توجه المستشار الألماني أولاف شولتز، إلى الصين في زيارة رسمية خلال الفترة من 14 إلى 16 أبريل الجاري، وهي الرحلة الثانية لشولتز إلى الصين منذ أن أصبح مستشاراً لألمانيا الاتحادية في أواخر عام 2021، ولكنها الأولى منذ إصدار الحكومة الألمانية العام الماضي استراتيجيتها تجاه الصين، التي قوبلت بانتقادات شديدة من بكين. ويرى العديد من المسؤولين الألمان والمحللين أن هذه الزيارة تأتي في إطار تعزيز العلاقات الألمانية مع أكبر شريك تجاري لها، وكذلك معالجة الخلافات المتزايدة حول العديد من القضايا؛ من بينها الممارسات التجارية الصينية ودعمها لروسيا، فضلاً عن تحفيز بكين على لعب دور إيجابي في تهدئة التوترات المتزايدة في منطقة الشرق الأوسط، خاصة في ضوء التقارب الصيني–الإيراني.
تعقد العلاقات
ثمة أبعاد متعددة تتقاطع مع زيارة المستشار الألماني إلى الصين، وعلى رأسها تعقد مجالات العلاقات الصينية–الغربية، واستمرار الدعم الصيني اللامحدود لروسيا في حربها ضد أوكرانيا، فضلاً عن رغبة الشركات الألمانية في توسيع أنشطتها داخل السوق الصينية. ويمكن تناول أبرز هذه الأبعاد على النحو التالي:
1– رغبة برلين في موازنة علاقاتها بكل من واشنطن وبكين: بالرغم من ضغوط حلفائه الغربيين للانفصال الاقتصادي عن بكين، أكد شولتز – قبل سفره – التزام بلاده بمواصلة وتنشيط الأعمال التجارية مع ثاني أكبر اقتصاد في العالم، رافضاً في هذا الصدد الدعوات التي تقودها الولايات المتحدة ضد الصين. يأتي توجه المستشار الألماني في ظل ما يعانيه من معدلات تأييد منخفضة بشكل قياسي؛ حيث يسعى إلى استغلال هذه الجولة كفرصة؛ ليس فقط لإثبات مكانة بلاده العالمية بين الصين والغرب، بل كي يظهر أيضاً للناخبين أنه سيفعل كل ما يلزم للحفاظ على شراكات ألمانيا الخارجية؛ وذلك من خلال عدم الإذعان للضغوط الأمريكية للابتعاد عن الصين، بحجة اعتماد برلين على واشنطن في المجال الأمني؛ إذ يمكن القول إن شولتز قد نجح – حتى الآن – مثل أنجيلا ميركل، في التوفيق بين العلاقتين.
والدليل على ذلك، أنه عندما ضغطت الولايات المتحدة على ألمانيا لحملها على منع شركة هواوي المملوكة للصين من توريد المعدات لشبكات الهاتف المحمول الحديثة في ألمانيا، على سبيل المثال، قاومت برلين هذه الضغوطات؛ حيث لا تزال الشركة نشطة بقوة في السوق الألمانية كما كانت دائماً. إضافة إلى ذلك، فإنه في يوم 8 أبريل 2024، نشر شولتز أول فيديو له على منصة "TikTok" التابعة للصين؛ وذلك في الوقت الذي تدرس فيه الولايات المتحدة إمكانية حظرها داخل البلاد، باعتبارها أداة دعائية في خدمة الصين. وقد أكد هذا النهج السيد ماكسيميليان بوتيك رئيس غرفة التجارة الألمانية في شرق الصين، عندما صرح بأن "الأوروبيين يحتاجون بشكل عاجل إلى توضيح كيف يمكنهم وضع أنفسهم كقطب بين الولايات المتحدة والصين، وعدم سحقهم بين صراعاتهم".
2– استمرار الدعم الصيني اللامحدود لروسيا: بينما تصرح الحكومة الصينية بأنها لن ترسل مساعدات عسكرية إلى موسكو، فإنه لا يخفى على أحد أنها تقدم شريان حياة اقتصادياً ساعد الأخيرة على مواجهة العقوبات التي يفرضها الغرب. ومن ناحية أخرى، خلص تقرير للمخابرات الأمريكية صدر هذا الشهر، إلى أن بكين قد زادت من مبيعات المعدات العسكرية لموسكو لتعزيز جهودها الحربية ضد أوكرانيا بشكل غير مباشر؛ إذ تشهد مبيعات الآلات الصينية والإلكترونيات الدقيقة وغيرها من التقنيات المستخدمة في صناعة الأسلحة ارتفاعاً كبيراً في روسيا، وفقاً للتقييم أمريكي، كما أوضح كبار المسؤولين في إدارة بايدن أن الكيانات الصينية والروسية تعمل أيضاً على إنتاج طائرات بدون طيار بشكل مشترك داخل روسيا.
وبناءً على ذلك، تعتبر الحرب الأوكرانية أحد الأسباب الرئيسية وراء رغبة فرنسا وألمانيا وهولندا في الحفاظ على علاقات جيدة مع الصين؛ نظراً إلى أمل تلك الدول في تمكين بكين من ممارسة الضغط على روسيا لوقف الحرب في أوكرانيا، خاصة مع احتمال وصول ترامب إلى الرئاسة بعد الانتخابات الأمريكية في نوفمبر المقبل، وما قد يتزامن معه من تراجع في الدعم الأمريكي لحلف شمال الأطلسي وأوكرانيا. ومن ثم فإن التكاليف التي تتحملها الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي للحفاظ على الدعم المالي والعسكري لكييف سوف تزيد بشكل كبير.
3– انعكاسات إصدار الاستراتيجية الألمانية تجاه الصين: في يوليو 2023، نشرت ألمانيا أول استراتيجية لها في التعامل مع الصين، عرفت فيها الصين بأنها "شريك ومنافس منهجي" في الوقت ذاته، ودعت إلى تقليل الاعتماد على السلع الصينية بشكل كبير مع الحفاظ على العلاقات الاقتصادية التي تبلغ قيمتها مئات المليارات من الدولارات، كما ترفض الاستراتيجية فكرة الانفصال عن الصين، لكنها تشدد على حاجة ألمانيا إلى "التخلص من الأخطار"؛ أي تنويع سلاسل التوريد وأسواق التصدير بعيداً عن البلاد، فيقل تعرضها للصدمات الخارجية.
بيد أن هذه الاستراتيجية ربما لم تكن لتُنشر لو كان الأمر متروكاً لشولتز وحده؛ حيث كانت القوة الدافعة وراء النهج الانتقادي الجديد لبكين هي أحد شركاء شولتز في الائتلاف (حزب الخضر)، في حين أن شولتز نفسه لا يزال حذراً ومتردداً في الضغط على الصين بقوة. ويرجع ذلك جزئياً إلى المخاوف من أن بكين قد تنتقم من مجموعة من الشركات الألمانية الكبرى التي ربطت مستقبلها بالسوق الصينية. ومن ثم فإن اللافت للنظر أن زيارة شولتز قد تعطي الانطباع بأن الصين – في نظره – تظل شريكاً قبل كل شيء أكثر بكثير من كونها خصماً.
وفي السياق ذاته، نوهت الوثيقة بشعور الحكومة والشركات الألمانية بالقلق من أي صراع مستقبلي محتمل بشأن تايوان؛ إذ سبق أن صرح شولتز – دون أن يذكر الصين صراحة – بأنه "لا ينبغي للدول الصغيرة أن تعيش في خوف من الدول الكبيرة، ولا ينبغي تغيير الحدود بالقوة".
4– قوة العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين: يرافق المستشار الألماني عدد من كبار ممثلي الشركات الألمانية الشهيرة، بما في ذلك سيمنز، وباير، ومرسيدس بنز، وبي إم دبليو، وزايس، في دلالة واضحة على رغبة هذه الشركات في توسيع نطاق عملها داخل السوق الصينية، التي يعمل فيها أكثر من 5000 شركة ألمانية. أي إنه حتى وسط التوترات الجيوسياسية المتصاعدة، تواصل الشركات الألمانية التعبير عن ثقتها بالسوق الصينية وإمكاناتها الاقتصادية، كما يتضح ذلك من زيادة الاستثمارات المباشرة بنسبة 4.3% على أساس سنوي في عام 2023، التي وصلت إلى مستوى قياسي قدره 11.9 مليار يورو، والتي شكلت 10.3% من إجمالي استثماراتها الأجنبية في 2023، وهي الأعلى منذ 2014. والجدير ذكره، أن الألمان استثمروا في الصين بين عامي 2021 و2023 أكثر مما استثمروه في فترة السنوات الخمس بين عامي 2015 و2020، وفقاً لمعهد آي دبليو كولن الاقتصادي.
ومن الملاحظ أيضاً أن الصين ظلت الشريك التجاري الأول لألمانيا للعام الثامن على التوالي في عام 2023؛ حيث تم تبادل نحو 273.5 مليار دولار من السلع والخدمات بين الجانبين، وهو ما يزيد قليلاً عما تاجرت به ألمانيا مع الولايات المتحدة، الذي وصل إلى 270 مليار دولار.
5– تزايد مخاطر اعتماد الشركات الألمانية على السوق الصينية: تشتكي عدد من الشركات الألمانية من "المنافسة غير العادلة" في الصين، وهو ما يتشابك مع شعور الاتحاد الأوروبي بالإحباط على نحو متزايد إزاء إعانات الدعم السخية التي تقدمها الصين لصناعاتها المحلية الرئيسية؛ من صانعي توربينات الرياح إلى شركات السيارات، كما يضغط تدفق واردات السيارات الكهربائية الصينية الرخيصة إلى أوروبا على الشركات المصنعة المحلية، إلى درجة أن بروكسل تدرس فرض المزيد من الرسوم الجمركية عليها قبل الصيف المقبل.
وعلى الرغم من تعرض صناعة السيارات الألمانية لضغوط الواردات الصينية الرخيصة، فإن شركات مثل مرسيدس وبي إم دبليو وسيمنز وفولكس فاجن، ترفض دعم آليات معاقبة الصين خوفاً من الإضرار بمصالحها التجارية هناك؛ حيث من المرجح أن تتخذ بكين ردوداً انتقامية ضدهم، خاصة أن الصين تمثل نحو 50% من مبيعات السيارات العالمية لشركة فولكس فاجن وحدها. من جانبها، حذرت شركة سيمنز من أن اعتماد الشركات الألمانية على الصين سيستمر لعقود من الزمن؛ ما يسلط الضوء على المأزق الذي يواجه الشركات الغربية واعتمادها على البلاد كسوق وكذلك كمورد.
والأمر الأكثر إثارة للقلق بالنسبة إلى ألمانيا هو أن الصين لم تعد بحاجة إلى الآلات وغيرها من السلع الرأسمالية العالية الهندسة التي دفعت نمو الصادرات الألمانية إلى البلاد في العقود الأخيرة. ولا يرجع ذلك إلى ضعف الطلب فقط، بل إلى أن الشركات الصينية قد لحقت إلى حد كبير بمنافسيها الألمان؛ ما جعل البلاد أقل اعتماداً على الواردات. ووفقاً لتقديرات معهد كيل، فمن شأن الانفصال الكبير عن الصين أن يؤدي إلى انكماش الاقتصاد الألماني بنحو 5%، على قدم المساواة مع الانكماش الذي شهدته ألمانيا في أعقاب الأزمة المالية عام 2008 أو جائحة كورونا، بيد أنه على الرغم من إصرارها على عدم الانفصال عن الصين، فإن حكومة شولتز أصبحت أكثر حذراً من ربط اقتصاد بلادها بنظيره الصيني، بعد أن كشف غزو أوكرانيا عن اعتماد أوروبا على الغاز الروسي.
6– ضغوط ألمانية على ملف حقوق الإنسان في الصين: في رسالة إلى المستشار الألماني قبل زيارته إلى الصين بيومين، حثت منظمة هيومن رايتس ووتش، شولتز على أن يوضح لشي أن العلاقات الصينية الألمانية ستتضرر إذا لم تعالج بكين الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في الصين؛ وذلك من خلال إنهاء جرائم استهداف الأويجور في إقليم شينجيانج، وإطلاق سراح مئات الآلاف من الأويجور المحتجزين أو المسجونين تعسفياً، فضلاً عن إنهاء قمع النشطاء السلميين في جميع أنحاء الصين.
ولذلك دعت المنظمة شولتز إلى استغلال الزيارة لوضع هذه الاستراتيجية موضع التنفيذ، من خلال توجيه رسائل حازمة لا لبس فيها إلى الرئيس الصيني شي جين بينج والقيادة الصينية مفادها أن ألمانيا ستمضي قدماً في اتخاذ خطوات نحو إجراء تحقيق يدعمه مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في هذه الانتهاكات، وتمكين المسؤولين القضائيين الألمان من فتح تحقيقات أولية في الجرائم ضد الإنسانية المرتكبة في الصين.
نتائج الزيارة
كشفت زيارة المستشار الألماني إلى بكين عن مجموعة من القضايا ذات الاهتمام المشترك، التي يسعى الجانبان إلى معالجتها، ولا سيما بناء مزيد من أطر التعاون والشراكة بينهما، خاصة فيما يتعلق بتحول أوروبا نحو الحمائية التجارية، وعدم وجود خطوات جادة للضغط من أجل إنهاء الحرب في أوكرانيا والشرق الأوسط. ويمكن تناول أبرز نتائج هذه الزيارة كما يلي:
1– تأكيد أهمية العلاقات الصينية–الألمانية: خلال لقاء زعيمي البلدين، أشار الرئيس شي إلى أن هذا العام يصادف الذكرى العاشرة لتأسيس الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الصين وألمانيا. وعلى الرغم من التغيرات الهائلة في المشهد الدولي خلال هذه الفترة، أشاد شي باستمرار قوة العلاقات الصينية الألمانية، وحفاظها على نمو مطرد في جميع المجالات؛ ما يوفر قوة دافعة لتنمية البلدين. وبما أن الصين وألمانيا هما ثاني وثالث أكبر اقتصاد في العالم على التوالي، فقد أكد الزعيمان أن تعزيز وتطوير العلاقات بينهما يحمل أهمية تتجاوز النطاق الثنائي؛ إذ يحتاج البلدان إلى النظر إلى علاقاتهما الثنائية وتطويرها من منظور استراتيجي طويل الأجل، ولا سيما العمل على ضخ قدر أكبر من الاستقرار واليقين في العالم.
هذا وقد شدد الرئيس شي على أن الصين وألمانيا لا توجد بينهما أي مصالح أساسية متضاربة، ولا يشكل كل منهما تهديداً أمنياً للآخر، كما أن التعاون بينهما لا يعود بالنفع على الجانبين فحسب، بل على العالم بأسره أيضاً، ومن ثم يحتاج الجانبان إلى مواصلة الانخراط في التبادلات الوثيقة بعقل منفتح وتعزيز الثقة الاستراتيجية المتبادلة. من جانبه، أشار المستشار شولتز إلى أن العلاقات الألمانية–الصينية الآن في حالة جيدة، كما يجري البلدان تبادلات وثيقة على كافة المستويات وفي كافة المجالات.
2– دعوات شولتز إلى سوق أوروبية عادلة ومفتوحة أمام المنتجات الصينية: دافع المستشار الألماني أولاف شولتز عن ضرورة الحفاظ على وجود سوق أوروبية مفتوحة وعادلة للسيارات الصينية، محذراً من عمليات الإغراق التي تنتهجها الشركات الصينية في هذا الصدد. جاء ذلك أثناء حديثه إلى مجموعة من طلاب جامعة تونججي في شنجهاي؛ حيث دعا أيضاً الاتحاد الأوروبي إلى عدم التصرف انطلاقاً من المصلحة الذاتية الحمائية، التي تقيد فيها الحكومات التجارة الدولية لمساعدة شركاتها المحلية، كما حث رؤساء الصناعة الصينية على عدم الإفراط في إنتاج السلع الرخيصة أو انتهاك قواعد حقوق النشر. وعندما سُئل عن دعوات رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين للكتلة لحماية نفسها من الطاقة الفائضة الصينية، أعرب شولتز عن تحفظاته إزاء ما صدر عنها.
3– محاولة كسب الضغط الصيني على موسكو لإنهاء الحرب: أثناء اجتماعه مع الرئيس الصيني، أشار المستشار الألماني شولتز إلى أن الحرب الروسية–الأوكرانية تؤثر بشكل مباشر على مصالحهما الأساسية، مشيراً إلى ما تسببه الحرب من دمار غير مباشر للنظام الدولي بأكمله، بيد أنه على الرغم من الضغط الألماني على هذه القضية مع شي، تأمل برلين أن تتمكن بكين من استخدام نفوذها على موسكو للمساعدة في العمل نحو التوصل إلى اتفاق سلام مع كييف، فضلاً عن رغبتها في توقف الصين عن بيع التكنولوجيا العسكرية إلى روسيا.
ولكن من المخيب لآمال ألمانيا، أن شولتز فشل في إقناع شي بالمشاركة في المؤتمر الدولي للسلام من أجل لأوكرانيا، الذي من المقرر عقده في يونيو القادم؛ حيث لم يبد الجانب الصيني أي علامة على أي تغيير في موقفه الذي يتلخص في إلقاء اللوم على أوروبا والولايات المتحدة لإطالة أمد القتال، من خلال تزويد أوكرانيا بالأسلحة. يضاف إلى ذلك، أن الزعيم الصيني اكتفى بدعوة جميع الأطراف إلى العمل معاً لاستعادة السلام في أقرب وقت ممكن، ومنع الصراع من الخروج عن نطاق السيطرة، فضلاً عن عقد مؤتمر دولي للسلام، تعترف به كل من روسيا وأوكرانيا، في إشارة قوية إلى ضرورة دعوة أوروبا لروسيا إلى طاولة المفاوضات، فضلاً عن مطالبته الدول الغربية بعدم "صب الزيت على النار"، وهو التعبير الملطف الذي تستخدمه الصين حين تدعو إلى ضرورة وقف تزويد الغرب لأوكرانيا بالسلاح.
4– استغلال بكين الزيارة في إدارة العلاقات مع الغرب: تأمل الصين من مغازلة قادة مثل شولتز، إحداث تصدع في العلاقات الأوروبية–الأمريكية؛ حيث صورت تقارير وسائل الإعلام الرسمية الصينية زيارته على أنها دليل على قوة علاقات الصين مع أوروبا، وخاصة ألمانيا. وفي كلمته الافتتاحية أمام السيد شولتز، قال السيد شي: "إن التعاون بين الصين وألمانيا، اللتين تمتلكان ثاني وثالث أكبر اقتصادين، مفيد للعالم"، وهي ملاحظة يمكن قراءتها على أنها موجهة إلى الذين حثوا برلين أن تنأى بنفسها عن بكين.
كما رفض شي شكاوى رئيسة المفوضية الأوروبية بشأن الإفراط في إنتاج الصين للتكنولوجيا الخضراء، مثل السيارات الكهربائية التي يتم دعمها بشكل غير عادل من خلال إعانات الدولة الضخمة، مشيراً إلى أن صادرات بلاده من السيارات الكهربائية وبطاريات الليثيوم والمنتجات الكهروضوئية، لم تؤد فقط إلى إثراء المعروض العالمي وتخفيف الضغوط التضخمية، بل ساهمت أيضاً بشكل كبير في الاستجابة لتغير المناخ والتحول الأخضر المنخفض الكربون. تلك الرسائل قد تحدث خلافات عميقة داخل الكتلة الأوروبية، التي باتت منقسمة حول توجهات التعامل مع العملاق الآسيوي.
5– ضرورة العمل على وقف التصعيد بالشرق الأوسط: أعاد التصعيد العسكري المتبادل بين كل من إيران وإسرائيل تحديد جدول أعمال الزيارة ولهجتها؛ إذ حذر شولتز إيران من شن المزيد من الضربات، كما انضم إلى زعماء غربيين آخرين في دعوة إسرائيل للمساعدة في تهدئة التوترات، كما يستغل زيارته في طلب مساعدة الصين في إقناع إيران بالحد من تصعيد التوترات في المنطقة، مثلما فعلت في كبح هجمات الحوثيين د المدعومين من إيران على السفن الصينية في البحر الأحمر.
وأثناء لقائهما، أوضح شولتز أنه قد اتفق مع الزعيم الصيني على أن حل الدولتين هو السبيل الوحيد لتحقيق الأمن والسلام على المدى الطويل للإسرائيليين والفلسطينيين، فضلاً عن اتفاق الجانبين على أهمية تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2728، بهدف منع التصعيد والمزيد من تدهور الوضع في المنطقة، بجانب ضمان وصول المساعدات الإنسانية بشكل مستدام دون عوائق إلى غزة، ودعم التسوية المبكرة للقضية الفلسطينية من خلال المفاوضات، ودعوة الدول ذات النفوذ إلى القيام بدور بناء في الحفاظ على السلام والاستقرار الإقليميين، بهدف التوصل إلى حل شامل وعادل ودائم للقضية.
6– الاهتمام الألماني بالتكنولوجيا الخضراء الصينية: كانت الوجهة الأولى لشولتز هي المركز الصناعي في مقاطعة تشونجتشينج، الذي يعد قاعدة إنتاج لصناعة السيارات الصينية، وتحديداً الكهربائية، وغيرها من الصناعات الاستراتيجية؛ ما سلط الضوء على أهمية الملف الذي تتصاعد فيه التوترات بين الصين والاتحاد الأوروبي؛ إذ يجري الأخير عدة تحقيقات حول إذا ما كانت صادرات التكنولوجيا الخضراء الصينية، مثل السيارات الكهربائية، تستفيد من الدعم الحكومي الصيني، بما قد يضر الصناعات الأوروبية المحلية فور وصول المنتجات الصينية إلى الأسواق الأوروبية.
واللافت للنظر أن صناعة السيارات الألمانية تخشى أن تؤدي هذه التحقيقات إلى حرب تجارية قد تضر بآفاقها أكبر سوق للسيارات في العالم، وهو ما قد أكده شولتز حين أعرب عن إعجابه بالتعاون بين الشركات الألمانية والصينية في مجال تكنولوجيا الهيدروجين، ولا سيما استعداد بلاده لمواصلة تعميق التبادلات الودية مع الصين، ودفع التعاون الثنائي إلى مستوى جديد، بهدف الاستفادة من مقدراتها في مجالات الاقتصاد الأخضر.
ختاماً.. على الرغم من تراجع مكانتها الاقتصادية، تظل ألمانيا بمنزلة حجر زاوية في السياسة الصينية الخارجية تجاه الغرب؛ وذلك بسبب ثقلها في الاتحاد الأوروبي وعلاقاتها الوثيقة مع الولايات المتحدة، وهو ما قد استغله شولتز أثناء زيارته إلى الصين؛ حيث أوصل رسالة حساسة مفادها أنه "إذا لم تستجب بكين للتحذيرات الأوروبية لإنهاء الممارسات التجارية التمييزية، فلن يكون أمام بروكسل خيار سوى تصعيد آليات الدفاع التجاري"، فضلاً عن محاولته الضغط على بكين من أجل مساعدة الغرب في إنهاء الحروب بكل من أوروبا والشرق الأوسط، بيد أنه ليس من المرجح أن يستجيب شي للضغوطات الألمانية في هذا الصدد، نظراً إلى تعارض وجهات النظر بين الجانبين إزاء تلك القضايا.