• اخر تحديث : 2024-04-29 01:16
news-details
تقارير

"إيكونوميست": لماذا لا تتشارك الصين الأهداف الأمريكية في البحر الأحمر؟


يشير تقرير نشرته مجلة "إيكونوميست"، وحمل عنوان "هل الصين رابحة من هجمات البحر الأحمر؟"، إلى أن محاولات الولايات المتحدة الأمريكية لإقناع الصين بالقيام بدور أكبر في حماية البحر الأحمر، ومن خلال علاقتها بالحوثيين وإيران، لا تحظى بالحماسة المطلوبة من جانب بكين، وهو ما كشفت عنه الاجتماعات التي استمرت على مدار 12 ساعة كاملة يومي 26 و27 يناير في بانكوك، وخلالها حاول مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان، إقناع وزير الخارجية الصيني وانج يي، بأن الصين يمكنها توظيف نفوذها لوقف التهديد الذي يُهدِّد شرياناً رئيسياً للتجارة العالمية.

فعلى الرغم من شعور الولايات المتحدة بالقلق من النفوذ العالمي المتنامي للصين، فإنه منذ منتصف نوفمبر، ومع بَدء الحوثيين في اليمن مهاجمة السفن في البحر الأحمر بالصواريخ والطائرات بدون طيار، فإن ذلك دفع المسؤولين الأمريكيين إلى حث الصين على إظهار بعض روح القوة العظمى من خلال المساعدة في حل أزمة حقيقية تواجه المنطقة، وهو ما لم تتفاعل معه بكين على بجدية.

المقاربة الصينية

رغم تأثرها بتطورات الأوضاع في البحر الأحمر، فإن الصين تنظر إلى مسؤولياتها بشكل مختلف، وهي لا تريد استعراض قوتها وفرض دورها الأمني في الشرق الأوسط، وخاصةً أنها تنظر إلى أمن المنطقة باعتباره مستنقعاً من صُنع واشنطن، وتستغل الفرصة في المقابل للحديث عن فرص التضامن مع العالم العربي. وبوجه عام، يستدعي تفاعل الصين مع التوترات في البحر الأحمر عدداً من الدلالات الرئيسية المتمثلة فيما يأتي:

1. تأثر الصين بالوضع الأمني في البحر الأحمر: من المؤكد أن الأمن في المنطقة مهم بالنسبة إلى الصين؛ ففي عام 2021، وعندما أغلقت سفينةُ حاويات قناةَ السويس لمدة ستة أيام بالقرب من مدخلها إلى البحر الأحمر، قدَّرت وزارة التجارة الصينية أن 60% من صادرات البلاد من البضائع إلى أوروبا كانت تَستخدِم هذا الطريق (وفي العام الماضي، كان نحو 17% من صادرات الصين من السلع في جميع أنحاء العالم متجهة إلى الاتحاد الأوروبي وبريطانيا).

وفيما يشير الحوثيون إلى أن عشرات الهجمات التي شنُّوها استهدفت سفناً مرتبطة بالدول التي تدعم إسرائيل في حربها في غزة (والصين لا تفعل ذلك)، فإن المخاطر تنال الجميع؛ ففي الثالث من ديسمبر، أُصِيبَت سفينة حاويات مستأجرة من قبل شركة OOCI – وهي شركة مقرها هونج كونج مملوكة لشركة COSCO، وهي شركة شحن صينية عملاقة تسيطر عليها الدولة – بصاروخ أطلقته طائرة بدون طيار، وكانت هناك تكهنات بأن الحوثيين لديهم معلومات قديمة حول السفينة التي كانت مستأجَرة في السابق من قِبل شركة إسرائيلية.

2. تراجع مرور السفن الصينية في قناة السويس: رغم إعلان الحوثيين في 19 يناير أن السفن الصينية والروسية ستتمتع بممر آمن عبر البحر الأحمر، فإن الكثير من التجارة البحرية في الصين تشمل سفناً مسجلة في دول أخرى، وهي السفن التي تتجه الآن للتجول حول رأس الرجاء الصالح. هذا وتظهر البيانات المقدمة إلى مجلة "إيكونوميست" من قِبل شركة Spire Global، أنه قبل شهر ديسمبر، كانت 99% من سفن الحاويات التي تُبحِر بين أوروبا والصين، تمر عبر قناة السويس، ولكن بحلول الأسبوع الثاني من يناير، تراجعت النسبة إلى أقل من النصف.

فحتى إن كان طريق رأس الرجاء الصالح يُطيل رحلات السفن لنحو أسبوعين، لكن الحاويات تتجنَّب خلاله أقساط التأمين المرتفعة التي تطالب بها الآن شركات التأمين لعبور البحر الأحمر؛ ما يزيد تكاليف النقل؛ وذلك مع ارتفاع مؤشر الشحن بالحاويات الصينية بأكثر من الضعف منذ أواخر عام 2023 للشحن إلى أوروبا.

3. تجنُّب الانضمام لواشنطن في تأمين البحر الأحمر: تعتقد واشنطن أن إيران تُشجِّع الحوثيين، وأن بكين التي تتمتَّع بعلاقات وثيقة مع طهران – وخاصةً أن نحو 90% من النفط الإيراني يُصَدَّر إلى بكين – يمكن أن تساعد في إقناعها بوقف هجمات البحر الأحمر، وهو ما أكده سوليفان خلال اجتماعه مع وانج يي في بانكوك. ورغم هذا الاعتقاد فإن التقارير المنشورة من جانب وكالة "رويترز" تشير إلى أنه خلال العديد من اللقاءات الأخيرة بين بكين وطهران، طلب المسؤولون الصينيون بالفعل من نظرائهم الإيرانيين كبح جماح الحوثيين. وكانت الرسائل الصينية أنه "إذا تضرَّرت مصالحنا بأي شكل من الأشكال، فسوف يؤثر ذلك على أعمالنا مع طهران".

وفي الوقت الذي تؤكد فيه بكين لواشنطن أنها تتحدث مع طهران بشأن وقف الهجمات، فإن قدرة إيران – التي تُزوِّد الحوثيين بالأسلحة والمعلومات الاستخبارية – على السيطرة عليهم قد تكون محدودة، كما أن الحكومة الصينية تُفضِّل عدم القيام بدور أمني مباشر في أمن البحر الأحمر. وفي حين تقع القاعدة العسكرية الوحيدة للبلاد في الخارج بالقرب من جيبوتي، ظلَّت البحرية الصينية بعيدة عن الأضواء، وتجنَّبت المشاركة في التحالف العسكري الذي تقوده الولايات المتحدة المعروف باسم عملية "حارس الازدهار"، الذي تم تشكيله رداً على هجمات الحوثيين.

4. تفضيل بكين النهج السلمي في دورها كقوة عالمية كبرى: تُفضِّل الصين في المقابل أن تُقدِّم نفسها كقوة سلمية كبيرة قادرة على المساعدة في نشر السلام في الشرق الأوسط وأماكن أخرى. وفي إطار ذلك، كشف الزعيم الصيني شي جين بينج، في عام 2022، عن "مبادرة الأمن العالمي" التي تهدف بوضوح إلى حشد الدعم للصين، وخاصةً بين الدول المستاءة من الهيمنة الأمريكية، ودعت إلى مقاومة فكر "الحرب الباردة" ومعارضة "السعي لتحقيق أمن الفرد على حساب أمن الآخرين"، وهو ما يُجسِّد الأوصاف الصينية القياسية للسلوك الأمريكي. وكانت الفكرة هي أن الصراعات سوف تنحسر إذا ما ركزت الدول على بناء اقتصاداتها بدلاً من الصراع.

وفي الوقت نفسه، لا تبذل الصين سوى القليل في محاولة تأمين السلام في غزة؛ فهي تفتقر إلى النفوذ اللازم لتحقيق الكثير هناك، وكان نهج وسائل الإعلام الحكومية في تغطيتها لتطور الأوضاع قائماً على اتهام واشنطن بالمسؤولية عن تأجيج الوضع. وقد أشار وزير الخارجية الصيني بوضوح إلى أن مجلس الأمن في الأمم المتحدة لم يمنح الموافقة على الضربات الأمريكية والبريطانية في اليمن.

5. توجه الصين لمساعدة السفن في المرور بخليج عدن: بالرغم من التحديات الأمنية المشار إليها، والتهديدات التي تواجه الصين ذاتها في البحر الأحمر؛ نشرت وسائل الإعلام الحكومية الصينية أن خط الشحن الصيني Sea Legend، يعرض نقل البضائع عبر المنطقة بمساعدة مرافقة البحرية الصينية، ويعرض موقعها على الإنترنت جدولاً زمنياً لمثل هذه المرافقة في خليج عدن المتاخم للبحر الأحمر؛ وذلك مع الإشارة إلى أن الصين تتمتَّع بخبرة كبيرة في مثل هذه المهام؛ فمنذ عام 2009، تساعد سفنُها الحربيةُ في حماية الشحن التجاري في خليج عدن من هجمات القراصنة الصوماليين.

تكلفة الصراع

حتى مع المقاربة المختلفة لأمن البحر الأحمر، سيكون لدى الصين أيضاً الكثير مما تخشاه من صراع أوسع في المنطقة، وقد استثمرت شركاتها أكثر من 20 مليار دولار في الدول المحيطة بالبحر الأحمر، خاصةً في مصر والمملكة العربية السعودية، وفقاً لمعهد "أمريكان إنتربرايز" في واشنطن؛ وذلك مع الإشارة أيضاً إلى أن أكثر من 70% من النفط الذي تستهلكه الصين مستورد، ونحو نصفه يأتي من الشرق الأوسط.

ولكن للوقت الحاضر يبدو أن الصين تعتقد أن التهديد الذي يشكله الحوثيون محتمل، وقالت شركة COSCO إنها ستُعيد توجيه سفنها حول رأس الرجاء الصالح، وستتوقف عن تسليم السفن إلى إسرائيل. ومع ذلك فإن بعض سفنها واصلت الإبحار في البحر الأحمر، كما تحاول السفن حماية نفسها من هجمات الحوثيين من خلال توضيح الارتباط بالصين في أنظمة التعريف الآلية الخاصة بها. وبحلول أواخر يناير، كانت أكثر من 30 سفينة في البحر الأحمر تعلن عن مثل هذا الاتصال يومياً، بحسب ما توصَّل محللو Spire Global، ليستمر تأثر الصين بمجريات الصراع.