• اخر تحديث : 2024-11-22 10:05
news-details
ملفات

الأسرى الفلسطينيون ودلالات السلوك “الإسرائيلي” من التضييق عليهم


يشير أحدث تقرير صادر عن نادي الأسير الفلسطيني إلى أنّ قوات الاحتلال “الإسرائيلي” اعتقلت منذ 7أكتوبر/تشرين الأول 2023، ما يزيد عن 6025 فلسطيني في الضفة الغربية، وأنّ عدد المعتقلين الإداريين خلال عام 2023 هو الأعلى منذ سنوات الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987، موضحاً أنّ حملات الاعتقال تطال مختلف الشرائح والفئات العمرية، وشملت الصحفيين والأسرى المحررين والناشطين وحتى كبار السن والأطفال والنساء.

تصاعد استهداف الأسرى داخل السجون بشكل لافت تزامنًا مع تصاعد عمليات الاعتقال، إذ أظهرت الإحصائيات أنّ ستة أسرى فلسطينيين استشهدوا نتيجة الضرب والتعذيب والإهمال الطبي منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وتكشف الشهادات التي يوردها أسرى أفرج عنهم، وأسرى آخرين ما زالوا داخل السجون إلى انتهاج الاحتلال سياسات عقابية صعبة لم تشهدها السجون من قبل، مثل حالة الاكتظاظ، وحرمان الأسرى من أبسط حقوقهم التي تنص عليها القوانين، وتعرضهم لمعاملة صعبة وضرب واعتداء يطالهم بشكل ممنهج من قبل سجانيهم، وتعمد إذلالهم، وهو ما يثير تساؤلًا عن أهداف ودلالات هذا السلوك الذي يقوم به الاحتلال في هذا التوقيت.

التصعيد بحق الأسرى ومخالفة الاتفاقيات:

توثّق المؤسسات الحقوقية والإعلامية العشرات من شهادات الأسرى المفرج عنهم حول ما يتعرض له الأسرى داخل السجون من عمليات ضرب عنيفة تفضي بعضها إلى استشهاد الأسرى، كما حدث مع الأسير عمر دراغمة في سجن مجدو، الذي أُعلن عن استشهاده في أكتوبر/تشرين الأول2023، بعد أن تبيّن أنّه تعرض لعملية تنكيل وضرب على أيدي سجاني الاحتلال “الإسرائيلي”، حيث يبدأ استخدام العنف بحق الأسرى منذ لحظة اعتقالهم من داخل منازلهم، ويستمر خلال نقلهم للسجون أو مراكز التحقيق، ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل إنّه وفقًا للشهادات التي توثَّق؛ فإنّ الضرب والتعذيب والإهانة تستمر حتى بعد إدخالهم إلى داخل أقسام السجون.

يُضاف إلى جانب منهجيات التعذيب والضرب، تعمد إدارة السجون “الإسرائيلية” إلى سياسة تجويع الأسرى، حيث حرمانهم وعدم تزويدهم بكميات كافية من الطعام، إلى جانب نوعية الطعام السيئة المقدمة لهم، الأمر الذي ينعكس على حالتهم الصحية بشكل مباشر، وفقًا لما أوردته شهادات الأسرى التي كشفت أنّه يُقَدَّم وجبتين فقط في اليوم الواحد، وبكميات قليلة، علمًا أنّ من الأسرى من هم مرضى ويحتاجون إلى طعام صحي.

كما تعّمدت إدارة سجون الاحتلال إحداث حالة من العزل التام للأسرى عن العالم الخارجي، من خلال مصادرة جميع أجهزة التلفاز والإذاعات من داخل السجون، وحرمانهم من زيارات منظمة الصليب الأحمر الدولية، أو المحامين الخاصين، الأمر الذي أفقدهم القدرة على الاطمئنان على عائلاتهم أو نقل رسائل من طرفهم إلى عائلاتهم، وهو ما شكّل منهجية في التعذيب النفسي للأسرى وعائلاتهم اللاتي لم تعد قادرة على معرفة مصير أبنائهم أو بناتهم داخل السجون، والبقاء في انتظار لحظات الإفراج عن أيّ أسير لمعرفة الأخبار من خلاله.

يشير تقرير منظمة العفو الدولية “أمنستي” إلى أنّ هناك منهجية إذلال يتعرض لها الأسرى الفلسطينيون داخل سجون الاحتلال وُثّقت من خلال شهادات عشرات الأسرى المفرج عنهم، وتشمل الضرب المبرح والتعرية وإذلال المعتقلين، وإجبارهم على إبقاء رؤوسهم منخفضة، والركوع على الأرض أثناء إحصاء العدد، والصدح بالأغاني عبر مكبرات الصوت.

تُشكّل ممارسات الاحتلال بحق الأسرى الفلسطينيين مخالفة واضحة لنص اتفاقية جنيف الدولية، خصوصًا المادة 13، التي تتضمن ضرورة معاملة أسرى الحرب معاملة إنسانية في جميع الأوقات، وتحظر أن تقترف الدولة الحاجزة أيّ فعل أو إهمال غير مشروع يسبب موت أسير في عهدتها، وتعتبر انتهاكًا جسيمًا لهذه الاتفاقية، كما يجب حماية أسرى الحرب في جميع الأوقات، وعلى الأخص ضد جميع أعمال العنف أو التهديد، وضد السباب وفضول الجماهير، فضلًا عن تدابير التحوّل والاقتصاص من أسرى الحرب، كما تنص المادة 14 من الاتفاقية على أنّ لأسرى الحرب الحق في احترام أشخاصهم وشرفهم في جميع الأحوال، ويجب أن تُعامل النساء الأسيرات بكل الاعتبار الواجب لجنسهن، ويجب أن يلقين معاملة لا تقل ملاءمة عن المعاملة التي يلقاها الرجال.

من جهتها، توجهت هيئة شؤون الأسرى الفلسطينية نتيجة استمرار هذه الانتهاكات إلى الوسيطين القطري والمصري، وإلى اللجنة الدولية للصليب الأحمر والأمم المتحدة ودول العالم “بضرورة الضغط على الاحتلال لوقف هجمته الانتقامية والجرائم الممنهجة التي يشنها على الأسرى منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، كما طالبت الهيئة بضرورة فتح تحقيق في عمليات استهداف الأسرى.

دلالات السلوك “الإسرائيلي”:

يحاول الاحتلال من خلال سلوكه المنهجي بحق الأسرى الفلسطينيين تحقيق مجموعة من الأهداف، مبررًا ذلك بمحاربة الإرهاب، في محاولة لإخراج قضية استهداف الأسرى عن سياقها الحقيقي المكفول وفقًا لقرارات دولية، يفترض بها أن توفر الحماية الكاملة لهم باعتبارهم يقبعون تحت الاحتلال “الإسرائيلي”، فهذه الممارسات والمنهجيات وإن تراجعت في السنوات الماضية، إلّا أنّها كانت موجودة في السلوك “الإسرائيلي” تجاه الأسرى، وعادت للتصاعد بشكل كبير في الآونة الأخيرة.

السلوك “الإسرائيلي” الذي يقوم به الاحتلال في الضفة الغربية بالموازاة مع حربه على قطاع غزة، يحمل دلالات عديدة في ظل الاعتقالات التي أضحت جماعية، تطال عشرات الأفراد من عائلة واحدة بنفس الوقت، وتستخدم دروعاً بشرية في المواجهات والاشتباكات، بالإضافة إلى رفع وتيرة اعتقال النساء والأطفال والتنكيل بهم دون أي مبرر، ويمكن قراءة دلالات هذا السلوك “الإسرائيلي” خلال عمليات الاعتقال من خلال رسائل عديدة:

– الرسالة المعنوية للجبهة الداخلية الفلسطينية: وهي تتضمن محاولة إيصال رسالة للشارع الفلسطيني بأنّ ما جرى في 7 أكتوبر سيعود عليكم وبالًا وتدميرًا ومعاناة، وهذا كان واضحًا في سياسة الاعتقال التي لم تميز ما بين الطفل والمرأة والرجل، حتى وصل الأمر إلى كل الجغرافيا الفلسطينية، بما في ذلك الداخل المحتل عام 1948 والقدس المحتلة، وقد تكشّف لاحقًا اعتقال نساء بعد خطفهنّ من الشوارع في غزة ونقلهنّ إلى جهة مجهولة، وبهذا يحاول الاحتلال أن يوصل رسالة إلى الشارع والجبهة الداخلية الفلسطينية والحاضنة الشعبية للمقاومة أنّ ما جرى في 7 أكتوبر هو “لعنة” على الفلسطينيين وليس انتصارًا لهم وفقًا للمفهوم “الإسرائيلي”.

– رسالة ربط الأحداث والانتقام: حيث كانت سياسة الاعتقال التي امتدت على جميع الفئات والجغرافيا وكل تفاصيلها، بما في ذلك عمليات الاعتقال مع التنكيل والتعذيب والضرب والاعتداء والتهديد بالاعتداء الجنسي، وبعض الاعتداءات الجنسية التي ذُكرت، وكل هذه التفاصيل تعني أنّ الاحتلال “الإسرائيلي” يحاول أن يربط معاناة الاعتقال اليومية للفلسطينيين بما جرى في 7 أكتوبر، وأن يدمّر المعنوية الفلسطينية وينتقم منهم بسبب ما حدث في غزة.

– رسالة أمنية: وهي أنّ الاحتلال “الإسرائيلي” منذ السابع من أكتوبر قرر ألا يكون هناك امتداد للمشهد المقاوم إلى الضفة الغربية والقدس والداخل المحتل، فاستخدم المعادلة الاستباقية بما يعرف بمعادلة الردع من أيّ حدث أو أيّ عمل، وباشر بالاعتقالات بشكل عشوائي وكبير، كما اعتقل الأسرى المحررين ونواب المجلس التشريعي وقيادات الفصائل والناطقين باسمها، والمحللين والكتاب والنشطاء والممثلين، كل هذا حتى لا يتسنى أن يبقى أيّ رابط أو تواصل تنظيمي يعمل على إنشاء عمل مقاوم عسكري أو شبكة مالية أو شبكة اجتماعية أو حتى شبكة سياسية لتنظيم مسيرات واحتجاجات وغيرها.

‏- رسالة الردع لأي تفاعل: وهي التي حاول الاحتلال من خلال شكل هذه الاعتقالات أن يقوم بها، وهي ردع نفسي ومعنوي، وهناك حالات واضحة من آلية الاعتقال وشكله، والضرب المبرح وحالة الإهانة والنشر على شبكات التواصل الاجتماعي، كل هذا لا يشكل ردعًا فقط، بل محاولة لترميم الردع، مع الإشارة إلى أن كل من يقوم بالتأثير حتى على مستوى أن يضع إشارة إعجاب على شبكات التواصل الاجتماعي، فهذا سيؤدي به إلى اعتقال، وكلنا رأى حادثة اعتقال فتاة في الداخل المحتل فقط لأنها وضعت إعجاب على منشور.

في معادلة الردع التي يمارسها الاحتلال “الإسرائيلي”، لم يكن هذا السلوك عاديا، حتى إنّ الاعتداء على خصوصية المواطنين امتد إلى اقتحام المنازل وفحص الهواتف النقالة والحواسيب، وفحص حسابات الواتساب والتليچرام والمجموعات الداخلية العائلية لرؤية ما يُكتب، وهذا استخدم أيضًا على الحواجز العسكرية، وحاول أن ينفذ اعتداءين أو ثلاثة على الأقل في كل محافظة بالضرب المبرح والاعتقال والحجز والتحويل للاعتقال الإداري فقط لأنه كان لديه نقل لفيديو من خلال شبكات التواصل.

خاتمة:

يحاول الاحتلال “الإسرائيلي” أن يعيد بناء معادلة الردع التي تصدعت جراء ما حدث في عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول2023، من خلال تصعيده لمنهجية الاعتقال وإرفاق ذلك باستخدامه لأدوات التنكيل والضرب والإهانة التي تفضي في بعض حالاتها إلى استشهاد الأسرى، إدراكًا منه أنّ النموذج الفلسطيني الذي برز يمكن أن ينعش الحاضنة الشعبية الفلسطينية، ويعزز من أهمية ودور المقاومة وتبنيها على أنها خيار استراتيجي في مواجهة الاحتلال “الإسرائيلي”، وهو ما يحاول إزالته من الذهنية الفلسطينية وإحلال مكانة صور الضرب والإهانة والعقاب الجماعي، إلّا أنّ هذه الاستراتيجية “الإسرائيلية” ثبت عدم نجاحها وعدم قدرتها على نزع الهوية الشمولية للشعب الفلسطيني الذي يقاوم الاحتلال منذ عام 1948 وحتى الآن، على الرغم من عمليات التنكيل والضرب والاعتقال والمجازر الذي نفذها الاحتلال بحقه، وهو ما يعني أنّ تخزين هذا السلوك “الإسرائيلي” في الذاكرة الفلسطينية يمكن أن يولّد رد فعلي عكسي يجعل الفلسطيني يتمسك أكثر بخيار المقاومة، ويفتح الباب أمام انخراط شرائح فلسطينية أوسع في المواجهة مع الاحتلال إذ ما استمر ذات السلوك “الإسرائيلي” لفترة طويلة.