• اخر تحديث : 2024-07-01 12:23
news-details
قراءات

كيف يؤثر التنافس الدولي على مستقبل الصناعات التكنولوجية عالمياً؟


خلال السنوات الأخيرة، شرعت كثير من الدول حول العالم في تبني سياسات حمائية ترتجي من خلالها دعم الصناعات المحلية في مجال التكنولوجيا، في محاولة لتقزيم دور الصين الصاعد في الصناعات التكنولوجية، التي تنتهج هي الأخرى سياسات حمائية لتحفيز ودعم صناعتها المحلية وتشجيعها على غزو الأسواق العالمية.

وتعني السياسات الصناعية الحمائية التدخل الحكومي الذي يُقدَّم لصالح قطاع أو صناعة معينة، بما في ذلك التعريفات الجمركية والقيود التجارية والإعانات، التي من شأنها أن تساعد في حماية الصناعة المحلية من المنافسة على الواردات، وكذلك يمكن للحكومات تقديم إعفاءات ضريبية أو تمويل مباشر لتشجيع الاستثمار في صناعة بعينها، أو توظيف المشتريات الحكومية لتعزيز الطلب في القطاع المستهدف. وعلى الرغم من أنه يمكن استخدام السياسة الحمائية في أي قطاع، فإن تلك السياسات تركزت تاريخياً، في الغالب، على الصناعات الثقيلة والتكنولوجيا والطاقة والزراعة، وأي قطاع آخر يمكن أن يكون له تطبيقات عسكرية.

دوافع رئيسية

ثمَّة دوافع كانت بمنزلة المحرك والمحفز لدى كثير من الدول من أجل تفعيل وتعزيز السياسات الحمائية في مجال الصناعات التكنولوجية في مقابل "التعددية" التي ترمي إلى تحرير التجارة وتعزيز الاعتماد المتبادل، ويمكن استعراض أبرز هذه الدوافع على النحو التالي:

1نمو الدور الصيني في شبكة التجارة العالمية: خلال السنوات الأخيرة، تمكنت الصين من احتلال أهمية متزايدة في شبكات التجارة العالمية، حتى في ظل الحرب التجارية مع الولايات المتحدة؛ وذلك في إطار التكنولوجيا الفائقة والقدرات التصنيعية التي تتمتع بها الصين، في مقابل السعر الرخيص، مقارنةً بالصناعات التكنولوجية المماثلة التي يقدمها الغرب؛ ما شكَّل هاجساً بالنسبة إلى الغرب، بل أيضاً بالنسبة إلى الدول الرائدة في الصناعات التكنولوجية كاليابان وهولندا، من غزو الصين الأسواق العالمية، وتراجع المكاسب التي جنتها صناعاتها المحلية على مدار سنوات طويلة.

2اضطرابات سلاسل التوريد نتيجة الأزمات الاقتصادية المتعددة: أدى الضغط الكبير على سلاسل التوريد خلال جائحة كوفيد–19، والسياسة التجارية الحازمة التي تنتهجها الصين في مجال الصناعات التكنولوجية، والحرب الأوكرانية، إلى نمو الحاجة إلى إعادة تقييم السياسات التجارية لدى عدد من الدول، وعلى رأسها الولايات المتحدة. وعليه بدأت كل منها موجة جديدة من تدابير الحماية لتعزيز الصناعات المحلية، على خلفية المخاطر التي تعرضت لها سلاسل التوريد العالمية خلال السنوات الأخيرة.

3اختلال التوازن في العلاقات التجارية مع الصين: مثَّل اختلال التوازن في العلاقات التجارية مع الصين دافعاً آخَر للحمائية؛ ففي عام 2001، كان الغرب قد منح الصين الفرصة لتمكينها من الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية، اعتقاداً منه أن اندماج الصين في التجارية العالمية سيترتَّب عليه المزيد من تعزيز مبادئ الديمقراطية. ومنذ ذلك الحين، انتقلت الصين من دولة نامية إلى دولة ذات دخل أعلى من المتوسط، بفعل نجاحها في إغراق الأسواق العالمية بمنتجاتها التكنولوجية ذات الجودة المعقولة والسعر الرخيص، وهو ما أرجعه الغرب إلى تبني الصين سياسات صناعية وتجارية "عدوانية"؛ حيث تتوسَّع في دعم الشركات التكنولوجية بها؛ لتُمكِّنها من الصمود والتنافس في السوق العالمية مقابل السلع الغربية.

4تعزيز الإنتاج في القطاعات الاستراتيجية: وضعت الحكومة الفيدرالية الأمريكية هدفَ إعادة الإنتاج إلى الولايات المتحدة – وخاصةً في القطاعات الاستراتيجية ذات القيمة المضافة العالية – على رأس أجندتها خلال السنوات القليلة الماضية؛ وذلك في ضوء تنامي التحديات السالفة الذكر؛ حيث رأت إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب وإدارة خلفه جو بايدن أن تعزيز الإنتاج في القطاعات الاستراتيجية، وخاصة الصناعات التكنولوجية، فرصة نحو تقويض السياسات الصينية "المفترسة"، ومن ثم خلق ميزة نسبية للولايات المتحدة في الصناعات التكنولوجية عالمياً.

5تقليل احتمالات التعرض للصدمات: ولَّد قانون الرقائق الأمريكي الكثير من الاهتمام بإنتاج أشباه الموصلات محلياً؛ إذ من شأن ذلك أن يزيد من قدرة الولايات المتحدة على التكيف مع الأزمات، ويقلل من تعرضها للصدمات. وبموجب ذلك القانون، فإن صانعي الرقائق الذين يحصلون على أموال أمريكية، لا يمكنهم توسيع طاقتهم في الصين على مدار العقد المقبل. هذا وقد مُنعت الشركات الأمريكية من تصدير التكنولوجيا أو الآلات المستخدمة لإنشاء الرقائق المتقدمة إلى الصين.

6توليد فرص العمل في مجال التصنيع: من بين الدوافع نحو تعزيز الحمائية، توليد فرص عمل في مجال التصنيع، سواء من خلال الإعانات المباشرة أو بشكل غير مباشر من خلال حماية الواردات. ومع تركيز الدول بوجه خاص على البنية الأساسية التكنولوجية، وتعزيز الاستثمارات في مجال أشباه الموصلات، والسيارات الكهربائية؛ فإن ذلك من المؤكد أن يخلق فرص عمل كبيرة.

7تقليل حدة الاضطرابات الاجتماعية: ينظر مؤيدو ودعاة الحمائية إلى تعزيز الإنتاج المحلي على أنه فرصة لتقليل الاضطرابات الاجتماعية في الداخل؛ حيث من شأن ذلك أن يعزز الاهتمام بالعمال، ويُنمِّي دخلهم، كما يفتح مجالاً لتوظيف أعداد أكبر من العمال، استجابةً للإنتاج المحلي المرتفع، وهو ما ينعكس في النهاية على الرضا العام للمواطنين.

اتجاهات رئيسية

في ضوء الدوافع السابقة، انتهجت عدد من الدول خلال السنوات القليلة الماضية سياسات حمائية في مجال الصناعات التكنولوجية، وهي السياسات التي تكشف عن الاتجاهات الرئيسية المتمثلة فيما يلي:

1قيود أمريكية على تصدير الرقائق الإلكترونية إلى الصين: على خلفية السياسة التي أطلقتها إدارة ترامب "أمريكا أولاً" لإعادة تصنيع الولايات المتحدة وضمان القيادة الأمريكية للقطاعات الاستراتيجية، والتي تضمنت تحولات حمائية كبرى، مثل انسحاب الولايات المتحدة من الشراكة عبر المحيط الهادئ، وإعادة التفاوض على اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية، وبداية الحرب التجارية مع الصين؛ فإنه استكمالاً لهذا النهج، أطلق الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن في أكتوبر 2022، حرب الرقائق الإلكترونية مع فرض قيود على التصدير، وهي الحرب التي تمنع الصين من شراء الرقائق المتقدمة من الولايات المتحدة.

وإن كانت سياسة بايدن التجارية قد اعتُبرت أكثر تطوراً وأقل إثارةً للجدل من سياسات ترامب، فإنه قد اتخذ مبادرات حمائية عديدة في هذا الصدد، مثل قانون الرقائق والعلوم، وقانون الحد من التضخم، وخطط الدعم السخية للشركات التي تُصنِّع في الولايات المتحدة، أو تُنشئ البنية التحتية الخاصة بها باستخدام المواد الأمريكية.

وذلك في خطوات مثَّلت حوافز أمام الشركات المتعددة الجنسيات لنقل جزء من إنتاجها إلى الولايات المتحدة؛ من أجل الاستفادة من إعانات الدعم هذه.

2تقييد هولندا واليابان تصدير تكنولوجيا أشباه الموصلات إلى الصين: في مطلع عام 2023، أطلق وزيرا التجارة الهولندي والياباني قيوداً جديدة على تصدير تكنولوجيا تصنيع أشباه الموصلات إلى الصين؛ ما اعتُبر في وقتها انتصاراً جديداً للولايات المتحدة في حربها التجارية ضد الصين؛ نظراً إلى كون شركة "إيه إس إم إل" ASML الهولندية، وشركة طوكيو إلكترون اليابانية Tokyo Electron ثاني وثالث أكبر منتجي العالم للآلات اللازمة لتصنيع الرقائق. ومن ثم فإن القيود التجارية التي تمنع الصين من الوصول إلى تلك التقنيات، تقضي بمزيد من تقليص قدرة الصين على تصنيع الرقائق المتقدمة في المستقبل المنظور.

3تعزيز تايوان حماية التكنولوجيا الرئيسية: كما هو معلوم، فإن تايوان تُصنِّع غالبية رقائق أشباه الموصلات الأكثر تقدماً في العالم، التي تُستخدم في كثير من الصناعات بما في ذلك الهواتف الذكية والسيارات الكهربائية، لكن بالرغم من ذلك، فإنه لطالما شعرت الحكومة التايوانية بالقلق بشأن الجهود الصينية لتقليد نجاحها أو مباراتها في هذا المجال، سواء من خلال التجسس الصناعي أو اجتذاب مهندسيها الأكفاء.

وعليه، اتبعت تايوان قواعد صارمة بشأن صادرات الرقائق والاستثمارات في الصين، التي تسارع لتطوير صناعة أشباه الموصلات المتقدمة الخاصة بها في مواجهة ضوابط التصدير الأمريكية المتزايدة لإحباط هذا التقدم؛ حيث منعت حكومة تايوان شركات أشباه الموصلات التايوانية من بناء مصانعها الأكثر تقدماً في الصين؛ لضمان عدم قيامها بنقل أفضل ما لديها من تكنولوجيا في الخارج. وفي تحرك أخير للسياسات الحمائية، أعلنت تايوان في ديسمبر 2023 عن قائمة التكنولوجيات الـ22 التي تحتاج إلى حماية أكبر، وقد لخَّصتها في خمسة قطاعات رئيسية: التكنولوجيات في مجال الدفاع، والفضاء، والزراعة، وأشباه الموصلات، وأمن المعلومات، وهي القطاعات التي إذا ما تم تسريب أي معلومات عنها، فإن ذلك يعد بمنزلة إضرار جسيم للأمن القومي التايواني.

4توسيع الصين سياساتها الحمائية في الصناعات التكنولوجية: ليس خفياً عن الأنظار التوجه الحمائي في السياسات الصناعية الصينية، وبالأخص في مجال التكنولوجيا؛ حيث تركز الحكومة الصينية على التوسع في تقديم الدعم إلى شركات الصناعات التكنولوجية لتعزيز تنافسيتها العالمية؛ فبحسب شركة الاستشارات "أليكس بارتنرز"، فإنه خلال الفترة بين 2016 و2022، بلغ إجمالي الدعم الحكومي الصيني للشركات المنتجة للسيارات الكهربائية والهجينة، نحو 57 مليار دولار. وفي يونيو 2023، كانت الصين قد أعلنت عن إعفاءات ضريبية لمركبات الطاقة الجديدة، من المتوقع أن تصل إلى أكثر من 72 مليار دولار خلال الفترة من 2024 إلى 2027.

وبالنسبة إلى الرقائق الإلكترونية، فقد قُدِّر الدعم الصيني لها بقيمة لا تقل عن 150 مليار دولار في عام 2022. وفي 19 سبتمبر 2023، قامت وزارة المالية الصينية برفع مستوى الائتمان الضريبي في الدولة للاستثمارات في مجال البحث والتطوير في مجال أشباه الموصلات بنسبة 20%؛ من أجل تعزيز قدرتها التنافسية في هذا المجال.

5موقف حذِر من الاتحاد الأوروبي تجاه السياسات الحمائية: اتخذ الاتحاد الأوروبي بعض الخطوات لدعم صناعاته المحلية؛ حيث خفف بعض شروط الدعم؛ لتمكين الحكومات الأوروبية من التنافس مع حوافز التكنولوجيا النظيفة الأمريكية، فضلاً عن قانون الرقائق الأوروبي، الذي وافق عليه المجلس الأوروبي في يوليو 2023، بهدف تعزيز النظام البيئي لأشباه الموصلات في الاتحاد الأوروبي، وضمان مرونة سلاسل التوريد، والتقليل من الاعتماد على الخارج، ومضاعفة حصة دول الاتحاد في السوق العالمية في أشباه الموصلات إلى 20%.

غير أن مسؤولي الاتحاد الأوروبي لا يزالون متمسكين إلى حد كبير بمُثل التجارة الحرة التقليدية، ويترددون في تبني النهج الأمريكي الذي يعتبرونه أشبه بـ"التكتيكات" الصينية. وعلى خلفية ذلك، يحذر المسؤولون الأوروبيون واشنطن من التداعيات السلبية للتوسع في السياسات الحمائية في إطار الحرب التجارية مع الصين.

تحديات محتملة

ثمَّة تحديات وعواقب سلبية محتملة للسياسات الحمائية، على المديين المتوسط وبعيد المدى، يروجها دُعاة "التعددية"، يمكن استعراضها على النحو التالي:

1إبطاء النمو الاقتصادي على المدى الطويل: يرى أصحاب الاتجاه المناهض للحمائية، أن تدابير الحماية المتضمنة في بعض هذه السياسات، مثل قانون الرقائق في الولايات المتحدة، وقانون الرقائق في الاتحاد الأوروبي، والسياسات المماثلة في الصين وتايوان، قد تؤدي إلى إبطاء النمو الاقتصادي العالمي على المدى الطويل؛ حيث تشجع تلك السياسات على نقل الإنتاج داخل حدودها الوطنية، لا إلى المكان الأكثر كفاءةً.

2إعاقة الحمائية فرص الإبداع والمنافسة العادلة: من وجهة نظر الاتجاه المضاد، فإن الحمائية تقيد فرص الإبداع والابتكار؛ حيث تعوق الحمائية التجارية إمكانية نقل التكنولوجيا؛ إذ تقيد الحمائية بدورها التدفق الحر للسلع والخدمات والأفكار عبر الحدود، ما يترتب على ذلك من تضاؤل الفرص أمام الشركات في مجال التكنولوجيا للتعلم من نظيراتها، ومن ثم إبطاء انتشار التكنولوجيات الجديدة.

وبناءً على ذلك، فإن تنحية التدخل السياسي والحمائية واحتكار السوق – على حد تصور دُعاة التعددية – يسمح بالإبداع والمنافسة العادلة، كما يتيح فرص التعاون المتبادل واكتساب الخبرات ومشاركتها، بما يسهم في تعزيز التطور التكنولوجي الذي يصب في النهاية في صالح جميع مصنعي التكنولوجيا.

3زيادة تكلفة استيراد التكنولوجيا الأجنبية بالنسبة إلى الشركات: يمكن للتعريفات الجمركية المتزايدة أن تجعل من عملية استيراد التكنولوجيا الأجنبية أكثر تكلفة وصعوبة بالنسبة إلى الشركات؛ ما قد يدفع عدداً كبيراً من الشركات نحو التراجع عن الاستثمار في التكنولوجيا الجديدة، خاصةً إذا كانت تعمل في سوق تنافسية؛ حيث من شأن التكلفة المرتفعة أن تضعف قدرة الشركات على تحمل كُلفة تبني تقنيات جديدة.

4ردود انتقامية محتملة على الحمائية: من الممكن أن تؤدي تدابير الحماية التجارية إلى ردود انتقامية من قِبَل بلدان أخرى، وهو ما من شأنه أن يزيد من عرقلة نقل التكنولوجيا، إذا ما استمرت الحرب التجارية واتسع مداها ونطاقها بين عدد أكبر من الدول، ومن ثم فرض مزيد من الدول حواجز تجارية أوسع؛ ما قد يقابلها ردود انتقامية أكبر من قبل الدول المستهدفة بتلك الحواجز، لينتهي الأمر بدورة من القيود التجارية المتصاعدة من شأنها تعطيل التجارة الدولية ونقل التكنولوجيا.

5احتمالات تشوُّه السوق من جراء الحمائية: يمكن للإعانات الحكومية الكثيفة التي تقدمها الحكومات لدعم صناعاتها المحلية، أن ينتج عنها تشوُّهات في السوق، عبر جعل التكنولوجيا المنتجة محلياً رخيصة الثمن بشكل مصطنع؛ ما قد يترتب عليه بمرور الوقت انخفاض الجودة الشاملة والقدرة التنافسية للصناعات المحلية. ولعل الاستثمار الكبير في أشباه الموصلات والسياسات الحمائية الواسعة الرامية إلى تعزيز الإنتاج المحلي، يمكن أن يساهم هو كذلك في المزيد من خفض أسعار السلع التكنولوجيا، نتيجة حدوث وفرة في المعروض مقابل الطلب.

6تقليص جهود العولمة والتجارة الحرة: يرى دُعاة التعددية أن الحمائية تدفع نحو تقليص جهود العولمة والتجارة الحرة التي تسارعت وتيرتها خلال العقدين الماضيين. ويذهب كثير من الاقتصاديين في هذا الصدد إلى إدانة التدابير الحمائية؛ حيث بات لزاماً على الشركات أن تتعامل مع مجموعة واسعة من "العقبات الحمائية"، بما في ذلك التعريفات الجمركية ومتطلبات التوطين وتراخيص الاستيراد والتصدير والحصص والحواجز الإدارية وإعانات الدعم المحلية. وبحسب جون كوكرين الخبير الاقتصادي في جامعة ستانفورد، فإن العالم الأفضل هو عالم التجارة الحرة، واصفاً ما تُسفر عنه الحمائية بـ"الفوضوية".

إجمالاً، ثمة اتجاه صاعد مقابل الحمائية يُقدَّم كبديل لها، ويحمل لواءه الاتحادُ الأوروبي، يتمثل في "التعددية" التي تُعرَّف بأنها سياسات تعاونية منسقة ومتفق عليها، وإن لم يتحقق ذلك على المستوى العالمي، فعلى أقل تقدير بين كتل كبيرة من الدول ذات التفكير المماثل. ويقترح أنصار التعددية في هذا الصدد، تبني سياسات تجارية وصناعية جماعية من شأنها حل المشكلات العالمية، كالتخفيف من آثار تغير المناخ، ومرونة سلسلة التوريد التي يمكن معالجتها بتكلفة أقل بكثير من خلال التعاون الدولي والتطوير المشترك للمعايير الفنية، كأنْ تتعاون الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لضمان حصول أحدهما على الأقل على القدرة الإنتاجية المطلوبة لضمان أمن سلسلة التوريد في كلٍّ من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي؛ ما قد يترتب عليه – وفق تصور دعاة التعددية – تحقُّق المنافسة العادلة، وأمن العرض من الصناعات التكنولوجية والتخصص الصناعي في القطاعات التي يتمتعان فيها بالميزة التنافسية.

وفي ضوء ذلك، يستمر الجدل الغربي حول أي السياسات التجارية أفضل؛ الحمائية أم التعددية. وإن كانت السياسة التعددية تدعو إلى تعزيز التعاون في مجال الصناعات التكنولوجية، بدلاً من انزواء كل دولة على صناعتها المحلية، فإنهما يتفقان في المبدأ ذاته، وهو تقييد الصناعة الصينية وإعاقة وصولها إلى السوق العالمية، ليظل التحدي الرئيسي في هذا المضمار أمام كلَيْهما، هو التداعيات السلبية من وراء استبعاد الصين في مجال الصناعات التكنولوجية على وتيرة التقدُّم التكنولوجي والنمو الاقتصادي العالمي بوجه عام.