• اخر تحديث : 2024-11-22 10:05
news-details
تقارير

هل يصلح بايدن ما أفسده ترامب؟ ملفات اقتصادية على طاولة الرئاسة الجديدة


خلال السنوات الأربع الماضية، مر الاقتصاد الأميركي بمجموعة من المتغيرات، كانت جديرة بتغيير خريطته، خاصة ما يتعلق بالعلاقات الاقتصادية الخارجية، حيث عاش العالم واقع حرب تجارية قادها ترامب أثناء توليه الرئاسة بأميركا.

وأدت السياسات الأميركية خلال الفترة الماضية إلى ما يعرف بحرب العملات، واستخدام سعر الفائدة للعملات المحلية للتأثير في التجارة الخارجية، وجذب الاستثمارات الأجنبية.

كما اتجه الاقتصاد الأميركي إلى الحماية التجارية، وهو ما أدى إلى نهج العديد من الدول لهذه السياسة، مما أثار المخاوف حول مستقبل حرية التجارة؛ بل ومنظمة التجارة العالمية أيضا.

ومن المعلوم عن السياسة الاقتصادية للجمهوريين في تاريخ أميركا، أنهم يميلون للسياسات النيولبرالية، ولا يعبؤون بقضية الدين العام، وأثرها على الميزانية؛ لذلك يتجهون لتخفيض سعر الفائدة، وتخفيض الضرائب، وهو ما لمسناه في ممارسات ترامب خلال الفترة 2017-2020.

وعلى العكس من ذلك يتجه الديمقراطيون لمعالجة قضايا الديون ورفع الضرائب ومعالجة قضايا العجز بالميزانية.

إلا أن الأزمة المالية العالمية في 2008، جعلت الديمقراطيين بعهد أوباما يتوسعون في الدين العام -على غير رغبتهم- من أجل زيادة الإنفاق ومواجهة الركود والكساد الناتج عن تلك الأزمة.

أما جو بايدن "الرئيس المنتخب منذ أيام لأميركا، والذي يتولى السلطة خلال الفترة 2021-2024" سيجد نفسه أمام مجموعة من التحديات، والتي ستقوده حتما لتبني أجندة اقتصادية جديدة، يمكن رصد ملامحها فيما يلي:

زيادة الإنفاق العام

سيجد جو بايدن نفسه مضطرا للاستمرار في اتباع سياسة زيادة الإنفاق العام، نظرا لما تفرضه جائحة كورونا من تحديات اقتصادية واجتماعية، وكذلك ارتفاع عدد العاطلين في المجتمع الأميركي، حيث تشير الأرقام الصادرة عن مكتب العمل الفدرالي إلى بلوغ معدل البطالة نسبة 7.9% في سبتمبر/أيلول 2020، مقارنة بنحو 10.4% في أبريل/ نيسان 2020، وهو ما يعني أن تخفيف قيود جائحة كورونا أدى إلى تخفيف حد البطالة هناك.

ولكن يبقى تحدي تراجع نسبة العاطلين إلى ما دون سقف نسبة 4% قائما، ويستلزم إنفاقا عاما، وسياسات اقتصادية مشجعة على الاستثمار، في ظل المخاوف من الموجة الثانية لكورونا.

ومن المتوقع أن تستمر السياسات المالية والنقدية في أميركا على وضعها الحالي على الأقل في 2021، من حيث انخفاض سعر الفائدة، وانخفاض قيمة الدولار، وذلك من أجل تشجيع الاستثمار والصادرات.

وهذا بدوره سيعمل على ارتفاع معدلات الدين العام، لتجاوز ما هو عليه الآن عند نحو 24 تريليون دولار.

تهدئة العلاقات الاقتصادية مع الصين

تبادلت كل من أميركا والصين قرارات رفع الرسوم الجمركية، مع مجيء ترامب رئيسا لأميركا، وكانت قرارات ترامب الأسبق في هذا المجال، وحرصت الصين على الرد بالمثل، وعدم البدء في ممارسة قرارات فرض رسوم جمركية على الواردات من أميركا.

ورغم التوصل إلى اتفاق مبدئي لتجاوز هذه الأزمة بين البلدين؛ إلا أن كل شيء ظل على ما هو عليه من تهديد لتجارة الصين مع أمريكا، بل خرجت استثمارات أميركية وأوروبية ويابانية من الصين بالفعل، خشية أن تتسع الحرب التجارية بين البلدين.

وتفيد إحصاءات التجارة الأميركية إلى أن السياسات التي اتبعها ترامب تجاه التجارة مع الصين، أدت إلى خفض قيمة التبادل التجاري بين البلدين من 659 مليار دولار عام 2018، إلى 557 مليار دولار في 2019، ووصلت قيمة التبادل التجاري خلال الشهور التسعة الأولى من 2020 إلى 384 مليار دولار.

وقد أدى انخفاض قيمة التبادل التجاري إلى خفض الفائض لصالح الصين خلال هذه الفترة من 418 مليار دولار في 2018 إلى 345 مليار دولار في 2019، ثم إلى 222 مليار دولار خلال الشهور التسع الأولى من 2020.

إلا أن المتوقع مع سياسة جو بادين أن تتحسن العلاقات الاقتصادية مع الصين، وأن يتم الاتفاق على قواعد جديدة تزيل حالة الاحتقان، وتساعد على تدفق التجارة بين البلدين، وإن كانت أميركا ستسعى لتحقيق أهدافها من التجارة مع الصين وفق آليات ناعمة، وليس عبر الصدام المباشر، كما فعل ترامب.

فأميركا ستحرص على أن تظل مفاتيح التكنولوجيا بيدها، وإن تفوقت الصين في تجارتها معها في ضوء السلع والمنتجات، التي لا تتضمن تفوقا تكنولوجيا للصين.

ويتوقع أيضا مع سياسة جو بايدن، أن تتخلص أميركا من تركز تجارتها مع الصين خلال الفترة المقبلة، وأن تعمل على زيادة تجارتها مع دول أخرى، تتميز بمزايا التجارة مع الصين نفسها، من حيث رخص المنتجات، وفي الوقت نفسه بمعدلات الجودة نفسها، وهو ما ستجده بوفرة من خلال دول جنوب شرق آسيا.

وسياسة عدم تركز أميركا لتجارتها مع الصين، سوف تؤدي إلى تشابك مصالحها مع دول أخرى، وشعور عدد أكبر من الدول بوجود مصالح مع أميركا، وفي الوقت نفسه لن تعطي أميركا للصين فرصة لتصبح التجارة بمثابة ورق ضغط في علاقتها معها.

ترك إيران تتنفس اقتصاديا

أدت العقوبات الاقتصادية التي فرضها ترامب على إيران إلى ظهور صعوبات كثيرة للوضع في إيران، حيث تراجعت قيمة العملة الإيرانية بشكل كبير، كما ارتفعت معدلات التضخم والبطالة، وتشدد الحصار على الصادرات النفطية الإيرانية؛ مما دعا الرئيس الإيراني حسن روحاني للقول بأن ما تعانيه بلاده في ظل العقوبات الاقتصادية الحالية، لم تشهد مثله منذ 40 سنة.

ويتوقع لسياسة جو بايدن، تجاه إيران خلال الفترة المقبلة، أن تتم العودة إلى اتفاق (5+1) الخاص بالبرنامج النووي الإيراني، وإن اتخذ الأمر شكلا جديدا.

والعودة لعلاقات أفضل مع إيران اقتصاديا، ستحقق العديد من المزايا لأطراف عدة، منها أميركا التي تعاني من ركود وكساد، وأوروبا التي هي شريكة أميركا في العقوبات الاقتصادية على إيران.

وفي حالة اتجه جو بادين  إلى رفع العقوبات الاقتصادية الأميركية والأوروبية على إيران، والسماح لها بتصدير النفط، سيكون ذلك مخرجا لإيران من مشكلات اقتصادية واجتماعية كثيرة، على رأسها عودة تدفق الإيرادات الدولارية، التي ستعيد للعملة المحلية الإيرانية قيمتها عند أسعار صرف معتدلة، وخفض معدلات التضخم، وسيمكن إيران من تنفيذ مخططاتها لمشروعات البنية الأساسية، وتشغيل آبار النفط والغاز وفق تكنولوجيات حديثة تسمح لها بمعدلات إنتاج أفضل.

وإيران لن تكون الرابح الوحيد من رفع العقوبات الاقتصادية؛ لكن الشركات الأميركية هي الأخرى سترحب بهذه الخطوة، فذلك يعني لها تصدير الطائرات والآلات والمعدات نحو إيران؛ بل والسلع الأميركية التي يتطلع لها المجتمع الإيراني، وخاصة الشباب.

كما أن أوروبا التي تعاني من تباطؤ معدلات النمو الاقتصادي، تتوق لاستعادة عقودها مع إيران، لتتحرك أوضاع شركاتها بشكل إيجابي.

فكثير من الشركات الأوروبية كانت قد فازت بعقود مع إيران؛ ولكنها رحلت عن الأسواق الإيرانية، فور اتخاذ ترامب قراراته بالخروج من اتفاق (5+1)، وكذلك فرض العقوبات الاقتصادية على إيران.

ولا يعني ما مضى أن جو بادين يمتلك عصا سحرية؛ لكنه سيكون مطالبا بتحرك سريع على الصعيد المحلي، لمواجهة معدلات البطالة في ظل الموجة الثانية لكورونا، كما سيكون حريصا على عودة علاقات اقتصادية وتجارية هادئة مع العالم الخارجي، واستعادة الدور الأميركي في ريادة الاقتصاد العالمي، وفق قواعد لا تصطدم بمصالح الآخرين.