاب مناهض للنفوذ الفرنسي: باستثناء قائد انقلاب الجابون بريس نجويما، الذي بدا حريصاً على الحفاظ على العلاقات مع فرنسا، يبدو أن قادة الانقلابات العسكرية الجديدة يتبنون في الغالب خطاباً مناهضاً للنفوذ الفرنسي؛ حيث أدت ممارسة الضغوط الدولية والإقليمية على المجالس العسكرية الجديدة في الساحل إلى تقارب قادتها من العسكريين لدرجة إشارة بعض التقديرات إلى احتمال قيام تحالف إقليمي “اتحاد كونفدرالي” بين دول مالي وبوركينا فاسو وغينيا كوناكري مناهض للنفوذ الغربي، وعلى وجه الخصوص فرنسا، وهو التحالف الذي هدد بالتدخل عسكريّاً بجانب النيجر في حالة تنفيذ إيكواس تهديدها بعملية عسكرية ضد المجلس العسكري الجديد في نيامي؛ الأمر الذي يشكل تهديداً للنفوذ الفرنسي، والغربي بوجه عام.

تداعيات محتملة

هناك عدد من التداعيات المحتملة للصعود السياسي لنخبة العسكريين الجدد في أفريقيا على المستويين المحلي والدولي، يمكن الإشارة إلى أبرزها على النحو التالي:

1– تمدد المراحل الانتقالية: ربما لا يلتزم العسكريون الجدد بالجدول الزمني للمرحلة الانتقالية في بلدانهم؛ وذلك بحجة استعادة الاستقرار الأمني والسياسي من أجل إجراء الانتخابات الديمقراطية تمهيداً لانتقال الحكم إلى سلطة جديدة. وربما تمهد بعض المجالس العسكرية الانتقالية الطريق أمام قادتها لخوض الانتخابات تمهيداً للاستمرار في السلطة، مثلما هو الحال في مالي عقب الموافقة على مشروع الدستور الجديد مؤخراً الذي يتيح للعسكريين الترشح للانتخابات الرئاسية؛ ما يعني أنه مصمم لإبقاء العسكريين في السلطة.

2– مواجهة تحديات اقتصادية متفاقمة: وذلك نتيجة قلة خبرة العسكريين الجدد في معالجة أسباب الأزمات التي تمر بها البلدان الأفريقية، بجانب تزايد الضغوط الإقليمية والدولية التي صُعِّدت إلى توقيع عقوبات اقتصادية تمثل ضغطاً على الاقتصادات الأفريقية؛ ففي غينيا كوناكري عقب الإطاحة بالرئيس السابق ألفا كوندي في سبتمبر 2021، شهد قطاع التعدين ارتفاعاً في الأسعار لأعلى مستوى له منذ عقد مضى، برغم محاولات تحسين أداء القطاع من قبل القادة العسكريين في البلاد.

3– تنامي التوترات الأمنية: تواجه الدول الأفريقية تزايداً في التهديدات الأمنية في مرحلة ما بعد الانقلابات العسكرية؛ بسبب الاضطرابات السياسية التي تمر بها، بجانب تصاعد نشاط التنظيمات الإرهابية التي تستغل هذه الحالة لتوسيع حضورها من خلال التورط في عمليات إرهابية لكسب المزيد من النفوذ؛ فقد شهدت مالي والنيجر وبوركينا فاسو، خلال الفترة الأخيرة، عدة هجمات إرهابية في مناطق متفرقة على يد تنظيمَي داعش والقاعدة، وسط تنبؤات باحتمال إقامة ولاية تابعة لداعش في شمال مالي، بجانب تجدد التمرد المسلح من قبل الحركات المسلحة الموقِّعة على اتفاق الجزائر مع الحكومة المالية في عام 2015.

 فالتوترات المصاحبة للانقلابات في بعض دول الساحل وغرب أفريقيا ربما تشكل محفزاً قويّاً للتنظيمات الإرهابية من أجل تعزيز حضورها في المنطقة، وربما تستهدف حشد المزيد من اللاجئين الأفارقة باعتبارهم أهدافاً للتجنيد؛ من أجل تعزيز قوتها البشرية، وتوسيع حضورها الجهادي الإقليمي والدولي، بالإضافة إلى توسيع عملياتها في عدد من دول الساحل وغرب أفريقيا.

4– تزايد مخاوف الأنظمة الديمقراطية في المنطقة: تشكل الانقلابات العسكرية أزمة حقيقية للأنظمة الديمقراطية في الساحل وغرب أفريقيا، في ظل التخوف من تأثير الدومينو لموجة الانقلابات الأخيرة في المنطقة، وتشجيع العسكريين في بعض الدول المستقرة نسبيّاً لتكرار تجارب دول حزام الانقلابات؛ الأمر الذي يمثل خطراً كبيراً على الاستقرار السياسي الإقليمي في المنطقة خلال الفترة المقبلة، خاصةً مع استمرار التكهنات بأن قطار الانقلابات لن يتوقف عند الجابون، بل سيمتد إلى دول أخرى في المنطقة.

5– احتمالية حدوث تدخلات إقليمية: يهدد صعود النخبة العسكرية الجديدة إلى السلطة في بعض دول الساحل باحتمال نشوب صدام عسكري في المنطقة بإيعاز غربي، لا سيما فرنسي قد يتسبب في حرب إقليمية واسعة النطاق، في ظل انقسام إقليمي واضح بين دول إيكواس حول نوايا التكتل الإقليمي تجاه قادة الانقلاب في النيجر؛ الأمر الذي ينذر بتصعيد إقليمي ربما يؤدي إلى بلقنة الساحل، وربما يدفع نحو تغيرات جيوسياسية في المنطقة؛ من أبرزها احتمال انهيار تكتل إيكواس على وقع هذا الانقسام بين دوله.

6– التأثير على التكامل الاقتصادي في غرب أفريقيا: ربما تقوض هذه الانقلابات عملية التكامل الاقتصادي الإقليمي في المنطقة، بما لذلك من انعكاسات على الاقتصادات الأفريقية التي تعاني المزيد من الأزمات، إضافة إلى تهديد المشروعات الاستثمارية والمصالح الإقليمية والدولية هناك خلال الفترة المقبلة.

7– إمكانية إعادة تشكيل ملامح النفوذ الدولي في أفريقيا: يبدو أن العسكريين الجدد يوجهون بوصلتهم تجاه روسيا على حساب فرنسا والغرب، من أجل الخروج من العباءة الغربية والفرنسية، لا سيما أن باريس قد أخفقت منذ انخراطها في المنطقة منذ عام 2012 في مواجهة الإرهاب، بجانب اتهامها بالاستيلاء على الثروات الأفريقية؛ لذلك ربما تستمر موجات الانتقادات الغربية لقادة الانقلابات العسكرية الأخيرة في الساحل، والتنبؤ بفشلها في الحكم على المدى الطويل لافتقاد قادتها الخبرة الكافية للحكم، ولعدم وجود مؤسسات قوية في البلدان الأفريقية، بما يعزز حالة التوتر المستمر بين القادة العسكريين والقوى الغربية.

وإجمالاً، يبدو أن نظاماً إقليميّاً جديداً يتشكَّل في منطقة الساحل بصعود نخبة عسكرية جديدة إلى السلطة في عدد من دول المنطقة ذات توجُّهات مختلفة على الصعيد الدولي بالأساس، في ظل سياق إقليمي بات يُعبِّر عن أزمة سياسية حقيقية في المنطقة بعدما أضحت الانقلابات العسكرية كأنها تبدو الطريقة الوحيدة للتغيير السياسي في الساحل؛ الأمر الذي يعزز أزمات منطقة الساحل، بما يجعل أفق استقرارها السياسي والأمني والاقتصادي غير وارد على الأقل في المدى المنظور.