عمقت إقالة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لوزير الدفاع مارك إسبر من تخوف الكثير من المعلقين من إقدام ترامب على اتخاذ قرارات متهورة ذات طبيعة عسكرية تجاه الملف الإيراني خلال الشهرين المتبقيين له في البيت الأبيض.
ومع غياب سبب واضح حول المغزى والهدف وراء الإقالة، وهل هي مؤشر على نية ترامب توجيه ضربة عسكرية إلى إيران، وهل يحتاج ترامب إلى وزير دفاع أكثر تعاونا معه من إسبر؟، استطلعت الجزيرة نت آراء 3 من كبار خبراء العلاقات الأميركية الإيرانية بأبعادها العسكرية والسياسية داخل العاصمة واشنطن.
واستبعد المسؤول السابق بوزارة الدفاع الأميركية والخبير بمعهد "أميركان إنتربرايز" (American Enterprise) مايكل روبين، في حديث له مع الجزيرة نت سيناريو التصعيد العسكري من جانب واشنطن، وأكد روبين أنه لا يتوقع تصعيدا خطيرا من إدارة ترامب في الأيام 70 المتبقية.
وأضاف روبين أنه لا يمكن حدوث ذلك لـ3 أسباب؛ أولا: إن الفكرة القائلة بأن الولايات المتحدة تسعى إلى حرب مع إيران هي فكرة خاطئة، ومبعثها جماعات يسارية تقدمية أميركية، أو جماعات الضغط مثل المجلس الوطني الإيراني الأميركي الذي يستخدم الفكرة لجمع التبرعات الخاصة بهم.
ثانيا: على الرغم من أن الرئيس ترامب القائد الأعلى للقوات المسلحة؛ لكن البنتاغون له رأي كبير في هذه القضية، فلا يكفي أن تعطي أمرا؛ بل يجب أن يكون هناك ترتيب وربما يستغرق الأمر أياما أو أسابيع أو أشهرا للتحضير لشن هجمات على إيران، ناهيك عن رفض الكونغرس المؤكد لمثل هذا السيناريو.
السبب الثالث والأهم -بنظر روبين- هو أن إرث ترامب في السياسة الخارجية يتمثل في كونه أول رئيس -منذ جيمي كارتر- لم يبدأ حربا خارجية، لذلك لن يقدم على ذلك".
من جانبه يعتقد الأستاذ بجامعة الدفاع الوطني التابعة للبنتاغون ديفيد دي روش، أن أقصى ما يمكن أن يقوم به ترامب هو أن يحاول تعزيز "أقصى ضغط" على إيران.
وقد أعلن بالفعل فرض عقوبات جديدة على الحلفاء والوكلاء السوريين لإيران، وقال وزير الخارجية مايك بومبيو، أمس، ستكون "هناك موجة جديدة من العقوبات".
وأضاف دي روش -في حديث مع الجزيرة نت- "أتوقع أن يحاول ترامب فرض عقوبات على كل كيان إيراني محدد الهوية متورط في صراع بالوكالة، كما رأينا مع سياسيين مسيحيين لبنانيين انحازوا إلى حزب الله، وكل كيان يسيطر عليه الحرس الثوري الإيراني، وكل كيان متورط في تطوير الصواريخ، وكل شخص يمكن التعرف عليه يعمل في سجن إيراني يحتجز سجينا سياسيا أو رهينة".
واعتبر دي روش أن السيناريو الوحيد الذي يمكن من خلاله أن يشن ترامب هجوما على إيران هو أن "يكون هناك إجراء عسكري ضد القوات الأميركية في العراق أو أي هجوم إيراني ضد مصالح أميركية كبيرة على مستوى العالم، حينها سيرد ترامب مباشرة ضد مقرات ومنشآت الحشد الشعبي الموجهة من الحرس الثوري الإيراني.
في هذه الحالة فإن ترامب سوف يفعل ما في وسعه لتدمير البنية التحتية للحرس الثوري الإيراني تدميرا كاملا، بما في ذلك الحشد الشعبي في العراق، وذلك قبل ترك منصبه".
واختلف البروفيسور في مركز الشرق الأدنى وجنوب آسيا بجامعة الدفاع الوطني الأميركية، جودت بهجت، مع الآراء السابقة، واعتبر أن الرئيس ترامب يهدف إلى عرقلة "أي عودة ممكنة للاتفاق النووي حال خروجه من البيت الأبيض، ويريد أن يتأكد من أن الرئيس المقبل لن يتمكن من إحياء الاتفاق مع إيران".
وأشار بهجت إلى أن إيران "تتبع سياسة ما يسمى الصبر الإستراتيجي، ولم يردوا على مقتل الجنرال قاسم سليماني"؛ لكنه أضاف "من المؤكد أن إدارة ترامب سوف تستمر في فرض المزيد من العقوبات على إيران من الآن، وحتى 20 يناير/كانون الثاني 2021، وقد تسعى إلى مواجهة عسكرية، بهدف قتل الاتفاق النووي".
كيف تختلف إدارة بايدن عن نهج ترامب مع إيران
واعتبر روبين أن إدارة الرئيس المنتخب جو بايدن ستتبع سياسة "الضغط الخفيف"، فمدرسة الديمقراطيين تؤمن بإعطاء الحوافز مقدما من أجل التعجيل بالتوصل إلى اتفاق على الورق.
ويرى دي روش أنه ربما لن يتمكن بايدن من التراجع عن هذه العقوبات التي فرضتها إدارة ترامب بدون رد فعل سياسي قوي من جانب إيران، فمن المحتمل أن يطالب الإيرانيون برفع العقوبات إلى مستوى عام 2016 من أجل عودة العمل بالاتفاق النووي، كما يقول دي روش.
وأشار دي روش أن بايدن لا يملك الكثير، فلا يمكن أن يمنح إيران اتفاقية دولية يوافق عليها الكونغرس خاصة مع معارضة كبار الديمقراطيين والجمهوريين في مجلس الشيوخ، فزعيم الأقلية الديمقراطية بلجنة العلاقات الخارجية السيناتور بوب ميندينيز يعارض الاتفاق الإيراني.
ويرى البروفيسور بهجت أن موضوع العودة للعمل بالاتفاق النووي ليس بهذه السهولة، وعلى الرغم من إعلان الرئيس المنتخب بايدن علنا رغبته في الانضمام مجددا إلى الاتفاق النووي مع إيران، فهناك العديد من التحديات والشكوك يتمثل أحدها في هوية الحزب، الذي يمتلك أغلبية مجلس الشيوخ.
وترتفع حظوظ تحسن العلاقات بين واشنطن وطهران خاصة مع الأخذ في الحسبان مستجدات الأعوام الـ4 الماضية.
وتوقع البروفيسور بهجت أن تطالب طهران بتعويض مالي عما فعله ترامب، كما أنها زادت من نفوذها التفاوضي من خلال تخصيب المزيد من اليورانيوم.
ويعتقد بهجت أن بايدن سيبدأ بالسماح للمساعدات الإنسانية لإيران لمساعدة البلاد على احتواء تفشي فيروس كورونا، وقد يسمح لصندوق النقد الدولي بالموافقة على القرض الذي طلبته إيران بقيمة 5 مليارات دولار، وقد تساعد هذه الخطوات الجانبين لبدء التحدث مع بعضهما البعض.
وإذا سارت الأمور على ما يرام، من المرجح أن تستند المفاوضات إلى فكرة المزيد من أجل المزيد، أي أنه كلما رفع بايدن المزيد من العقوبات، كلما وفّت إيران بالتزامها بموجب بنود الاتفاق النووي، يقول بهجت.