بلغ حجم سوق المسيرات 20.21 مليار دولار عام 2023، ومن المتوقع أن يزداد بنمو سنوي مركب بنحو 12.21% حتى 2030، لتصل استثمارات سوق المسيرات قرابة 100 مليون دولار خلال الأعوام الخمس التالية بزيادة قدرها 30% للإنفاق على البحث والتطوير والمشتريات.
لقد حصلت أكثر من 100 دولة على مسيرات عسكرية، بالإضافة إلى ما يُقدر بـ63 تنظيماً أو جهة غير حكومية. وحسب التقديرات، بلغ إنفاق القوى في الشرق الأوسط على المسيرات العسكرية ما لا يقل عن 1.5 مليار دولار على مدى السنوات الخمس الماضية، باستثناء إسرائيل؛ ما جعل سباق التسلح بالمسيرات يصل إلى مرحلة متقدمة، لا سيما أنه بدأ فعلياً في الثمانينيات بين إسرائيل وإيران. وبلغ حجم سوق المسيرات في الشرق الأوسط نحو 2.84 مليار دولار في 2023، ومن المتوقع أن يصل إلى 5.88 مليار دولار أمريكي عام 2033.
لقد أصبحت المسيرات العسكرية من أهم الوسائل الهجومية في صراعات الشرق الأوسط منذ 2020 عندما اعتمدت تركيا على مسيرات بيرقدار لمنع تقدم المركبات المدرعة الروسية حماية "لجيش المعارضة السورية" في مواجهة النظام، ثم توالى الاستخدام للمسيرات في أماكن الصراع المختلفة في ليبيا والسودان واليمن وفي مكافحة الإرهاب في شبه جزيرة سيناء، ومؤخراً الهجوم الذي نفذته إيران ضد إسرائيل في 13 أبريل 2024، وبدأت دول فاعلة عدة في الإقليم تنتج أعداداً ضخمة منها، أو تشترى من قوى إقليمية ودولية.
لم تعد المسيرات حصرية على الحكومات الوطنية؛ فقد باتت جزءاً من الترسانة الجوية لعدد من الفاعلين من غير الدول، ومن بين ذلك استخدام داعش المسيرات في الحروب النفسية، كما حصلت بعض الميليشيات على أنظمة ISR.
تعتبر تكنولوجيا المسيرات حديثة نسبياً، ولكن أضاف لها مهندسو الذكاء الاصطناعي خواصَّ إضافيةً، فأصبحت تستطيع القيام بمهام فرق الاستطلاع العسكرية، والتنقل في الأراضي المجهولة دون الحاجة إلى أنظمة تتبع من خلال تقنيات التعرف على الصور.
ثمة توجه عام يرفض اتخاذ قرار الاستهداف بالقتل بشكل كامل من أنظمة الذكاء الاصطناعي. وهناك محاولات لدول مثل فرنسا والولايات المتحدة، لإرساء عقيدة لاستخدام المسيرات في الأعمال القتالية تجنباً للمساءلة الشعبية، وحتى لا تُنحِّي القواعد الأخلاقية جانباً من أجل مكاسب قصيرة المدى، بينما يرى اتجاه آخر أن استخدام الذكاء الاصطناعي في العمليات القتالية من شأنه أن يوفر فرصة أفضل لتطبيق المعايير الأخلاقية والقيم الإنسانية؛ لأن المسيرات لن تضطر إلى اتخاذ قرارات تحت ضغط، كالذي يتعرض له الطيارون الحربيون أثناء المعارك.
لا يمكن إغفال أن المسيرات قلصت بصورة ملحوظة من الفجوة بين القوات المسلحة التقليدية وغير التقليدية، من حيث القدرات الجوية، كما يمكن للمسيرات أيضاً أن تلعب دوراً إنسانياً دولياً مهماً، ومنه إجراء تقييمات للمعارك والأضرار الجانبية أو الكشف عن جرائم الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان بكاميراتها العالية الدقة. لكن على الجانب الآخر، هناك تداعيات خطيرة على المنطقة من تزايد أعداد واستخدامات مثل هذا النوع من السلاح:
1– ستزيد ديناميكيات الحرب بالوكالة في المنطقة بفعل إضافة المسيرات إلى معادلة المواجهة العسكرية التي تجمع بين الفاعلية الكبيرة والتكلفة المحدودة، وسهولة الحصول عليها، والأخطر عدم وضوح المسؤولية السياسية، بالإضافة إلى سهولة تفكيك هذه المسيرات وتهريبها إلى مناطق الصراع، وكذلك سهولة الاستخدام.
2– تستبيح المسيرات ميادين القتال، حتى المناطق المدنية، في ظل غياب أي صور للرقابة المؤسساتية أو القانونية.
3– إن سهولة الوصول إلى الأهداف الثمينة، فضلاً عن العمق الاستراتيجي لعمليات المسيرات يساهمان في توسيع دائرة الصراعات في المنطقة، التي تعاني من حالة عدم استقرار مزمن.
4– قد تصبح المسيرات أداة مفضلة لدى الدول في التعامل مع حركات التمرد المحلية، وجماعات المعارضة، وحتى الأقليات المقاومة؛ ما يؤدي إلى تراجع فرص الحوار والمفاوضات لصالح عسكرة الأزمات.
5– أحد التحديات الناشئة في مجال الدفاع ضد المسيرات، الحاجة إلى تطوير واستخدام نظام أرخص من الهدف، والأكثر خطورةً هو مواجهة ما يعرف "بأسراب الطائرات المسيرة" القادرة على التنسيق فيما بينها دون أي تدخل بشري. هناك أيضاً المسيرات الأصغر حجماً التي يمكنها الاندفاع نحو الهدف فيكون من الصعب إسقاطها. إن أحد الإجراءات المضادة الرئيسية هو استخدام الحرب الإلكترونية في شكل أجهزة تشويش أو تزييف، وأشعة ليزر عالية الطاقة تمنع المسيرات من الوصول إلى هدفها.
خلاصة القول أن المسيرات هي سلاح الحروب المستقبلية، الذي يحمل تحديات كبيرة على الأمن الإقليمي والعالمي، ومن ثم، لا مناص من اتخاذ الخطوات اللازمة التي من شأنها تحجيم هذا الخطر.