• اخر تحديث : 2024-04-29 01:16

مع تنامي مخاوف الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها من أن الرئيس الصيني "شي جين بينج" قد يأمر جيشه في السنوات المقبلة بالسيطرة على تايوان؛ الجزيرة الديمقراطية التي تعتبرها الصين جزءاً من أراضيها؛ فإن ذلك يمثل دافعاً للجيش الأمريكي لمراجعة استعداداته العسكرية، ومحاولة موازنة القوة الصينية، خاصةً في مجال بالغ الأهمية، يتمثل في الشبكات اللوجستية. ومن هذا المنطلق، كان اهتمام وكالة "رويترز" للأنباء بعرض الجهود المبذولة من جانب واشنطن في هذا المجال؛ وذلك من خلال التقرير الذي حمل عنوان "كيف تستعد الولايات المتحدة للغزو الصيني لتايوان؟".

التوسع اللوجستي

يشير التقرير إلى أن الخدمات اللوجستية العسكرية الأمريكية في المحيط الهادئ، تعد واحدة من أكبر نقاط الضعف الأمريكية في أي صراع محتمل حول تايوان، وهو ما أثبتته "لعبة حرب" عُرضت في الكونجرس في أبريل الماضي، وخلالها استعدت الصين لهجوم برمائي على تايوان بضربات جوية وصاروخية ضخمة ضد القواعد الأمريكية في المنطقة، وشمل ذلك القاعدة البحرية الأمريكية في جزيرة "أوكيناوا" اليابانية، وقاعدة "يوكوتا" الجوية في غرب طوكيو، وسط مخاوف من أن الصين ستلاحق عمداً بعض النقاط اللوجستية (وبما يشمل سفن التزود بالوقود وناقلات التزود بالوقود الجوي) لتجعل من الصعب على الولايات المتحدة مواصلة عملياتها في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.

ولمعالجة نقاط الضعف هذه، يتطلع الجيش الأمريكي إلى دول مثل أستراليا باعتبارها موقعاً أكثر أماناً لتخزين المعدات، مع توسيع التعاون الممكن مع الفلبين واليابان وشركاء آخرين في المحيط الهادئ، وهو ما عرضه التقرير على النحو التالي:

1إنشاء مخزونات عسكرية أمريكية في أستراليا: يشير التقرير إلى التدريب المشترك للقوات الأمريكية والأسترالية على عمليات الإنزال البرمائي والقتال البري والعمليات الجوية الصيف الماضي؛ إذ تصدرت عناوين الأخبار أنباء عن تعميق التعاون الدفاعي بين الحليفين لمواجهة الطموحات العسكرية المتنامية للصين، لكن بالنسبة إلى مُخطِّطي الحرب الأمريكيين الذين يستعدون لصراع محتمل بشأن تايوان، فإن مناورات "تاليسمان سابر" Talisman Sabre الرفيعة المستوى كانت لها قيمة سرية أكبر بكثير؛ فقد ساعدت في إنشاء مخزونات جديدة من المعدات العسكرية التي تُركت في أستراليا بعد انتهاء التدريبات في أغسطس، حسبما ذكر لاحقاً مسؤولون أمريكيون.

2العمل لضمان وصول الإمدادات الأمريكية إلى المقاتلين: بحسب ما أوضح الجيش الأمريكي، فإن المعدات – التي لم يعترف بها من قبل – تضمَّنت ما يقرب من 330 مركبة ومقطورة، و130 حاوية تُرِكت في مستودعات في بانديانا بجنوب شرق أستراليا، التي يوجد بها 800 موقع منصة نقالة. وكمية المعدات هذه تكفي لتزويد نحو ثلاث شركات لوجستية بما يصل إلى 500 جندي أو أكثر، وتركز على ضمان وصول الإمدادات إلى المقاتلين، وهو نوع العتاد المطلوب للتدريبات المستقبلية، أو الكوارث الطبيعية، وأيضاً للحرب؛ حيث ستكون مفيدة أيضاً في أي صراع مستقبلي. وبحسب تصريح أحد المسؤولين العسكريين الأمريكيين، فإن إمدادات الذخيرة تأتي على رأس قائمة الأولويات في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، يليها الوقود والغذاء وقطع غيار المعدات.

3توسيع واشنطن التعاون اللوجستي مع دول الهندوباسيفيك: بحسب ما صرح الجنرال "تشارلز فلين" القائد الأعلى للجيش الأمريكي في المحيط الهادئ، فإن الجيش يتطلع إلى توسيع نطاق التعاون اللوجستي، وخاصةً مع توقيع واشنطن بالفعل على اتفاقيات تسمح بذلك مع العديد من الدول الأخرى في المنطقة، دون أن يذكر دولاً محددة.

ولكن يمكن الإشارة هنا إلى تنفيذ القوات الجوية الأمريكية، في يوليو الفائت، تمرين Mobility Guardian 23 في منطقة المحيطين الهندي والهادئ مع أستراليا وكندا وفرنسا واليابان ونيوزيلندا والمملكة المتحدة، الذي تضمن التدريب على التزود بالوقود الجوي، وعمليات الإجلاء الطبي. واغتنم الجيش الفرصة خلال التمرين لترك بعض المعدات، بما شمل جزيرة جوام الأمريكية في المحيط الهادئ.

4نشر المراكز اللوجستية الأمريكية في أنحاء المحيط الهادئ: وفقاً لمسؤولين وخبراء حاليين وسابقين، خلصت نماذج المحاكاة الأمريكية، إلى أن الصين ستحاول على الأرجح قصف إمدادات وقود الطائرات أو إعادة تزويد السفن بالوقود؛ ما سيشل القوتين الجوية والبحرية الأمريكيتين دون الاضطرار إلى قتال طائرات مقاتلة مدججة بالسلاح أو إغراق أسطول السفن الحربية الأمريكية. ورداً على ذلك تحاول الولايات المتحدة نشر مراكزها اللوجستية العسكرية في أنحاء المنطقة، وبما لا يقتصر على المخزونات العسكرية الموجودة في مستودعات أستراليا.

وقد أكد البنتاجون هذا التوجه بإشارته إلى أن وزارة الدفاع تعمل مع الحلفاء لجعل القوات الأمريكية أكثر قدرةً على الحركة والتوزيع؛ وذلك بعد أن أعلنت إدارة بايدن في يوليو الفائت، أن واشنطن ستنشئ أيضاً مركزاً لوجستياً مؤقتاً في بانديانا بأستراليا، بهدف إنشاء "منطقة دعم لوجستي دائمة" في كوينزلاند في نهاية المطاف.

5حاجة واشنطن إلى معالجة الإشكاليات الخاصة بالتمويل: وجد تحليل أجرته وكالة "رويترز" أن الجيش الأمريكي يخطط حالياً لطلب 2.5 مليار دولار فقط من العام المالي 2023 إلى 2027 لتخزين المعدات والوقود وتحسين الخدمات اللوجستية في آسيا؛ وذلك فيما تبلغ ميزانية البنتاجون السنوية حالياً نحو 842 مليار دولار. وفي مقابل فإنه في الأعوام الخمسة التي سبقت الغزو الروسي لأوكرانيا في عام 2022، طلب البنتاجون تمويلاً بقيمة 11.65 مليار دولار من الكونجرس لتخزين المعدات مسبقاً في أوروبا. وهناك مشكلة أخرى مكلفة تتعلق بالأسطول القديم لسفن النقل الأمريكية؛ إذ يبلغ متوسط ​​عمر السفن المصممة لنقل البضائع الثقيلة، مثل الدبابات، إلى منطقة النزاع 44 عاماً، وبعضها أكبر من 50 عاماً.

ولذلك خلص أحد التحليلات التي أجراها "مركز الأمن الأمريكي الجديد" CNAS، إلى أن "وزارة الدفاع لم تستثمر بشكل منهجي في الخدمات اللوجستية من حيث المال والطاقة العقلية والأصول المادية والموظفين". وقال السيناتور "روجر ويكر" أكبر عضو جمهوري في لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ، إن البنتاجون والكونجرس بحاجة إلى مزيد من التركيز على القواعد والخدمات اللوجستية في المحيط الهادئ، وقال: "إن قدرتنا على ردع الصراع في غرب المحيط الهادئ على مدى السنوات الخمس المقبلة ليست قريبة من المكان الذي يجب أن تكون فيه".

نهج متغير

بالرغم من بعض الصعوبات، يشير التقرير إلى حدوث تحول في تفكير المؤسسة العسكرية الأمريكية؛ إذ لم يكن على الولايات المتحدة في العقود السابقة القلق من أن تستهدف قوة أجنبية قواعدها اللوجستية، وقد سمح ذلك للمخططين بالتركيز على الكفاءة، واعتماد نموذج الخدمات اللوجستية "في الوقت المناسب". وأدى هذا النهج إلى اتخاذ قرار بتوفير التكاليف بإنشاء قواعد ضخمة، مثل قاعدة "رامشتاين" الجوية في ألمانيا، التي كانت في مأمن من هجمات "طالبان" و"تنظيم الدولة الإسلامية".".

غير أن الصراع مع الصين يمكن أن يجعل القواعد الضخمة، التي تشمل معسكر "همفريز" بالقرب من سيول، أهدافاً رئيسية، ويدفع هذا الخطر إلى التحول إلى نهج أكثر تكلفة فيما يتعلق باللوجستيات، وهو النهج الذي يتضمن توزيع المخزونات الأمريكية والتخزين المسبق للإمدادات في جميع أنحاء المنطقة. وبحسب ما قال الأدميرال "ديون إنجليش" أحد كبار مسؤولي الخدمات اللوجستية في البنتاجون، فإنه "بدلاً من التخطيط لتحقيق الكفاءة، ربما (تحتاج) إلى التخطيط لتحقيق الفاعلية".